المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حضرموت .. عالقة في الطوفان


باغوزه
12-08-2008, 01:52 AM
المكلا اليوم / ياسر العرامي
2008/12/7
المساعدات وصلت صنعاء ولم يصل حضرموت سوى التمور والبسكويت. هكذا كان رد الشاب الحضرمي حينما سألته عن مصير المساعدات التي أعلن عنها لصالح منكوبي كارثة السيول. وعلى ما يبدو أنها الجملة المناسبة لتفسير الواقع السيئ الذي لا يزال أولئك المنكوبون يمرون بـه، والأوضاع المعيشية والصحية والنفسية الصعبة التي تبدي لك كما لو أن الكارثة حدثت بالأمس وليس في 24 أكتوبر الماضي
ورغم أن الحكومة استقبلت منذ ذلك التاريخ وحتى الآن المليارات من المساعدات والتبرعات لصالح هؤلاء، وهي مساعدات كانت كافية لأن تعيد المتضررين إلى حياتهم الطبيعية على أيـة حال، لكن الواقع يقول عكس ذلك

وإلا فماذا يعني، على سبيل المثال لا الحصر، أن 44 أسرة لا زالوا لاجئين في إحدى المدارس التي بناها فاعل خير لتعليم أبنائهم ولم يدر بخلده أنها ستصبح ملجأً مناسباً للأهالي. والأشد من ذلك أن المساعدات الحكومية لم تصلهم نهائياً حتى الآن ويعتمدون اعتماداً كلياً على دعم الجمعيات الخيرية المحلية
حينما قال الحاج الجابري لوفد البنك الدولي: الدولة في المريخ
منطقة ساه، هي إحدى المناطق المتضررة من السيول بوادي حضرموت، إن لم تكن الأشد ضرراً بالنظر لعدد الوفيات فيها الذين بلغوا 26 شخصاً، وفقاً لإحصائية خاصة بفرع جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية بوادي حضرموت
ما يميز هذه المنطقة هو تكاتف الأهالي فيما بينهم. ولذلك فإن أغلب المنكوبين هنا لم يلجأوا إلى المخيمات أو المدارس كغيرها من المناطق. رغم أن اللاجئين فيها وصلوا 2200 شخص تقريباً، فهم يعيشون في بيوت أقرباء لهم أو منازل أخرى لم تتضرر في ذات المنطقة
وهو ما يؤكده محمد كرامة: حدثت الكارثة ولم نقدر نأخذ معنا أي شيء. كنت عائداً من صلاة الفجر، وصحت بأهل البيت ليخرجوا. والآن ساكنين عند أحد جيراننا. هناك نوع من الرحمة. الذين لم تتضرر منازلهم أعطوا لكل واحد مننا غرفة، ونحن في انتظار الدولة تعوضنا
تجد الناس هنا على قارعة الطريق، يستقبلون أي زائر للمنطقة سواء كان صحفياً أو من جهة إغاثية أو هيئة أخرى، ويسارعون في رواية مأساتهم وكلهم أمل أن تكون مسئولاً حكومياً جلبت معك ما بات مطلبهم الأساسي؛ إنها المنازل وإيواؤهم في أماكن مناسبة. يقول كرامة: نحنا نبغي بيوت بدل ما نكون عالة فوق الناس. الأفضل أن الدولـة توفر لنا تعوضنا بدل منازلنا ومثل محمد كرامة آلاف المتضررين ينتظرون الدولة أن تعوضهم فيما يشكون من تكديس الجهات الحكومية للمساعدات في المستودعات وبيعها، بحسب محمد عوض، الذي يشكو من طلب أحد الموظفين منه مبلغاً من المال مقابل منحه خيمة حكومية
ويذهب إلى ذلك عضو المجلس المحلي بالمنطقة بالقول: وصلت معونات ومساعدات كثيرة. لكن إلى حد الآن لا زالت في المستودعات. منذ حوالي 15 يوماً وهي مخزنـة في المستودعات. مدرسة 22 مايو مليانة بالغذاءات والفرش والتمور وغيرها من المساعدات في الوقت الذي الناس في حاجة ماسة إليها
ويضيف: المساعدات الحكومية مع الأسف لم تصل. هناك عدم جدية في توزيعها ولم يعطوا الناس حقوقهم. والناس هنا اعتمدوا على الجمعيات الخيرية والشركات النفطية العاملة بالقرب من المنطقة
لافتاً إلى شيء آخر يتعلق بأصحاب المزارع الذين تكبدوا خسائر فادحة: إلى الآن لم يتحرك نحوهم أحد مع أنهم أكثر الناس ضرراً. راحت عليهم كميات كبيرة من القمح والذرة فضلاً عن التمور وأشجار النخيل التي جرفتها السيول
