غالي الأثمان
03-05-2008, 10:52 AM
تأبين الأحرار ليس خيانة... يا كويت
د. سعيد الشهابي
الكويت تعيش أزمة مفتعلة، ما كان لها ان توجد لولا وجود أيد تسعي للتخريب والدق علي أسافين الارهاب والطائفية وتروج ثقافة الاستسلام للهيمنة الامريكية ـ الصهيونية، وتساهم، بوعي او سذاجة، في اضعاف التوجه للصمود ومقاومة الواقع الذي فقدت فيه المنطقة سيادتها واستقلالها الحقيقي. الأزمة بدأت بقرار بعض المواطنين الكويتيين اقامة مجلس فاتحة علي روح الشهيد عماد مغنية، تعبيرا عن تقديرهم للمقاومة الاسلامية اللبنانية والفلسطينية من جهة، وشجبهم لجريمة الاغتيال التي من شأنها ان تتكرر فيما لو لم تواجه بموقف عربي واسلامي شديد. فالمناضل اللبناني كان أحد مؤسسي حزب الله اللبناني، وعقلا محوريا في التخطيط لعمليات عسكرية ضد اهداف غربية اهمها قوات الماينز الامريكية والفرنسية في بيروت. يضاف الي ذلك عملية اختطاف طائرة تي دبليو أيه الامريكية في مطار بيروت في 1985، ومقتل احد ركابها. حتي هنا لا يبدو هناك ما من شأنه تبرير الضجة التي افتعلت ضد الذين أقاموا مجلس الفاتحة. وتجدر الاشارة الي ان ذلك المجلس لم يكن حدثا عملاقا في حجمه، وانما اكتسب اهميته من ارتباطه بمغنية من جهة، وبالكويت من جهة اخري. فالذين احتجوا علي اقامة ذلك المجلس انطلقوا علي خلفية تدعي ان مغنية كان وراء خطف الطائرة الكويتية (الجابرية) في 1988، التي قتل فيها شخصان كويتيان. ولم يكن معروفا دور واضح لمغنية في تلك العملية، كما لم توجه الحكومة الكويتية اليه هذه التهمة قط، ولم تعرف يومها هوية الخاطفين الذين كانوا يطالبون باطلاق سراح 17 شخصا، أغلبهم من اللبنانيين كانوا معتقلين لدي السلطات الكويتية لأسباب أمنية، يعتقد ان بعضهم ارتكب اعمالا ارهابية في الكويت. ومن الامور الغريبة ان من بين اولئك اللبناني إلياس صعب الذي بقي في السجون الكويتية حتي الاجتياح العراقي للكويت في 2 آب (اغسطس) 1990. وعندما خرج من السجن احتفظ الكويتيون به لمساعدتهم في المقاومة ضد القوات العراقية، ثم تم ترحيله بعد عودة الحكومة الكويتية في 1991.
ماذا يعني ذلك؟ اذا كان صعب متهما بارتكاب اعمال ارهابية ضد حكومة الكويت، فلماذا أخلي سبيله بعد الحرب المدمرة في 1991؟ من بين ما يعنيه ذلك ان الظروف تفرض نفسها علي الواقع، فاذا بـ الارهابي صديقا، واذا بعدو الامس يصبح صديق اليوم. هذا من جهة. ومن جهة اخري فليس هناك دليل علي دور مباشر لمغنية في حادثة الجابرية ، اذ لم تطالب به الحكومة الكويتية ولم يرد اسمه بين المتهمين بتلك العملية. فالذين اقاموا حفل التأبين علي روحه، كانوا يدركون حساسية الموقف، ولو علموا ان لمغنية دورا في اختطاف الجابرية لربما ترددوا في ما قاموا به. ومن جهة ثالثة، فان من الواضح انهم انطلقوا علي خلفية الموقفين العربي والاسلامي الداعم للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وتخليد ذكري من يسقط من افرادها من الشهداء علي ايدي قوات الاحتلال. وليس سرا القول بان مغنية كان شخصية محورية في المقاومة ضد ذلك الاحتلال. حتي ان الفلسطينيين أطلقوا عليه شهيد فلسطين اعترافا بدوره في دعم المقاومة الفلسطينية ودوره العملي في رفدها بخبراته الفنية. وكان معروفا في اوساطهم باسم الحاج رضوان . فالموقف منه من قبل العرب والمسلمين