حسن البار
05-05-2002, 12:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف ونشأة التصوف
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في : "مجموع الفتاوى المجلد : 11 - ص16،17،18 "
(( واذا عرف ان منشاء التصوف كان من البصرة ، وانه كان فيها من يسلك طريق العبادة والزهد ، مما له فيه اجتهاد ، كما كان في الكوفة من يسلك من طريق الفقه والعلم ما له فيه اجتهاد ، وهؤلاء نسبوا الى اللبسة الظاهرة ، وهي لباس الصوف فقيل في احدهم صوفي وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوف ، ولاهم اوجبوا ذلك ولا علقوا الامر به لكن اضيفوا اليه لكونه ظاهر الحال . ثم ان التصوف عندهم له حقائق واحوال معروفة قد تكلموا في حدوده وسيرته واخلاقه كقول بعضهم الصوفي : (( من صفا من الكدر ، وامتلأ من الفكر ، واستوى عنده الذهب والحجر . التصوف كتمان المعاني ، وترك الدعاوي واشباه ذلك )) ........ "الى ان قــــــال":
(( تنازع الناس في طريقتهم فطائفة ذمت الصوفية والتصوف ، وطائفة غلت فيهم ........ الخ
والصواب انهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من اهل طاعة الله ، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من اهل اليمين ، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ ، وفيهم من يذنب فيتوب او لا يتوب . ومن المنتسبين اليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه . وقد انتسب اليهم طوائف من اهل البدع والزندقة ، ولكن عند المحققين من اهل التصوف ليسوا منهم .... )) انتهى كلام ابن تيمية ...
وقال أيضا : في ج: 10 ص: 369 ، 370 من مجموع الفتاوى :
(( والنسبة فى الصوفية الى الصوف لانه غالب لباس الزهاد وقد قيل هو نسبة الى صوفة بن مراد بن ادم بن طابخة قبيلة من العرب كانوا يجاورون حول البيت .......... " الى ان قال" و التحقيق فيه "أي التصوف" انه مشتمل على الممدوح والمذموم كغيره من الطرق وان المذموم منه قد يكون اجتهاديا وقد لا يكون وانهم فى ذلك بمنزلة الفقهاء في الرأي فانه قد ذم الرأي من العلماء والعباد طوائف كثيرة و القاعدة التى قدمتها تجمع ذلك كله وفى المتسمين بذلك من اولياء الله وصفوته وخيار عباده مالا يحصى عده كما فى اهل الرأي من اهل العلم والإيمان من لا يحصى عدده الا الله والله سبحانه اعلم )) ..
أما تلميذه ابن القيم فقد جاء ذكر التصوف في كثير من كتبه وتكلم عنه وعن رجاله و سنقتبس من ذلك اليسير لتعم الفائدة ....
ففي "مدارج السالكين" ج: 1 ص: 465 جاء ما نصه :
(( قال أبو بكر الكتانى التصوف : " خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف" فإن حسن الخلق وتزكية النفس بمكارم الأخلاق يدل على سعة قلب صاحبه وكرم نفسه وسجيته وفي هذا الوصف يكف الأذى ، ويحمل الأذى ، ويوجد الراحة ، ويدير خده الأيسر لمن لطم الأيمن ، ويعطي رداءه لمن سلبه قميصه ، ويمشى ميلين مع من سخره ميلا ، وهذا علامة انقطاعه عن حظوظ نفسه وأغراضها وأما رفض العلائق عزما فهو العزم التام على رفض العلائق وتركها في ظاهره وباطنه والأصل هو قطع علائق الباطن فمتى قطعها لم تضره علائق الظاهر فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك لم يضرك ولو كثر ومتى كان في قلبك ضرك ولو لم يكن في يدك منه شيء قيل للإمام أحمد الرجـــــل يكون زاهدا ومعـــه ألف دينار قال نعم على شريطـــة ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصـــت ..))
