الدكتور أحمد باذيب
03-09-2008, 12:53 PM
أكذوبة القنبلة الأمريكية الذكية
قصفت المقاتلات الأمريكية من طراز آ سي 130، في 3 / 3 / 2008 م ، بلدة طوبلى، الواقعة في أقصى جنوب الصومال، مستهدفة مدنيين عزل، ومخلفة خسائر بشرية ومادية. الخسائر البشرية تمثلت في مقتل أربعة مدنيين وجرح اثنين آخرين، وأما الخسائر المادية فتمثلت في تدمير البيت المستهدف تدميرًا كاملاً، حيث تحول إلى ركام ورماد، وحتى الحيوانات المألوفة لم تسلم من القصف، حيث هلكت مجموعة من الأبقار نتيجة الهزة الأرضية التي أحدثها الصاروخان من طراز كروز..
الغارة الجوية التي شنتها الطائرات الحربية الأمريكية على بلدة طولي تحمل عدة دلالات مهمة، نلخصها فيما يلي:-
الدلالة الأولى: عدم جدوى اعتماد أمريكا على التكنولوجيا الحديثة في مجال التجسس وتقصي المعلومات الدقيقة عن عدوها المجهول ورصد تحركاته في الليل والنهار، وفي هذا السياق لا تزال تحوم أسراب من طائرتها التجسسية فوق سماء جنوب الصومال بصورة مستمرة، وبالتالي فإن جهودها الرامية إلى ملاحقة قيادات المحاكم الإسلامية في الصومال قد باءت بالفشل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحملة الأمريكية الجوية على جنوب الصومال منذ نهاية عام 2006 م لم تحقق أغراضها العسكرية، غير بعض الغارات التي أصابت أهدافها بصورة مباشرة، نتيجة استخدام بعض قادة المحاكم الإسلامية عقب انهيار نظام المحاكم مباشرة، هاتف "الثريا" الدولي، الذي يقدم معلومات مجانية إلى أمريكا، وقد فطنت قيادات المحاكم قبل فوات الأوان لخطورة استعمال هاتف الثريا الدولي فأوقفوا استعماله.
الدلالة الثانية: قصف المقاتلات الأمريكية لبلدة طوبلي كان على ضوء المعلومات التي قدمتها مصادر محلية صومالية، وهو احتمال ممكن، حيث كانت المدينة تشهد مؤخرًا توترًا أمنيًا نهاية الشهر الماضي؛ نتيجة احتكاك حاد بين مليشيات قبلية يعتقد أنها موالية للحكومة الانتقالية وبين المحاكم الإسلامية، مما أدى إلى مقتل اثنين وجرح خمسة آخرين، ورغم أن القوة الأخيرة فرضت سيطرتها أمنيًا على المدينة، إلا أن بلدة طوبلي كانت مسرحًا للأحداث المخابراتية الأجنبية حسبما تفيد مصادر مطلعة، ولكن تلك المصادر التجسسية تقدم دائمًا معلومات مضللة للمخابرات الأمريكية، والتي بدورها تزيد من عزلة أمريكا، كما تكشف هذه الحادثة المأساوية السذاجة والحماقة الأمريكية، وأنها غير مؤهلة لامتلاك الأسلحة المتطورة، وبالتالي على المجتمع الدولي أن يدرك هذه الخطورة التي تهدد السلام العالمي.
الدلالة الثالثة: تعمّد استهداف المدنيين الصوماليين بسبب إسلامهم، وتعليقًا على القصف الأمريكي، قال رئيس الإدارة المحلية لبلدة طوبلى السيد علي طيري: "تعرضت المدينة للقصف الأمريكي العشوائي، وتم تدمير أحد بيوت المواطنين تدميرًا كاملاً.. لقد تحول البيت إلى ركام". وتساءل طيري: "لا أعرف ما أقول؟! .. ماذا يريدون منا؟"، مؤكدًا أن "سكان مدينة طوبلي سالمون، وأعتقد أن أمريكا تستهدف هؤلاء المساكين لكونهم مسلمين".
أمريكا تهدف من وراء هذا القصف الذي استهدف المدنيين إلى إثارة الرأي العام ضد المحاكم الإسلامية التي تسيطر على بلدة طوبلي الواقعة على الحدود الصومالية الكينية، ومعظم مناطق جنوب الصومال، وكأنها تقول: "نستهدف المدنيين لأنهم رحبوا بقدوم المحاكم الإسلامية إلى بلدة إستراتيجية مثل طوبلي"، مما يعني أن أمن المواطنين الصوماليين مرتبط بأمنها. على الرغم من أن سيطرة المحاكم الإسلامية على البلدة التي تعرضت للقصف الأمريكي في 3 / 3 / 2008 م ، لم يكن عنوة، لكنه كان استجابة لطلب سكانها، حسب المعلومات التي حصلناها من مصادر موثوقة.
