المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عوض..بين الحكمه واللعنه


صالح عسكول
11-10-2008, 08:27 AM
محسن القبيلي التاريخ: 8/11/2008
الانسان ..لاشيصباني حسان ولا شيطان أبي النجم ولا أي قوه غائمه أخرى..الانسان سيد كل ابداع وأصل كل انجاز عظيم ..كيف لا وخالق الانسان عز وجل قد خلقه في أحسن تقويم.
ففي عصور البحث عن آداب الشعوب تجلت قيمة الانسان في هذه الآداب وماتحمله من أسرار إنسانيه .. مهما كانت سذاجتها الفطريه فانها تمتلك بكارة النكهه وطراوة المعرفه .
وإنسان شخصيتنا وما يروى عنها من حكايات كثير اكتسب شهره واسعه نتيجه لهذه الشخصيه "العجيبه" التي لم تنقطع لديها الشعره التي تربط بين العبقريه والجنون ..فظل عقلها –بوعي او بدونه- يضخ الى الدنيا مزيجاَ من القول الحكيم والفعل المجنون ..وهو في افضل حالات التحرر والانعتاق من القيود – او كما يسميها علماء النفس العصف الذهني- مؤكداَ بذلك القول الشائع :(خذوا الحكمه من افواه المجانين).
مامن احد في محافظة حضرموت وربما غيرها من المحافظات الاخرى على طول اليمن وعرضها الا ويعرف (عوض لعنه) أو سمع عنة.. فهو مواطن يمني – بالرغم انه لايملك أوراقاَ ثبوتيه حتى الآن تدل على هويته – ومع ذلك فهو أشهر من نار على علم .. وحتى البعض الذي لايعرفه وأخطأ بالقسوة عليه شعر بالخجل من فعله البطولي ذلك ..
فعوض ينتسب الى أسرة ( آل بن وبر)..الأسم :عوض عمر بن وبر
الحاله الاجتماعيه :متزوج من جنيه –حسب زعمه أخرجها الشيخ مؤخراَ وظل أولادها في رأس عوض .
تأريخ ومكان الولادة : 1919م..في مدينة شحير مديرية غيل باوزير محافظة حضرموت.
المستوى التعليمي : متعلم ومن حفظة كتاب الله .
والى جانب ذلك فهو شاعر شعبي لايشق له غبار .. وقد سمعته ذات مره يقول واصفاَ زوجته المزعومه:
لو سمعتوها كما ما سمعتها
باتكونوا دوب خدام لها يالسامعين.
ولمعرفتي به لا أعتقد أنه قد اطلع على أشعاركثًير عزًة..حتى يساورني الشك بأنه قد استعار معنى بيت كثيًر الذي يقول فيه :
لو يسمعون كما سمعت حديثها
خرًوا لعزًة ر‘كعاَ وسجودا
ولعوض مساجلات شعريه مع شعراء كبار لازال الناس يرددونها .. ومنها ماجرى في احد الزوامل حيث أراد الشاعر الراحل الشيخ أحمد بن الدود رحمه الله أن يستفز عوض-المشهور بالجشع في الاكل في الزواجات- حين رآه يتقرب من طست الارز فقال :
بن وبر يتعتر وعينه عالشراع
شاف الدناقح كلها مفروشه
فما كان من عوض إلا أن رد عليه في سرعه ملفته :
كل من لقى لي شبر بلقي له ذراع
روح ياخربوش بن خربوشه
وكان يعني بذلك انه جاء الى الزواج بدعوه رسميه وليس تطفلاَ .
بداية رحلة الجنون :
يروى -والعهده على الراوي- :ان عوض كان في الثامنه او التاسعه من العمر عندما اكمل حفظ كتاب الله .. ونجح بتفوق في المعلامه..إلا أن كبار السن لاحظوا على الطفل سلوكاَ لم يعهدوه لدى الاطفال في مثل سنه.. فهو لايختلط بأقرانه ولايشاركهم العابهم الطفوليه ..ويفضل البقاء الى جانب والده مع الكبار في مجالسهم .. ودائم التواجد في المسجد لقراءة القرآن والصلاة .. كثير الصمت والتأمل .. مما جعل الناس يعتقدون ان صمته وشروده الدائم ناتج عن أن جنياَ او جنيه قد استوطن عقل الصغير .. فأشار عدد من كبار السن على والد عوض أن يعالج إبنه عند أحد المشائخ او العرافين "المشعوذين" .. حتى اوصلوا الرجل الى قناعه بأن ابنه غير طبيعي وبحاجه الى من يعيده الى وضعه الطفولي الطبيعي .. فما كان من الرجل الا ان انصاع للنصيحه – التي قلبت حياة الطفل رأساَ على عقب – ليتحول الذكاء الفطري من نعمه الى نقمه تطورت مع الزمن لتصبح "لعنه" عالقه على لسان عوض يرددها بين كل كلمه وكلمه حتى صارت اسم شهرته الواسعه .ولعل عادة " التفل " الي لازمته منذ ذلك الحين وحتى اليوم هي ردة فعل لاشعوريه ترسبت في أعماق طفل معافى أشبعه المشعوذون "تفلاَ " في وجهه ..وما اضيف اليها من عقد نفسيه نتيجه لعلاجهم .. حولت شخصية عوض في النهايه الى نسختها المعدله المعروفه اليوم ب(عوض لعنه) .
