مشاهدة النسخة كاملة : وحدة معمدة بالدم من أجل نفط الجنوب وليس من أجل الوحدة !
حد من الوادي
10-27-2007, 05:14 PM
وحدة معمدة بالدم من أجل نفط الجنوب وليس من أجل الوحدة !
د.محمد علي السقاف:
لوكان جنوب اليمن خاليا من الثروة النفطية والغاز، لا يمتلك موقعا استراتيجيا استثنائيا يميزه عن القوى الاقليمية الثلاث في المنطقة (السعودية/ العراق/ وإيران) بإطلالته على جنوب البحر الأحمر (باب المندب) وخليج عدن والمحيط الهندي، هل كانت بريطانيا تسهم باحتلالها عدن، والسوفيت بإسراعهم لتأمين موقع قدم لهم في ظل تنافس القوى العظمى فيما بينهم إبان الحرب الباردة؟ وكذا الحال أيضا بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي في الوقت الحاضر.
لا شك أن الثروة النفطية والموقع الجيوبوليتك شكلا الدافع الرئيسي للنخبة الحاكمة في اليمن الشمالي في التفكير جديا في موضوع الوحدة اليمنية، الذي كان حكرا التفكير بها على نخبة أبناء الجنوب ولدى قطاع واسع من أبناء الشعبين في الشمال والجنوب لاسباب عاطفية وقومية. فالنفط والسياسة والمواقع الاستراتيجية، خاصة تلك التي تتحكم في منابع النفط وطرق إمداداته، كانت في صلب الصراعات الدولية للسيطرة على منابعه وتأمين ممراته المؤدية إلى مناطق استهلاكه في الدول الصناعية، ومصدراً للنزاعات الحدودية بين الدول المنتجة الصناعية والنامية كالنزاع على بحر الشمال بين بريطانيا والنرويج والنزاعات في ترسيم الحدود بين عدد من دول مجلس التعاون الخليجي.
فإذا أخذنا نموذجين فقط من الحقبة الاستعمارية في العلاقة الفرنسية - الجزائرية، ونموذج من حربي الخليج الثانية والثالثة سيتبين لنا أهمية وخطورة الثروة النفطية في تحديد نوع وطبيعة العلاقة بين الدول (أو الشركات النفطية العالمية) في علاقتها بالدول المنتجة للنفط. ففي أثناء حرب الجزائر سعت الحكومة الفرنسية خلال مفاوضات ايفيان عام 1961م «ليّ ذراع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية باعتراضهم على انتماء الصحراء للجزائر، نظرا لأهمية آبار البترول والغاز التي اكتشفت فيها عام 1953م» وفوض الجنرال ديجول موفده الخاص بتقديم تنازلات واسعة لجبهة التحرير الجزائرية شريطة قبولها وضعا خاصا للصحراء يفصلها عن جزائر الشمال، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل وقبلت على إثرها الحكومة الفرنسية بسيادة الجزائر على الصحراء بتوقيع اتفاقيات ايفيان في مارس 1962م. والمثال الآخر يتعلق بحربي الخليج 1991م و2003، في حرب 1991 عند غزو واحتلال الكويت الشقيقة لم تتخللَّ الولايات المتحدة الأمريكية عن عقيدتها العسكرية بعد دروس حرب فيتنام بعدم إرسال قوات امريكية خارج حدودها ومناطق نفوذها بكسر هذه القاعدة حبا في الكويت وإنما لخطورة امتلاك صدام حسين نفط الكويت إلى جانب نفط العراق مما سيؤدي إلى تهديد المصالح الغربية بامتلاك احتياطي من النفط يفوق احتياطي المملكة العربية السعودية التي تنتهج سياسة نفطية متوازنة وعقلانية، واستغلت الولايات المتحدة أيضا أحداث 11 سبتمبر 2001 لتغزو وتحتل العراق، وكذا غزوها لافغانستان دوافعهما الأساسية ليست لمحاربة الإرهاب كما تدعي وملاحقة أفراد القاعدة، بل أساسا بسبب كميات النفط الكبيرة التي يختزنها العراق في أراضيه ولموقع افغانستان قريبا من احتياط النفط الكبير لبحر قزوين تأمينا لاحتياجاتها المتزايدة من النفط الخام والغاز كأكبر دولة مستهلكة للطاقة في العالم، وفي الوقت نفسه حرمان القوى الدولية الصاعدة كالصين من وضع يدها على منابع النفط في المنطقة.
القول الأمريكي إن أحد أهداف غزوها واحتلالها للعراق لنشر الديمقراطية والحكم الرشيد فيها لتصبح نموذجا لبقية دول الشرق الأوسط وليس من أجل نفطه شبيه إلى حد كبير برفع شعار الوحدة اليمنية لتتويج أهداف ثورتي سبتمبر واكتوبر وإعادة (اللحمة الوطنية) التي مزقها الاستعمار البريطاني والنظام الكهنوتي الإمامي!! وقائع الأحداث قبل إعلان الوحدة في 22 مايو 1990، وحرب صيف عام 1994، تلقي ظلالا كثيفة وتساؤلات كبرى حول مدى صحة هذه النوايا الحسنة في أهداف النخب الحاكمة في تحقيق الوحدة اليمنية كما سنتناول ذلك في النقاط التالية:
1) وحدة معمدة بالنفط الجنوبي
في حديث مع «الحياة» اللندنية بتاريخ 30 اكتوبر 1993، قال علي سالم البيض نائب الرئيس حينها «انه في يوم الوحدة في 30 نوفمبر 1989، لم يكن أحد حولنا مقتنعا بأنه ستكون وحدة ونحن نقول إنه بتوفيقه تعالى وصلنا إلى الوحدة .. نحن أصحاب حلم هكذا أعتقد أنا جئت من حزب من حركة وطنية عندها حلم، يعنى ليس لدي شيء خاص يحركني .. ولكن كان عندي حلمي الوطني الكبير الذي تمسكت به وقد رفضنا وثيقتين: وثيقة أولى بمضمون اتحاد كونفيدرالي وأخرى بمضمون فيدرالي، وقلنا لننتقل إلى اتحاد اندماجي ولنختبر همتنا وإيماننا بهذه القضايا..» وبعد اشتداد حدة الأزمة السياسية بين الرئيس ونائبه قبل اندلاع الحرب صرح علي سالم البيض لصحيفة خليجية أعادت نشره صحيفة «الثورة» كما أعتقد، قال فيه بما معناه (لضيق الوقت لم يبحث الكاتب عن المرجع) إنه يتحمل كامل المسئولية في قراره الانفرادي بالوحدة التي عجل بإنجازها مع الرئيس صالح خشية منه أن الشعب في الجنوب لو علم بكميات النفط المكتشفة في أراضيه لربما تخلى عن تحقيق الوحدة مع الشمال ولذلك عجل بها .. وهذا يجسد من جديد توافق الرجل مع قناعاته وأحلامه واختلافه مع طبيعة شخصية الطرف الآخر المقابل له الذي رأى في اكتشافات النفط التي ربما أحاطه علما بها السيد علي سالم البيض في لقاء عدن في نوفمبر 1989 الذي جمعهما معا، حيث صرح الرئيس صالح في زيارته الأولى للولايات المتحدة في أواخر يناير 1990 «إن اكتشاف النفط على امتداد الحدود بين الشطرين (لاحظوا العبارة المستخدمة) شجع على الوحدة بينهما» مشيرا إلى «أن البلدين أقاما شركة استثمار مشتركة لتنمية مواردهما النفطية في الوقت نفسه الذي تستمر فيه محادثات التوحيد» (تصريحات منشورة في صحيفتي «الحياة» و«الشرق الاوسط» كلاهما بتاريخ 31 يناير 1990) يستدل إذن من هذه التصريحات أن النفط كان حاضرا في «التشجيع على الوحدة» بين الشطرين وحاضرا في محادثات «التوحيد» حسب تعبير الرئيس صالح.
2) وحدة معمدة بالدم من أجل نفط الجنوب
هذا ما حدث في حرب صيف 1994 وسأورد هنا تعليقات بهذا المعنى أقتصرها على تعليقات بعض الصحف العربية دون ما جاء في بعض الصحف الغربية، فتحت عنوان (هل تحترق اليمن بالنفط؟) علقت صحيفة «الاهرام» المصرية بتاريخ 1994/7/5 بالقول إن «حقول النفط ومنشآته في اليمن الجنوبي في مناطق شبوة وحضرموت والمهرة التي بها احتياطيات كبيرة من البترول والغاز وهي تعتبر الهدف الرئيسي وراء تمسك الشماليين بالوحدة مع الجنوبيين... والحقيقة أن البترول وعائداته يعتبر العامل الرئيسي وراء اشتعال نيران الحرب في اليمن حيث إن حكومة صنعاء كانت قد أعلنت استياءها لامتناع عدن عن إرسال عائدات البترول إلى البنك المركزي اليمني في صنعاء، واشتكى بذلك مرارا الرئيس اليمني علي عبدالله خلال مفاوضات الوساطة التي قام بها عدد من الزعماء العرب لوقف تصاعد الأزمة بينه وبين نائبه علي سالم البيض، تجعل انفصال اليمن الجنوبي وإعلان قيام جمهورية اليمن الديمقراطية بالإضافة إلى أن بعض شخصيات حكومية بالشمال تحولوا إلى وكلاء مباشرين لشركات بترول أجنبية عاملة في اليمن الجنوبي كما أن حكومة صنعاء منذ توحيد شطري اليمن في مايو 1990 طالبت بوضع 25 بالمائة من عائدات البترول خارج الموازنة وتحت بند موازنة الرئاسة، والمعروف ايضا أن اليمن تعتمد في توفير احتياجاتها من المنتجات البترولية على معمل (مصفاة) تكرير عدن الذي يتجاوز إنتاجه نحو 170 الف برميل يوميا بينما معمل (مصفاة) تكرير مأرب لا يزيد إنتاجه عن عشرة آلاف برميل يوميا».