قضية أخرى تستحق الذكر، وهي أن الإدارة المحلية للبلدة لم يطرأ فيها أي تغيير، وهي الإدارة المعترف بها من قبل الحكومة الانتقالية، وما حصل هو توافق ما بين سكان بلدة طوبلي والمحاكم الإسلامية، وبموجب هذا التوافق فإن مهمة المحاكم الإسلامية محصورة فقط في مجال واحد، وهو المجال الأمني، فيما تدير تلك الإدارة المحلية -التي عينتها الحكومة الانتقالية سابقًا- القضايا الأخرى الإدارية والسياسية والإعلامية.
ومهما يكن من أمر.. فإن قصف الطائرات الأمريكية لبلدة طوبلى تكشف أكذوبة القنبلة الذكية الأمريكية، وهي قنبلة غبية، وإلا فإن واشنطن متعطشة لإزهاق أرواح المدنيين الأبرياء في الصومال وأفغانستان والعراق، كما جاء هذا القصف أيضًا في وقت كان الشعب الفلسطيني الصامد والصابر يتعرض فيه إلى أبشع الجرائم البشرية من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية. ماذا يعني استشهاد أكثر من 117 فلسطينيًا وجرح المئات في وقت قصير؟ بينما قصفت المقاتلات الأمريكية بلدة طوبلي الصومالية.
وحقيقة الأمر أن أمريكا كانت تخوض حربًا سرية في الصومال ضد المحاكم الإسلامية، غير أنها أصبحت الآن حربًا مكشوفة. ويرى المراقبون أن معركة أمريكا في الصومال ضد الإسلاميين هي جبهة ثالثة بعد أفغانستان والعراق، ولكن وبكل المقاييس، فإنها معركة خاسرة، وأن النصر للشعب الصومالي في نهاية المطاف بإذن الله.
وأخيرًا.. فإن قصف أمريكا بلدة طوبلي لم توقف زحف المحاكم الإسلامية وانتشارها السريع وسيطرتها على مدن وبلدات جديدة. وقد تزامن هذا القصف مع سيطرة المحاكم على بلدتين إستراتيجيتين، هما: بورهكبا (محافظة باى) وواجد (محافظة بكول) الواقعتان جنوب غرب الصومال.
وتعتبر بلدة (واجد) مقرًا رئيسيًا للهيئات والمنظمات الدولية العاملة في جنوب الصومال، وسيطرة المحاكم عليها لم يعرقل النشاط الإنساني لتلك الهيئات والمنظمات الغربية.
مقديشو/ عبد الرحمن سهل 28/2/1429
06/03/2008
قصفت المقاتلات الأمريكية من طراز آ سي 130، في 3 / 3 / 2008 م ، بلدة طوبلى، الواقعة في أقصى جنوب الصومال، مستهدفة مدنيين عزل، ومخلفة خسائر بشرية ومادية. الخسائر البشرية تمثلت في مقتل أربعة مدنيين وجرح اثنين آخرين، وأما الخسائر المادية فتمثلت في تدمير البيت المستهدف تدميرًا كاملاً، حيث تحول إلى ركام ورماد، وحتى الحيوانات المألوفة لم تسلم من القصف، حيث هلكت مجموعة من الأبقار نتيجة الهزة الأرضية التي أحدثها الصاروخان من طراز كروز..
الغارة الجوية التي شنتها الطائرات الحربية الأمريكية على بلدة طولي تحمل عدة دلالات مهمة، نلخصها فيما يلي:-
الدلالة الأولى: عدم جدوى اعتماد أمريكا على التكنولوجيا الحديثة في مجال التجسس وتقصي المعلومات الدقيقة عن عدوها المجهول ورصد تحركاته في الليل والنهار، وفي هذا السياق لا تزال تحوم أسراب من طائرتها التجسسية فوق سماء جنوب الصومال بصورة مستمرة، وبالتالي فإن جهودها الرامية إلى ملاحقة قيادات المحاكم الإسلامية في الصومال قد باءت بالفشل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحملة الأمريكية الجوية على جنوب الصومال منذ نهاية عام 2006 م لم تحقق أغراضها العسكرية، غير بعض الغارات التي أصابت أهدافها بصورة مباشرة، نتيجة استخدام بعض قادة المحاكم الإسلامية عقب انهيار نظام المحاكم مباشرة، هاتف "الثريا" الدولي، الذي يقدم معلومات مجانية إلى أمريكا، وقد فطنت قيادات المحاكم قبل فوات الأوان لخطورة استعمال هاتف الثريا الدولي فأوقفوا استعماله.