عوض والمجتمع :
كان عوض منذ ان وعت ذاكرتي على وجوده في ستينيات القرن العشرين مصدر تسليه لمن يظفر بجلسه معه..حيث لم يكن لوسائل الإعلام والتسليه وجود يذكر في ذلك العهد فيما عدا الراديو والسنطور او كما يسميه العامه (الفونوغراف) الذين لايستطيع كل الناس اقتنائهما.. فكانت حلقات عوض في القهاوي والأسواق "مسرحاَ" إن جازت التسميه..فقد كنا في مدينة شحير أيام الاعياد الدينيه وبعد صلاة العيد نتجمع صغاراَ وكباراَ حول عوض في دائره واسعه بمقهى الرباكي .. نستمع الى نكاته وسخريته من الناس وأحوالهم..والى أشعاره التي لايسلم من هجومها اقربنا اليه في الحلقه .. على ان يدفع له البعض ثمن فنجان شاي بالحليب ساخن جداَ شريطه أن يشربه دفعة واحده بعد أن يكون البعض قد اتفق مع صاحب القهوه أن يترك "كتلي " الشاي دائم الغليان على بابور الفحم ..ألا أن عوض كان يتلذذ بسخونة العدد الكبير من فناجين الشاي غير عابئ بذلك الكيد مستمراَ في استعراضه الساخر لكل الاحوال التي تشهدها المدينة والبلاد.. حتى الاوضاع السياسيه والانظمه التي تعاقبتها كانت محط سخريته الناقده لتلك الاوضاع ونتائجها .. حتى اصبحت تعليقاته تنبؤات قلما تخطئ تقديراتها ..كما كان ولازال اشبه بوكالة انباء لايفوتها حدث ..الى جانب مايمتلكه من ارشيف في ذاكرته القويه فهو مثلاَ يحفظ اسماء امهات كل من بالمدينه.. واستفزازاَ منه للبعض كان يناديه باسم امه – يابن فلانه -، وقد عانيت منه شخصياَ لمناداته لي بأسم أمي أمام الناس – لاعتبارهم ذلك عيباَ- وبعد رحلة اقناع تخللتها سياسة الترغيب والترهيب وافق على التوقف واكتفى بمناداتي ب(فر) وهما أول حرفين لأسم أمي أطال الله في عمرها ..وعندما كنت اغضب كان يرد صائحاَ : وانت امك طير يابن ال….فما كان في وسعي سوى الضحك مع الضاحكين.
كما ان عوض شخصيه اجتماعيه فهو اشهر من كثير من السياسيين والفنانيين والادباء .. وله حضوره المميز في المناسبات الاجتماعيه وخاصة المآدب ..أعراس .. مآتم..ولاده ..ختان.. استقبال او توديع مسافر ..الخ ..فهو يأكل لوحده أكل أسرته التي نسمعه يحدثها دون أن نراها في يوم من الايام.. كما ان تعامل الناس مع عوض لم يكن تعاملاَ مع مجنون .. فالناس تأمنه على تأدية الكثير من أعمالها مقابل أجر .. مثل العناية بالنخيل وتقطيع الاخشاب وحراسة المنشئآت وغيرها من الاعمال.
رحلة العلاج النفسي :
بعد استقلال الشطر الجنوبي من الوطن في 30/11/1967م وقيام جمهورية اليمن الجنوبيه الشعبيه افتتح اول مصح نفسي في البلاد سمي (مصحة السلام) في مدينة عدن .
ويقال - وتلك عهده اخرى على الراوي – انه نتيجه للسخريه التي تعرض لها بعض كبار السياسيين من قبل عوض تبلور رأي موحد لدى هؤلاء بأرساله الى مصحة السلام بعدن وكان ذلك مطلع سبعينيات القرن الماضي .
حين غادر عوض الطائره التي اقلته الى عدن ورأت عيناه المدينه لأول مره صاح بأعلى صوته : "لك الحمد بعد ان كانت عدن تستقبل الرؤساء تستقبل اليوم المجانين" . ومنذ الحظه الاولى التي وطأت قدماه فيها مصحة السلام انقلب ليل المصحه الى نهار ونهارها الى ليل .. فقد عجز الاطباء في تصنيفه .. فهو عاقل متهكم حد السخريه من عقول الاطباء حين اجراء الفحوصات له .. مجنون حين يسطو على اكل النزلاء ويتركهم جياعاَ لاحول لهم ولاقوه .وحين لم تستطع ادارة المصحه من السيطره عليه قررت طرده بحجة ان نسبة العقل لديه اكبر من نسبة الجنون .. وربما كان ذلك القرار ناتجاَ عن تخلف المصح في تشخيص حالته بشكل أمثل .
وهكذا عاد عوض الى مسقط رأسه بعد ان افتقده الناس شهراَ كاملاَ.

ابوصالح
11-11-2008, 11:39 PM
مشكور اخوي على نقلك مانجهله عن هذه الشخصيه التي يعتقد البعض انها شخصيه وهميه بس ريتك كبرت الكتابه عيوننا تخدرت ونحنا نقراء وفقك الباري