المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل ممتنع وقوع الشرك في جزيرة العرب


إبن اللسك
02-02-2008, 05:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه صلاةً لا يحصيها عدد، وبعد:
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم" . رواه مسلمهذا الحديث استدل به القبوريون على عدم وقوع الشرك في جزيرة العرب إلى أن تقوم الساعة، وهذه الشبهة قد تناولها كثيرٌ من أهل العلم بالرد كما سيأتي بيانه في الجواب على هذه الشبهة، وقد جعلته في أربعة مراتب وهي كما يلي:

الأولى: ماذا يريد القبوريون بنشرهم لمثل هذه الشبه:
إنَّ من أعظم ما يرمي إليه المفتونون بالقبور عند طرحهم لمثل هذه الشبه هو تبريرهم لما هم عليه من الأعمال الشركية كدعاء الأموات والاستغاثة بهم وطلب المدد منهم واتخاذهم وسائط بينهم وبين الله، قال تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً) وقال تعالى: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) وهم يريدون أيضا بطرحهم لمثل هذه الشبه تبريرهم لما هم عليه من الأعمال التي هي وسائل للإشراك بالله سبحانه وتعالى، مثل بناء المساجد والقباب على القبور، وضرب الخيام عليها، ورفعها أكثر من الحد المشروع والسفر والاختلاف إليها والتمسح والتبرك بها ونحو ذلك، فهذه الأمور كلها ليست مشروعة والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة ومن كلام سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

الثانية: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب"
قال: الألوسي رحمه الله تعالى: الحديث لا يدل على عدم وقوع الكفر في جزيرة العرب، وانتفاء الإلحاد فيها، فإن الدلالة على ذلك لا يحتاج في إبطالها إلى دليل، فقد ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعض قبائل العرب، ولا يبعد أن المراد بهذا: لا يطمع أن يعبده المؤمنون في جزيرة العرب، وهم المصدقون، ويحتمل أن المراد بالمصلين أناس معلومون بناءً على أنْ تكون [ألـ] للعهد وأنْ يُراد بهم الكاملون فيهم وهم خير القرون. إ.هـ أنظر كتاب [دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب] للشيخ عبدالله بن عبد العزيز آل عبد اللطيف.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ: جاء في الحديث إياس الشيطان من أن يعبده المصلون، والصلاة من أركان الإسلام العظام، وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين، والصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى )إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر( وأعظم المنكر الشرك بالله وصرف محض حق الله إلى غيره من الأنبياء والصالحين فيكون هذا القيد لازما للشهادة وإخلاص الدين، فيكون المعنى: إنَّ الشيطان يئس أن يعبده المخلصون دينهم لله، فتأمل نكتة تقييده بالمصلين، ويعني بها حقيقة الصلاة وثمرتها، وهذه نكتة مفيدة مَنَّ الله بها، والحمد لله الموفق للصالحات. أنظر كتابه [هذه مفاهيمنا 212]
ثم إنَّ نسبة اليئس للشيطان مبنية للفاعل وليست مبنية للمفعول، وعلى ذلك فلو قُدِّر أنه يئس من أن يُعبد في جزيرة العرب إياساً مستمراً فإنما ذلك ظنٌ منه وتخمين لا عن علم لأنه لا يعلم الغيب.
ومثل ذلك قولهم يئس الطالب من النجاح في الاختبار ثم بعد ذلك ينجح، لأنه إنما غلب على ظنه الفشل والله أعلم.

الثالثة: الأحاديث التي تدل على وقوع الشرك في جزيرة العرب وفي غيرها من البلاد.
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لتتبعن سنن من قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قيل يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن" . متفق عليه
قال ابن بطال: "عَلِم عليه الصلاة والسلام أن أمته ستتبع المحدثات من البدع والأهواء كما وقع للأمم من قبلهم، وقد أنذر في أحاديث كثيرة أن الآخر شر وأن الساعة لا تقام إلا على شرار الخلق وأن الدين إنما يبقى قائما عند خاصة من الناس. فتح الباري 13/301
وعن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا وُضع السيف في أمتي لم يُرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان" . رواه أبو داود . وصححه الألباني
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة" متفق عليه.
وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية ..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنتُ لأظن حين أنزل الله) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (أنَّ ذلك تاما، قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله" .
قال الشيخ الألباني: ففي هذه الأحاديث دلالة قاطعة على أن الشرك واقع في هذه الأمة، فإذا الأمر كذلك فيجب على المسلمين أن يبتعدوا عن كل الوسائل والأسباب التي قد تؤدي بأحدهم إلى الشرك، مثل ما نحن فيه من بناء المساجد على القبور، ونحو ذلك مما سبق بيانه، مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحذر أمته منه.

الرابعة: دلالة الواقع على خلاف ما ذهب إليه القبوريون من معنى الحديث:
قال الشيخ الألباني: رحمه الله تعالى: وقد يظن بعض الناس خاصة مَن كان منهم ذا ثقافة عصرية أن الشرك قد زال، وأنه لا رجعة له بسبب انتشار العلوم واستنارة العقول بها! وهذا ظن باطل، فإن الواقع يخالفه، إذ أن المشاهد أن الشرك على اختلاف أنواعه ومظاهره لا يزال ضاربا أطنابه في أكثر بقاع الأرض، ... فهذه كثير من بلاد المسلمين وخاصة الشيعة منهم ففيها عديد من مظاهر الشرك والوثنية كالسجود للقبور، والطواف حولها، واستقبالها بالصلاة والسجود، ودعائهم من دون الله تعالى وغير ذلك مما سبق ذكره، على أننا لو فرضنا أن الأرض قد طهرت من أدران الشركيات والوثنيات على اختلاف أنواعها، فلا يجوز لنا أن نبيح اتخاذ الوسائل التي يُخشى أن تؤدي إلى الشرك لأننا لا نأمن أن تؤدي هذه الوسائل ببعض المسلمين إلى الشرك، بل نحن نقطع بأن الشرك سيقع في هذه الأمة في آخر الزمان إن لم يكن قد وقع الآن.إ.هـ
وهذا الشركُ لا يخفا يحالٍ .... له وجهٌ بهِ عبَسٌ دميمُ
فكم من قبَّةٍ عُبدت وقبرٍ .... وأمواتٍ عظامهمُ رميمُوختاماً ننصحُ المسلمين جميعا بالعمل بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.