نجد الحسيني
07-14-2008, 02:29 PM
قصة في قصيدة
يحكى أنّ هناك عاشقا مغرما بحبيبته، شديد الغيرة والخوف عليها..
وفي يوم من الأيام، أعلمته عشيقته بأنّها سوف تحضر حفلا للأمير مع بعض أترابها..
خاف العاشق الولهان وتوقع بأن مصيبة ما سوف تحلّ على محبوبته في حال ذهابها لعلمه بفساد وفسق ومجون ذلك الأمير، خشي عليها من ذلك وأن توقع نفسها بالمهالك من حيث تدري ولا تدري.. وحاول إثناءها عن عزمها بشتّى الوسائل ذاكرا لها راحتها وتنفسها وفسحتها هنا ووجوده إلى جانبها وتقديم حبّه الكبير لها وولاءه ووفاءه وإخلاصه، مذكرا إيّاها بالذي كان والذي مضى من لعب الصبا وانفتاح الشباب.. لكنّ الأقدار شاءت أن لا تستمع محبوبته إلى النصيحة وأن تمضي قدما وتطمئن عشيقها وحبيبها بأن لا يقلق عليها وتحاول التخفيف عنه من أحزانه مصورة له بأّن الأمر ليس بالسوء الذي يظنّه..
ووقعت المصيبة وأعجب الأمير بها وافتتن بجمالها وحسنها وكان ما كان منه معها إمّا نكاح وإمّا سفاح بقدر ما يتخيله الراوي أو المستمع.
وعندما وصل الخبر إلى حبيبها الذي لا يجد لديه من حيلة أو وسيلة يدفع بها الشرّّ النازل على معشوقته ولا يملك لحبيبته ولنفسه من نفع ولا ضرّ وما من طوق نجاة من أمير عنيد جبّار، فأصبح مغلوبا على أمره، يندب حظّ الحبيبة وإيّاه ويرثي مصيره وإيّاها.
وقف الحبيب عاجزا إلاّ من أشعاره ليصوّر لنا أجمل كلام قيل في هذه المناسبة.
سبك قصيدته الحمينية اليمانية من حرائر صنعانية ذهبية..
قصيدة غنائية في غاية الجمال والإبداع، طالما ردّد غناءها أساطين الطرب وسلاطين الغناء في اليمن في الزمان الأوّل.. وما تزال القصيدة تغنّى حتّى اليوم بعد أن أضحت من روائع كلاسيكيات الغناء الصنعاني الحميني المعروف والمشهور.
الشاعر العاشق هو شاعر بليغ في معجم الشعر الحميني ومهمله وهو واحد من روّاد وفرسان وملوك مملكة الشعر الحميني العتيق المعدودين والمشهورين في أرض اليمن.. هذا الشعر الحميني الأزلي الذي كان من ذريته الموشحات والأندلسيات والصوفيات... الخ.
شاعرنا ليس غير الشاعر القاضي عبد الرحمـن بن يحي الآنسي وقد توفي منذ أكثر من قرنين. هو جدّ بيت الآنسي الكبير بلابل الحميني وسدنته وناشري ألويته في الأصالة والرقّة وعشق الجمال، فإبنه هو الشاعر أحمد بن عبد الرحمـن الآنسي الذي تغلّب على شعر والده بشهادة كلّ الشعراء لكنّ شهرة أبيه قد طغت عليه.
الآنسي الأب والآنسي الإبن ملكان متوجان على كرسي مملكة الحميني قاما أو قعدا.
شبّه الشاعر القاضي العاشق محبوبته بالحمامة كما شبّه ذلك الأمير الظالم المستبد بالباز والذئب وكيف يسأل الله أن يعمي مقلته كما أجرى دموع معشوقته من مقلتيها دما ويدعو الله أن يعذّبه كما عذّب محبوبته واغتصبها وأن يجري دمه كما أجرى دماءها ويطلب من الله أن يهلك ذاك الذي فجعه بتدنيس طهر حبيبته وعفافها.
بإسلوب شيّق تكتسي حروفه الحياء والخجل والجمال والعفاف عالج شاعرنا الموقف الرهيب..
يستبدل تارة فخذي حبيبته بكفيها وتارة وسطها بعنقها ويصوّر لك بريشة رسّام مبدع لوحة استباحة حبيبته واغتصابها..