وغير بعيد من ذلك يبتلع الحاج م. ج غصته قائلاً: بيتي راح، ونخلي راح، والبيت أمامكم. خرجنا قبل تهدم البيت بخمس دقائق، وأسرتي موجودة في بيت واحد من الجماعة بنفس المنطقة نحن بحاجة لسكن لأننا في بيت الناس
في هذه الأثناء صادف أن وصل وفد تابع للبنك الدولي ليسأل الحاج الجابري عن الدور الحكومي. لكن رده كان مقتضباً حينما أشار إلى السماء وقال الحكومة في المريخ ، في إشارة منه إلى بعدها عن الناس، وهو الأمر الذي أضحك وفد البنك حينها. لكن ذلك على ما يبدو سيعزز انطباعاً سيئاً لديهم عن مصداقية الحكومة، خصوصاً وأن مهمة الوفد - كما أفاد بذلك المترجم الذي يرافقهم - هو تصوير الأضرار ورفع تقرير ميداني عن حجم الكارثة
ورغم الشكاوى من عدم وصول المساعدات، إلا أن الجميع لا يزالون ينتظرون بشغف الحكومة لتبني لهم المنازل في أسرع وقت ممكن، أو تجد لهم حلولاً مناسبة كاستئجار منازل جاهزة كحل مؤقت حتى يتم بناء المنازل هذا الأمر قامت به حتى الآن بعض الجمعيات الخيرية، لكنها لم تستطع أن تشمل كافة المتضررين، وهو أمر طبيعي مقارنة بحجم إمكانياتها المحدودة أمام الإمكانات الضخمة التي تمتلكها الدولـة فضلاً عن المساعدات الباهظة التي تبرع بها الأشقاء والدول الأخرى لذات الغرض
ويتفق مع ذلك هاني سالم بن ذياب، وهو شاب يقف بجوار دراجته النارية التي تمكن من استخراجها من تحت الأنقاض، إذ يؤكد الحاجة الماسة لإيوائهم وإيجاد منازل لهم
ويضيف: كنا داخل البيت ولكننا خرجنا قبل انهياره بلحظات والأثاث كله راح. الأضرار كبيرة. هذا البيت الذي تراه واثنين محلات تجاريـة راحت علينا، وأهم شيء هو البيت
صالح رجل مصاب بالعمود الفقري وله طفلة تعاني من صمامات القلب، وفرج خدم في الدولة 35 عاماً
أربعة وأربعون أسرة يعيشون في مدرسة ولم تصلهم الإغاثة حتى الآن
صالح محفوظ باعديـن، رجل مصاب في العمود الفقري، ولـه 5 أطفال بينهم طفلة مصابة في صمامات القلب، ويسكن إلى جانب 44 أسرة أخرى في مدرسة شحير. هذه المدرسة بناها فاعل خير من أبناء المنطقة لتعليم الطلاب، لكنها الآن باتت ملجأً وسكناً مناسباً لأهالي الطلاب، وتوقفت الدراسة فيها تماماً
يقول باعدين: دمر السيل بيتي وسيارتي، فيما أنا مصاب في العمود الفقري ولا أستطيع العمل ولدي طفلة مصابة بصمامات القلب . هكذا يبث الرجل الحضرمي جراحه وهو يحاول عبثاً البحث عن أوراق طفلته وسط ركام منزله المدمر، ولا تجد أمام ذلك سوى أن تحزن كثيراً وأنت ترى ابنته حمودة تصطنع ابتسامة تخفي خلفها آلام طفلة لم تسلم المعاناة من الأمرين، المرض والكارثة التي حولت بيتها إلى ركام ومدرستها إلى سكن
ليس وحده صالح من يتجرع كأس المرارة هنا. فهذا فرج غانم مدير إدارة التربية والتعليم بمديرية ثمود سابقاً، خدم في التربية 35 عاماً، والآن متقاعد. لديه 3 أولاد تخرجوا من الجامعة ولكنهم لم يجدوا وظيفة حتى الآن. أحدهم مضى عليه منذ التخرج 8 سنوات
كم هو الأمر محزن حينما تستمع إلى هذا الرجل وهو يشرح لك مسيرة حياته ودراسته وعمله التربوي، ليصل بك إلى أن تعليمه جعله يهتم بتعليم أبنائه على أمل الوظيفة ليخففوا عنه العبء الذي يحمله تجاه أسرة قوامها 17 شخصاً. لكن ذلك الأمل يتهاوى مع مرور الزمن، ويلجأ أبناؤه الخريجون إلى العمل في الصيد، بينما ترغم الظروف فرج -الذي بلغ من العمر 60 عاماً- على الاستمرار في العمل بـ بيجوت لجأ إليه عقب التقاعد عينت مدرساً في عام 1965. و في 1/ 3 / 2001 م رجعت على صندوق المعاشات. بعدها أخذت لي سيارة هيلوكس والآن لدي بيجوت. لكن من حين حصلت الكارثة للآن، ما اشتغلت، الوضع النفسي لا يسمح لي، كيف أروح وأسرتي بهذا الوضـع
