عاشق الوادي
01-05-2009, 04:27 AM
لقاء مع أنقاض امرأة...!! السبت 29 ذو الحجة 1429 الموافق 27 ديسمبر 2008 http://www.islamtoday.net/media_bank/image/2008/12/27/1_20081227_1722.jpg
مريم الضاني
جلست رقية في زاوية الحديقة تتصفح جريدة، وتتأمل بشغف امرأة خمسينية تجلس محنية الظهر على مقعد خشبي طويل، وقد انحسر وشاحها الأسود عن رأسها، فانسابت خصلات قليلة من شعرها الأبيض الناعم على جبينها المتغضن ورقبتها النحيلة.
كانت المرأة من حين لآخر تجوب بعينيها السماء وأرجاء الحديقة، ثم تتثاءب، وتربت على ركبتها.
نهضت رقية وتلفتت حولها متظاهرة بالبحث عن مقعد آخر لتجلس عليه، ثم سارت صوب المرأة، وجلست على كرسيّها.
حيّت رقية المرأة مبتسمة بود، فالتفتت إليها المرأة، وحدقت بها بعينين كابيتين.
شرعت رقية تقلّب أوراق الجريدة دون أن تقرأ، وتختلس النظر إلى وجه المرأة ذي البشرة الشديدة الجفاف، والحاجبين المائلين إلى الأسفل كجناحي طائر متعب، وإلى حذائها الأسود المقطوع من الخلف، وردائها البني اللون الذي تفوح منه رائحة كرائحة البيوت المهجورة.
قالت رقية:
الحديقة جميلة والجو ربيعي مشمس.
أومأت المرأة برأسها إيماءة خفيفة فاترة.
اقتربت رقية منها وسألتها: أتأتين هنا دائماً؟
سعلت المرأة ثم أجابت باقتضاب: أحياناً.
رحلة الزمن
تلاحقت أنفاس رقية، وعلا وجيب قلبها، وهي تمعن النظر إلى وجه المرأة وتستجمع شجاعتها لتبوح بما يشغل بالها، و بعد صمت قصير قالت منفعلة:
كان لي زميلة في أيام الدراسة تشبهك كثيراً. كان ذلك قبل سبع وعشرين عاماً تقريباً.
ظلت رقية تحدق في شفتي المرأة المتشققتين منتظرة بلهف سماع تعليقها، ولكن المرأة ازورّت ببصرها عنها.
أحست رقية بالحرج فتشاغلت قليلاً بجريدتها ثم سألت المرأة:
ما اسمك؟
رمقتها المرأة بنظرة سريعة متوترة، وبلعت ريقها، ثم أجابت:
ندى.. اسمي ندى.
ـ سبحان الله! ما أشد شبهك بزميلتي فاتن!
نظرت المرأة في ساعتها وتململت في مقعدها.
لم تأبه رقية لإعراض المرأة عنها فشرعت تتحدث بشغف:
كان آخر عهدي بفاتن حين حضرت حفل زفافها بعد تخرجنا من الجامعة مباشرة.
لقد تزوجَت أحد عشاقها الكثر، وسافرَت معه إلى فرنسا حيث يعمل.
امرأة لعوب
احمرّ وجه المرأة، وبدت عليه حبات دقيقة متناثرة من العرق.
أردفت رقية:
لقد كانت شغوفاً بإيقاع الطلاّب في شباكها.
رفعت المرأة حاجبيها تعجباً وارتجف ذقنها.
قطّبت رقية حاجبيها قائلة باستهجان:
حقا إنها امرأة غريبة الأطوار! كانت تنمي علاقاتها بهم حتى يوقن أحدهم أنه قد ملك قلبها، فيعرض عليها الزواج، أو يحاول استدراجها إلى علاقة غير مشروعة، عندئذ تهجره، وتبحث عن فريسة جديدة.
هزت المرأة رأسها ساخرة قائلة: أغبياء!