وفي عمود صلاح منتصر في صحيفة «الأهرام» بعنوان (وادفعوا يا عرب ..! إيه الحكاية؟) قال «قبل أن ينسحب صدام حسين من الكويت .. يأمر قواته بإشعال النار في حقول وآبار البترول الكويتية قاصدا القضاء على ثروة الكويت البترولية.. ويجد الشعب العراقي نفسه ملزما بسداد فاتورة ثمن هذا الجنون لسنوات طويلة قادمة، ويصدر مجلس الأمن قرارا بوقف الحرب الأهلية في اليمن .... نفاجأ باليمن الشمالي يركز غاراته وهجومه على منشآت البترول في اليمن الجنوبي وتشتعل النار في معمل تكرير عدن وتحترق مئات الملايين من ثروة الشعب العربي وأغلب الظن أن اليمن الجنوبية ستحاول استصدار قرار جديد يفرض على الشعب اليمني في الشمال سداد فاتورة حرائق البترول .. وهكذا أموال العرب وثرواتهم تحترق بقرارات من القادة العرب وتعويضات هذه الحرائق تسددها شعوبهم.. لقد كان أمل صدام أن يضم الكويت على اعتبار أنها المحافظة 19 من العراق فكيف إذا كان هذا منطقه يحرق بتروله؟.... وإذا كان علي صالح يتحدث عن وحدة اليمنيين ولا يعترف بقرار اليمن الجنوبي للانفصال فكيف إذا كان هذا منطقه يحرق بترول دولة الوحدة التي يحرص عليها وكيف يتصور أنه حتى لو استولى على عدن سيكسب حب هذا الشعب الذي أحرق ثروته ويريد أن يجعله يزحف على بطنه من الفقر والجوع أي منطق .. يحكم به هؤلاء القادة...» («الأهرام» بتاريخ 1994/6/9).
تعليقات الزوار
مواطن جنوبي
صدقت د/السقاف | 10/27/2007 4:10:00 AM
لافض فوك د/سقاف فقد اصبت عين الحقيقة. فثروات الجنوب اليوم تنهب باسم قانون الوحدة المعمدة بالدم.
--------------------------------------------------------------------------------
حضرمي اصيل
وحده بشهوة الثروه | 10/27/2007 4:18:00 AM
احسنت ايها الهاشمي النبيل فقد اكدت ان جنوبنا غنيا بامثالك المتعلمين وواضحت حقيقة الوحده التي ينادي بها اليمنيون ( الشماليون) إنها وحده شهوه للثروه وسرقتها
--------------------------------------------------------------------------------
خضر الوليدي
لاتعليق | 10/27/2007 6:30:00 AM
كفية ووفية ايه الكاتب الحر ولا تعليق
--------------------------------------------------------------------------------
أحمد العمري
المعلومات | 10/27/2007 8:05:00 AM
الناس لا تعرف هذه المعلومات يا أستاذ محمد، أفيدونا يارعاكم الله
--------------------------------------------------------------------------------
عبدالله عمر باراس العولقي
(( ومن اجل نفط الجنوب لن تنالوا حقوقكم)) | 10/27/2007 8:06:00 AM
مما لا شك فيه أن ما ذكره الاستاذالفاظل السقاف كفايه ولكن سوف نذكر ونأكد على أن الاخوه في هذه الحكم ال (00000) لن يعطونكم حقوقكم ما زال في نقطة نفط أو غاز في الجنوب العربي لذا عليكم توحيد الصفوف ورصها حتى تصل كلمتنا وصراخنا إلى العالم الحر حيث من المعروف أن الضغط يولد الانفجار وبهذا الانفجار سوف يخرج الجيش وقوات الامن عن طورهم وسيظربون الشعب بكل عنف وقوه كما فعلوا في الاشهر القريبه الماضيه وكان آخرها في محافظة لحج (في ردفان وفي الظالع وفي الحوطه ) والصحيح اننا سندفع الثمن ولكن لكل ولادة مخاضها وآلامها ولن ننال حقوقنا ورفع الظلم من هذه العصابات التي تتقطع لننا في نقاط التفتيش وأخذ الاتاوات على سيارتنا الخاصه ((بينما هم يهربون المجرمين من السجون المركزيه التي هم يحرسونها )) ولكن من يدفع سوف يملك كل شي حتى لوكان قاتل 0000وعجبي
--------------------------------------------------------------------------------
حضرمي
من المدان امامنا | 10/27/2007 8:30:00 AM
انه البيض ماغيره ماهذا الغباء السياسي الذي لم يرفع درجه الفهم عنده السنون الثلاثون من العمل السياسي الا يفهم ان الف باء السياسه هي المصالح وليس الاكاذيب التي نسمعها في الاعلام اما الطرف الاخر فطبيعي ان يبحث عن مصالح وفوائد واذا اعطاه البيض الفرصه فمن المتهم فليحاكم لا ان ترفع صوره التي تذكرني بيوم 9 يونيو 67م في القاهرة
--------------------------------------------------------------------------------
صلاح السقلدي
شامخ انت ياسقاف | 10/27/2007 8:55:00 AM
كما عهدناك صوت مجلجل من اصوات الحق وشامخ من شوامخ الانصاف فلله ردك ورد قلمك.!!
--------------------------------------------------------------------------------
ابو محمود من السويد
وحدة معمدة الدم | 10/27/2007 9:20:00 AM
هذا شئ من الحقيقة الكاملة
--------------------------------------------------------------------------------
علي عوكبي
ممارسات خاطئة | 10/27/2007 9:24:00 AM
السؤال موجة للسلطة وشركات النفط عن مصلحة المواطن والتنمية في الجنوب .
--------------------------------------------------------------------------------
الجهوري
المصلحه تعمي أعين اصحابها | 10/27/2007 10:10:00 AM
المشكله ان بعض المتمصلحين لايزالون ينظرون الى الوضع الراهن كانه لايعنيهم في شيء وان مصلحة ابنا الجنوب لاتهمهم
--------------------------------------------------------------------------------
الجابري 2
اهكذا هو حب الوطن 00 | 10/27/2007 10:54:00 AM
اهكذا حب الوطن يابيض اهكذا التكفير عن سيئاتكم الهذا الحد انتم تكرهوننا اف عليكم حرموتمونا من ابسط حقوقنا سلبتوا منا الكرامة و القيتموا بنا الى التهلكة 0 دخلتوابنا النفق وانجيتوا بأنفسكم وقدسبقتكم الملايين فاوالله ان قلوبنا تملئها الحسرة والَعَبرة زجيتوا بنا في اتون وحدة غير متكافئة وحرب خاسرة اتت على كل ما تبقى من مقدراتنا لم تعطي لنا الفرصة للاقتصاص منكم بل مكنت الغير من نهب ارضنا وثروتنا التي ذهبت هدرا لجيوب المتنفذين 0 ماذا بقي ان نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل 0
--------------------------------------------------------------------------------
محمد
استاذنا القدير | 10/27/2007 10:57:00 AM
هل مايزال استاذنا القدير استاذا للعلوم السياسية في جامعة صنعاء اتمنى ذلك
--------------------------------------------------------------------------------
الخضر الحسني
نعم معمدة بالنفط الجنوبي!!! | 10/27/2007 11:21:00 AM
لقد كنت رائعا.. ولا تزال- يا ابن السقاف-!..فالوحدة يراد لها، ان تكون معمدة بدماء ابناء الجنوب ونفطهم وموقعهم الاستراتيجي الهام!!! ..وعلى الجنوبيين جميعا، ان يعوا هذه الحقيقة.. وان يعاملوا نظام صنعاء، بأنه جاء لنهب الثروة الجنوبية والتسلط على ابناء الجنوب..وبس؟؟..والله الهادي الى سواء السبيل
غالي الأثمان
10-27-2007, 09:21 PM
موضوع رائع اخي حد يبغا له مخمخه وروقان , وبصراحة ارتحت نفسيا حينما قرأت كلام فخامة الاخ الرئيس
الحبيب علي بن سالم البيض ماادري صار يشدني هذا الرجل حفظه الله ونسأله تعالى ان يرزقه حب شعبه ويقف
معه اليوم في محنته ضد المحتل الغاصب .
حد من الوادي
11-01-2007, 01:43 PM
وحدة معمدة بالدم من أجل نفط الجنوب وليس من أجل الوحدة
د. محمد علي السقاف:
تناولنا في الحلقة السابقة المنشورة في صحيفة «الأيام» بتاريخ 27 أكتوبر، دور النفط في التشجيع على قيام الوحدة اليمنية، والدافع الأساسي إن لم يكن المحرك الوحيد لدى النخبة الحاكمة في تحقيق حلم الشعبين في الشطرين في قيام دولة يمنية موحدة، فإذا كانت النخب السياسية في الجنوب آمنت ونادت بالوحدة اليمنية منذ فترة الاحتلال البريطاني للجنوب من منطلق وطني قومي فإن النخب الحاكمة في الشمال ركبت موجة الوحدة متأخرة عن الجنوب وباتت متحمسة لها بعد أن تبين لها اختزان الجنوب كميات كافية من النفط مقارنة بالمخزون المتواضع الموجود في الشمال، وقد بينّا ذلك من خلال اختلاف رؤى قيادتي الشطرين، فمن جهة علي سالم البيض كرجل يحلم بالوحدة أراد التعجيل بقيامها خشية من إمكانية عزوف أبناء الجنوب عن الوحدة فيما إذا علموا بكميات النفط الموجودة في باطن الأرض في بلادهم،
بينما رؤية الرئيس صالح أن وجود النفط يشكل عاملا مشجعا على قيام الوحدة، وبذلك عمدت الوحدة بنفط الجنوب لتتحول بعد ذلك إلى وحدة معمدة بالدم من أجل النفط وليس من أجل الوحدة بذاتها وهذا ما حدث بإشعال حرب صيف 1994م بحجة الدفاع عن الوحدة.. فاستخدام القوة المسلحة وإعلان الحرب المدمرة ضد الجنوب أراد كثيرون من المؤيدين لها تبرير ذلك بما حدث في تجربتي الوحدة الأمريكية والوحدة الألمانية في القرن التاسع عشر، وقد أعاد تأكيد ذلك عبدالقادر باجمال الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام في حديثه مع صحيفة «الخليج» المنشور في «الأيام» في 16 سبتمبر الماضي بالقول: «أريد أن أؤكد أن الناس ستدافع عن وجودها وعن وحدتها وعن تاريخها فجيل بأكمله في أمريكا دخل في معارك شديدة جدا إلى أن توحدت أمريكا والوحدة التي حققها بسمارك في ألمانيا لم تأت بتقبيل الذقون»!!.