وفي مكان آخر من نفس الكتاب : مدارج السالكين ج: 2 ص: 316 :
(( التصوف : هو الخلق وجميع الكلام فيه يدور على قطب واحد وهو بذل المعروف وكف الأذى قلت من الناس من يجعلها ثلاثة كف الأذى واحتمال الأذى وإيجاد الراحة ))
وفي ج: 2 ص: 369 من نفس الكتاب "مدارج السالكين" قال :
(( أن المراتب عندهم ثلاثة مرتبة التقوى : وهي مرتبة التعبد والتنسك ، ومرتبة التصوف : وهي مرتبة التفني بكل خلق حسن والخروج من كل خلق ذميم ، ومرتبة الفقر : وهي مرتبة التجرد وقطع كل علاقة تحول بين القلب وبين الله تعالى ، فهذه مراتب طلاب الآخرة ومن عداهم فمع القاعدين المتخلفين فأشار أبو القاسم الجنيد إلى أن المريد لله بصدق إذا أراد الله به خيرا أوقعه على طائفة الصوفية يهذبون أخلاقه ويدلونه على تزكية نفسه وإزالة أخلاقها الذميمة والاستبدال بالأخلاق الحميدة ويعرفونه منازل الطريق ومفازاتها وقواطعها وآفاتها ))
وفي : ج: 2 ص: 464 من كتاب ابن القيم "مدارج السالكين" :
(( التصوف : اسم لثلاثة معان لا يطفىء نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله )) .
وفي ج: 2 ص: 467 :
(( وقال أبو القاسم النصراباذي شيخ خراسان في وقته أصل التصوف : ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع وتعظيم كرامات المشايـــخ ورؤية أعذار الخلــق والمداومة على الأوراد وترك ارتكاب الرخـــص والتأويلات )) .
وفي ج: 3 ص: 178 : (( ولهذا قال بعضهم التصوف : ترك الدعاوي وكتمان المعاني )) ...
وقد جاء في "احياء علوم الدين" : الجزء الثاني : هذا التعريف للتصوف :
(( وأما التصوف فهو : عبارة عن تجرد القلب لله تعالى واستحقار ما سوى الله .. ))
وفي كتاب "تعريف الاحياء بفضل الإحياء " جاء ما نصه :
عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لكل شئ مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء والصبر ، هم جلساء الله تعالى يوم القيامة )) فالفقر كائن في ماهية التصوف وهو اساسه وبه قوامه .
قال رويم : التصوف : مبني على ثلاث خصال : التمسك بالفقر والافتقار والتحقق بالبذل والايثار وترك التعرض والاختيار .
وقال الجنيد : وقد سئل عن التصوف : (( ان تكون مع الله بلا علاقة )) .
وقال معروف الكرخي : (( التصوف : الأخذ بالحقائق واليأس مما في ايدي الخلائق فمن لم يتحقق بالفقر لم يتحقق بالتصوف )) . الى ان قال : (( التصوف غير الفقر والزهد غير الفقر والتصوف غير الزهد ، فالتصوف اسم جامع لمعاني الفقر ومعاني الزهد مع مزيد أوصاف واضافات لا يكون بدونها الرجل صوفيا وان كان زاهدا وفقيرا )) ..
وقال ابو حفص : (( التصوف كله آداب لكل وقت أدب ولكل حال أدب ولكــل مقـام أدب فمـن لـزم آداب الاوقات بلغ مبلغ الرجال ومن ضيع الآداب فهو بعيد من حيث يظن القرب ومردود من حيث يرجو القبول )) .
وقد سئل ابو محمد الجريري عن التصوف فقال : (( الدخول في كل خلـق سني والخروج عن كل خلق دني )) .
فاذا عرف هذا المعنى في التصوف من حصول الاخلاق وتبديلها واعتبر حقيقة يعلم ان التصوف فوق الزهد وفوق الفقر .. انتهى تعريف الاحياء بفضل الاحياء .. كتاب عوارف المعارف .. الباب الخامس ( ما هية التصوف ) ...
(( شعب الايمان )) : كتاب :السابع والخسمون من شعب الإيمان و هو باب (( في حسن الخلق ))
باب :فصل في الحلم و التؤدة و الرفق في الأمور كلها رقم الحديث :8501
الجزء :6 ... الصفحة :356
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق . قال : حضرت مجلس أبي الحسن بن سمعون فسأله رجل عن التصوف ما هو ؟ قال : (( إن له اسماً وحقيقة فعن أيهما تسأل ، فقال عنهما جميعاً . فقال أما اسمه فنسيان الدنيا ونسيان أهلها . و أما حقيقته فالمداراة مع الخلق و احتمال الأذى منهم من جهة الحق .)) ...