لاحظت رقية أن المرأة غدت تصغي إليها باهتمام، فاسترخت في جلستها، و حدقّت في نقطة بعيدة في الأفق، ثم بدأت تتحدث بتأثر بالغ:
لم أر فتاة أشد جاذبية منها! كانت رشيقة القوام، حنطية اللون، صافية البشرة، ناعمة الشعر، شديدة الاهتمام بأناقتها وعطورها، عذبة الصوت مغناجاً!! من يراها وهي تقف في أحد ممرات الكلية ساهمة ساكنة يحسبها دمية من الدمى الجميلة التي تُعرض عليها الملابس خلف واجهات المحال التجارية.
أخذت رقية نفساً عميقاً ثم استطردت بصوت حالم:
أنوثة طاغية آسرة، وزوج عاشق، وحياة هانئة، من مثلها؟! لعلها الآن تحتسي القهوة مع زوجها وأبنائها في شرفة بيت باريسي بديع، يطل على منظر طبيعي ساحر.
احتشدت الدموع في عيني المرأة الساهمتين، وهي تحاول السيطرة على ارتجاف شفتيها، وتتحدث بصوت راعش: مسكينة.
رقية: تقولين مسكينة؟!
دموع الذكريات
أخرجت المرأة منديلاً من حقيبتها، وجففت وجهها المكسو بالعرق. شردت هنيهة، ثم قالت:
تقولين إن زميلتك رفضت الارتباط بأي رجل من الذين يحبونها، وفي نهاية المطاف تزوجت أحدهم.
ـ ...........
: ما الذي جعلها تتزوجه سوى حبها الصادق له، ثم ما أدراك أنه كان يبادلها الحب؟! لعله تزوجها ليتحدى أصدقاءه الذين عجزوا عن الإيقاع بها!
رفعت رقية حاجبيها باستغراب، وأومأت بيدها إلى المرأة متسائلة: أتعرفينها؟!
تلعثمت المرأة وحست حسوة من الماء ثم أجابت:
لا .. لا أعرفها، ولكن هذا ما استنتجته من حديثك عنها.
بدت رقية غير مقتنعة بكلام المرأة، إلاّ أنها لم تعلق عليه.
نهضت المرأة وسارت صوب بوابة الحديقة متمهلة وذراعاها متدليتان على جنبيها باستسلام.
عندما وصلت إلى البوابة التفتت صوب رقية، ورنت إليها بعينين دامعتين، وتحركت شفتاها بكلمات مبهمة، ثم خرجت من البوابة.
مريم الضاني
جلست رقية في زاوية الحديقة تتصفح جريدة، وتتأمل بشغف امرأة خمسينية تجلس محنية الظهر على مقعد خشبي طويل، وقد انحسر وشاحها الأسود عن رأسها، فانسابت خصلات قليلة من شعرها الأبيض الناعم على جبينها المتغضن ورقبتها النحيلة.
كانت المرأة من حين لآخر تجوب بعينيها السماء وأرجاء الحديقة، ثم تتثاءب، وتربت على ركبتها.
نهضت رقية وتلفتت حولها متظاهرة بالبحث عن مقعد آخر لتجلس عليه، ثم سارت صوب المرأة، وجلست على كرسيّها.
حيّت رقية المرأة مبتسمة بود، فالتفتت إليها المرأة، وحدقت بها بعينين كابيتين.
شرعت رقية تقلّب أوراق الجريدة دون أن تقرأ، وتختلس النظر إلى وجه المرأة ذي البشرة الشديدة الجفاف، والحاجبين المائلين إلى الأسفل كجناحي طائر متعب، وإلى حذائها الأسود المقطوع من الخلف، وردائها البني اللون الذي تفوح منه رائحة كرائحة البيوت المهجورة.
قالت رقية:
الحديقة جميلة والجو ربيعي مشمس.
أومأت المرأة برأسها إيماءة خفيفة فاترة.
اقتربت رقية منها وسألتها: أتأتين هنا دائماً؟
سعلت المرأة ثم أجابت باقتضاب: أحياناً.
رحلة الزمن
تلاحقت أنفاس رقية، وعلا وجيب قلبها، وهي تمعن النظر إلى وجه المرأة وتستجمع شجاعتها لتبوح بما يشغل بالها، و بعد صمت قصير قالت منفعلة:
كان لي زميلة في أيام الدراسة تشبهك كثيراً. كان ذلك قبل سبع وعشرين عاماً تقريباً.