يرتبط بالموقف العام ازاء الاحتلال الاسرائيلي والسياسات الامريكية في المنطقة. فهو لدي الكثيرين بطل و مناضل و عنوان للصمود والاستبسال ، بغض النظر عما يقوله الاعلام والساسة الغربيون. ومن المؤكد ان الولايات المتحدة لا تقبل باعتبار من يقاوم وجودها في المنطقة او يتصدي للاحتلال الاسرائيلي مناضلا ، وتصر علي اعتباره ارهابيا . هذه سياستها المعلنة تجاه من استهدفتهم قوات الاحتلال الاسرائيلية مثل الشيخ احمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي (من حماس)، والدكتور فتحي الشقاقي (رئيس حركة الجهاد الاسلامي) والمهندس يحيي عياش. وقبل ذلك لم تخف واشنطن بهجتها لاغتيال القادة الفلسطينيين مثل خليل الوزير أبوجهاد الذي استشهد في 1988علي ايدي فرقة اسرائيلية نقلت بشكل خاص الي تونس لترتكب الجريمة وتعود الي اسرائيل في الليلة نفسها. كما اغتالت رموزا اخري للمقاومة الفلسطينية مثل الشهيد صلاح خلف أبو اياد والشهيد هايل عبد الحميد أبو الهول والشهيد فخري العمري أبو محمد ، وغيرهم. ولم ترد علي لسان الامريكيين يوما كلمة شجب واحدة ضد الممارسات الارهابية الاسرائيلية، بل كانت تعتبر عمليات الاغتيال تلك امرا مفهوما . وارتكبت قوات الاحتلال جريمة اغتيال الشهيد السيد عباس الموسوي، الامين العام السابق لحزب الله اللبناني، مع عائلته في 1992.
الكويتيون الذين أقاموا مجلس فاتحة علي روح عماد مغنية، انما تناغموا مع مشاعر الامة الاسلامية التي تحزن عندما ينجح اعداؤها في الوصول الي احد العناصر الطليعية في النضال والجهاد ضدهم، ومن المؤكد انهم لم يتوقعوا ردة الفعل العنيفة التي حدثت في الاوساط الحكومية والاعلامية. كما لم يتوقعوا ان يصل الامر الي حد اختراق القوانين المحلية ومنها ما هو متوفر من مساحة محدودة لحرية التعبير عن الرأي. هؤلاء لم يرتكبوا جريمة ضد أحد، ولم يمارسوا العنف، ولم يحرضوا علي الارهاب. فكل ما فعلوه انهم بعثوا رسالة تعزية الي السيد حسن نصر الله، وأقاموا مجلس عزاء محدودا، وكان بالامكان التغاضي عن هذين الامرين بدون اثارة اي لغط بشأنهما. وكان بامكان السلطات توجيه اللوم والعتاب بشكل خاص، وافهام القائمين علي ذلك المجلس بانزعاج الامريكيين لما فعلوه، بدلا من الحملة الاعلامية والسياسية التي وجهت ضدهم. فما هي الرسالة التي ارادوا ايصالها؟ كان واضحا ان الحكومة الكويتية ما تزال تشعر بانها مدينة للامريكيين الذين حرروا الكويت من القوات العراقية، وانها مستعدة للتعبير عن امتنانها لذلك بالصورة التي يريدها الامريكيون حتي لو اقتضي ذلك اتخاذ اجراءات ضد المواطنين، وانتهاك الدستور والاعراف الكويتية التي من بينها هذا القدر المحدود من حرية التعبير. وما طرح قضية خطف الجابرية الا تبرير هش للاجراءات القمعية التي اتخذت بحق بعض المواطنين، ومن بينهم نائب منتخب بمجلس الامة، وهو السيد عدنان عبد الصمد. وبدلا من السعي لاحتواء الأزمة قامت مباحث أمن الدولة باعتقال ثلاثة أشخاص من الذين شاركوا في تنظيم مجلس العزاء، وهم صالح الموسي، وعبد الأمير العطار ووليد المزيدي، وهم اول سجناء سياسيين في عهد الامير الحالي، الشيخ صباح، ومن شأن ذلك ان يؤثر سلبا علي سمعة الكويت لدي المنظمات الحقوقية الدولية. وما تزال الحكومة مترددة في اعتقال عدد آخر من بينهم الدكتور