وقد جاء في مستدرك الحاكم : حدثنا شيخ التصوف في عصره أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، ثنا أبو أحمد الجريري قال : سمعت سهيل بن عبد الله التستري يقول : (( لما بعث الله عز و جل النبي صلى الله عليه و سلم كان في الدنيا سبعة أصناف من الناس الملوك و المزارعون و أصحاب المواشي و التجار و الصناع و الأجراء و الضعفاء و الفقراء لم يأمر أحداً منهم أن ينتقل مما هو فيه و لكن أمرهم بالعلم و اليقين و التقوى و التوكل في جميــع ما كانوا فيـه )) ...
قال سهل رحمة الله عليه : و ينبغي للعاقل أن يقول : ما ينبغي لي بعد علمي بأني عبدك أن ارجو واؤمل غيرك و لا أتوهم عليك إذ خلقتني و صورتني عبداً لك أن تكلني إلى نفسي أو تولي أموري غيرك .
قال الحاكم : قد وصف رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الطائفة بما خصهم الله تعالى به من بين الطوائف بصفات فمن وجدت فيه تلك الصفات إستحق بها اسم (( التصوف )) ...
وروى الحاكم ايضا : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى قوم يضحكون جهراً في سعة رحمة ربهم عز و جل و يبكون سراً من خوف شدة عذاب ربهم عز و جل يذكرون ربهم بالغداة و العشي في البيوت الطيبة المساجد و يدعونه بألسنتهم رغبا و رهبا و يسألونه بأيدهم خفضا و رفعا و يقبلون بقلوبهم عوداً و بدءاً فمئونتهم على الناس خفيفة و على أنفسهم ثقيلة يدبون في الأرض حفاة على أقدامهم كدبيب النمل بلا مرح و لا بذخ يمشون بالسكينة و يتقربون بالوسيلة و يقرأون القرآن و يقربون القربان و يلبسون الخلقان عليهم من الله تعالى شهود حاضرة و عين حافظة يتوسمون العباد و يتفكرون في البلاد أرواحهم في الدنيا و قلوبهم في الآخرة ليس لهم هم إلا امامهم اعدوا الجهاز لقبورهم و الجواز لسبيلهم و الاستعداد لمقامهم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم " ذلك لمن خاف مقامي و خاف و عيد" . )) .
قال الحاكم : فمن وفق لاستعمال هذا الوصف من متصوفة زماننا فطوباه فهو المقتفي لهدي من تقدمـه و الصوفيـة (( طائفة من طوائف المسلمين فمنهم أخيار و منهم أشرار لا كما يتوهمه رعاع الناس و عوامهم و لو علموا محل الطبقة الأولى منهم من الإسلام و قربهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمسكوا عن كثير من الوقيعة فيهم ))
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على لبس الصوف "وهو سمة من سمات الصوفية" اذ قال :
(( عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الايمان في قلوبكم )) . كنز العمال ،، الفتح الكبير ،، فيض القدير ،، جامع الاحاديث ,, مستدرك الحاكم ...
وفي كشف الخفاء عن انس (( لاتطعنوا على أهل التصوف والخرق فان اخلاقهم اخلاق الانبياء ولباسهم لبـاس الانبيـاء )) رقم 3001 ...
يقول الجنيد (( الصوفي : كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها الا كل مليح )) فهو حلبة مباراه في التسامي الخلقي .
ومما قاله الامام أحمد فيهم : (( انهم زادوا علينا بكثرة العلم ، والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة )) ...
وهذا قليل من كثير وقطرة من بحور أقوال علماء الامة وائمتها في تعريف التصوف وفي حقائقه ومفاهميه ، فلله درّهم جمعيا تنوعت عباراتهم وأختلفت اساليبهم في شرح مفهوم التزكية للنفس ، والخُلق الحسن ، والهمم العالية ، والزهد في الدنيا والخشية لله ، والتفرغ للعبادة والطاعة التي كانت السمة البارزة لرجال التصوف وأئمته رضوان الله عليهم ...