الدلالة الثانية: قصف المقاتلات الأمريكية لبلدة طوبلي كان على ضوء المعلومات التي قدمتها مصادر محلية صومالية، وهو احتمال ممكن، حيث كانت المدينة تشهد مؤخرًا توترًا أمنيًا نهاية الشهر الماضي؛ نتيجة احتكاك حاد بين مليشيات قبلية يعتقد أنها موالية للحكومة الانتقالية وبين المحاكم الإسلامية، مما أدى إلى مقتل اثنين وجرح خمسة آخرين، ورغم أن القوة الأخيرة فرضت سيطرتها أمنيًا على المدينة، إلا أن بلدة طوبلي كانت مسرحًا للأحداث المخابراتية الأجنبية حسبما تفيد مصادر مطلعة، ولكن تلك المصادر التجسسية تقدم دائمًا معلومات مضللة للمخابرات الأمريكية، والتي بدورها تزيد من عزلة أمريكا، كما تكشف هذه الحادثة المأساوية السذاجة والحماقة الأمريكية، وأنها غير مؤهلة لامتلاك الأسلحة المتطورة، وبالتالي على المجتمع الدولي أن يدرك هذه الخطورة التي تهدد السلام العالمي.
الدلالة الثالثة: تعمّد استهداف المدنيين الصوماليين بسبب إسلامهم، وتعليقًا على القصف الأمريكي، قال رئيس الإدارة المحلية لبلدة طوبلى السيد علي طيري: "تعرضت المدينة للقصف الأمريكي العشوائي، وتم تدمير أحد بيوت المواطنين تدميرًا كاملاً.. لقد تحول البيت إلى ركام". وتساءل طيري: "لا أعرف ما أقول؟! .. ماذا يريدون منا؟"، مؤكدًا أن "سكان مدينة طوبلي سالمون، وأعتقد أن أمريكا تستهدف هؤلاء المساكين لكونهم مسلمين".
أمريكا تهدف من وراء هذا القصف الذي استهدف المدنيين إلى إثارة الرأي العام ضد المحاكم الإسلامية التي تسيطر على بلدة طوبلي الواقعة على الحدود الصومالية الكينية، ومعظم مناطق جنوب الصومال، وكأنها تقول: "نستهدف المدنيين لأنهم رحبوا بقدوم المحاكم الإسلامية إلى بلدة إستراتيجية مثل طوبلي"، مما يعني أن أمن المواطنين الصوماليين مرتبط بأمنها. على الرغم من أن سيطرة المحاكم الإسلامية على البلدة التي تعرضت للقصف الأمريكي في 3 / 3 / 2008 م ، لم يكن عنوة، لكنه كان استجابة لطلب سكانها، حسب المعلومات التي حصلناها من مصادر موثوقة.
قضية أخرى تستحق الذكر، وهي أن الإدارة المحلية للبلدة لم يطرأ فيها أي تغيير، وهي الإدارة المعترف بها من قبل الحكومة الانتقالية، وما حصل هو توافق ما بين سكان بلدة طوبلي والمحاكم الإسلامية، وبموجب هذا التوافق فإن مهمة المحاكم الإسلامية محصورة فقط في مجال واحد، وهو المجال الأمني، فيما تدير تلك الإدارة المحلية -التي عينتها الحكومة الانتقالية سابقًا- القضايا الأخرى الإدارية والسياسية والإعلامية.
ومهما يكن من أمر.. فإن قصف الطائرات الأمريكية لبلدة طوبلى تكشف أكذوبة القنبلة الذكية الأمريكية، وهي قنبلة غبية، وإلا فإن واشنطن متعطشة لإزهاق أرواح المدنيين الأبرياء في الصومال وأفغانستان والعراق، كما جاء هذا القصف أيضًا في وقت كان الشعب الفلسطيني الصامد والصابر يتعرض فيه إلى أبشع الجرائم البشرية من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية. ماذا يعني استشهاد أكثر من 117 فلسطينيًا وجرح المئات في وقت قصير؟ بينما قصفت المقاتلات الأمريكية بلدة طوبلي الصومالية.
وحقيقة الأمر أن أمريكا كانت تخوض حربًا سرية في الصومال ضد المحاكم الإسلامية، غير أنها أصبحت الآن حربًا مكشوفة. ويرى المراقبون أن معركة أمريكا في الصومال ضد الإسلاميين هي جبهة ثالثة بعد أفغانستان والعراق، ولكن وبكل المقاييس، فإنها معركة خاسرة، وأن النصر للشعب الصومالي في نهاية المطاف بإذن الله.
وأخيرًا.. فإن قصف أمريكا بلدة طوبلي لم توقف زحف المحاكم الإسلامية وانتشارها السريع وسيطرتها على مدن وبلدات جديدة. وقد تزامن هذا القصف مع سيطرة المحاكم على بلدتين إستراتيجيتين، هما: بورهكبا (محافظة باى) وواجد (محافظة بكول) الواقعتان جنوب غرب الصومال.
وتعتبر بلدة (واجد) مقرًا رئيسيًا للهيئات والمنظمات الدولية العاملة في جنوب الصومال، وسيطرة المحاكم عليها لم يعرقل النشاط الإنساني لتلك الهيئات والمنظمات الغربية.
مقديشو/ عبد الرحمن سهل 28/2/1429
06/03/2008