فاضل صفر، عضو المجلس البلدي المنتخب، والدكتور عبد المحسن جمال، العضو السابق بمجلس الامة، والحاج حسن حبيب، الناشط الخيري المعروف وال شيخ حسين المعتوق، وهو عالم دين ناشط في المجالات الفكرية والسياسية والاجتماعية. هؤلاء الاربعة رفضوا الذهاب الي أمن الدولة، وفضلوا الاعتقال علي الاستجابة لطلب المثول امام عناصر التحقيق التي عرف عنها في السابق ممارسة التعذيب. اما النائب عدنان عبد الصمد، فيحظي بحصانة برلمانية حتي الآن. وفيما كان البعض يتوقع توجه الحكومة نحو التهدئة، بادرت لاعتقال الدكتور ناصر صرخوه، الاستاذ بجامعة الكويت، وعضو مجلس الامة السابق. جاء الاعتقال صباح أمس (الثلاثاء) علي ايدي مجموعة من عناصر الامن اوقفوه وهو في طريقه الي الجامعة.
الي اين تتجه الكويت؟ فمنذ أزمة الغزو والحرب التي اعقبتها اصبح هذا البلد الخليجي محدود التأثير في المحيط الخليجي والعربي، ومضطربا في سياساته الداخلية. مع ذلك فقد كان حتي الآن يتمتع بدرجة من الامن السياسي الداخلي برغم التحديات الخارجية، ولا بد من الاشارة الي ان هذا البلد محاصر بثلاث دول كبري لا يستطيع الانفكاك عما يجري فيها، ولم يوقع مع اي منها، اتفاقا حدوديا. وحتي العراق الذي أجبر تحت التهديد الدولي في عهد صدام حسين علي التوقيع علي ترسيم الحدود، ما يزال غير مستقر في موقفه ازاء هذه الحدود. وقد فشلت حتي الآن كافة المحاولات لتوقيع اتفاقات مع الشقيقة الكبري (المملكة العربية السعودية) حول ترسيم الجرف القاري، وهو الامر الذي تشترطه ايران علي الكويت لترسيم الحدود معها. ان بلدا يعيش وضعا معقدا كالكويت ليس من مصلحته توتير اجوائه الداخلية لاسباب مفتعلة، او بضغوط خارجية. فمصلحته تقتضي البحث عن وئام وطني ضمن دستور يوفر لكافة الفئات ما تستحقه من تمثيل سياسي، بعيدا عن الاحتقانات العرقية والطائفية والقبلية. وان ما جري مؤخرا أمر خطير من شأنه، اذا لم تتحرك القيادة الكويتية لاحتوائه، ان يؤدي الي مزيد من الاحتقان، ليس علي مستوي الداخلي فحسب، بل علي الصعيد الاقليمي ايضا. وقد يراهن النظام علي البعد الطائفي للمشكلة، ولكنه رهان غير مضمون النتائج في ضوء الواقع اللبناني الصعب والوضع الفلسطيني الأصعب، والوضع العراقي المضطرب. فالكويت لا تعيش بمعزل عن هذه الدول، فضلا عن ايران والسعودية والبحرين، وكلها مواقع ساخنة سياسيا. ان اكثر ما يثير الاستغراب ان امير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، ربما يكون الأطول خبرة في المجال السياسي، فكيف يسمح باعتقال مواطنين بالصورة التي تمت، وكل ما فعلوه انهم حضروا، وفي أسوأ الاحوال، ساهموا في تنظيم، مجلس عزاء لم يدم اكثر من ساعتين، لمناضل يعتبره الكثيرون أحد رواد النضال العربي والاسلامي ضد الاحتلال الصهيوني والتغطرس الامريكي. فحتي السفير السعودي في لبنان قدم تعازيه للسيد حسين نصر الله. ونعي الشهيد الكثير من الشخصيات والحركات السياسية الاسلامية وغيرها في العالم الاسلامي، بشكل يفوق كثيرا ما فعله الكويتيون المذكورون. وبدلا من اعتبار التأبين جريمة كان علي الكويت ان تحتضنه وتستغله لاظهار استقلالها عن الهيمنة الامريكية. فطالما كانت الكويت في ما مضي من الازمان حاضنة للمناضلين، فما حدا عما بدا؟