تعريف ونشأة التصوف
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في : "مجموع الفتاوى المجلد : 11 - ص16،17،18 "
(( واذا عرف ان منشاء التصوف كان من البصرة ، وانه كان فيها من يسلك طريق العبادة والزهد ، مما له فيه اجتهاد ، كما كان في الكوفة من يسلك من طريق الفقه والعلم ما له فيه اجتهاد ، وهؤلاء نسبوا الى اللبسة الظاهرة ، وهي لباس الصوف فقيل في احدهم صوفي وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوف ، ولاهم اوجبوا ذلك ولا علقوا الامر به لكن اضيفوا اليه لكونه ظاهر الحال . ثم ان التصوف عندهم له حقائق واحوال معروفة قد تكلموا في حدوده وسيرته واخلاقه كقول بعضهم الصوفي : (( من صفا من الكدر ، وامتلأ من الفكر ، واستوى عنده الذهب والحجر . التصوف كتمان المعاني ، وترك الدعاوي واشباه ذلك )) ........ "الى ان قــــــال":
(( تنازع الناس في طريقتهم فطائفة ذمت الصوفية والتصوف ، وطائفة غلت فيهم ........ الخ
والصواب انهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من اهل طاعة الله ، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من اهل اليمين ، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ ، وفيهم من يذنب فيتوب او لا يتوب . ومن المنتسبين اليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه . وقد انتسب اليهم طوائف من اهل البدع والزندقة ، ولكن عند المحققين من اهل التصوف ليسوا منهم .... )) انتهى كلام ابن تيمية ...
وقال أيضا : في ج: 10 ص: 369 ، 370 من مجموع الفتاوى :
(( والنسبة فى الصوفية الى الصوف لانه غالب لباس الزهاد وقد قيل هو نسبة الى صوفة بن مراد بن ادم بن طابخة قبيلة من العرب كانوا يجاورون حول البيت .......... " الى ان قال" و التحقيق فيه "أي التصوف" انه مشتمل على الممدوح والمذموم كغيره من الطرق وان المذموم منه قد يكون اجتهاديا وقد لا يكون وانهم فى ذلك بمنزلة الفقهاء في الرأي فانه قد ذم الرأي من العلماء والعباد طوائف كثيرة و القاعدة التى قدمتها تجمع ذلك كله وفى المتسمين بذلك من اولياء الله وصفوته وخيار عباده مالا يحصى عده كما فى اهل الرأي من اهل العلم والإيمان من لا يحصى عدده الا الله والله سبحانه اعلم )) ..
أما تلميذه ابن القيم فقد جاء ذكر التصوف في كثير من كتبه وتكلم عنه وعن رجاله و سنقتبس من ذلك اليسير لتعم الفائدة ....
ففي "مدارج السالكين" ج: 1 ص: 465 جاء ما نصه :
(( قال أبو بكر الكتانى التصوف : " خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف" فإن حسن الخلق وتزكية النفس بمكارم الأخلاق يدل على سعة قلب صاحبه وكرم نفسه وسجيته وفي هذا الوصف يكف الأذى ، ويحمل الأذى ، ويوجد الراحة ، ويدير خده الأيسر لمن لطم الأيمن ، ويعطي رداءه لمن سلبه قميصه ، ويمشى ميلين مع من سخره ميلا ، وهذا علامة انقطاعه عن حظوظ نفسه وأغراضها وأما رفض العلائق عزما فهو العزم التام على رفض العلائق وتركها في ظاهره وباطنه والأصل هو قطع علائق الباطن فمتى قطعها لم تضره علائق الظاهر فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك لم يضرك ولو كثر ومتى كان في قلبك ضرك ولو لم يكن في يدك منه شيء قيل للإمام أحمد الرجـــــل يكون زاهدا ومعـــه ألف دينار قال نعم على شريطـــة ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصـــت ..))