ويناجي حبيبته ويذكّرها بما نصحها به ولم تستمع إلى نصيحته وكيف ساقت نفسها من بقعة الأمان إلى بحر الهلاك وما خافت غدر الزمان..
ثم يندب الدهر الذي خانها وجرعها كأس ألآلام، وماذا يفيد العاشق ندم عشيقته وقد نهاها ولم تستمع الكلام.
يخبرها كيف اختطفها الذئب من وسط إخوتها.. وعذبها وأسال دمها وذبحها ولم يرحمها.
يرجو ربّه في الأخير أن ينتقم له ولمحبوبته وأن يشفي غليله من عدوه المجرم.
وكما ذكرت لكم فإنّ القصيدة في غاية الجمال والسحر
أترككم مع هذه القصيدة المعبّرة الدقيقة المعاني:
قصيدة: يا حمامي أمانه ما دهاك
للشاعر: عبد الرحمـن بن يحي الآنسي
يا حمامي أمانه ما دهاك ** طرت من بقعتك حيث الأمان
سقت نفسك إلى بحر الهلاك ** ما تخاف من صروفات الزمان
كنت مبرد ومتنفّس هناك ** كلّ ساعة وتحضر في مكان
كنت تسجع ويطربنا غناك ** وافترقنا وما قد لك ثمان
*****
خانك الدهر يا سيد الحمام ** أنزلك من محلّك والمقر
وسقاك من يده كاس الحمام ** هكذا الدهر حكمه في البشر
قد نهيتك وما تمّ الكلام ** لا حذر يا حمامي من قدر
أوقعك قلّ فهمك في شباك ** المنايا فكم ذا الامتحان
*****
شلّك الباز من بين اخوتك ** حين عرف أنّ قد هي ساعته
لو سمع يا حمامي نغمتك ** كان شايفلتك من قبضته
غير أجرى دمك في مقلتك ** أسأل الله يعمي مقلته
قادر الله يهلك من أذاك ** وأحرمك طيب نومك والأمان
*****
خضّب الكفّ منّك بالدما ** ونشر طوق جيدك في يديه
واستباح في الحمى قتلك هما ** والقضا والقدر ساقك إليه
عذّبك عذّبه ربّ السما ** وانتصف لك ورواني عليه
بسهام المنايا قد رماك ** لا برح طول دهره في هوان
*****
وانت يا قلب ما لك ما سليت ** قد كفى لك غرامك والهيام
أنت ذاكر وإلاّ قد نسيت ** قال من قلت له نسل الكرام
لا وربي وراسك ما سهيت ** إنّما ضرّني كثر الغرام
قلت يا قلب هو يسمع بذاك ** لا برح في السعادة والأمان
*****
الوصي من زكا أصله وطاب ** معدن الجود محمود الخصال
أسأل الله ربي في الكتاب ** يحفظه بالمثاني في أزال
وصلاتي على عالي الجناب ** الممجّد وصحبه ثمّ آل
ما تغنّى المطوّق في الأراك ** أو بدا كالقمر سيد الحسان
**
**
ولمن قد يصعب عليه من الإخوة العرب فهم بعض المفردات اليمنية، فما عليه سوى أن يخبرني وسوف أشرح له معناها بمشئية الله تعالى..
كنت أتمنّى أن أرفع إليكم هذه القصيدة مغنّاة بصوت الشيخ صالح عبد الله العنتري، رحمه الله، أوّل من أدّاها لحنا وغناء من الفنانين في العام 1938 على اسطوانات التاج العدني...
أو على الأقل بصوت السيّد عبد القادر عبد الرحيم بامخرمة، رحمه الله.
كذلك غنّاها المرحوم محمد حمود الحارثي وتلاه الكثير من فناني اليمن الذين تغنوا بها..
لكن للأسف، لا تتوفر عندي الآن الأغنية إلاّ بصوت الفنّان فؤاد الكبسي الذي غنّاها في حفل في أميركا في العام 2006م.، ويسرّني رفعها إليكم بأدناه.:
http://dc14.4shared.com/download/55106103/3dde1442/__online.ra
يا حمامي أمانه ما دهاك و الفنان: فؤاد الكبسي (http://dc14.4shared.com/download/55106103/3dde1442/__online.ra)
بقلم: نجد بن صالح الحسين اليافعي
يحكى أنّ هناك عاشقا مغرما بحبيبته، شديد الغيرة والخوف عليها..