ان من الصعب التنبؤ باتجاه التطورات علي الساحة السياسية الكويتية. الامر المؤكد انه، ما لم يتم التدخل من اعلي السلطات، بأسرع وقت ممكن، فليس مستبعدا ان تتحول الكويت تدريجيا الي ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين القوي الاقليمية من جهة، والي فقدان التوازن الاجتماعي الذي منع تجذر ظواهر التطرف والارهاب والطائفية من جهة اخري. فالسماح للأزمة بالاستمرار، اما باستمرار احتجاز سجناء الرأي الثلاثة او باعتقال آخرين معهم، ليس من مصلحة الكويت، ولا العائلة الحاكمة علي وجه الخصوص. ولن يفيد الحكومة الكويتية استنطاق بعض الجهات هنا وأخري هناك للحصول علي تصريحات ايجابية حول انجازاتها، او الاشادة بـ الحكمة و الاعتدال و الخبرة لدي رموزها. فلقد اصبحت للتوازن السياسي معايير اخري غير متوفرة لديها، ومنها، في الحالة العربية المتصدية للاحتلال والهيمنة الغربية، تحقيق قدر من الاستقلال في المواقف والسياسات بعيدا عن الهيمنة الامريكية او العدوان الاسرائيلي. ان الكويت تواجه وضعا خطيرا ما لم يتم التراجع عن خيار المواجهة مع قطاع شعبي واسع، قام بتأبين شخص يعتبره الكثيرون من ابناء الامة، خصوصا في لبنان وفلسطين، أحد رموز النضال بعد ان سقط شهيدا وهو مرفوع الرأس امام اعداء الامة في زمن الانحناء والذل والتراجع والسقوط.
د. سعيد الشهابي
الكويت تعيش أزمة مفتعلة، ما كان لها ان توجد لولا وجود أيد تسعي للتخريب والدق علي أسافين الارهاب والطائفية وتروج ثقافة الاستسلام للهيمنة الامريكية ـ الصهيونية، وتساهم، بوعي او سذاجة، في اضعاف التوجه للصمود ومقاومة الواقع الذي فقدت فيه المنطقة سيادتها واستقلالها الحقيقي. الأزمة بدأت بقرار بعض المواطنين الكويتيين اقامة مجلس فاتحة علي روح الشهيد عماد مغنية، تعبيرا عن تقديرهم للمقاومة الاسلامية اللبنانية والفلسطينية من جهة، وشجبهم لجريمة الاغتيال التي من شأنها ان تتكرر فيما لو لم تواجه بموقف عربي واسلامي شديد. فالمناضل اللبناني كان أحد مؤسسي حزب الله اللبناني، وعقلا محوريا في التخطيط لعمليات عسكرية ضد اهداف غربية اهمها قوات الماينز الامريكية والفرنسية في بيروت. يضاف الي ذلك عملية اختطاف طائرة تي دبليو أيه الامريكية في مطار بيروت في 1985، ومقتل احد ركابها. حتي هنا لا يبدو هناك ما من شأنه تبرير الضجة التي افتعلت ضد الذين أقاموا مجلس الفاتحة. وتجدر الاشارة الي ان ذلك المجلس لم يكن حدثا عملاقا في حجمه، وانما اكتسب اهميته من ارتباطه بمغنية من جهة، وبالكويت من جهة اخري. فالذين احتجوا علي اقامة ذلك المجلس انطلقوا علي خلفية تدعي ان مغنية كان وراء خطف الطائرة الكويتية (الجابرية) في 1988، التي قتل فيها شخصان كويتيان. ولم يكن معروفا دور واضح لمغنية في تلك العملية، كما لم توجه الحكومة الكويتية اليه هذه التهمة قط، ولم تعرف يومها هوية الخاطفين الذين كانوا يطالبون باطلاق سراح 17 شخصا، أغلبهم من اللبنانيين كانوا معتقلين لدي السلطات الكويتية لأسباب أمنية، يعتقد ان بعضهم ارتكب اعمالا ارهابية في الكويت. ومن الامور الغريبة ان من بين اولئك اللبناني إلياس صعب الذي بقي في السجون الكويتية حتي الاجتياح العراقي للكويت في 2 آب (اغسطس) 1990. وعندما خرج من السجن احتفظ الكويتيون به لمساعدتهم في المقاومة ضد القوات العراقية، ثم تم ترحيله بعد عودة الحكومة الكويتية في 1991.