3 - تبرير باجمال استعمال القوة للدفاع عن الوحدة أسوة بتجربتي الوحدة الأمريكية والألمانية
لم يكتف باجمال بإعطاء مشروعية لإشعال الحرب في عام 1994م ضد الجنوب بل دعوته من جديد لإعادة تسليح الشارع لمواجهة ما سماهم بالمتآمرين على الوحدة، مبررا ذلك تاريخيا بما حدث في تجربتي الوحدة الأمريكية والألمانية في القرن التاسع عشر متناسيا وجود عشرات التجارب الأخرى في منتصف ونهاية القرن العشرين الماضي في حل وانفصال تجارب وحدوية بشكل ودي وسلمي دون إراقة الدماء. فحتى التجربتان الأمريكية والألمانية اللتان استشهد بهما هما خارج سياقهما التاريخي تماما مقارنة بحرب 1994م اليمنية، ودعوته الأخيرة إلى توزيع السلاح للدفاع عن الوحدة. فخطأ المقارنة في استعمال القوة المسلحة لمواجهة (النزعة الانفصالية) بين تجربة الوحدة الأمريكية والتجربة الأمريكية يمكن إيجازها بالنقاط التالية:
- الحرب الأهلية في أمريكا أعلنت بعد قرار الانفصال أما في اليمن فقد أشعلت الحرب اولا في 4 مايو 1994م ولم يعلن الانفصال في الجنوب إلا بعد أكثر من أسبوعين من قرار الحرب عليه وتحديدا في 21 مايو 1994م .. هنا المقارنة معكوسة وخارجة عن سياقها التاريخي.
- انسحاب دول الجنوب الأمريكي من الاتحاد الفيدرالي وتشكيلهم في 4 فبراير 1861 الجمهوريات الكونفدرالية في الجنوب بسبب اعتراضهم على زيارة سلطان السلطة المركزية للدولة الفيدرالية خشية منهم أن يؤدي ذلك إلى ابتلاعها من قبل الدول الكبرى في الشمال وسيطرتها عليها كاملة، إلى جانب ذلك تمسّك دول الجنوب الصغيرة وقليلة الكثافة السكانية بنظام العبودية وحقهم بامتلاك الرقيق السود...إلخ، في حين موقف دولة الشمال الكبرى ضد تلك السياسة ومن أجل المواطنة المتساوية وبنجاح الرئيس إبراهام لنكولن في نوفمبر 1860 في الانتخابات الرئاسية اعتبرت دول الجنوب هذا الفوز يمثل خطرا عليها لمعارضة الرئيس المنتخب لنظام الرق والعبودية مما عجل بقرار دول الجنوب في تشكيلهم اتحادهم الكونفيدرالي في 4 فبراير 1861م المشار إليه، مما أدى إلى إعلان الحرب التي استمرت أربع سنوات تقريبا 1861 -1865 .. وبانتصار الفيدراليين على الجنوب في ابريل 1865 لم يؤدِّ استسلام نحو 175 الفا من المقاتلين وتسليم أسلحتهم إلى الانتقام منهم ومن السياسيين الكونفدراليين في الجنوب كما حدث في التجربة اليمنية بعد حرب 1994م بتسريح الغالبية العظمى من جيش وأمن الجنوب ومحاكمة زعمائه السياسيين.
أما المقارنة بتجربة بسمارك في توحيده ألمانيا بالقوة المسلحة -1867 1870 فهذا قول غير دقيق، صحيح أن بسمارك رأى أن الحرب هي أنجع وسيلة لتوحيد ألمانيا انطلاقا من (بروسيا) لكنه في حقيقة الأمر اتبع سياسة تحالفات عسكرية ووحدة اقتصادية مع الدول الأربع في الجنوب الألماني، في حين حروبه خاضها ضد النمسا (الناطقة بالألمانية) التي أرادت منافسة بسمارك في توحيد ألمانيا تحت مظلتها بدلا من توحيدها انطلاقا من بروسيا بسمارك، كما أن نابليون فرنسا الثالث عقد العزم من جانبه بعدم السماح بانضمام دول الجنوب الأربع الألمانية إلى صف بسمارك.. وهنا المقارنة أيضا خاطئة، فبروسيا بسمارك تتنافس مع النمسا في تحقيق الوحدة الألمانية، وهي ليست ألمانيا بالمعنى الدقيق للتعبير وإن كانت ناطقة باللغة الالمانية وهتلر زعيم ألمانيا النازية نمساوي الاصل، لهذا حين نجح بسمارك بتوحيد ألمانيا وإعلان الإمبراطورية في 18 يناير 1871 لم تضم ضمنها (النمسا) واعتبر بسمارك بطل توحيد ألمانيا، فكيف يمكن اعتبار النمسا ألمانية وهي لا تدخل ضمن ألمانيا بسمارك الموحدة؟.
حالات دول تفككت وحدتها سلميا
- انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961م في تجربة الوحدة المصرية السورية.. لماذا لم يقم الزعيم الخالد جمال عبدالناصر باستخدام القوة المسلحة لقمع الانقلاب العسكري في سوريا والحيلولة دون ترسيخ الانفصال بينما تدخل جمال عبدالناصر عسكريا في اليمن لدعم قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م كطرف في حرب أهلية وإقليمية؟ الإجابة واضحة على هذا التساؤل، فتدخل عبدالناصر عسكريا في اليمن كان لدعم ثورة، ورفضه التدخل العسكري في سوريا لفرض عودة الوحدة يعود بكل بساطة إلى قناعته وحكمته بصعوبة العيش معا بين الشعبين المصري والسوري في وحدة فرضت بقوة السلاح، فالقوة لا تحقق وحدة حقيقية وحتى إذا نجحت القوة في استعادتها فإن الدماء التي تسيل لن تجف والجرح الذي سيحدث لن يلتئم بسهولة. وفي التاريخ القريب بعد وحدة دامت أكثر من 70 عاما انفصلت تشيكوسلوفاكيا سلميا إلى دولتين في 1992/12/31م، التشيك من جانب والسلوفاك من الجانب الآخر، وبتفكك الاتحاد السوفيتي رسميا في ديسمبر 1991م حلت محله 15 دولة جديدة في الساحة الدولية، وكذلك تفكك يوغسلافيا باستقلال كل من سلوفانيا وكرواتيا...إلخ ذلك، وفي جميع هذه الامثلة رفضت الأطراف المعنية استعمال قوة السلاح لفرض الوحدة أو الاتحاد بين الدول الأعضاء. والسؤال المطروح لماذا في الحالة اليمنية في عام 1994م استعملت القوة العسكرية لفرض الوحدة على الجنوب؟ ولماذا الآن يعاد قرع طبول الحرب بتكرار تجربة 1994م؟ هل بغرض الحفاظ على الوحدة إيمانا بها مجردا عن أية مصالح أم من أجل النفط والموقع الاستراتيجي للجنوب واتساع مساحته الجغرافية وليس من أجل الوحدة حبا فيها؟!
4 - مخزون النفط الجنوبي سبب لقيام الوحدة وإشعال الحرب في عام 1994م للحفاظ عليها
تشكل عائدات النفط ما لا يقل عن 70 % من ايرادات الموازنة العامة للدولة اليمنية وبين -92 %95 من اجمالي صادرات اليمن.
وتظهر الارقام التالية للاعوام -2003 2005م الصادرة من وزارة البترول (الإحصاءات السنوية رقم 3 ، 4 ، 5 )أن اجمالي نفط الجنوب من الانتاج الكلي يمثل أكثر من 76 % من جهة، ومن جهة اخرى مجمل عائدات الحكومة من الصادرات النفطية هي من نفط الجنوب.
إجمالي إنتاج النفط وحصة النفط الجنوبي
السنة
2003
2004
2005
تظهر أرقام السنوات الثلاث التي توفرت للكاتب من احصائيات الارتفاع المضطرد لحصة نفط الجنوب والتراجع المستمر لنفط الشمال القطاع 18 من مأرب والجوف، وفي حصة نفط الجنوب يحتل القطاع 14 من نفط المسيلة في حضرموت حصة الاسد، فإذا قارنا بين إنتاج مارب والجوف وإنتاج المسيلة كان إنتاج هذه الأخيرة لوحدها أكثر من ضعف إنتاج مأرب حيث كانت النسبة بينهما في عام 2003= 23.10 % مقابل 52.20 %، وفي 2004 بلغت النسبة 21.72 % مقابل %52.12، وفي 2005 كانت النسبة 19.04 % مقابل 43.46 % حيث إن إنتاج القطاعات الأخرى في الجنوب (شبوة خاصة) ارتفع مقارنة بالأعوام السابقة. وهذا يفسر الاهتمام النسبي لعدد زيارات القيادة السياسية، وتخصيص الإعلام الحكومي في تغطية أخبار حضرموت عن بقية الجنوب يعود إلى حجم إنتاج النفط فيها في حين تحتل الضالع ولحج أدنى سلم الاهتمام السياسي والإعلامي لافتقارهما للنفط مما يعكس أن المسألة ليست موضوع الوحدة وإنما المصلحة، وإن كانت جميع المحافظات الجنوبية وبعض المحافظات في الشمال لا تحظى بالمشاريع التنموية التي تستحقها مقارنة بمحافظة صنعاء وأمانة العاصمة التي تتدفق إليها بشكل أكبر عائدات النفط.
