المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحرب الثانية ( بقلم/أمين اليافعي)


حد من الوادي
04-05-2008, 07:31 PM
الحرب الثانية ( بقلم/أمين اليافعي)

التاريخ: السبت 05 أبريل 2008
الموضوع: كتابات حرة

القاهرة – لندن " عدن برس " : 5 – 4 – 2008
نصف مناطق الجنوب تحت الحصار، و بكل ما تحمله الصورة والحدث، أصبحت هذه المناطق "غزة
يمنية"!.. أبرز الشخصيات الوطنية مرمية في السجون، وتحت سياط الجلاد اللعين!.. ومن بقي
منهم ـ المناطق والشخصيات ـ مهدد بالخطر، وسيأتي عليهم الدور عجلاً أم أجلاً !..


الناس ـ هناك ـ ممنوعون من الخروج وإلى أجل غير مسمى، فالشوارع مغلقة، والتجوال فيها
محظور عدا للمصفحات والأطقم العسكرية!.. السماء تمطر، والأرض ترش من خراطيم المدافع
والرشاشات النار على رؤوس المواطنين.. وكل ذلك، وبدعوى مجابهة ردة فعل طبيعية لبعض
الشبان الغاضين بعد منعهم من الالتحاق في صفوف الجيش، وللتصرفات والألفاظ البذيئة التي
طالتهم من قِبَل ضباط حمقى بحكم هويتهم الجنوبية!

ولن أستطيع ـ وبكل من أوتيت السلطة من قوة لتبرير ردة فعلها تجاه الاحتجاج ـ استيعاب
خروجها الكبير والمدجج، وللطريقة التي تعاملت بها مع الأحداث، وحملت الاعتقالات الواسعة
التي طالت شخصيات ليس لها أدنى ارتباط بثورة الشبان أو ما خلفته هذه الثورة!..

أن الهدف
من الخروج حفظ الأمن، وحماية الممتلكات العامة والخاصة التي تعرضت للتخريب كما تدّعي!..
لن أستطيع استيعاب مثل هذا التهريج أبداً!.. ولو كان مذهبها صحيحاً، لكان ردة فعلها على
من خرج في ذمار بنفس التوقيت، ولنفس السبب، ومارس نفس التصرفات التخريبية يتوازى مع ما
فعلته في المناطق الجنوبية!.. أو على أقل تقدير لاقتصرت الحرب والاعتقالات على محافظة
ذمار!!..

إن ما تعرضت له مناطق الجنوب من عدوان وهمجية فجّة في الأيام الفائتة، لا يمكن لأي عاقل
أن يتصورها خارج نطاق الحرب الشاملة.. بل هي الحرب الثانية التي يراد منها وأد القضية
الجنوبية، واقتلاع هويتها من الجذور، تماماً كما حدث في صيف 1994م!..

فنيّة الحرب لم تكن خافية على أحد، ولا يستحي النظام من التهديد بها، واللجوء إليها في
أي لحظة، وتحت أبسط ظرف! خصوصاً بعد اشتعال الاعتصامات والمظاهرات في الجنوب.. فقط كل
ما كان ينتظره هو أبسط سبب ليُمطِر الجنوب بوابل نيرانه..

واعتقد أننا لن ننسى ـ أبداً ـ التصريح العدواني لأمين عام الحزب الحاكم( با جمال) في
صحيفة "الخليج" الإماراتية بتأريخ 15 سبتمبر 2007م الذي تحدث فيه عن خطة لتسليح الناس
بغرض مجابهة الاعتصامات والمطالب السلمية في الجنوب، والخروج بنفسه للقتال في الشوارع(
وهو إعلان حرب صريح، خصوصاً بعدما قرنه بحربيّ 1994م و1986م)!..

ثم تصريحات الرئيس
الداعية ـ بصريح العبارة ـ إلى قذف أبناء الجنوب في البحر!.. وليس انتهاء بالطريقة
القمعية التي ووُجِهَت بها المظاهرات والاعتصامات في كل المحافظات الجنوبية على الرغم
من سلميتها الكاملة، ونُبل أدواتها في التعبير عن نفسها، والأسلوب الحضاري العالي
المنتهج لعرض القضية وسط واقع دموي يتكدس فيه السلاح بكافة أشكاله وأحجامه كالتراب،
والقتل فيه ليس أصعب من جرعة ماء!!

إن الحملة الأخيرة، والتبرير الذي رافق هذه الحملة بغرض إكسابها الشرعية ما هو إلا شكل
من أشكال السياسية القمعية التي يمارسها النظام بحق الجنوب منذ حرب 1994م، فبشتى الطرق،
أخرجهم من إطار أي معادلة وطنية حقيقية!.. وهو أيضاً مفهوم احتلالي بامتياز، يتضاءل
أمامه القمع والتبرير الذي تمارسه إسرائيل بعد كل مجزرة تقوم بها في فلسطين بدعوى حماية
أمنها، والحيلولة دون سقوط الصواريخ على أراضيها!.. وإسرائيل عندما تبرر مجازرها، فهي
تبررها على ضوء سقوط صواريخ، وليس على أساس تهشيم واجهات المحلات، وتكسير أبواب ونوافذ
مقار الحزب الحاكم كما بررت الحكومة اليمنية مجازرها!..