وفي مكان آخر من نفس الكتاب : مدارج السالكين ج: 2 ص: 316 :
(( التصوف : هو الخلق وجميع الكلام فيه يدور على قطب واحد وهو بذل المعروف وكف الأذى قلت من الناس من يجعلها ثلاثة كف الأذى واحتمال الأذى وإيجاد الراحة ))
وفي ج: 2 ص: 369 من نفس الكتاب "مدارج السالكين" قال :
(( أن المراتب عندهم ثلاثة مرتبة التقوى : وهي مرتبة التعبد والتنسك ، ومرتبة التصوف : وهي مرتبة التفني بكل خلق حسن والخروج من كل خلق ذميم ، ومرتبة الفقر : وهي مرتبة التجرد وقطع كل علاقة تحول بين القلب وبين الله تعالى ، فهذه مراتب طلاب الآخرة ومن عداهم فمع القاعدين المتخلفين فأشار أبو القاسم الجنيد إلى أن المريد لله بصدق إذا أراد الله به خيرا أوقعه على طائفة الصوفية يهذبون أخلاقه ويدلونه على تزكية نفسه وإزالة أخلاقها الذميمة والاستبدال بالأخلاق الحميدة ويعرفونه منازل الطريق ومفازاتها وقواطعها وآفاتها ))
وفي : ج: 2 ص: 464 من كتاب ابن القيم "مدارج السالكين" :
(( التصوف : اسم لثلاثة معان لا يطفىء نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله )) .
وفي ج: 2 ص: 467 :
(( وقال أبو القاسم النصراباذي شيخ خراسان في وقته أصل التصوف : ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع وتعظيم كرامات المشايـــخ ورؤية أعذار الخلــق والمداومة على الأوراد وترك ارتكاب الرخـــص والتأويلات )) .
وفي ج: 3 ص: 178 : (( ولهذا قال بعضهم التصوف : ترك الدعاوي وكتمان المعاني )) ...
وقد جاء في "احياء علوم الدين" : الجزء الثاني : هذا التعريف للتصوف :
(( وأما التصوف فهو : عبارة عن تجرد القلب لله تعالى واستحقار ما سوى الله .. ))
وفي كتاب "تعريف الاحياء بفضل الإحياء " جاء ما نصه :
عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لكل شئ مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء والصبر ، هم جلساء الله تعالى يوم القيامة )) فالفقر كائن في ماهية التصوف وهو اساسه وبه قوامه .
قال رويم : التصوف : مبني على ثلاث خصال : التمسك بالفقر والافتقار والتحقق بالبذل والايثار وترك التعرض والاختيار .
وقال الجنيد : وقد سئل عن التصوف : (( ان تكون مع الله بلا علاقة )) .
وقال معروف الكرخي : (( التصوف : الأخذ بالحقائق واليأس مما في ايدي الخلائق فمن لم يتحقق بالفقر لم يتحقق بالتصوف )) . الى ان قال : (( التصوف غير الفقر والزهد غير الفقر والتصوف غير الزهد ، فالتصوف اسم جامع لمعاني الفقر ومعاني الزهد مع مزيد أوصاف واضافات لا يكون بدونها الرجل صوفيا وان كان زاهدا وفقيرا )) ..
وقال ابو حفص : (( التصوف كله آداب لكل وقت أدب ولكل حال أدب ولكــل مقـام أدب فمـن لـزم آداب الاوقات بلغ مبلغ الرجال ومن ضيع الآداب فهو بعيد من حيث يظن القرب ومردود من حيث يرجو القبول )) .
وقد سئل ابو محمد الجريري عن التصوف فقال : (( الدخول في كل خلـق سني والخروج عن كل خلق دني )) .
فاذا عرف هذا المعنى في التصوف من حصول الاخلاق وتبديلها واعتبر حقيقة يعلم ان التصوف فوق الزهد وفوق الفقر .. انتهى تعريف الاحياء بفضل الاحياء .. كتاب عوارف المعارف .. الباب الخامس ( ما هية التصوف ) ...
(( شعب الايمان )) : كتاب :السابع والخسمون من شعب الإيمان و هو باب (( في حسن الخلق ))
باب :فصل في الحلم و التؤدة و الرفق في الأمور كلها رقم الحديث :8501
الجزء :6 ... الصفحة :356
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق . قال : حضرت مجلس أبي الحسن بن سمعون فسأله رجل عن التصوف ما هو ؟ قال : (( إن له اسماً وحقيقة فعن أيهما تسأل ، فقال عنهما جميعاً . فقال أما اسمه فنسيان الدنيا ونسيان أهلها . و أما حقيقته فالمداراة مع الخلق و احتمال الأذى منهم من جهة الحق .)) ...