هكذا إذاً هي أوضاع الناس هنا قبل أن تأتي كارثة السيول لتكمل ما تبقى لديهم من آمال في الحياة، الحياة التي لم يكن ينقصهم فيها سوى أن تدمر فيها منازلهم ويصبحوا لاجئين لا أحد يغيثهم أو ينظر إلى الأوضاع الصحية السيئة التي يعانون منها. سوى بعض الجمعيات الخيرية التي أكد جميعهم أنها وحدها من قدمت لهم المساعدات، ويجزم الأهالي أن المساعدات الحكومية لم تصل إلى هذه المدرسة على الإطلاق: نحنا نعتمد اعتماداً كلياً على دعم جمعية الإصلاح ومؤسسة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر
يودعونك وقلوبهم مليئة بالامتنان لك لمجرد أنك قمت بزيارتهم، ولا يطالبون الحكومة بغير توفير المساكن. قال صالح باعدين: يشوفوا لنا أي سكن سواء ترميم منازلنا التي تهدمت أو يجدوا لنا مساكن أخرى
ويضيف فرج غانم نطالبهم يشدوا بأيدينا وينقذونا من هذا الوضع، مش قادرين نستقر في المدرسـة، الأطفال محرمون من التعليم ونحنا مشتتين.. إذا كان ما عندهم أرضي نحن مستعديـن لتوفير الأراضي
صالح وإلى جانبه 44 عريساً وعروساً جرفت أحلامهم السيول
صالح عبدالله شاب، لم يمض على زواجه سوى 20 يوماً، وقد جاءت الكارثة المؤلمة لتخطف منه أجمل لحظات السعادة التي كان يعيشها في كنف الزوجية. لم يكن يعلم أن السيول ستدمر حلمه بالعيش في دفء واستقرار بمنزله المتواضع المبني من الطين
لقد انهارت تلك الأحلام الصغيرة مع انهيار منزله. جرفها جميعاً الطوفان الذي لا يدرك معنى أن يجد عريس ما نفسه مشرداً في العراء مع عروسته. لم يكن أحمد وحده الذي عاش هذه اللحظات الصعبة، فقد كان ضمن 44 عريساً وعروساً آخرين، وجمعيهم تزوجوا في يوم واحد ضمن عرس جماعي في منطقة القوز التابعة لمديرية تريم
يقول صالح: في البداية لجأنا إلى الجبال ولم نكمل طبخ غداء ذلك اليوم. لكن بعد فتح الطرقات لجأنا إلى المساجد فيما النساء مكثت في المنازل التي لم تتهدم
ويضيف: وضعنا الآن مش طبيعي، فكل العرسان تدمرت منازلهم ونحن الآن مشردين بلا مأوى وإلى جانب ذلك، تقبع مئات الأسر المشردة التي تنتمي لذات المنطقة في المخيمات والمدارس، فضلاً عن مناطق أخرى كـ الجحيل ومشطة وكلها تتبع مديرية تريم التي لم تحظ بتغطية إعلامية مناسبة لحجم الأضرار التي خلفتها السيول فيها كما حدث الأمر مع منطقة ساه مدرسة القوز، هي إحدى المدارس التي لا زال يقطن فيها ما يقارب 120 أسرة كلاجئين بلا مأوى. حينما وصلتُ إلى المدرسة كان ثمة أشخاص يجلسون تحت خيمة خارج المدرسة
يتبادلون الحديث فيما بينهم بحزن شديد. ويمضغون مرارة المأساة
ولا تدرك حجم الجرح الغائر في صدروهم إلا حينما يتحدثون إليك بانكسار لم يمروا به من قبل
وحينما سألت يوسف عوض عن أوضاعهم التي يعيشونها في المخيم، قال باقتضاب: أوضاعنا سيئة. عايشين في فصل واحد. تدخل خميس علي باخليف وضعنا مأساة؛ كل أربع إلى خمس أسر في فصل واحد. لا توجد لدينا أعمال والآن قاعدين منتظرين الدولة تجيب لنا بيوت يتفق الجميع هنا على أن المنازل هي الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يعيد لهم إنسانيتهم، ولا يهتمون كثيراً لتوفير الغذاء في غياب المسكن. وهو الأمر الذي لا يخفيه فرج أحمد عوض حينما قال متذمراً العملية فقط مساكـن ما نبي شيء. ذلحيـن نطالب بمساكن. أما وضعنا المعيشي هي لقمتين نحنا بنحصل عليها بفضل الله
وتابع: نحن الآن في الشارع. اهتموا لنا بالبيوت السكنية وبس كذلك هو الحال مع جلال يوسف معدم الذي يجلس على كرسي نتيجة لإعاقة في رجليه. ويقول: نحنا جلسنا في هذه المدرسة لأن بيوتنا تهدمت، نقول للحكومة نبغى بيوت قبل كل شيء.الآن برد شديد والمدرسة مش مثل البيوت