منذ حرب 94 والجنوب كان خارج المعادلة الوطنية، فهو مجرد أرض تم الاستيلاء عليها عن
طريق الحرب، ولذا يجب أن تجري عليها كل سنن الحرب، بدءاً بسلبها ونهبها والاستيلاء على
مرافقها ومؤسساتها وثرواتها، ورمي شعبها على قارعة الطريق، وليس انتهاء بالتنصل عن كل
المواثيق والمعاهدات الموقعة قبل الحرب والتي تضع الجنوب داخل الإطار الوطني؛ باعتبارها
معاهدات انفصالية بالرغم من توقيع النظام ـ وقتذاك ـ عليها( منها وثيقة العهد والاتفاق
الموقعة بعمّان في فبراير 1994م)!

ومنذ تلك الحرب اللعينة، لم توجد أي سياسة أو تصرفات كبيرة كانت أم صغيرة مُورِست تجاه
الجنوب وشعبه نبعت عن أساس وطني، أو على أساس أن الجنوب ـ أرضه وشعبه ـ مكون رئيسي من
مكونات الجمهورية اليمنية لهم ما لباقي المكونات، وعليهم ما عليهم..

سواء كانت هذه
التصرفات تأتي من الحكومة أو من أحزاب المعارضة المختلفة أو من وسائل الإعلام بشتى
أطيافها ـ إلا ما ندر.. وحتى أغلب فئات الشعب كانت كذلك بفعل توجيه الإعلام لها( والآن
نرى الكثير من أبناء الشمال يستشيطون غضباً عند سماعهم كلاماً يأتي من الجنوب يُنظّر
للاستقلال أو لتقرير المصير أو كون الجنوب ليس أرض يمنية، مع أنهم أول من مارس فكرة
التشطير!.. والموقف من قضية المسرحين(وهم موظفي دولة بأكملها)، والسكوت عليها طوال هذه
المدة، وعدم تقديم أي عون لها ـ مادي أو معنوي ـ عندما بدأت تتحرك..

في الفترة ذاتها،
التي نرى فيها الدنيا تقوم ولا تقعد في إعلامهم لو تم إزاحة(وليس فصل أو تسريح) قاضي أو
مدير مدرسة ينتمي إلى حزب معارض عن منصبه في إحدى المحافظات الشمالية!!.. مثال بسيط من
أمثلة كثيرة تُظّهِر لنا عن أي وحدةٍ يتحدثون!.. وحتى حق تقرير المصير الذي لا يعني
انتفاء الوحدة بقدر ما يعني الاحتكام إلى الشعب "إلا إذا كانوا يعلمون جيداً طبيعة
الوحدة القائمة!"..

ومع ذلك نسمع الصراخ العالي من أبناء الشمال عند سماعهم لمثل هذا
المصطلح، وكأنهم يقولون لنا: أذهبوا؛ ليس لكم الحق في التعبير عن رأيكم، نحن سنصرف عنكم
أموركم، وإياكم والتفكير في أنفسكم؛ فالوحدة أو الموت!!!)

كم كنّا نأمل أن تشعرنا هذا الوحدة بأننا مواطنون صالحون فيها، نسيج رئيسي من نسائجها،
أن لا يطالنا التهميش والأحكام المسبقة والشتم واللعن والتمثيل الكرتوني فقط لأننا
ننتمي إلى الجنوب!.. وكنّا نتمنى أنه في حالة أن يكون لنّا مطلباً ما، ومهما أخطأنا في
التعبير عن هذا المطلب طالما لم يصل إلى حافة الحرب، أن يتم التعامل معنا على أساس وطني
خالص!..

كنّا نتمنى أن يتم التعامل مع الشبان الغاضبين بنفس الطريقة الوطنية التي
تعاملت بها الصين من رهبان المعبد في إقليم التبت وليس على الطريقة الإسرائيلية!.. كنّا
نتمنى كل ذلك، ليس انتظاراً لهبةٍ من أحد، ولكن وفاءاً للشعارات التي رددناها كل يوم
خلال أربعة عقود حباً في الوحدة، وتوقاً إليها، أو للثلاثة عشر سنة من الصمت عن المظالم
والسياسة الاحتلالية فداء لها، ولعل وعسى الوضع يتحسن!!.. لكن النظام يأبى ألا يكون
ذلك، ويدق كل ما لديه من مسامير في نعش الوحدة!!!

إن هذا التصرف الهمجي من قبل السلطة، سيعطف مسار الاحتجاجات السلمية وسيدخلها في مسار
جديد لن يكون الكل سعيد فيه!.. فالعنف لا يولد إلا العنف، والدماء عندما تسيل لن يوقف
جريانها مَسَد أو قيم أو أعراف، فكما يقول سارتر: ( التهذيب لن يمحو آثار العنف، وإنما
العنف ذاته هو الذي يمحوها. إن المواطن ابن البلد حين تثور ثائرته ويبلغ الغضب به ذروته
يكتشف براءته المفقودة ويجاهد ليعرف نفسه على النحو الذي يعيد به خلقها. فهو حين يمسك
ببندقية في يديه، تتهاوى الأساطير القديمة ويبدأ نسيان المحظورات واحدة بعد الأخرى،
وسيكون سلاح التمرد برهان إنسانيته الوحيد)!!!..

خصوصاً ونحن في بلدٍ دموي كاليمن، القتل فيه أسهل الأمور على الإطلاق، والسلاح جاهز،
ولنا في حروب صعدة عبرة!