ظلت رقية تحدق في شفتي المرأة المتشققتين منتظرة بلهف سماع تعليقها، ولكن المرأة ازورّت ببصرها عنها.
أحست رقية بالحرج فتشاغلت قليلاً بجريدتها ثم سألت المرأة:
ما اسمك؟
رمقتها المرأة بنظرة سريعة متوترة، وبلعت ريقها، ثم أجابت:
ندى.. اسمي ندى.
ـ سبحان الله! ما أشد شبهك بزميلتي فاتن!
نظرت المرأة في ساعتها وتململت في مقعدها.
لم تأبه رقية لإعراض المرأة عنها فشرعت تتحدث بشغف:
كان آخر عهدي بفاتن حين حضرت حفل زفافها بعد تخرجنا من الجامعة مباشرة.
لقد تزوجَت أحد عشاقها الكثر، وسافرَت معه إلى فرنسا حيث يعمل.
امرأة لعوب
احمرّ وجه المرأة، وبدت عليه حبات دقيقة متناثرة من العرق.
أردفت رقية:
لقد كانت شغوفاً بإيقاع الطلاّب في شباكها.
رفعت المرأة حاجبيها تعجباً وارتجف ذقنها.
قطّبت رقية حاجبيها قائلة باستهجان:
حقا إنها امرأة غريبة الأطوار! كانت تنمي علاقاتها بهم حتى يوقن أحدهم أنه قد ملك قلبها، فيعرض عليها الزواج، أو يحاول استدراجها إلى علاقة غير مشروعة، عندئذ تهجره، وتبحث عن فريسة جديدة.
هزت المرأة رأسها ساخرة قائلة: أغبياء!
لاحظت رقية أن المرأة غدت تصغي إليها باهتمام، فاسترخت في جلستها، و حدقّت في نقطة بعيدة في الأفق، ثم بدأت تتحدث بتأثر بالغ:
لم أر فتاة أشد جاذبية منها! كانت رشيقة القوام، حنطية اللون، صافية البشرة، ناعمة الشعر، شديدة الاهتمام بأناقتها وعطورها، عذبة الصوت مغناجاً!! من يراها وهي تقف في أحد ممرات الكلية ساهمة ساكنة يحسبها دمية من الدمى الجميلة التي تُعرض عليها الملابس خلف واجهات المحال التجارية.
أخذت رقية نفساً عميقاً ثم استطردت بصوت حالم:
أنوثة طاغية آسرة، وزوج عاشق، وحياة هانئة، من مثلها؟! لعلها الآن تحتسي القهوة مع زوجها وأبنائها في شرفة بيت باريسي بديع، يطل على منظر طبيعي ساحر.
احتشدت الدموع في عيني المرأة الساهمتين، وهي تحاول السيطرة على ارتجاف شفتيها، وتتحدث بصوت راعش: مسكينة.
رقية: تقولين مسكينة؟!
دموع الذكريات
أخرجت المرأة منديلاً من حقيبتها، وجففت وجهها المكسو بالعرق. شردت هنيهة، ثم قالت:
تقولين إن زميلتك رفضت الارتباط بأي رجل من الذين يحبونها، وفي نهاية المطاف تزوجت أحدهم.
ـ ...........
: ما الذي جعلها تتزوجه سوى حبها الصادق له، ثم ما أدراك أنه كان يبادلها الحب؟! لعله تزوجها ليتحدى أصدقاءه الذين عجزوا عن الإيقاع بها!
رفعت رقية حاجبيها باستغراب، وأومأت بيدها إلى المرأة متسائلة: أتعرفينها؟!
تلعثمت المرأة وحست حسوة من الماء ثم أجابت:
لا .. لا أعرفها، ولكن هذا ما استنتجته من حديثك عنها.
بدت رقية غير مقتنعة بكلام المرأة، إلاّ أنها لم تعلق عليه.
نهضت المرأة وسارت صوب بوابة الحديقة متمهلة وذراعاها متدليتان على جنبيها باستسلام.
عندما وصلت إلى البوابة التفتت صوب رقية، ورنت إليها بعينين دامعتين، وتحركت شفتاها بكلمات مبهمة، ثم خرجت من البوابة.