وقد جاء في مستدرك الحاكم : حدثنا شيخ التصوف في عصره أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، ثنا أبو أحمد الجريري قال : سمعت سهيل بن عبد الله التستري يقول : (( لما بعث الله عز و جل النبي صلى الله عليه و سلم كان في الدنيا سبعة أصناف من الناس الملوك و المزارعون و أصحاب المواشي و التجار و الصناع و الأجراء و الضعفاء و الفقراء لم يأمر أحداً منهم أن ينتقل مما هو فيه و لكن أمرهم بالعلم و اليقين و التقوى و التوكل في جميــع ما كانوا فيـه )) ...
قال سهل رحمة الله عليه : و ينبغي للعاقل أن يقول : ما ينبغي لي بعد علمي بأني عبدك أن ارجو واؤمل غيرك و لا أتوهم عليك إذ خلقتني و صورتني عبداً لك أن تكلني إلى نفسي أو تولي أموري غيرك .
قال الحاكم : قد وصف رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الطائفة بما خصهم الله تعالى به من بين الطوائف بصفات فمن وجدت فيه تلك الصفات إستحق بها اسم (( التصوف )) ...
وروى الحاكم ايضا : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى قوم يضحكون جهراً في سعة رحمة ربهم عز و جل و يبكون سراً من خوف شدة عذاب ربهم عز و جل يذكرون ربهم بالغداة و العشي في البيوت الطيبة المساجد و يدعونه بألسنتهم رغبا و رهبا و يسألونه بأيدهم خفضا و رفعا و يقبلون بقلوبهم عوداً و بدءاً فمئونتهم على الناس خفيفة و على أنفسهم ثقيلة يدبون في الأرض حفاة على أقدامهم كدبيب النمل بلا مرح و لا بذخ يمشون بالسكينة و يتقربون بالوسيلة و يقرأون القرآن و يقربون القربان و يلبسون الخلقان عليهم من الله تعالى شهود حاضرة و عين حافظة يتوسمون العباد و يتفكرون في البلاد أرواحهم في الدنيا و قلوبهم في الآخرة ليس لهم هم إلا امامهم اعدوا الجهاز لقبورهم و الجواز لسبيلهم و الاستعداد لمقامهم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم " ذلك لمن خاف مقامي و خاف و عيد" . )) .
قال الحاكم : فمن وفق لاستعمال هذا الوصف من متصوفة زماننا فطوباه فهو المقتفي لهدي من تقدمـه و الصوفيـة (( طائفة من طوائف المسلمين فمنهم أخيار و منهم أشرار لا كما يتوهمه رعاع الناس و عوامهم و لو علموا محل الطبقة الأولى منهم من الإسلام و قربهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمسكوا عن كثير من الوقيعة فيهم ))
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على لبس الصوف "وهو سمة من سمات الصوفية" اذ قال :
(( عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الايمان في قلوبكم )) . كنز العمال ،، الفتح الكبير ،، فيض القدير ،، جامع الاحاديث ,, مستدرك الحاكم ...
وفي كشف الخفاء عن انس (( لاتطعنوا على أهل التصوف والخرق فان اخلاقهم اخلاق الانبياء ولباسهم لبـاس الانبيـاء )) رقم 3001 ...
يقول الجنيد (( الصوفي : كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها الا كل مليح )) فهو حلبة مباراه في التسامي الخلقي .
ومما قاله الامام أحمد فيهم : (( انهم زادوا علينا بكثرة العلم ، والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة )) ...
وهذا قليل من كثير وقطرة من بحور أقوال علماء الامة وائمتها في تعريف التصوف وفي حقائقه ومفاهميه ، فلله درّهم جمعيا تنوعت عباراتهم وأختلفت اساليبهم في شرح مفهوم التزكية للنفس ، والخُلق الحسن ، والهمم العالية ، والزهد في الدنيا والخشية لله ، والتفرغ للعبادة والطاعة التي كانت السمة البارزة لرجال التصوف وأئمته رضوان الله عليهم ...