وفي يوم من الأيام، أعلمته عشيقته بأنّها سوف تحضر حفلا للأمير مع بعض أترابها..
خاف العاشق الولهان وتوقع بأن مصيبة ما سوف تحلّ على محبوبته في حال ذهابها لعلمه بفساد وفسق ومجون ذلك الأمير، خشي عليها من ذلك وأن توقع نفسها بالمهالك من حيث تدري ولا تدري.. وحاول إثناءها عن عزمها بشتّى الوسائل ذاكرا لها راحتها وتنفسها وفسحتها هنا ووجوده إلى جانبها وتقديم حبّه الكبير لها وولاءه ووفاءه وإخلاصه، مذكرا إيّاها بالذي كان والذي مضى من لعب الصبا وانفتاح الشباب.. لكنّ الأقدار شاءت أن لا تستمع محبوبته إلى النصيحة وأن تمضي قدما وتطمئن عشيقها وحبيبها بأن لا يقلق عليها وتحاول التخفيف عنه من أحزانه مصورة له بأّن الأمر ليس بالسوء الذي يظنّه..
ووقعت المصيبة وأعجب الأمير بها وافتتن بجمالها وحسنها وكان ما كان منه معها إمّا نكاح وإمّا سفاح بقدر ما يتخيله الراوي أو المستمع.
وعندما وصل الخبر إلى حبيبها الذي لا يجد لديه من حيلة أو وسيلة يدفع بها الشرّّ النازل على معشوقته ولا يملك لحبيبته ولنفسه من نفع ولا ضرّ وما من طوق نجاة من أمير عنيد جبّار، فأصبح مغلوبا على أمره، يندب حظّ الحبيبة وإيّاه ويرثي مصيره وإيّاها.
وقف الحبيب عاجزا إلاّ من أشعاره ليصوّر لنا أجمل كلام قيل في هذه المناسبة.
سبك قصيدته الحمينية اليمانية من حرائر صنعانية ذهبية..
قصيدة غنائية في غاية الجمال والإبداع، طالما ردّد غناءها أساطين الطرب وسلاطين الغناء في اليمن في الزمان الأوّل.. وما تزال القصيدة تغنّى حتّى اليوم بعد أن أضحت من روائع كلاسيكيات الغناء الصنعاني الحميني المعروف والمشهور.
الشاعر العاشق هو شاعر بليغ في معجم الشعر الحميني ومهمله وهو واحد من روّاد وفرسان وملوك مملكة الشعر الحميني العتيق المعدودين والمشهورين في أرض اليمن.. هذا الشعر الحميني الأزلي الذي كان من ذريته الموشحات والأندلسيات والصوفيات... الخ.
شاعرنا ليس غير الشاعر القاضي عبد الرحمـن بن يحي الآنسي وقد توفي منذ أكثر من قرنين. هو جدّ بيت الآنسي الكبير بلابل الحميني وسدنته وناشري ألويته في الأصالة والرقّة وعشق الجمال، فإبنه هو الشاعر أحمد بن عبد الرحمـن الآنسي الذي تغلّب على شعر والده بشهادة كلّ الشعراء لكنّ شهرة أبيه قد طغت عليه.
الآنسي الأب والآنسي الإبن ملكان متوجان على كرسي مملكة الحميني قاما أو قعدا.
شبّه الشاعر القاضي العاشق محبوبته بالحمامة كما شبّه ذلك الأمير الظالم المستبد بالباز والذئب وكيف يسأل الله أن يعمي مقلته كما أجرى دموع معشوقته من مقلتيها دما ويدعو الله أن يعذّبه كما عذّب محبوبته واغتصبها وأن يجري دمه كما أجرى دماءها ويطلب من الله أن يهلك ذاك الذي فجعه بتدنيس طهر حبيبته وعفافها.
بإسلوب شيّق تكتسي حروفه الحياء والخجل والجمال والعفاف عالج شاعرنا الموقف الرهيب..
يستبدل تارة فخذي حبيبته بكفيها وتارة وسطها بعنقها ويصوّر لك بريشة رسّام مبدع لوحة استباحة حبيبته واغتصابها..