عائدات الحكومة من الصادرات النفطية بأكملها من نفط الجنوب
2003م (1.8 مليار دولار)، 2004م (2.259 مليار دولار)، 2005م (3.114 مليار دولار)، 2006م (4.013 مليار دولار).
ملاحظات:
- كامل حصة إنتاج الحكومة من نفط مأرب والجوف يذهب للاستهلاك المحلي.
- كامل عائدات الحكومة من الصادرات النفطية مصدرها بالتالي من نفط الجنوب.
- عائدات 2006 مصدرها صحيفة «الثورة» بتاريخ 2007/1/31م العدد (15421).
ما يفسر ارتفاع عائدات الحكومة من الصادرات النفطية برغم تراجع حجم إنتاج النفط يعود إلى ارتفاع اسعار النفط بشكل حاد، الذي قد يعوض هبوط الإنتاج لعام 2007م بالصعود الكبير لاسعار النفط الذي وصل إلى نحو 93 دولارا للبرميل الواحد، ونشير من جهة أخرى للاحصائيات المتوفرة لعام 2005م أن الجنوب يستحوذ على غالبية ما يلي:
-1 على مستوى القطاعات الإنتاجية: من أصل 11 قطاعا انتاجيا، 1 في مأرب والجوف و10 قطاعات في الجنوب.
-2 على مستوى القطاعات الاستكشافية: من أصل 21 قطاعا استكشافيا 1 مأرب/شبوة (القطاع رقم 20)، في الحديدة القطاع رقم 22، وبقية القطاعات الـ 19 هي في الجنوب.
-3 القطاعات المفتوحة لمناقصة دولية للشركات النفطية الراغبة في الاستثمار: من أصل 14 قطاعا، قطاعان في الجوف والحديدة، و 12 قطاعا في الجنوب.
برغم وضوح التفوق المطلق في حجم الإنتاج وقيمة العائدات النفطية من مناطق الجنوب، سعى بعض المسئولين مع (انتفاضة الجنوب) الراهنة إلى التقليل من الصادرات النفطية وتعظيم حجم الاستهلاك المحلي للنفط، من منطلق ما ذكرناه أن إنتاج نفط مأرب /الجوف يخصص للاستهلاك المحلي في حين غالبية إنتاح النفط من الجنوب يتم تصديره، لاحظنا التناقص في الارقام المثيرة للدهشة ففي حين في مقابلة لوزير النفط والمعادن الأخ خالد محفوظ بحاح مع صحيفة «26 سبتمبر» بتاريخ 2007/8/9م العدد 1340 يصرح بأن 330 ألف برميل متوسط الإنتاح من النفط، يدلي عبدالكريم الأرحبي نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية وزير التخطيط والتعاون الدولي لنفس الصحيفة بتاريخ 2007/9/30م العدد 1346 بالقول «إن النفط الذي ننتجه ينخفض إنتاجه ونستهلك أغلبه داخليا وما نصدره ليس أكثر من 80 - 85 ألف برميل يوميا والباقي نستخدمه محليا»!!
هل يعقل أن وزير النفط في مجال اختصاصه يتحدث عن تصدير 330 ألف برميل ووزير التخطيط يقول إن ما نصدره ليس أكثر من 80 - 85 الف برميل؟ ومباشرة بعد ذكر وزير التخطيط ذلك الرقم المتدني سأله الصحفي «على ذكر ذلك هل صحيح أن المناطق الجنوبية والشرقية محرومة من التنمية كما يزعم البعض؟» لاحظوا الربط في السؤال بين النفط والجنوب، وجاءت إجابة الوزير «...من يطلق هذا الكلام الجزا ف تدحضه الأرقام الحقيقية على مستوى كل محافظة على حدة وعلى مستوى السنوات.. ممكن جدا الحصول على كافة البيانات والأرقام من الجهاز المركزي للاحصاء حول المشاريع وكلفتها...
» كنا نتمنى من وزير التخطيط أن يعطينا ولو رقما لسنة واحدة فقط والجهاز المركزي للإحصاء تابع لوزارته، في حين ما هو خارج وزارته قدم لنا رقما لمستوى الصادرات النفطية.. أليس الأمر غريبا؟! ما ليس بغريب أن نفط الجنوب يشكل حسب الإحصائيات الرسمية بين 92 - 95 % من إجمالي صادرات اليمن وأن عائدات النفط لا تقل عن 70 % من إيرادات الموازنة العامة للدولة، وفي حين أن سكان محافظات الجنوب وفق النتائج النهائية للتعداد العام للسكان في ديسمبر 2004 يمثل 3.780.357 من أصل إجمالي السكان البالغ 19.597.290 فردا، أي نسبة 19.3 % للجنوب مقابل 80.7 % للشمال ألا يعني ذلك أن موارد النفط في الجنوب تبتلعها الكثافة السكانية في الشمال والقوى النافذة في السلطة؟!
هذا في الوقت الذي عائدات النفط يخصص الجزء الأكبر منها في تمويل المشاريع التنموية في بقية مناطق الجمهورية كأمانة العاصمة ومحافظة صنعاء التي ازدهرت بشكل كبير وسريع في السنوات الخمس الأخيرة مع ارتفاع أسعار النفط، ولم تشهد المحافظات الجنوبية نفس مستوى التحسن والنمو الذي حظيت به بقية المحافظات، وأدهى ما في الأمر أن إدارة المؤسسات النفطية الوطنية كالمؤسسة العامة للنفط من بين الشركات الخمس التابة لها واحد فقط من الجنوب والأربعة الآخرون من المحافظات الشمالية يحتلون مناصب المديرين التنفيذيين لتلك الشركات إضافة إلى شركتين نفطيتين قائمتين بذاتهما خارج إطار الشركات التابعة للمؤسسة العامة للنفط. أما على مستوى التوظيف الإداري في تلك الشركات الوطنية وفي الشركات الأجنبية العاملة في استخراج النفط فقواها العاملة هامشية من أبناء مناطق الاستخراج النفطي. ولا يقتصر الأمر على هذا المستوى فحسب بل يشمل أيضا استثمارات القطاع الخاص في المجال النفطي أو الشركات المساهمة مع الشركات الأجنبية فمعظمها من رؤوس الأموال الشمالية التي تعمل في حقول النفط في حضرموت وشبوة والمهرة مثل شركة سبأ للنفط والغاز وشركة إحسان وكينس ومجموعة هائل سعيد أنعم وشركة دون البريطانية...إلخ، ماذا يعني كل هذا إن لم يعن تشابك المصالح بين النخب الحاكمة مع القطاع الخاص وكلاهما من خارج المناطق الجنوبية وهي تذكر وللأسف الشديد بوضع بريطانيا أثناء تواجدها في عدن والجنوب والوضع الحالي للولايات المتحدة بعد غزو العراق بإعطاء حصة الأسد في المشاريع التي تتبع شركات الدولة المنتصرة أو الغازية مع الفارق هنا أن هذه الظاهرة تتم في المحافظات الجنوبية باسم الوحدة.
ألغاز في شان احتياطي مخزون الغاز في مأرب/ الجوف
1988: أعلن الرئيس صالح في ذكرى 26 سبتمبر أن احتياطات الغاز الثابت في (ج.ع.ي) 5.5 تريليون قدم مكعب (حليس دورية النفط المتخصصة) بتاريخ 1988/9/19م.
1989: تصريح وزير النفط أحمد علي المحنى أن احتياطات الغاز الطبيعي الثابتة في (ج.ع.ي) 7 تريليون قدم مكعب، مضيفا في تصريح لـ«الحياة»: من المتوقع حسب المسوحات أن تصل هذه الاحتياطات إلى 20 تريليون قدم مكعب («الحياة» بتاريخ 1989/10/27م أو مجلة «نيس» 1989/10/30).
1994: وفق وكالة (سبأ) احتياطي الغاز المكتشف حاليا بلغ من -20 30 تريليونا حسب تصريح اربيكا مارك، رئيسة مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة إنرون الأمريكية العملاقة للغاز، في مؤتمرها الصحفي في صنعاء، محددة كلفة المشروع بين مليارين إلى مليارين ونصف المليار دولار وأن عملية التنفيذ ستبدأ في مطلع العام القادم 1995 إذا ما تم التوقيع بين اليمن والشركة في نهاية هذا العام 1994م، فيما يتوقع أن يبدأ التصدير في أواخر 1998 («الثورة» في 1994/4/16 العدد 10748).
2007: يعلن عن ارتفاع المخزون الغازي المكتشف إلى 18 تريليونا و215 مليار قدم مكعب وذلك من 17 تريليون قدم مكعب («الثورة» في 2007/5/29م) وسيطلق المشروع وفق تصريحات وزير النفط الأخ خالد بحاح في عام 2008م، وفي مطلع عام 2009 سوف يتم تصدير المرحلة الاولى، بينما في منتصف العام نفسه تبدأ المرحلة الثانية من التصدير وتقدر المبالغ التي ستحصل عليها الدولة خلال عشرين عاما بين -10 20 مليار دولار (أي بمتوسط إيرادات سنوية 500 مليون دولار أو مليار دولار لمدة 20 عاما)! السؤال اللغز في موضوع تضارب أرقام احتياط الغاز في مأرب الجوف، كيف يمكن تفسير إعلان وزير النفط لـ (ج.ع.ي) أحمد علي المحني في عام 1989م احتمال أن تكون احتياطات الغاز 20 تريليون قدم مكعب، وقول مسئولة شركة انرون للغاز الامريكية إن مستوى الاحتياط بين 20 - 30 تريليون قدم مكعب لنفاجأ بعد أكثر من 18 عاما في 2007م بأن احتياط الغاز 18 تريليون ا بانخفاض 2 تريليون عن تقديرات عام 1989م وكذا عن عام 1994م! ما هي أسباب تعثر مشروع إنتاج الغاز في مأرب/ الجوف لمدة أكثر من 17 عاما؟ فحكومة اليمن الشمالي وقعت في 23 أكتوبر 1989م قبل شهر من اتفاق عدن للوحدة في 30 نوفمبر 1989م اتفاق مشروع مشترك بالمناصفة مع (يمن اكمبولوريشن اند برود اكشن كومباني) وهي شراكة بين (يمن هانت اويل) و(ايكسون يمن) وشركة (يوكونغ) الكورية لاستخراج وتعبئة غاز البترول «المسيل» («الحياة» في 1989/10/27م و«ميس» 1989/10/30). وفي 1995/9/21م توقع حكومة اليمن الموحد اتفاقية الغاز مع شركة توتال الفرنسية، وفي 1997/1/19م يتم تعديل ذلك الاتفاق ليضم بجانب شركة توتال شركة ايكسون اليمن للغاز الطبيعي وشركة هنت اليمنية للغاز الطبيعي المحدودة وشركة يوكونغ المحدودة (الكورية) وهي الشركات الثلاث التي عادت إلى الظهور على السطح وسبق توقيع (ج. ع.ي) اتفاقاً معها في 23 اكتوبر 1989م.