ماذا يعني ذلك؟ اذا كان صعب متهما بارتكاب اعمال ارهابية ضد حكومة الكويت، فلماذا أخلي سبيله بعد الحرب المدمرة في 1991؟ من بين ما يعنيه ذلك ان الظروف تفرض نفسها علي الواقع، فاذا بـ الارهابي صديقا، واذا بعدو الامس يصبح صديق اليوم. هذا من جهة. ومن جهة اخري فليس هناك دليل علي دور مباشر لمغنية في حادثة الجابرية ، اذ لم تطالب به الحكومة الكويتية ولم يرد اسمه بين المتهمين بتلك العملية. فالذين اقاموا حفل التأبين علي روحه، كانوا يدركون حساسية الموقف، ولو علموا ان لمغنية دورا في اختطاف الجابرية لربما ترددوا في ما قاموا به. ومن جهة ثالثة، فان من الواضح انهم انطلقوا علي خلفية الموقفين العربي والاسلامي الداعم للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وتخليد ذكري من يسقط من افرادها من الشهداء علي ايدي قوات الاحتلال. وليس سرا القول بان مغنية كان شخصية محورية في المقاومة ضد ذلك الاحتلال. حتي ان الفلسطينيين أطلقوا عليه شهيد فلسطين اعترافا بدوره في دعم المقاومة الفلسطينية ودوره العملي في رفدها بخبراته الفنية. وكان معروفا في اوساطهم باسم الحاج رضوان . فالموقف منه من قبل العرب والمسلمين يرتبط بالموقف العام ازاء الاحتلال الاسرائيلي والسياسات الامريكية في المنطقة. فهو لدي الكثيرين بطل و مناضل و عنوان للصمود والاستبسال ، بغض النظر عما يقوله الاعلام والساسة الغربيون. ومن المؤكد ان الولايات المتحدة لا تقبل باعتبار من يقاوم وجودها في المنطقة او يتصدي للاحتلال الاسرائيلي مناضلا ، وتصر علي اعتباره ارهابيا . هذه سياستها المعلنة تجاه من استهدفتهم قوات الاحتلال الاسرائيلية مثل الشيخ احمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي (من حماس)، والدكتور فتحي الشقاقي (رئيس حركة الجهاد الاسلامي) والمهندس يحيي عياش. وقبل ذلك لم تخف واشنطن بهجتها لاغتيال القادة الفلسطينيين مثل خليل الوزير أبوجهاد الذي استشهد في 1988علي ايدي فرقة اسرائيلية نقلت بشكل خاص الي تونس لترتكب الجريمة وتعود الي اسرائيل في الليلة نفسها. كما اغتالت رموزا اخري للمقاومة الفلسطينية مثل الشهيد صلاح خلف أبو اياد والشهيد هايل عبد الحميد أبو الهول والشهيد فخري العمري أبو محمد ، وغيرهم. ولم ترد علي لسان الامريكيين يوما كلمة شجب واحدة ضد الممارسات الارهابية الاسرائيلية، بل كانت تعتبر عمليات الاغتيال تلك امرا مفهوما . وارتكبت قوات الاحتلال جريمة اغتيال الشهيد السيد عباس الموسوي، الامين العام السابق لحزب الله اللبناني، مع عائلته في 1992.
