المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صمت البيض وكلام علي ناصر


حد من الوادي
04-06-2008, 03:43 PM
صمت البيض وكلام علي ناصر

اسكندر شاهر سعد

لفتني تقرير "غير تحليلي" نشرته مؤخراً "الشموع" التي تُتحفنا على الدوام بتقارير خارقة للعادة، والتقرير الذي كرسته الصحيفة لإظهار وحدوية علي سالم البيض وعمالة علي ناصر محمد يتضمن الكثير مما يدعو البيض لكسر حاجز الصمت والاعتذار لشعب الجنوب واليمن عموماً تأييداً للاعتذار الذي قدمه نجله عدنان البيض والمنشور في موقع "عدن برس" الكتروني والذي جاء فيه صراحةً استنكار البيض الإبن وإخوانه ما قام به البيض الأب وزوجته الأخرى من احتفال مهيب وصاخب لزواج ابنته على المغني اللبناني ملحم زين في وقت لا يزال فيه الجنوبيون يتساقطون بين قتلى وجرحى في حراك جماهيري تعود جزء من المسؤولية التاريخية فيه على البيض الذي تفرّد بقرار الوحدة الاندماجية،

وقد كان قراراً مهرولاً ومتهوراًً وغير مدروس -بإجماع القيادات الجنوبية- وما تبعه من حرب صيف 94م المأساوية لم يُسمع للبيض بعدها صوت حتى الآن وهو ما اعتبره تقرير الصحيفة الدليل القاطع والبرهان الجلي على وحدوية ووطنية البيض، وقد استنتجت "الشموع" في قنبلتها المُسيلة للدموع أن البيض من خلال الحفلة المهيبة لكريمته والتي صرف فيها مبلغ مليوني دولار! بريء من الحراك الجنوبي الذي تُرفع فيه صوره من باب الإقحام وتُرفع فيه صور الرئيس الأسبق علي ناصر من باب الإفهام والإعلام الذي يؤكد تورط الثاني وبراءة الأول.

واللافت أن التقرير الذي يُهاجم علي ناصر بشدة وينسب إليه تهم العمالة والارتهان لمحاور نفوذ لا يفهم أحد ممن يعي أبجديات السياسة صلته بها كنفوذ إيراني وأميركي وهو الذي يتزعم لجنة لمقاومة المشروع الصهيوني يعتبر أن كلام الرئيس علي ناصر وتصريحاته المؤيدة للحراك الجنوبي ولعودة الحقوق والأراضي المنهوبة منذ حرب 94م هو الدليل على عمالته وارتهانه المزعوم والبرهان على انفصاليته وعدم وحدويته، وأن صمت البيض وانعزاله الذي كان يفترض أن يكون عليه علي ناصر –بحسب الصحيفة- هو "الحسنة" الوحيدة التي يمكن أن تُذكر للبيض، وأنه في المقابل فإن علي ناصر الذي لا يريد هذه الحسنة المتبقية لمن يخرج من الحكم سواء من أجل الوحدة (ناصر) أو من أجل الانفصال(البيض)، لايرغب بأن يُنهي تاريخه السياسي بغير فضيحة تجعله محل سخط الذاكرة الوطنية وتندرها وسخريتها. وكأن الصحيفة الخارقة للعادة لم تتندر ولم تسخر من صمت البيض وانعزاله ومن حفل زواج كريمته الذي ذهبت أصداؤه إلى كل بيت جنوبي يموت جوعاً أو يقاوم ليستعيد كرامته ووظيفته وحقوقه وأرضه المنهوبة.

وهذه ليست المرة الأولى التي نقرأ فيها ما يُكرس لتأييد صمت البيض وربط هذا الصمت بوحدويته ووطنيته ربطاً عضوياً سافراً وساخراً. فثمة الكثير مما كُتب ويكتب في نفس الاتجاه ولم يعد خافياً على أحد أنه تكريس ممجوج يعبر عن قلق كبير من كلام البيض وخوف شديد من انضمام صوته إلى صوت علي ناصر والعطاس وغيرهم من قيادات الجنوب المؤثرين. وهي مساع ضحلة يفترض –منطقياً- أنها لا تحرض على الصمت بقدر ما تحرض على الكلام.

وذلك ينتظم مع الأساليب التي تسخدم للاستخفاف برموز وقيادات الجنوب إلى هذه الدرجة المقيتة إصراراً على إلغاء التاريخ وعلى مصادرة كل قيم المواطنة المتساوية والعيش المشترك والسلم الاجتماعي, ومُضي بلا هوادة في طريق الفتنة وسعي دائم لعدم توفير أية وسيلة معقولة وغير معقولة لإحداث الشرخ في الحراك الجنوبي وإفراغه من مضمونه وتحويله عن مساره ليتأتى للسلطة قمعه بالقوة، وهي السلطة التي بات من علائمها الواضحة والتاريخية أنها سلطة تعتمد الفتنة منهجاً, وترى في إيقاظها المستمر السبيل الوحيد للبقاء بغية التموضع في عالم ماقبل الدولة الذي ألفته منذ عقود, والذي بحسب كل المؤشرات لن تألف غيره ما يجعل زوالها السبيل الأوحد للتغيير.

وأخيراً: فإن البيض, الذي تحول من مشروع وحدوي يمني كبير إلى مشروع حضاري صغير في الشارقة –كما قال صديق صحفي ومحلل سياسي- والذي تختزل السلطة تاريخه كله بحسنة واحدة هي حسنة "صمته",إن لم يخرج عن صمته استجابةً لإرادة شعبه ولنصائح الكثير من القيادات السياسية الجنوبية والشمالية, فإنه يُنهي تاريخه بفضيحة ربما تكون هذه الفضيحة الأخيرة التي جرحت مشاعر الجنوبيين المقهورين والتي اعتذر نجله عنها. وأما علي ناصر فإنّ رفضه الصمت وإصراره على تأييد مطالب شعبه, هو عنوان استمراره كرمز تاريخي له، وإذا استجاب لهذه الدعوات الملغومة ومعروفة الهواجس التي تتمنى صمته, فإنه هو الآخر سيكون قد أنهى تاريخه بفضيحة.

وعلى ذلك فإن صمت البيض فضيحة قائمة ومتحققة حتى هذه "اللحظة" نأمل أن يتخلص منها، وصمت علي ناصر فضيحة مفترضة لا نتوقع حدوثها طال الوقت أم قصُر؛ وفي ذلك جزء يسير من سر ذعر وخوف السلطة من علي ناصر والتي تحاول عبثاً دفعه إلى التخلي عن سلاح الوحدة ويبادلها العبث بحكمة زعيم.
[email protected]