الحفاظ على نفط الجنوب وموقعه الاستراتيجي قضية مصيرية وليست الوحدة هي القضية!
- في عام 1994م حصة نفط مأرب الجوف تمثل 55 % من إنتاج النفط وأشعلت الحرب ضد الجنوب.
في عام 2005 انخفضت حصة نفط مأرب إلى 19.04 % وأغلب الظن أنها الآن أدنى من ذلك.
- نضوب النفط في اليمن سيكون في عام 2012 وفق تصريحات الرئيس صالح في فبراير 2004م، في حين توقعات صندوق النقد الدولي أن نضوب النفط سيكون في غضون 12 إلى 15 سنة («الحياة» في 2005/10/6م).. فإذا افترضنا أن الجنوب استعاد من جديد سيادته واستقلاله يعني ذلك انتقال -92 95 % من صادرات اليمن الممثلة بنفط الجنوب ومصدر عملاتها الصعبة لتغطية احتياجاتها من التنمية و70 % من إيرادات الموازنة العامة في الدولة اليمنية إلى الجنوب المستقل، فكيف سيعوض الشمال خسارته الفادحة لثروة الجنوب ومجموع عدد سكانه 15.8 مليون نسمة؟ ألن يشعل حتما حربا ضد الجنوب وهو الذي أشعلها في عام 1994م وحصة نفط مأرب تمثل 55 %، فما بالنا وهذه النسبة لا تتجاوز 19.01 % تكفي بالكاد للاستهلاك المحلي؟ هل إعلان الحرب على الجنوب في هذه الحالة سيكون حبا في الوحدة أم خوفا من ضياع نفط وموارد الجنوب؟
وهل يمكن الاعتقاد أن القوى الإقليمية والدولية ستسمحان بتكرار حرب 1994م من جديد أن ستقف ضدها؟ هل يمكن تصور المخرج لضياع موارد الجنوب النفطية عبر قبول دول مجلس التعاون الخليجي انضمام اليمن إليها كأولوية عاجلة على أن ينظر لاحقا في إمكان دخول الجنوب في المجلس، كما حصل لتشيكوسلوفاكيا في عام 1992م بتفكهها إلى دولتين التقتا معا من جديد تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، وهنا سيكون مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للشمال والجنوب إذا رغبا في ذلك؟
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الأيام للصحافة و النشر Designed & Hosted By MakeSolution.com
حد من الوادي
11-01-2007, 01:49 PM
وحدة معمدة بالدم من أجل نفط الجنوب وليس من أجل الوحدة
د. محمد علي السقاف:
تناولنا في الحلقة السابقة المنشورة في صحيفة «الأيام» بتاريخ 27 أكتوبر، دور النفط في التشجيع على قيام الوحدة اليمنية، والدافع الأساسي إن لم يكن المحرك الوحيد لدى النخبة الحاكمة في تحقيق حلم الشعبين في الشطرين في قيام دولة يمنية موحدة، فإذا كانت النخب السياسية في الجنوب آمنت ونادت بالوحدة اليمنية منذ فترة الاحتلال البريطاني للجنوب من منطلق وطني قومي فإن النخب الحاكمة في الشمال ركبت موجة الوحدة متأخرة عن الجنوب وباتت متحمسة لها بعد أن تبين لها اختزان الجنوب كميات كافية من النفط مقارنة بالمخزون المتواضع الموجود في الشمال، وقد بينّا ذلك من خلال اختلاف رؤى قيادتي الشطرين، فمن جهة علي سالم البيض كرجل يحلم بالوحدة أراد التعجيل بقيامها خشية من إمكانية عزوف أبناء الجنوب عن الوحدة فيما إذا علموا بكميات النفط الموجودة في باطن الأرض في بلادهم،
بينما رؤية الرئيس صالح أن وجود النفط يشكل عاملا مشجعا على قيام الوحدة، وبذلك عمدت الوحدة بنفط الجنوب لتتحول بعد ذلك إلى وحدة معمدة بالدم من أجل النفط وليس من أجل الوحدة بذاتها وهذا ما حدث بإشعال حرب صيف 1994م بحجة الدفاع عن الوحدة.. فاستخدام القوة المسلحة وإعلان الحرب المدمرة ضد الجنوب أراد كثيرون من المؤيدين لها تبرير ذلك بما حدث في تجربتي الوحدة الأمريكية والوحدة الألمانية في القرن التاسع عشر، وقد أعاد تأكيد ذلك عبدالقادر باجمال الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام في حديثه مع صحيفة «الخليج» المنشور في «الأيام» في 16 سبتمبر الماضي بالقول: «أريد أن أؤكد أن الناس ستدافع عن وجودها وعن وحدتها وعن تاريخها فجيل بأكمله في أمريكا دخل في معارك شديدة جدا إلى أن توحدت أمريكا والوحدة التي حققها بسمارك في ألمانيا لم تأت بتقبيل الذقون»!!.
3 - تبرير باجمال استعمال القوة للدفاع عن الوحدة أسوة بتجربتي الوحدة الأمريكية والألمانية
لم يكتف باجمال بإعطاء مشروعية لإشعال الحرب في عام 1994م ضد الجنوب بل دعوته من جديد لإعادة تسليح الشارع لمواجهة ما سماهم بالمتآمرين على الوحدة، مبررا ذلك تاريخيا بما حدث في تجربتي الوحدة الأمريكية والألمانية في القرن التاسع عشر متناسيا وجود عشرات التجارب الأخرى في منتصف ونهاية القرن العشرين الماضي في حل وانفصال تجارب وحدوية بشكل ودي وسلمي دون إراقة الدماء. فحتى التجربتان الأمريكية والألمانية اللتان استشهد بهما هما خارج سياقهما التاريخي تماما مقارنة بحرب 1994م اليمنية، ودعوته الأخيرة إلى توزيع السلاح للدفاع عن الوحدة. فخطأ المقارنة في استعمال القوة المسلحة لمواجهة (النزعة الانفصالية) بين تجربة الوحدة الأمريكية والتجربة الأمريكية يمكن إيجازها بالنقاط التالية:
- الحرب الأهلية في أمريكا أعلنت بعد قرار الانفصال أما في اليمن فقد أشعلت الحرب اولا في 4 مايو 1994م ولم يعلن الانفصال في الجنوب إلا بعد أكثر من أسبوعين من قرار الحرب عليه وتحديدا في 21 مايو 1994م .. هنا المقارنة معكوسة وخارجة عن سياقها التاريخي.
- انسحاب دول الجنوب الأمريكي من الاتحاد الفيدرالي وتشكيلهم في 4 فبراير 1861 الجمهوريات الكونفدرالية في الجنوب بسبب اعتراضهم على زيارة سلطان السلطة المركزية للدولة الفيدرالية خشية منهم أن يؤدي ذلك إلى ابتلاعها من قبل الدول الكبرى في الشمال وسيطرتها عليها كاملة، إلى جانب ذلك تمسّك دول الجنوب الصغيرة وقليلة الكثافة السكانية بنظام العبودية وحقهم بامتلاك الرقيق السود...إلخ، في حين موقف دولة الشمال الكبرى ضد تلك السياسة ومن أجل المواطنة المتساوية وبنجاح الرئيس إبراهام لنكولن في نوفمبر 1860 في الانتخابات الرئاسية اعتبرت دول الجنوب هذا الفوز يمثل خطرا عليها لمعارضة الرئيس المنتخب لنظام الرق والعبودية مما عجل بقرار دول الجنوب في تشكيلهم اتحادهم الكونفيدرالي في 4 فبراير 1861م المشار إليه، مما أدى إلى إعلان الحرب التي استمرت أربع سنوات تقريبا 1861 -1865 .. وبانتصار الفيدراليين على الجنوب في ابريل 1865 لم يؤدِّ استسلام نحو 175 الفا من المقاتلين وتسليم أسلحتهم إلى الانتقام منهم ومن السياسيين الكونفدراليين في الجنوب كما حدث في التجربة اليمنية بعد حرب 1994م بتسريح الغالبية العظمى من جيش وأمن الجنوب ومحاكمة زعمائه السياسيين.
أما المقارنة بتجربة بسمارك في توحيده ألمانيا بالقوة المسلحة -1867 1870 فهذا قول غير دقيق، صحيح أن بسمارك رأى أن الحرب هي أنجع وسيلة لتوحيد ألمانيا انطلاقا من (بروسيا) لكنه في حقيقة الأمر اتبع سياسة تحالفات عسكرية ووحدة اقتصادية مع الدول الأربع في الجنوب الألماني، في حين حروبه خاضها ضد النمسا (الناطقة بالألمانية) التي أرادت منافسة بسمارك في توحيد ألمانيا تحت مظلتها بدلا من توحيدها انطلاقا من بروسيا بسمارك، كما أن نابليون فرنسا الثالث عقد العزم من جانبه بعدم السماح بانضمام دول الجنوب الأربع الألمانية إلى صف بسمارك.. وهنا المقارنة أيضا خاطئة، فبروسيا بسمارك تتنافس مع النمسا في تحقيق الوحدة الألمانية، وهي ليست ألمانيا بالمعنى الدقيق للتعبير وإن كانت ناطقة باللغة الالمانية وهتلر زعيم ألمانيا النازية نمساوي الاصل، لهذا حين نجح بسمارك بتوحيد ألمانيا وإعلان الإمبراطورية في 18 يناير 1871 لم تضم ضمنها (النمسا) واعتبر بسمارك بطل توحيد ألمانيا، فكيف يمكن اعتبار النمسا ألمانية وهي لا تدخل ضمن ألمانيا بسمارك الموحدة؟.