ويناجي حبيبته ويذكّرها بما نصحها به ولم تستمع إلى نصيحته وكيف ساقت نفسها من بقعة الأمان إلى بحر الهلاك وما خافت غدر الزمان..
ثم يندب الدهر الذي خانها وجرعها كأس ألآلام، وماذا يفيد العاشق ندم عشيقته وقد نهاها ولم تستمع الكلام.
يخبرها كيف اختطفها الذئب من وسط إخوتها.. وعذبها وأسال دمها وذبحها ولم يرحمها.
يرجو ربّه في الأخير أن ينتقم له ولمحبوبته وأن يشفي غليله من عدوه المجرم.
وكما ذكرت لكم فإنّ القصيدة في غاية الجمال والسحر
أترككم مع هذه القصيدة المعبّرة الدقيقة المعاني:
قصيدة: يا حمامي أمانه ما دهاك
للشاعر: عبد الرحمـن بن يحي الآنسي
يا حمامي أمانه ما دهاك ** طرت من بقعتك حيث الأمان
سقت نفسك إلى بحر الهلاك ** ما تخاف من صروفات الزمان
كنت مبرد ومتنفّس هناك ** كلّ ساعة وتحضر في مكان
كنت تسجع ويطربنا غناك ** وافترقنا وما قد لك ثمان
*****
خانك الدهر يا سيد الحمام ** أنزلك من محلّك والمقر
وسقاك من يده كاس الحمام ** هكذا الدهر حكمه في البشر
قد نهيتك وما تمّ الكلام ** لا حذر يا حمامي من قدر
أوقعك قلّ فهمك في شباك ** المنايا فكم ذا الامتحان
*****
شلّك الباز من بين اخوتك ** حين عرف أنّ قد هي ساعته
لو سمع يا حمامي نغمتك ** كان شايفلتك من قبضته
غير أجرى دمك في مقلتك ** أسأل الله يعمي مقلته
قادر الله يهلك من أذاك ** وأحرمك طيب نومك والأمان
*****
خضّب الكفّ منّك بالدما ** ونشر طوق جيدك في يديه
واستباح في الحمى قتلك هما ** والقضا والقدر ساقك إليه
عذّبك عذّبه ربّ السما ** وانتصف لك ورواني عليه
بسهام المنايا قد رماك ** لا برح طول دهره في هوان
*****
وانت يا قلب ما لك ما سليت ** قد كفى لك غرامك والهيام
أنت ذاكر وإلاّ قد نسيت ** قال من قلت له نسل الكرام
لا وربي وراسك ما سهيت ** إنّما ضرّني كثر الغرام
قلت يا قلب هو يسمع بذاك ** لا برح في السعادة والأمان
*****
الوصي من زكا أصله وطاب ** معدن الجود محمود الخصال
أسأل الله ربي في الكتاب ** يحفظه بالمثاني في أزال
وصلاتي على عالي الجناب ** الممجّد وصحبه ثمّ آل
ما تغنّى المطوّق في الأراك ** أو بدا كالقمر سيد الحسان
**
**
ولمن قد يصعب عليه من الإخوة العرب فهم بعض المفردات اليمنية، فما عليه سوى أن يخبرني وسوف أشرح له معناها بمشئية الله تعالى..
كنت أتمنّى أن أرفع إليكم هذه القصيدة مغنّاة بصوت الشيخ صالح عبد الله العنتري، رحمه الله، أوّل من أدّاها لحنا وغناء من الفنانين في العام 1938 على اسطوانات التاج العدني...
أو على الأقل بصوت السيّد عبد القادر عبد الرحيم بامخرمة، رحمه الله.
كذلك غنّاها المرحوم محمد حمود الحارثي وتلاه الكثير من فناني اليمن الذين تغنوا بها..
لكن للأسف، لا تتوفر عندي الآن الأغنية إلاّ بصوت الفنّان فؤاد الكبسي الذي غنّاها في حفل في أميركا في العام 2006م.، ويسرّني رفعها إليكم بأدناه.:
http://dc14.4shared.com/download/55106103/3dde1442/__online.ra
يا حمامي أمانه ما دهاك و الفنان: فؤاد الكبسي (http://dc14.4shared.com/download/55106103/3dde1442/__online.ra)
بقلم: نجد بن صالح الحسين اليافعي