الكويتيون الذين أقاموا مجلس فاتحة علي روح عماد مغنية، انما تناغموا مع مشاعر الامة الاسلامية التي تحزن عندما ينجح اعداؤها في الوصول الي احد العناصر الطليعية في النضال والجهاد ضدهم، ومن المؤكد انهم لم يتوقعوا ردة الفعل العنيفة التي حدثت في الاوساط الحكومية والاعلامية. كما لم يتوقعوا ان يصل الامر الي حد اختراق القوانين المحلية ومنها ما هو متوفر من مساحة محدودة لحرية التعبير عن الرأي. هؤلاء لم يرتكبوا جريمة ضد أحد، ولم يمارسوا العنف، ولم يحرضوا علي الارهاب. فكل ما فعلوه انهم بعثوا رسالة تعزية الي السيد حسن نصر الله، وأقاموا مجلس عزاء محدودا، وكان بالامكان التغاضي عن هذين الامرين بدون اثارة اي لغط بشأنهما. وكان بامكان السلطات توجيه اللوم والعتاب بشكل خاص، وافهام القائمين علي ذلك المجلس بانزعاج الامريكيين لما فعلوه، بدلا من الحملة الاعلامية والسياسية التي وجهت ضدهم. فما هي الرسالة التي ارادوا ايصالها؟ كان واضحا ان الحكومة الكويتية ما تزال تشعر بانها مدينة للامريكيين الذين حرروا الكويت من القوات العراقية، وانها مستعدة للتعبير عن امتنانها لذلك بالصورة التي يريدها الامريكيون حتي لو اقتضي ذلك اتخاذ اجراءات ضد المواطنين، وانتهاك الدستور والاعراف الكويتية التي من بينها هذا القدر المحدود من حرية التعبير. وما طرح قضية خطف الجابرية الا تبرير هش للاجراءات القمعية التي اتخذت بحق بعض المواطنين، ومن بينهم نائب منتخب بمجلس الامة، وهو السيد عدنان عبد الصمد. وبدلا من السعي لاحتواء الأزمة قامت مباحث أمن الدولة باعتقال ثلاثة أشخاص من الذين شاركوا في تنظيم مجلس العزاء، وهم صالح الموسي، وعبد الأمير العطار ووليد المزيدي، وهم اول سجناء سياسيين في عهد الامير الحالي، الشيخ صباح، ومن شأن ذلك ان يؤثر سلبا علي سمعة الكويت لدي المنظمات الحقوقية الدولية. وما تزال الحكومة مترددة في اعتقال عدد آخر من بينهم الدكتور فاضل صفر، عضو المجلس البلدي المنتخب، والدكتور عبد المحسن جمال، العضو السابق بمجلس الامة، والحاج حسن حبيب، الناشط الخيري المعروف وال شيخ حسين المعتوق، وهو عالم دين ناشط في المجالات الفكرية والسياسية والاجتماعية. هؤلاء الاربعة رفضوا الذهاب الي أمن الدولة، وفضلوا الاعتقال علي الاستجابة لطلب المثول امام عناصر التحقيق التي عرف عنها في السابق ممارسة التعذيب. اما النائب عدنان عبد الصمد، فيحظي بحصانة برلمانية حتي الآن. وفيما كان البعض يتوقع توجه الحكومة نحو التهدئة، بادرت لاعتقال الدكتور ناصر صرخوه، الاستاذ بجامعة الكويت، وعضو مجلس الامة السابق. جاء الاعتقال صباح أمس (الثلاثاء) علي ايدي مجموعة من عناصر الامن اوقفوه وهو في طريقه الي الجامعة.