حالات دول تفككت وحدتها سلميا
- انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961م في تجربة الوحدة المصرية السورية.. لماذا لم يقم الزعيم الخالد جمال عبدالناصر باستخدام القوة المسلحة لقمع الانقلاب العسكري في سوريا والحيلولة دون ترسيخ الانفصال بينما تدخل جمال عبدالناصر عسكريا في اليمن لدعم قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م كطرف في حرب أهلية وإقليمية؟ الإجابة واضحة على هذا التساؤل، فتدخل عبدالناصر عسكريا في اليمن كان لدعم ثورة، ورفضه التدخل العسكري في سوريا لفرض عودة الوحدة يعود بكل بساطة إلى قناعته وحكمته بصعوبة العيش معا بين الشعبين المصري والسوري في وحدة فرضت بقوة السلاح، فالقوة لا تحقق وحدة حقيقية وحتى إذا نجحت القوة في استعادتها فإن الدماء التي تسيل لن تجف والجرح الذي سيحدث لن يلتئم بسهولة. وفي التاريخ القريب بعد وحدة دامت أكثر من 70 عاما انفصلت تشيكوسلوفاكيا سلميا إلى دولتين في 1992/12/31م، التشيك من جانب والسلوفاك من الجانب الآخر، وبتفكك الاتحاد السوفيتي رسميا في ديسمبر 1991م حلت محله 15 دولة جديدة في الساحة الدولية، وكذلك تفكك يوغسلافيا باستقلال كل من سلوفانيا وكرواتيا...إلخ ذلك، وفي جميع هذه الامثلة رفضت الأطراف المعنية استعمال قوة السلاح لفرض الوحدة أو الاتحاد بين الدول الأعضاء. والسؤال المطروح لماذا في الحالة اليمنية في عام 1994م استعملت القوة العسكرية لفرض الوحدة على الجنوب؟ ولماذا الآن يعاد قرع طبول الحرب بتكرار تجربة 1994م؟ هل بغرض الحفاظ على الوحدة إيمانا بها مجردا عن أية مصالح أم من أجل النفط والموقع الاستراتيجي للجنوب واتساع مساحته الجغرافية وليس من أجل الوحدة حبا فيها؟!
4 - مخزون النفط الجنوبي سبب لقيام الوحدة وإشعال الحرب في عام 1994م للحفاظ عليها
تشكل عائدات النفط ما لا يقل عن 70 % من ايرادات الموازنة العامة للدولة اليمنية وبين -92 %95 من اجمالي صادرات اليمن.
وتظهر الارقام التالية للاعوام -2003 2005م الصادرة من وزارة البترول (الإحصاءات السنوية رقم 3 ، 4 ، 5 )أن اجمالي نفط الجنوب من الانتاج الكلي يمثل أكثر من 76 % من جهة، ومن جهة اخرى مجمل عائدات الحكومة من الصادرات النفطية هي من نفط الجنوب.
إجمالي إنتاج النفط وحصة النفط الجنوبي
السنة
2003
2004
2005
تظهر أرقام السنوات الثلاث التي توفرت للكاتب من احصائيات الارتفاع المضطرد لحصة نفط الجنوب والتراجع المستمر لنفط الشمال القطاع 18 من مأرب والجوف، وفي حصة نفط الجنوب يحتل القطاع 14 من نفط المسيلة في حضرموت حصة الاسد، فإذا قارنا بين إنتاج مارب والجوف وإنتاج المسيلة كان إنتاج هذه الأخيرة لوحدها أكثر من ضعف إنتاج مأرب حيث كانت النسبة بينهما في عام 2003= 23.10 % مقابل 52.20 %، وفي 2004 بلغت النسبة 21.72 % مقابل %52.12، وفي 2005 كانت النسبة 19.04 % مقابل 43.46 % حيث إن إنتاج القطاعات الأخرى في الجنوب (شبوة خاصة) ارتفع مقارنة بالأعوام السابقة. وهذا يفسر الاهتمام النسبي لعدد زيارات القيادة السياسية، وتخصيص الإعلام الحكومي في تغطية أخبار حضرموت عن بقية الجنوب يعود إلى حجم إنتاج النفط فيها في حين تحتل الضالع ولحج أدنى سلم الاهتمام السياسي والإعلامي لافتقارهما للنفط مما يعكس أن المسألة ليست موضوع الوحدة وإنما المصلحة، وإن كانت جميع المحافظات الجنوبية وبعض المحافظات في الشمال لا تحظى بالمشاريع التنموية التي تستحقها مقارنة بمحافظة صنعاء وأمانة العاصمة التي تتدفق إليها بشكل أكبر عائدات النفط.
عائدات الحكومة من الصادرات النفطية بأكملها من نفط الجنوب
2003م (1.8 مليار دولار)، 2004م (2.259 مليار دولار)، 2005م (3.114 مليار دولار)، 2006م (4.013 مليار دولار).
ملاحظات:
- كامل حصة إنتاج الحكومة من نفط مأرب والجوف يذهب للاستهلاك المحلي.
- كامل عائدات الحكومة من الصادرات النفطية مصدرها بالتالي من نفط الجنوب.
- عائدات 2006 مصدرها صحيفة «الثورة» بتاريخ 2007/1/31م العدد (15421).
ما يفسر ارتفاع عائدات الحكومة من الصادرات النفطية برغم تراجع حجم إنتاج النفط يعود إلى ارتفاع اسعار النفط بشكل حاد، الذي قد يعوض هبوط الإنتاج لعام 2007م بالصعود الكبير لاسعار النفط الذي وصل إلى نحو 93 دولارا للبرميل الواحد، ونشير من جهة أخرى للاحصائيات المتوفرة لعام 2005م أن الجنوب يستحوذ على غالبية ما يلي:
-1 على مستوى القطاعات الإنتاجية: من أصل 11 قطاعا انتاجيا، 1 في مأرب والجوف و10 قطاعات في الجنوب.
-2 على مستوى القطاعات الاستكشافية: من أصل 21 قطاعا استكشافيا 1 مأرب/شبوة (القطاع رقم 20)، في الحديدة القطاع رقم 22، وبقية القطاعات الـ 19 هي في الجنوب.
-3 القطاعات المفتوحة لمناقصة دولية للشركات النفطية الراغبة في الاستثمار: من أصل 14 قطاعا، قطاعان في الجوف والحديدة، و 12 قطاعا في الجنوب.
برغم وضوح التفوق المطلق في حجم الإنتاج وقيمة العائدات النفطية من مناطق الجنوب، سعى بعض المسئولين مع (انتفاضة الجنوب) الراهنة إلى التقليل من الصادرات النفطية وتعظيم حجم الاستهلاك المحلي للنفط، من منطلق ما ذكرناه أن إنتاج نفط مأرب /الجوف يخصص للاستهلاك المحلي في حين غالبية إنتاح النفط من الجنوب يتم تصديره، لاحظنا التناقص في الارقام المثيرة للدهشة ففي حين في مقابلة لوزير النفط والمعادن الأخ خالد محفوظ بحاح مع صحيفة «26 سبتمبر» بتاريخ 2007/8/9م العدد 1340 يصرح بأن 330 ألف برميل متوسط الإنتاح من النفط، يدلي عبدالكريم الأرحبي نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية وزير التخطيط والتعاون الدولي لنفس الصحيفة بتاريخ 2007/9/30م العدد 1346 بالقول «إن النفط الذي ننتجه ينخفض إنتاجه ونستهلك أغلبه داخليا وما نصدره ليس أكثر من 80 - 85 ألف برميل يوميا والباقي نستخدمه محليا»!!
هل يعقل أن وزير النفط في مجال اختصاصه يتحدث عن تصدير 330 ألف برميل ووزير التخطيط يقول إن ما نصدره ليس أكثر من 80 - 85 الف برميل؟ ومباشرة بعد ذكر وزير التخطيط ذلك الرقم المتدني سأله الصحفي «على ذكر ذلك هل صحيح أن المناطق الجنوبية والشرقية محرومة من التنمية كما يزعم البعض؟» لاحظوا الربط في السؤال بين النفط والجنوب، وجاءت إجابة الوزير «...من يطلق هذا الكلام الجزا ف تدحضه الأرقام الحقيقية على مستوى كل محافظة على حدة وعلى مستوى السنوات.. ممكن جدا الحصول على كافة البيانات والأرقام من الجهاز المركزي للاحصاء حول المشاريع وكلفتها...
» كنا نتمنى من وزير التخطيط أن يعطينا ولو رقما لسنة واحدة فقط والجهاز المركزي للإحصاء تابع لوزارته، في حين ما هو خارج وزارته قدم لنا رقما لمستوى الصادرات النفطية.. أليس الأمر غريبا؟! ما ليس بغريب أن نفط الجنوب يشكل حسب الإحصائيات الرسمية بين 92 - 95 % من إجمالي صادرات اليمن وأن عائدات النفط لا تقل عن 70 % من إيرادات الموازنة العامة للدولة، وفي حين أن سكان محافظات الجنوب وفق النتائج النهائية للتعداد العام للسكان في ديسمبر 2004 يمثل 3.780.357 من أصل إجمالي السكان البالغ 19.597.290 فردا، أي نسبة 19.3 % للجنوب مقابل 80.7 % للشمال ألا يعني ذلك أن موارد النفط في الجنوب تبتلعها الكثافة السكانية في الشمال والقوى النافذة في السلطة؟!
هذا في الوقت الذي عائدات النفط يخصص الجزء الأكبر منها في تمويل المشاريع التنموية في بقية مناطق الجمهورية كأمانة العاصمة ومحافظة صنعاء التي ازدهرت بشكل كبير وسريع في السنوات الخمس الأخيرة مع ارتفاع أسعار النفط، ولم تشهد المحافظات الجنوبية نفس مستوى التحسن والنمو الذي حظيت به بقية المحافظات، وأدهى ما في الأمر أن إدارة المؤسسات النفطية الوطنية كالمؤسسة العامة للنفط من بين الشركات الخمس التابة لها واحد فقط من الجنوب والأربعة الآخرون من المحافظات الشمالية يحتلون مناصب المديرين التنفيذيين لتلك الشركات إضافة إلى شركتين نفطيتين قائمتين بذاتهما خارج إطار الشركات التابعة للمؤسسة العامة للنفط. أما على مستوى التوظيف الإداري في تلك الشركات الوطنية وفي الشركات الأجنبية العاملة في استخراج النفط فقواها العاملة هامشية من أبناء مناطق الاستخراج النفطي. ولا يقتصر الأمر على هذا المستوى فحسب بل يشمل أيضا استثمارات القطاع الخاص في المجال النفطي أو الشركات المساهمة مع الشركات الأجنبية فمعظمها من رؤوس الأموال الشمالية التي تعمل في حقول النفط في حضرموت وشبوة والمهرة مثل شركة سبأ للنفط والغاز وشركة إحسان وكينس ومجموعة هائل سعيد أنعم وشركة دون البريطانية...إلخ، ماذا يعني كل هذا إن لم يعن تشابك المصالح بين النخب الحاكمة مع القطاع الخاص وكلاهما من خارج المناطق الجنوبية وهي تذكر وللأسف الشديد بوضع بريطانيا أثناء تواجدها في عدن والجنوب والوضع الحالي للولايات المتحدة بعد غزو العراق بإعطاء حصة الأسد في المشاريع التي تتبع شركات الدولة المنتصرة أو الغازية مع الفارق هنا أن هذه الظاهرة تتم في المحافظات الجنوبية باسم الوحدة.
ألغاز في شان احتياطي مخزون الغاز في مأرب/ الجوف
1988: أعلن الرئيس صالح في ذكرى 26 سبتمبر أن احتياطات الغاز الثابت في (ج.ع.ي) 5.5 تريليون قدم مكعب (حليس دورية النفط المتخصصة) بتاريخ 1988/9/19م.
1989: تصريح وزير النفط أحمد علي المحنى أن احتياطات الغاز الطبيعي الثابتة في (ج.ع.ي) 7 تريليون قدم مكعب، مضيفا في تصريح لـ«الحياة»: من المتوقع حسب المسوحات أن تصل هذه الاحتياطات إلى 20 تريليون قدم مكعب («الحياة» بتاريخ 1989/10/27م أو مجلة «نيس» 1989/10/30).
1994: وفق وكالة (سبأ) احتياطي الغاز المكتشف حاليا بلغ من -20 30 تريليونا حسب تصريح اربيكا مارك، رئيسة مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة إنرون الأمريكية العملاقة للغاز، في مؤتمرها الصحفي في صنعاء، محددة كلفة المشروع بين مليارين إلى مليارين ونصف المليار دولار وأن عملية التنفيذ ستبدأ في مطلع العام القادم 1995 إذا ما تم التوقيع بين اليمن والشركة في نهاية هذا العام 1994م، فيما يتوقع أن يبدأ التصدير في أواخر 1998 («الثورة» في 1994/4/16 العدد 10748).
2007: يعلن عن ارتفاع المخزون الغازي المكتشف إلى 18 تريليونا و215 مليار قدم مكعب وذلك من 17 تريليون قدم مكعب («الثورة» في 2007/5/29م) وسيطلق المشروع وفق تصريحات وزير النفط الأخ خالد بحاح في عام 2008م، وفي مطلع عام 2009 سوف يتم تصدير المرحلة الاولى، بينما في منتصف العام نفسه تبدأ المرحلة الثانية من التصدير وتقدر المبالغ التي ستحصل عليها الدولة خلال عشرين عاما بين -10 20 مليار دولار (أي بمتوسط إيرادات سنوية 500 مليون دولار أو مليار دولار لمدة 20 عاما)! السؤال اللغز في موضوع تضارب أرقام احتياط الغاز في مأرب الجوف، كيف يمكن تفسير إعلان وزير النفط لـ (ج.ع.ي) أحمد علي المحني في عام 1989م احتمال أن تكون احتياطات الغاز 20 تريليون قدم مكعب، وقول مسئولة شركة انرون للغاز الامريكية إن مستوى الاحتياط بين 20 - 30 تريليون قدم مكعب لنفاجأ بعد أكثر من 18 عاما في 2007م بأن احتياط الغاز 18 تريليون ا بانخفاض 2 تريليون عن تقديرات عام 1989م وكذا عن عام 1994م! ما هي أسباب تعثر مشروع إنتاج الغاز في مأرب/ الجوف لمدة أكثر من 17 عاما؟ فحكومة اليمن الشمالي وقعت في 23 أكتوبر 1989م قبل شهر من اتفاق عدن للوحدة في 30 نوفمبر 1989م اتفاق مشروع مشترك بالمناصفة مع (يمن اكمبولوريشن اند برود اكشن كومباني) وهي شراكة بين (يمن هانت اويل) و(ايكسون يمن) وشركة (يوكونغ) الكورية لاستخراج وتعبئة غاز البترول «المسيل» («الحياة» في 1989/10/27م و«ميس» 1989/10/30). وفي 1995/9/21م توقع حكومة اليمن الموحد اتفاقية الغاز مع شركة توتال الفرنسية، وفي 1997/1/19م يتم تعديل ذلك الاتفاق ليضم بجانب شركة توتال شركة ايكسون اليمن للغاز الطبيعي وشركة هنت اليمنية للغاز الطبيعي المحدودة وشركة يوكونغ المحدودة (الكورية) وهي الشركات الثلاث التي عادت إلى الظهور على السطح وسبق توقيع (ج. ع.ي) اتفاقاً معها في 23 اكتوبر 1989م.
الحفاظ على نفط الجنوب وموقعه الاستراتيجي قضية مصيرية وليست الوحدة هي القضية!
- في عام 1994م حصة نفط مأرب الجوف تمثل 55 % من إنتاج النفط وأشعلت الحرب ضد الجنوب.
في عام 2005 انخفضت حصة نفط مأرب إلى 19.04 % وأغلب الظن أنها الآن أدنى من ذلك.
- نضوب النفط في اليمن سيكون في عام 2012 وفق تصريحات الرئيس صالح في فبراير 2004م، في حين توقعات صندوق النقد الدولي أن نضوب النفط سيكون في غضون 12 إلى 15 سنة («الحياة» في 2005/10/6م).. فإذا افترضنا أن الجنوب استعاد من جديد سيادته واستقلاله يعني ذلك انتقال -92 95 % من صادرات اليمن الممثلة بنفط الجنوب ومصدر عملاتها الصعبة لتغطية احتياجاتها من التنمية و70 % من إيرادات الموازنة العامة في الدولة اليمنية إلى الجنوب المستقل، فكيف سيعوض الشمال خسارته الفادحة لثروة الجنوب ومجموع عدد سكانه 15.8 مليون نسمة؟ ألن يشعل حتما حربا ضد الجنوب وهو الذي أشعلها في عام 1994م وحصة نفط مأرب تمثل 55 %، فما بالنا وهذه النسبة لا تتجاوز 19.01 % تكفي بالكاد للاستهلاك المحلي؟ هل إعلان الحرب على الجنوب في هذه الحالة سيكون حبا في الوحدة أم خوفا من ضياع نفط وموارد الجنوب؟
وهل يمكن الاعتقاد أن القوى الإقليمية والدولية ستسمحان بتكرار حرب 1994م من جديد أن ستقف ضدها؟ هل يمكن تصور المخرج لضياع موارد الجنوب النفطية عبر قبول دول مجلس التعاون الخليجي انضمام اليمن إليها كأولوية عاجلة على أن ينظر لاحقا في إمكان دخول الجنوب في المجلس، كما حصل لتشيكوسلوفاكيا في عام 1992م بتفكهها إلى دولتين التقتا معا من جديد تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، وهنا سيكون مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للشمال والجنوب إذا رغبا في ذلك؟
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الأيام للصحافة و النشر Designed & Hosted By MakeSolution.com
حد من الوادي
11-03-2007, 04:29 PM
لكل أمرئ وجعه وكلٌّ بصوته ينوح
علي صالح محمد:
حين يكتب أو يتحدث البعض عن الممارسات التي أدت إلى الاحتقان في المناطق الجنوبية يسارع البعض إلى وصم من تحدث بالانفصالي، وحين يجري الحديث بأن هناك جورا ومظالم وانتقاص حقوق تحصل في الجنوب ينبري البعض للتعميم بالقول إن اليمن كله غارق بهذه المظالم، وعلى الجنوبيين أن يأخذوا حصتهم من الظلم الواقع عليهم هناك منذ قرون والمستمر باسم الثورة والجمهورية، مع أن ثورة 26 سبتمبر يفترض أنها جاءت لتحريرهم من المظالم، وهنا يقول الروائي الروسي الشهير مكسيم جوركي «إن لكل امرئ وجعه وكلٌّ بصوته ينوح».