الي اين تتجه الكويت؟ فمنذ أزمة الغزو والحرب التي اعقبتها اصبح هذا البلد الخليجي محدود التأثير في المحيط الخليجي والعربي، ومضطربا في سياساته الداخلية. مع ذلك فقد كان حتي الآن يتمتع بدرجة من الامن السياسي الداخلي برغم التحديات الخارجية، ولا بد من الاشارة الي ان هذا البلد محاصر بثلاث دول كبري لا يستطيع الانفكاك عما يجري فيها، ولم يوقع مع اي منها، اتفاقا حدوديا. وحتي العراق الذي أجبر تحت التهديد الدولي في عهد صدام حسين علي التوقيع علي ترسيم الحدود، ما يزال غير مستقر في موقفه ازاء هذه الحدود. وقد فشلت حتي الآن كافة المحاولات لتوقيع اتفاقات مع الشقيقة الكبري (المملكة العربية السعودية) حول ترسيم الجرف القاري، وهو الامر الذي تشترطه ايران علي الكويت لترسيم الحدود معها. ان بلدا يعيش وضعا معقدا كالكويت ليس من مصلحته توتير اجوائه الداخلية لاسباب مفتعلة، او بضغوط خارجية. فمصلحته تقتضي البحث عن وئام وطني ضمن دستور يوفر لكافة الفئات ما تستحقه من تمثيل سياسي، بعيدا عن الاحتقانات العرقية والطائفية والقبلية. وان ما جري مؤخرا أمر خطير من شأنه، اذا لم تتحرك القيادة الكويتية لاحتوائه، ان يؤدي الي مزيد من الاحتقان، ليس علي مستوي الداخلي فحسب، بل علي الصعيد الاقليمي ايضا. وقد يراهن النظام علي البعد الطائفي للمشكلة، ولكنه رهان غير مضمون النتائج في ضوء الواقع اللبناني الصعب والوضع الفلسطيني الأصعب، والوضع العراقي المضطرب. فالكويت لا تعيش بمعزل عن هذه الدول، فضلا عن ايران والسعودية والبحرين، وكلها مواقع ساخنة سياسيا. ان اكثر ما يثير الاستغراب ان امير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، ربما يكون الأطول خبرة في المجال السياسي، فكيف يسمح باعتقال مواطنين بالصورة التي تمت، وكل ما فعلوه انهم حضروا، وفي أسوأ الاحوال، ساهموا في تنظيم، مجلس عزاء لم يدم اكثر من ساعتين، لمناضل يعتبره الكثيرون أحد رواد النضال العربي والاسلامي ضد الاحتلال الصهيوني والتغطرس الامريكي. فحتي السفير السعودي في لبنان قدم تعازيه للسيد حسين نصر الله. ونعي الشهيد الكثير من الشخصيات والحركات السياسية الاسلامية وغيرها في العالم الاسلامي، بشكل يفوق كثيرا ما فعله الكويتيون المذكورون. وبدلا من اعتبار التأبين جريمة كان علي الكويت ان تحتضنه وتستغله لاظهار استقلالها عن الهيمنة الامريكية. فطالما كانت الكويت في ما مضي من الازمان حاضنة للمناضلين، فما حدا عما بدا؟
ان من الصعب التنبؤ باتجاه التطورات علي الساحة السياسية الكويتية. الامر المؤكد انه، ما لم يتم التدخل من اعلي السلطات، بأسرع وقت ممكن، فليس مستبعدا ان تتحول الكويت تدريجيا الي ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين القوي الاقليمية من جهة، والي فقدان التوازن الاجتماعي الذي منع تجذر ظواهر التطرف والارهاب والطائفية من جهة اخري. فالسماح للأزمة بالاستمرار، اما باستمرار احتجاز سجناء الرأي الثلاثة او باعتقال آخرين معهم، ليس من مصلحة الكويت، ولا العائلة الحاكمة علي وجه الخصوص. ولن يفيد الحكومة الكويتية استنطاق بعض الجهات هنا وأخري هناك للحصول علي تصريحات ايجابية حول انجازاتها، او الاشادة بـ الحكمة و الاعتدال و الخبرة لدي رموزها. فلقد اصبحت للتوازن السياسي معايير اخري غير متوفرة لديها، ومنها، في الحالة العربية المتصدية للاحتلال والهيمنة الغربية، تحقيق قدر من الاستقلال في المواقف والسياسات بعيدا عن الهيمنة الامريكية او العدوان الاسرائيلي. ان الكويت تواجه وضعا خطيرا ما لم يتم التراجع عن خيار المواجهة مع قطاع شعبي واسع، قام بتأبين شخص يعتبره الكثيرون من ابناء الامة، خصوصا في لبنان وفلسطين، أحد رموز النضال بعد ان سقط شهيدا وهو مرفوع الرأس امام اعداء الامة في زمن الانحناء والذل والتراجع والسقوط.