ومن واقع هذه الرؤية لا بد من الاعتراف بحقيقة التنوع، وهنا لا يجوز الخلط أو التعميم أو إنكار هذا التنوع، لأن الله عز وجل خلق البشر مختلفين، وهذا الاختلاف هو ما يميز البشر ويمنحهم صفة الاجتماعية والتكامل في إطار مقولة (الوحدة والتنوع) وفقاً لقوله تعالى ?{?وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم?}?. إذن الاختلاف ضرورة ونعمة للبشر وهو ما يقف وراء تطورهم من الأدنى إلى الأعلى، ومن واقع هذه الحكمة فلا يجوز تعميم المظالم وتبريرها بكونها واقعاً قائماً فرض على الرعية في المناطق الشمالية ضمن فلسفة منظومة الحكم التي تعمل على إخضاع الوعي والإرادة الفردية والمجتمعية باسم الثوابت ليجري تعميمها في الجنوب، ومهما يكن وحتى لا يظل استخدام هذه الورقة ضدا على الجنوبيين لا بد من الاعتراف أن الجنوب يعاني بشكل مضاعف وبصورة مزدوجة أولاً من طبيعة نظام الحكم وثانياً من ممارسات الاستباحة والنهب التي حققتها حرب 1994م وعبرت عنها الممارسات اليومية طيلة 13 عاماً وتعددت أساليبها وصورها وباسم الوحدة المباركة، لهذا ليس مستغرباً وصول الناس في الجنوب بهذه السرعة وبهذه القوة إلى القناعة الكاملة بضرورة مناهضة هذه الممارسات العدائية المنهجية ضدهم وضد أرضهم.
والمثير أن النظام لا يريد الاعتراف بأنه هو من صنع بوعي أو بغير وعي مشاعر الكراهية في نفوس الناس، ولم يزل مصراً على تأجيجها بدليل عمليات القمع الأخيرة للحراك السلمي الحضاري والديمقراطي في كل من عدن والمكلا والضالع وردفان لحج، اعتقاداً من البعض بأن ممارسة سياسة القمع ستؤدي نفس نتائجها في الشمال، في قراءة فير واقعية لخصائص الواقع والبشر هنا أو هناك، متناسين أنهم وصلوا للثروة والهيمنة على قاعدة التفكيك للقوى التي اتبعت في الجنوب لعقود من الزمن، وأرادوا الاستمرار ومواصلة الإخضاع وإحكام السيطرة عبر القمع والتهميش لكل القوى بالاعتماد على نفس السياسات، وبعد أن أدرك الجميع هدف اللعبة ومراميها ورفعوا فجأة وبلا خوف أو تردد شعار التسامح والتصالح لتأكيد وحدتهم المستهدفة، فضح النظام نفسه مجدداً حين استنكر حراك الناس ووحدتهم وهو الذي يرفع شعار الوحدة أو الموت كوسيلة لنهب الثروة، ويمارس الانفصال في الواقع بدليل الممارسات اليومية في إبقائه على الوضع القبلي في الشمال وإنعاشه في الجنوب بعد اندثاره، مع أن المطلوب لتعميق وحدة الناس في أي مجتمع نقلهم من طور الحماية الأدنى إلى طور الحماية الأرفع، أي من شكل القبيلة إلى مفهوم الدولة، وهي الدولة التي جرى تدميرها في الجنوب عنوة ليؤدي ذلك إلى وضع مغاير يتعارض مع مصالح وأحلام الناس التي تراجعت كثيراً في مناطقهم، ومع ذلك أصبحت معاناتهم المزدوجة مصدرا لوحدتهم وتعبيراتهم السلمية المناهضة لهذا الوضع، وفي المناطق الشمالية مهما بدا الوضع القبلي يمثل عامل استمرار للنظام إلا أنه في الواقع تتشكل بوضوح وتبرز ملامح ثورة من صنف آخر يمكن وصفها بثورة الجياع، وبفضل سياسات النظام يتجه نضال الناس مجدداً كل من موقعه ومن واقع أنينه ليتحد باتجاه تحقيق أحلامهم المشروعة وإن بصور مختلفة.
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الأيام للصحافة و النشر Designed & Hosted By MakeSolution.com
حد من الوادي
11-03-2007, 04:40 PM
مؤذن مجنون وكيّال أعور
محمد علي محسن:
قلت في أكثر من تناولة أو حديث إن جل مصائبنا ومعاناتنا ناتجة عن غلبة الهوى والفوضى والعاطفة على ما دونها من العقل والمنطق والواقع والمعرفة وغيرها من مؤهلات نجاح وتطور الأمم، ما نراه اليوم من مظاهر احتجاجية مطلبية -وتواجه بالرصاص والقمع - هي نتاج طبيعي لحالة مزمنة من الفوضى السائدة الآن وما كان لها أن تصل لمرحلة خطرة مثل هذه لولا هيمنة الهوى في الحكم أو طغيان العاطفة عند المحكومين، وما هو حاصل في الوقت الحاضر يمكن القول إنه صورة مثلى مجسدة للفوضى بكل ما للكلمة من معنى.
ثلاثة أضلاع استبدت بحياتنا لدرجة أفقدتنا البصر والبصيرة بإمكانية العيش في نظام وسلام ورفاهية خارج هذا المثلث (الهوى والعاطفة والفوضى)، العقل للأسف مازال مغيباً ومقصى، ولعلني هنا أورد مثلاً سمعته من شخصين مختلفين الأول في السلطة والآخر في المعارضة ومفاده يكاد يكون واحدا رغم اختلاف اللفظ، حيث وصف الأول الأوضاع الراهنة بمثل يقول «ما للمسجد الصابئ سوى المؤذن المجنون» فيما الثاني علق على ما يحدث من عنفوان شعبي عفوي بقوله «ما للحَبّ الخشش غير الكيال الأعور»، كلا الاثنين ربما اتفقا من حيث لا يدريان أو يريدان وأن ما نشاهده هو تعبير صادق لفوضى عارمة لا ينفع معها سوى المؤذن المجنون في المسجد القفر الخالي من المصلين أو الكيال بنصف النظر للحب المسوّس، فكلاهما المجنون والأعور دلالة فوضى وعبث واستهتار مطلوبة وذات فائدة في مرحلة كهذه لا يجدي معها العقل والنظام والقانون والأحزاب والمؤسسات...إلخ مثلما يصلح لها أذان مجنون غير منضبط بمواقيت، أو كيال أعور.
40 عاماً مضت على الاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967م.. لكأن هذه العقود الاربعة ليست كافية لمراجعة الذات واستخلاص العبرة والدرس، مصائبنا ومآسينا سببها الرئيسي هذه الفوضى والعاطفة والهوى، ودون إحكام العقل والنظام سنظل أسرى أفعال عاطفية لا تنتهي بغير الكوارث.. الرأي الصائب هو ثروة التفكير وفق تعبير أرسطو، كما أن ثقة العاطفة شهر وثقة العقل دهر بحسب حكمة عربية، وعلى هذا الأساس أجزم أن أكثر معاناتنا بفعل تنحية العقل عن التفكير والعمل وبدلاً عنه يتم إحلال الهوى والفوضى والعصبية والطيش وغيرها من الأفعال اللاعقلانية واللا نظامية واللا مسؤولة التي أفسدت حياتنا وأحالتها جحيما لا يطاق من الصراعات الدموية والحروب والاقتتالات والثأرات والأحقاد والفرقة والكراهية والاستبداد.
عندما غابت الحكمة صارت أهداف الثورة مصلوبة تتصدر واجهة الصحف بلا قيمة أو نفع، ومثلما صلبت الثورة الأم كانت أيضاً ثورة الجنوب قد اختطفت لمكان قصي ولمرات عدة وسيناريو الاختطاف يتكرر من الجماعات المختلفة إلى أن تحققت الوحدة التي مثلت لنا جميعاً ملاذا نستجير به من حمى الشعارات الثورية التقدمية والرجعية ومن إخفاق الثورتين المغدور بهما، وإذا بالدولة الواحدة تقيم أعمدتها وبنيانها على أرض وحلة ومداميك مغشوشة ومساحة ضيقة لا متسع فيها لغير النظامين المتقاسمين للحكم، ولأن الوحدة قامت على هكذا نحو من الهشاشة والفوضى والعاطفة أكثر من إحكام العقل والواقع والتجربة الطويلة الزاخرة بالدروس والعبر الكفيلة ببناء صرح قوي ومتين وعلى أسس صحيحة وفيه متسع لكل اليمنيين دونما استثناء لا كما رأيناه هشاً وعرضة للانهيار بعد مضي بضعة أعوام.. فما رأيناه بعدئذ من سقوط وانهيار للدولة الجديدة ومن سرقة للوحدة الحلم والأمل ما هو سوى نتيجة حتمية لقرار ارتجالي محض في لحظة تاريخية سادتها الفوضى والهوى والحنين الوجداني أكثر من تغليب العقل والمنطق والفائدة المرجوة.
ما يحدث في الحاضر من حراك شعبي مطلبي هو مشروع وجدير بالدعم، كما أن تصالح وتسامح فرقاء الأمس ليس فيه ما يدعو للريبة والتوجس بقدر ما يتطلب مباركته وتوسعة نطاقه ليشمل كل مساحة الوطن.. ما يستوجب الحيطة والحذر هو تكرار عنفوان الماضي اللا واعي واللا عقلاني، فليس هنالك أسوأ من الأفعال النزقة والمتطرفة وغير المدركة أو المستحكمة بانفعالاتها وحماستها والتي لطالما جلبت لنا المصائب والأذى، ولئلا نعيد الكرّة علينا التفكير جلياً بما نفعله وننشده فلا نريد حراكاً عفوياً فوضوياً لا شعورياً يؤدي بنا للمجهول فيكفينا ذلكم الجنون الثوري الذي لولاه لما عدنا لنقطة المبتدأ ومن جديد، وكأنما لا ثورة أو استقلال أو وحدة تحققت بين دولتين، نعم الفوضى والظلم هما السائدان في الواقع، ونعم الوحدة تعرضت لأسوأ انقلاب عسكري طال دستورها ونظامها ووجودها، ولكن ذلك لا يعني نسيان حاجتنا لاصطفاف واع ومنظم جدير باحترام الجميع، كما أن كثرة المظالم الواقعة علينا لا تجعلنا نفقد الحكمة والعقل في سلوكنا وخطابنا مهما كبر شأنها، فالحكمة مطلوبة في مثل هذه الظروف وأي فعل سياسي نزق وطائش لا يؤدي لغير الهلكة أو الكارثة، وحسبنا عقود من الكوارث والمصائب.
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الأيام للصحافة و النشر Designed & Hosted By MakeSolution.com
vBulletin® v3.8.9, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir