جابرعثرات الكرام
01-14-2009, 09:41 PM
مشروعية المظاهرات: إحياء للسنة وتحقيقا لمقاصد الشريعة
نقلا عن : مجلة العصر
ملاحظة العصر: نعيد نشر هذا المقال، الذي كُتب في ظروف قديمة وزمن قديم (في 24 محرم 1423 هـ الموافق لـ6 أبريل 2002م)، ولكن الوضع متشابه، والقضية مطروحة مجددا.
الحمد لله الذي بين الهدى للناس بآي قرآنه، وسنة نبيه قولا وفعلا، وصلى الله على رسوله الذي أظهر الحق وناصره ودعالإظهاره إلى يوم القيامة، أما بعد:
فقد نزلت هذه الشريعة لتكريم الإنسان وهدايته، وبيان لطرق عزته، ورفع الظلم عنه، وزرع الحرية في قلبه وسلوكه، وإلزام مجتمعه بذلك، فيعبّد لله ليرتفع فوق ما سواه، ويتهاوى ظالموه، ويذل محتقروه. وأول مباني الرجولة كلمة حق يقولها صادق في وجه ظالم مفسد، وهي أصدق وأبلغ عندما يبلغّهاشعب كامل، فالآلاف التي جأرت بالحق في عدد من مدن الإسلام وغيرها هذه الأيام أحيت الوحدة والقوة وأنذرت عصابة الدمار والإفساد بنيران سخط كامل من قبل ربع البشرية من المسلمين ومن غيرهم.
من المحيط إلى بغداد ثوار *** شعب تزمجر في أحشائه النار:
وأي إعلاء لمشاعر الإسلام في زمن الضعف خيرمن زمجرة الملايين تستنكر الظلم والفساد، وتهيج على جور الصهيونية وشؤمها، وتحاربالجريمة والرذيلة. فكلمة الحق واجب وشعيرة، وإذا كان اظهار الفرح بالعيد وجمع الناسسنة، حتى على من ليست الصلاة في حقه واجبا ولا سنة، فيخرج تكثيرا لسواد المسلمين،وابتهاجا بما يسرهم جميعا، فكيف لا نقف مع إخواننا الذين يجزرون كالأغنام، وتسوىبدورهم الأرض، وتنتهك حرماتهم، ويقتل أطفالهم ونساؤهم، ثم يحظر قوم على المسلمين أنيجأروا بالشكوى لله ويخرجون في الصعدات، يدعون، ويهددون، ويخيفون، ويظهرون قوةالدين، ونصرة العدل، وتضامن المسلمين، فإنهم إن فقدوا السلاح والحماية والعدة فمازالوا يملكون حناجرهم وأجسامهم يعلنون بها رفض الظلم وانكار الفساد، وهذا أقل مايجب عليهم فعله، إنهم لا يملكون سلاحا، ولا يملكون مالا، ولا يملكون دولا، ولارجالا تمنع حرماتهم، ولم يبق إلا الصوت والصدى فهل ستبخلون حتى بهذاوتمنعوه؟
عجبا!!، لقد دمر الذل القلوب، وسحق الجهل العقول، فأصبح قوميننتظرون من الباغي فتوى أن يسمح لهم بأن ينكروا فعله، ومن العدو إذنا بالإعتراضعليه. وقوم يهجرون ما يعرفون من سنة نبيهم، وما تظاهرت عليه النصوص وصححته العقول،وعليه عمل علماء الزمان، ويقفون منها موقف من يختار الذل والخنوع منهجا يسميه حكمة،ويسمون الذليل فاهما، فإن كان حديثا حبيبا لبعض القلوب المرعوبه، مؤداه منسجم معأهوائهم لفقوا له تصحيحا، وإن كانوا لا يحبونه لفقوا لرده سبلا عديدة، ولم تنقصهموسيلة، ولم ولن تنقص ذا هوى حيلة.
ولكن الحق أبلج، شواهده في القلوب قبلشواهد الفتاوى والكتب، وهذه بعض شواهده لمن أعرض عن الوعي، وأغلق القلب والعين. وإني هنا أذكر لكم أمورا مما ورد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما تقرر فيدينه من أصول وقواعد وما فهمه العلماء ونفذوه قولا وعملا:
1- فمن المعروف أنالعالم كله يشاهد ما يحدث في مدنكم، ويهتم به غاية الإهتمام ويقرأ توجهاتكموقناعاتكم، وقد لا ينساق لموقف واحد صغير، ولكن مواقف صغيرة كثيرة تدل على شيء آخر،والمظاهرات الأخيرة في البلاد العربية والإسلامية وغيرها، كان لها وقع السلاح علىمن يحرص أن يبيعكم سلاحا، يتقوى به البائع، و تجوعون به وتذلون، ولا يكشف عارا، ولايحمي ذمارا، ويحرص أن يبيعكم متعا ولباسا وطعاما، ولكن غضبكم يخيفه، وقد يجيعه أويفسد بضاعته يوما عاجلا أو آجلا. يوم يعرف أنكم غضبتم وأنكم تعنون ذلك. فقوته منمالكم، وسيادته من عبوديتكم، وتجبره من خنوعكم، فما سار تيار كهرباء في الدنيا إلابخط سالب وخط موجب، فإن غير السالب عادته، وتمرد على خنوعه انهارت قوة الموجب، لوكففنا عن عبوديتنا لتعامل معنا العالم بشكل آخر تماما، نحن نملك أن نخرج ونتكلم،وقد نتضرر.. ولن نقتل فلم الذل الماحق؟، وقد أصيب أعداؤكم بالكآبة لما رأوا منتظاهراتكم، كما أصيبت قريش من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول مظاهرة بينصفين على أحدهما حمزة وعلى الآخر عمر، إظهار قوة بلا حرب، وعزة بلامواجهة.
2- وما ترون من قتل إخوانكم فهو منكر يجب عليكم إنكاره، ولا يدلديكم فليقم اللسان بهذا وأنتم تملكونه، فإن فقدتموه فماذا بقي إلا القلب ولكن لاتنتقلوا تبّاعين للهوى معرضين عن قاعدة تغيير المنكر التي ترتب مراتب التغيير،باليد ثم اللسان ثم القلب، وما دمتم بلا يد فلا تعجزون عن أرجل تسير وحناجر تصرخبالظالمين.
3- نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج بالصحابة في مظاهرةلإظهار قوة المسلمين وكثرة عددهم بعد إلحاح الصحابة على ذلك،قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: "لقد ذكرت المظاهرات فيمعرض الوسائل التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإظهار الإسلام، والدعوةإليه لما روي أن المسلمين خرجوا بعد إسلام عمر رضي الله عنه بأمر رسول الله صلىالله عليه وسلم في صفين (إظهاراً للقوة) على أحدهما حمزة رضي الله عنه، وعلى الآخرعمر بن الخطاب رضي الله عنه ولهم كديد ككديد الطحين حتى دخلوا المسجد.
ولمأر لذلك من هدف إلا إظهار القوة، وقد روى هذا الحديث أبو نعيم في الحلية بإسنادهإلى ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإنحيينا؟ قال: «بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإنحييتم»، قال فقلت: "ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن"، فأخرجناه فيصفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قالفنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى اللهعليه وسلم يومئذ الفاروق. وفرق الله به بين الحق والباطل" انتهى(حلية الأولياء 1/40).
وأوردهصاحب الإصابة في أسماء الصحابة هكذا: "وأخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة فيتاريخه بسند فيه إسحق ابن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل عمر عن إسلامه فذكر قصتهبطولها وفيها أنه خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة وأصحابه الذينكانوا اختفوا في دار الأرقم فعلمت قريش أنه امتنع فلم تصبهم كآبة مثلها، قال فسمانيرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق" انتهى(الإصابة 2/512).
وذكره ابن حجر ـ رحمه الله ـ في فتح الباريقائلاً: "وروىأبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من حديث ابن عباس، وفي آخره "فقلت يا رسولالله ففيم الاختفاء؟"، فخرجنا في صفين: أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر، فنظرت قريشإلينا فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها"، وأخرجه البزار من طريق أسلم مولى عمر عن عمرمطولاً" انتهى(فتح الباري 7/59).
ولكنني وجدتبعد رسالتكم أن مدار هذا الحديث على إسحق بن عبدالله بن أبي فروة وهو منكر الحديث. وكنت أرى أن التشريع الإسلامي قد جاء بكثير من الشعائر لإظهار عزة الإسلام والدعوةإليه، كصلاة الجماعة والجمعة والعيدين، ورأيت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرالنساء الحيّض وذوات الخدور أن يخرجن إلى المصلى يوم العيد معللاً ذلك بقوله صلىالله عليه وسلم: «ليشهدن الخير، ودعوة المسلمين» [رواهأبو داود وصححه الألباني]، ومن الخير الذي يشهدنه هو كثرة أهل الإسلام وإظهارهملشعائره، وكذلك كان الرسول يرسل البعوث والسرايا ومن أهدافها الأساسية (عرض القوة)،كما قال لأسامة رضي الله عنه: «أوطيء الخيل أرض البلقاء»..
فهذا هو الذيجعلني أنسب هذا النوع من التظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعني إلا ماجاء في هذه الأحاديث من إظهار عزة الإسلام، وكثرة المسلمين، وهذا باب من أبوابالدعوة إلى الله. وكنت أرى أن هذا الأسلوب يمكن استخدامه استخداماً صحيحاً في الحضعلى صلاة الجمعة والجماعة، والحض على صلاة العيدين في المصلى خارج المدينة وحثالرجال والنساء على الخروج لهذه الصلاة الجامعة وكذلك جمع الناس بين الفينة والأخرىللأمور الهامة التي تنزل بالمسلمين كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل إذا نزلبالمسلمين أمر فيقول الصلاة جامعة، وكذلك في المحاضرات والندوات الحاشدة التي يكونمن مقاصدها ـ بعد تلقي العلم ـ إظهار كثرة المهتدين، وجمهور المسلمين، وكذلك في عرضقوة أهل الإسلام في جيوشهم الحربية وآلاتهم العسكرية، لأن كل ذلك مما يكسر قلوبالعدو، ويرهب أعداء الله، ويعلي منار الإسلام".
ولما احتج عليه الشيخ ابنباز بضعف أحد الرواة، وتنازل الشيخ عن لفظ مظاهرات كما بينه فيما بعد، وقد سألته آنذاك فأظهر لي الشيخ عبد الرحمن أنه تعرض لفتنة من سفهاء أساءوا له وشنعوا عليه، ولايحب أن يظهر عند الناس آنذاك أنه يخالف الشيخ ابن باز، وبخاصة مع كثرة الخصوم،والشامتين به، زمن ارتفاع أصوات أهل الفتنة والمخرقة، أما هو فلم يزل يعتقد بماكتبه في الكتاب أول مرة، وعرض أن يكتب أحد غيره تأييدا لرأيه الأول ذاك، وهو الآنحي يرزق ويمكن سؤاله، ثم أيد رجوعه بفعله فقد خرج بعد ذلك في عدة مظاهرات بجوارهالشيخ حامد العلي والشيخ الشايجي والشيخ الطبطبائي وغيرهم من العلماء، في محافلمعروفة وصور موثقة، ثم إن فيما سبق وما سيأتي حجة مغنية عن الوقوف عند هذا، واثباتعملي بعد القولي بتراجعه عن القول السابق، وفي قول وفعل جلة علماء العصر وهو منهمكفاية.
4- أن المظاهرات وسيلة لها أحكام الوسائل، والأصل في الوسائلالإباحة، وما يتلبس بوسيلة مباحة من مخالفة فالوسائل لها أحكام المقاصد، فمالذييقصده المسلمون بهذه الوسيلة إلا إظهار الحق، ورفض الظلم، وكشف الخيانات اليهودية،وشحذ همم الناس وألسنتهم وأقلامهم وأيديهم بما يملكون فعله، كما ان في هذا صناعةوحدة في الموقف ورأي للأمة.
5- جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلميشكو جاره فقال اطرح متاعك على الطريق فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاءإلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال "يا رسول الله ما لقيت من الناس"، فقال : ومالقيت منهم؟ قال: "يلعنوني"، قال: لقد لعنك الله قبل الناس، قال: "إني لا أعود"،فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارفع متاعك فقد كفيت. ورواهالبزار بإسناد حسن بنحو إلا أنه قال: "ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق" فوضعه، فكان كل من مر به قال: "ما شأنك؟"، قال جاري يؤذيني فيدعو عليه فجاء جارهفقال: "رد متاعك فلا أؤذيك أبدا". و"روى" أبو داود واللفظ له وابن حبان في صحيحهوالحاكم وصححه على شرط مسلم: (جاء رجل يشكو جاره فقال له: «اذهب فاصبر»، فأتاه مرتين أو ثلاثا، فقال اذهب فاطرح متاعكفي الطريق ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه ويخبرهم خبر جاره فجعلوا يلعنونه فعلالله به وفعل، وبعضهم يدعو عليه فجاء إليه جاره فقال: "ارجع فإنك لن ترى مني شيئاتكرهه" (كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر باب الصلح، الكبيرةالعاشرة بعد المائتين: إيذاء الجار ولو ذميا).
6- وإن الصوت والإعلاموالضجيج نصف الحرب، ومن شهد الحرب الإعلامية التي يمارسها اليهود في أمريكا، علممقدار أهمية هذه المظاهرات وخطورتها في العصر الحديث، إن الإعلام الأمريكي يخفي خبرالمظاهرات الإسلامية ولا يذكرها، وإن ذكرها أحدهم قلّل جدا من قدرها، ولكن تقاريرهاتصل ذوي القرارات النهمة، وهم يعلمون أنها تعمل في النفوس عملا مروعا للبغاة، فهيبدايات مخيفة، وهي حقيقة قد تؤدي أن يتجاوب الناس معها.
وقد هرع حكام العربلأمريكا يستنقذونها ويطلبونها الكلام أو الإحتجاج بما يكف الاضطراب، أو عدمالاستقرار، وبدأ الحديث عن الخوف من سقوط الحكومات الموالية لإسرائيل. ولولا شعورالعالم بدلالات المظاهرات لما تغيرت المواقف، أو لما خفف المفسدون في الأرض خوفا منمضاعفة الموقف. فكيف تخذلون إخوانكم حتى في عمل كهذا؟، فلا تبخلوا بكلمة حق لاتضير، وقد تنفع كثيرا، فالمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله، والذين لا يستنكرونولا يتظاهرون ولا يتكلمون ولا يكتبون، قد أسلموا إخوانهم، وتهاونوا بحقوقهم، ثمإنكم لا تعلمون أثر المناصرة والمظاهرة في نفوس إخوانكم عندما يعلمون أن هناك منانتصر لهم واستنكر الجرائم المقترفة في حقهم.
7- أما الذين يقلدون رجالاصالحين لهم خير كبير، ولكنهم يخطئون فيما لا يدركون، فإن عليهم أن يتقوا الله،ويخرجوا من ربقة العصمة لمشائخهم، واتّباعهم في الخطأ والصواب، فهذه مصادمة للحقبالرجال، وأنتم تعلمون أن هؤلاء الأفاضل قد دفعتهم نيات صالحة فقالوا قولا ربما كانصوابا آنذاك في زمن غير الزمن، وفي حال غير الحال، فعليكم أن تتبعوا فقه السلفوهديهم، في تقدير الأمور، ووعي العالم المحيط، فالسلفية إما أن تكون فترة تاريخيةغابرة، فتلك قد انقضت، وإما أن تكون منهجا حيا متجاوبا مع مقتضيات الزمن، فهذا أوانالعلم والعقل. فإن أولئك العلماء أنفسهم الذين تحتجون بهم كانوا يمنعون في شبابهمالراديو والتلفاز، وفي أواخر أعمارهم تبين لهم خطؤهم وتراجعوا، وإنا لا نملك لكم أننبعثهم فيعتذروا لكم عن خطأ لم يعد الإصرار عليه صحيحا، ولا مناسبا، ولكننا نناشدالقلوب الحية، والعيون التي ترى، والعقول التي تعي أن تخرج من ضيق التاريخ إلى نهجالشريعة، وتهاجر إلى هذا الزمان ثم تعرف ما يدور، ومن جمد فلن يجمّد العالم ولنيغلق إلا فهمه ولن يضر إلا نفسه، إن اتباع الرسول ص غاية في المعاصرة، والمتابعةللزمان، وهي منهج متحرك وليست صورة تاريخية جامدة.
8- دليل فعل العلماء: ومنفعل العلماء، ما تعلمونه من فعل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وجميع علماء السلفيةفي الكويت، خرجوا جميعا في مقدمة صفوف المظاهرات التي احتجت على المفسدين فيالجامعة وغيروا القرار بمظاهرتهم، ثم تظاهروا عدة مرات، ويتكرر هذا منهم ولا يجرؤأحد على نقض ذلك، وتظاهر علماء الجزائر ودعاتهم مرات عديدة يتقدمهم محمد السعيدوعلي بلحاج، وعباسي مدني وبقية من العلماء المسنين الذين كانوا أعضاء جمعيةالعلماء، ومن قبل هذا مواقف علماء المسلمين في أغلب بلاد المسلمين، إن لم يكن كلها. قديما وحديثا، وقد خرج علماء الشام في مظاهرات يقودهم الشيخ القصاب ضد موقف الملكفيصل الشريف عندما تراخى عن الحرب للفرنسيين، وأيدهم رشيد رضا عددا من المظاهرات فيزمنه، وخرج علماء الأزهر في المظاهرات ضد الإنجليز في عام 1919م.
وفيالجزيرة العربية، خرج الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله ـ والد رئيس مجلس الشورى ـبأهل القصيم في مظاهرة بشأن مشكلة في مدارس البنات، وخرج الشيخ سلمان العودة منذسبع سنوات مع العلماء والعامة احتجاجا على منعه من الكلام، وخرج معه جمع كبير منالعلماء والدعاة، ولم تننتقد المظاهرة لذاتها بل الذين انتقدوا إنما كان نقدهم علىالتوقيت، أو احتمال الفوضى، ثم خرج أخيرا الشيخ المبارك بأهل المنطقة الشرقية، وقادالشيخ القرضاوي عددا من المظاهرات، وهو يقود المظاهرات في الدوحة في كل حدث ملم،وفي السودان يخرج علماؤهم للمظاهرات، منها مظاهرات في أعقاب ضرب بلادهم قبل بضعسنوات، وفي بلدان العالم الإسلامي من العلماء المؤيدين ما لا يحصى عددا، فهل نستبعدعلماء كعلماء الباكستان "المودودي، واليمن "الزنداني" وكثيرون من الشام ومصروغيرها.
ولسنا بصدد تحقيق الحق والباطل في خطاب المتظاهرين، ولكن النقاش فيشرعية العمل، فقد دلت الأدلة الشرعية على صحتها وفعلها منذ عهد النبوة، ومارسهاالعلماء الموتى والأحياء من شتى المدارس ومن المدرسة السلفية تحديدا، ومن أشدهمتمسكا. ولم يزل علماء العصر يخرجون في كل مكان ينبذون الظلم والفساد وينكرون علىالطغاة، وعلى المفسدين في الأرض، فإن منع علماء الخروج على الحكام، فلم لا يجوز حتىالصراخ في وجوه اليهود المحتلين العنصريين القتلة!. أما المفاسد التي تحتمل من هذاالعمل فصحيح أنها قد تقع، ولكنها مفاسد محتملة، والمصلحة متيقنة، فلا يسقط اليقينيبالمحتمل، واظهار الحق وشعائر الدين ومناصرة الحق واجب لا يسقطه احتمال أذى، ثم إنخروج العلماء والزعماء في هذه المظاهرات مما يعطيها وزناوأهمية، ويرشدها ويبعدهاعن الفساد، ويؤكد السلطة والاحترام لقادة المظاهرات ورعاة مصالح الأمة.
9- أما رأي المخالفين، فهو منطلق من الخوف من تهمة الخروج على الحاكم، وهذا شأن آخر،لأن هذا الخروج في المظاهرات على ظلم اليهود لا علاقة له بالخروج على ظلم الحكام،وليس معهم أدلة منع تعوق ما سبق، وهذه وسيلة أصلها الإباحة، وقد أشكل على بعضهم عدمورود اللفظ، فلنسمها مناصرة، ونفرق بينها وبين المظاهرة، ثم نقول هذه المناصرةللمظلومين في كل أرض، وتحت كل سماء، والمظاهرة ضد العدوان الداخلي، ثم يقوم منيهمهم هذا "التفريق الجديد" بتحريم "المظاهرات" وإباحة "المناصرات". أما هذه الحالالقائمة المانعة لإظهار الدين والمناصرة والأخوة والتعاطف فليست من الدين في شيءوليست من العلمانية في شيء.
10- لقد أصبح التظاهر مقياسا من مقاييس الرأيعند الأمم مسلمها وكافرها في هذا العصر، فنحن لا نعلم رأي أمة من حكامها ولا منإعلامها الذي قد يسيطر عليه حزب أو قلة لا تخدم مصلحة الأمة ولا تحرص عليها، ولانعلم من قال ممن لم يقل ومن وافق ومن خالف، فهذا قياس مهم لموقف الأمة واستنكارهالباطل أو مناصرتها لحق.
11- وقد تعطلت في الحياة الإسلامية وسائل قياس الرأيالعام، كالتي كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يرى الناس يوافقنعلى رأيه في اعادة الغنائم، فيقول إني لا أعلم من رضي ممن لم يرض فاذهبوا "وليأتنيعرفاؤكم بالخبر"، فقد كان هناك عرفاء للمجتمع، ينقلون إليه ومنه الموقف والرأي،ويتفقدون مجموعاتهم ويعرفون قرارهم وما يحبون، وهذه طريقة مبكرة رائعة في قياسالرأي، والإستشارة والتصويت على موقف. وما دام هذا الأمر غير موجود اليوم فإن إظهارالرأي مهم لمعرفة القرار أو دفعه باتجاه محدد، أو صناعة رأي عند غير ذوي الرأيوتأييده.
12- وهناك دائما وسائل جديدة، لا تخالف الشرع، وقد لا تكون عرفتقديما لأن التكوين الإجتماعي والسياسي للمجتمعات قديما لم يكن يعرفها ولا تتناسبمعه، مثال ذلك العصيان المدني، وهو عصيان في غاية السلمية، ولكنه مدمر لمصالحالمستعمرين، وقد ساهم بدور كبير في استقلال الهند عندما استخدمه غاندي بذكاء كبير،وهو لم يخترع النظرية، ولكنه طبق فكرة مقال قرأه، وكانت ظروف بريطانيا بلا شكمساعدة على انهاء هيمنتها.
13- تبين جدوى هذه المظاهرات الكبيرة في رفعالأذى عن شعوب عديدة عبر التاريخ، وآخر شواهد ذلك ما رأيناه في إفريقيا الجنوبيةونيل سكانها الحرية بوسائل منها المظاهرات، كما حدث في أندونيسيا عندما خرجالمتظاهرون وأبعدوا سوهارتوا ونظامه الفاسد، وما حدث من تظاهر اليوغسلاف ضد الطاغيةسلوبودان ميلسوفتش، واستطاعوا تحرير أنفسهم بالخروج في مظاهرات عارمة وذهبوا إلىالبرلمان، واسقطوا الصنم، وصانوا دماءهم وأعراضهم وكرامتهم من جوره، وفي التاريخشواهد لا تحصى لفائدة هذه المظاهرات.
ثم لو تأملنا إنهاء الاستعمار في أغلبالمستعمرات حول العالم في بلدان مسلمة وغيرها، من الهند إلى الفلبين إلى سوريا ومصروشمال افريقيا وإيران والعراق لوجدنا المظاهرات ذات أثر مشهود لا يناقش فيه عاقل،فهي من أهم الوسائل ولا يعني أنها وسيلة حق معصومة من الخطأ، ولكن الذين يناقشونبأنهم عندما اختفوا في جحورهم لم يصدر منهم خطأ أبدا، وهذا حق لهم لا نعارضه، ولاندعي عليهم بأنهم فعلوا شيئا، ولكن من يبني أمة وينقذ موقفا ويصنع نصرا، ويتبعمحمدا صلى الله عليه وسلم ورجال العلم والعمل فلا شك أنه سيقع في أخطاء لن يقع فيهاأبدا المعصومون من العمل ومن الخطأ ومن الصواب، وسيجدون كل الشواهد الباطلةوالصحيحة على خطأ العاملين، وتقصيرهم وتعثرهم، والماشي يخطئ الطريق أحيانا ويقصر،ولكن حسبه أنه شمر واجتهد، والقاعدون لا عيوب ولا فضائل. أما العاملون فيحصل منهمالخطأ ويصابوا، ومن ظهر عمله بان خطؤه، ورأى الناس عيوبه، ولكنه يحرك بخيره غيره،وهو أجدر بالعلم وبالفقه، ومعرفة الحق من الخطأ، ووعي مقاصد الشرع، وإدراك روحالقرآن بعمله بكتاب ربه من كل متفلسف كليل.
14- والتظاهر مع الحق، وضدالباطل سنة مشروعة جارية، سنها الله في إظهار الإنكار على الفساد في قوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [سورة النور: 2]،وسنها في الابتهاج بالأعياد، واستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوديعه للغزاةحين خروجهم والاحتفال بهم حال عودتهم، وفي إظهار القوة كما فعل مع أبي سفيان فألزمهرؤية قوة المسلمين، وقطع الطريق عليه أن يفكر في إمكان مواجهة القوة الضاربةللإسلام، ومن قبل طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائفين أن يهرولوا في الطوافاظهارا لقوة وصحة أجسامهم، مما يراجع تفصيله في فقه الحج وفي السير.
وإن لمنظهر موقفنا وحميتنا وصوتنا وتعاطفنا مع إخواننا المقهورين وحمانا المنتهك فما ذابقي؟ فاظهار الحق، بكل وسيلة وغمط الباطل بكل وسيلة، في عموم ما ذكر، مما تواترتعلى مشروعيته الأدلة تواترا معنويا، وهي سنة في الإسلام قائمة.
محمد الأحمري (http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=articles&scholar_id=209)
نقلا عن : مجلة العصر
ملاحظة العصر: نعيد نشر هذا المقال، الذي كُتب في ظروف قديمة وزمن قديم (في 24 محرم 1423 هـ الموافق لـ6 أبريل 2002م)، ولكن الوضع متشابه، والقضية مطروحة مجددا.
الحمد لله الذي بين الهدى للناس بآي قرآنه، وسنة نبيه قولا وفعلا، وصلى الله على رسوله الذي أظهر الحق وناصره ودعالإظهاره إلى يوم القيامة، أما بعد:
فقد نزلت هذه الشريعة لتكريم الإنسان وهدايته، وبيان لطرق عزته، ورفع الظلم عنه، وزرع الحرية في قلبه وسلوكه، وإلزام مجتمعه بذلك، فيعبّد لله ليرتفع فوق ما سواه، ويتهاوى ظالموه، ويذل محتقروه. وأول مباني الرجولة كلمة حق يقولها صادق في وجه ظالم مفسد، وهي أصدق وأبلغ عندما يبلغّهاشعب كامل، فالآلاف التي جأرت بالحق في عدد من مدن الإسلام وغيرها هذه الأيام أحيت الوحدة والقوة وأنذرت عصابة الدمار والإفساد بنيران سخط كامل من قبل ربع البشرية من المسلمين ومن غيرهم.
من المحيط إلى بغداد ثوار *** شعب تزمجر في أحشائه النار:
وأي إعلاء لمشاعر الإسلام في زمن الضعف خيرمن زمجرة الملايين تستنكر الظلم والفساد، وتهيج على جور الصهيونية وشؤمها، وتحاربالجريمة والرذيلة. فكلمة الحق واجب وشعيرة، وإذا كان اظهار الفرح بالعيد وجمع الناسسنة، حتى على من ليست الصلاة في حقه واجبا ولا سنة، فيخرج تكثيرا لسواد المسلمين،وابتهاجا بما يسرهم جميعا، فكيف لا نقف مع إخواننا الذين يجزرون كالأغنام، وتسوىبدورهم الأرض، وتنتهك حرماتهم، ويقتل أطفالهم ونساؤهم، ثم يحظر قوم على المسلمين أنيجأروا بالشكوى لله ويخرجون في الصعدات، يدعون، ويهددون، ويخيفون، ويظهرون قوةالدين، ونصرة العدل، وتضامن المسلمين، فإنهم إن فقدوا السلاح والحماية والعدة فمازالوا يملكون حناجرهم وأجسامهم يعلنون بها رفض الظلم وانكار الفساد، وهذا أقل مايجب عليهم فعله، إنهم لا يملكون سلاحا، ولا يملكون مالا، ولا يملكون دولا، ولارجالا تمنع حرماتهم، ولم يبق إلا الصوت والصدى فهل ستبخلون حتى بهذاوتمنعوه؟
عجبا!!، لقد دمر الذل القلوب، وسحق الجهل العقول، فأصبح قوميننتظرون من الباغي فتوى أن يسمح لهم بأن ينكروا فعله، ومن العدو إذنا بالإعتراضعليه. وقوم يهجرون ما يعرفون من سنة نبيهم، وما تظاهرت عليه النصوص وصححته العقول،وعليه عمل علماء الزمان، ويقفون منها موقف من يختار الذل والخنوع منهجا يسميه حكمة،ويسمون الذليل فاهما، فإن كان حديثا حبيبا لبعض القلوب المرعوبه، مؤداه منسجم معأهوائهم لفقوا له تصحيحا، وإن كانوا لا يحبونه لفقوا لرده سبلا عديدة، ولم تنقصهموسيلة، ولم ولن تنقص ذا هوى حيلة.
ولكن الحق أبلج، شواهده في القلوب قبلشواهد الفتاوى والكتب، وهذه بعض شواهده لمن أعرض عن الوعي، وأغلق القلب والعين. وإني هنا أذكر لكم أمورا مما ورد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما تقرر فيدينه من أصول وقواعد وما فهمه العلماء ونفذوه قولا وعملا:
1- فمن المعروف أنالعالم كله يشاهد ما يحدث في مدنكم، ويهتم به غاية الإهتمام ويقرأ توجهاتكموقناعاتكم، وقد لا ينساق لموقف واحد صغير، ولكن مواقف صغيرة كثيرة تدل على شيء آخر،والمظاهرات الأخيرة في البلاد العربية والإسلامية وغيرها، كان لها وقع السلاح علىمن يحرص أن يبيعكم سلاحا، يتقوى به البائع، و تجوعون به وتذلون، ولا يكشف عارا، ولايحمي ذمارا، ويحرص أن يبيعكم متعا ولباسا وطعاما، ولكن غضبكم يخيفه، وقد يجيعه أويفسد بضاعته يوما عاجلا أو آجلا. يوم يعرف أنكم غضبتم وأنكم تعنون ذلك. فقوته منمالكم، وسيادته من عبوديتكم، وتجبره من خنوعكم، فما سار تيار كهرباء في الدنيا إلابخط سالب وخط موجب، فإن غير السالب عادته، وتمرد على خنوعه انهارت قوة الموجب، لوكففنا عن عبوديتنا لتعامل معنا العالم بشكل آخر تماما، نحن نملك أن نخرج ونتكلم،وقد نتضرر.. ولن نقتل فلم الذل الماحق؟، وقد أصيب أعداؤكم بالكآبة لما رأوا منتظاهراتكم، كما أصيبت قريش من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول مظاهرة بينصفين على أحدهما حمزة وعلى الآخر عمر، إظهار قوة بلا حرب، وعزة بلامواجهة.
2- وما ترون من قتل إخوانكم فهو منكر يجب عليكم إنكاره، ولا يدلديكم فليقم اللسان بهذا وأنتم تملكونه، فإن فقدتموه فماذا بقي إلا القلب ولكن لاتنتقلوا تبّاعين للهوى معرضين عن قاعدة تغيير المنكر التي ترتب مراتب التغيير،باليد ثم اللسان ثم القلب، وما دمتم بلا يد فلا تعجزون عن أرجل تسير وحناجر تصرخبالظالمين.
3- نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج بالصحابة في مظاهرةلإظهار قوة المسلمين وكثرة عددهم بعد إلحاح الصحابة على ذلك،قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: "لقد ذكرت المظاهرات فيمعرض الوسائل التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإظهار الإسلام، والدعوةإليه لما روي أن المسلمين خرجوا بعد إسلام عمر رضي الله عنه بأمر رسول الله صلىالله عليه وسلم في صفين (إظهاراً للقوة) على أحدهما حمزة رضي الله عنه، وعلى الآخرعمر بن الخطاب رضي الله عنه ولهم كديد ككديد الطحين حتى دخلوا المسجد.
ولمأر لذلك من هدف إلا إظهار القوة، وقد روى هذا الحديث أبو نعيم في الحلية بإسنادهإلى ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإنحيينا؟ قال: «بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإنحييتم»، قال فقلت: "ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن"، فأخرجناه فيصفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قالفنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى اللهعليه وسلم يومئذ الفاروق. وفرق الله به بين الحق والباطل" انتهى(حلية الأولياء 1/40).
وأوردهصاحب الإصابة في أسماء الصحابة هكذا: "وأخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة فيتاريخه بسند فيه إسحق ابن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل عمر عن إسلامه فذكر قصتهبطولها وفيها أنه خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة وأصحابه الذينكانوا اختفوا في دار الأرقم فعلمت قريش أنه امتنع فلم تصبهم كآبة مثلها، قال فسمانيرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق" انتهى(الإصابة 2/512).
وذكره ابن حجر ـ رحمه الله ـ في فتح الباريقائلاً: "وروىأبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من حديث ابن عباس، وفي آخره "فقلت يا رسولالله ففيم الاختفاء؟"، فخرجنا في صفين: أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر، فنظرت قريشإلينا فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها"، وأخرجه البزار من طريق أسلم مولى عمر عن عمرمطولاً" انتهى(فتح الباري 7/59).
ولكنني وجدتبعد رسالتكم أن مدار هذا الحديث على إسحق بن عبدالله بن أبي فروة وهو منكر الحديث. وكنت أرى أن التشريع الإسلامي قد جاء بكثير من الشعائر لإظهار عزة الإسلام والدعوةإليه، كصلاة الجماعة والجمعة والعيدين، ورأيت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرالنساء الحيّض وذوات الخدور أن يخرجن إلى المصلى يوم العيد معللاً ذلك بقوله صلىالله عليه وسلم: «ليشهدن الخير، ودعوة المسلمين» [رواهأبو داود وصححه الألباني]، ومن الخير الذي يشهدنه هو كثرة أهل الإسلام وإظهارهملشعائره، وكذلك كان الرسول يرسل البعوث والسرايا ومن أهدافها الأساسية (عرض القوة)،كما قال لأسامة رضي الله عنه: «أوطيء الخيل أرض البلقاء»..
فهذا هو الذيجعلني أنسب هذا النوع من التظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعني إلا ماجاء في هذه الأحاديث من إظهار عزة الإسلام، وكثرة المسلمين، وهذا باب من أبوابالدعوة إلى الله. وكنت أرى أن هذا الأسلوب يمكن استخدامه استخداماً صحيحاً في الحضعلى صلاة الجمعة والجماعة، والحض على صلاة العيدين في المصلى خارج المدينة وحثالرجال والنساء على الخروج لهذه الصلاة الجامعة وكذلك جمع الناس بين الفينة والأخرىللأمور الهامة التي تنزل بالمسلمين كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل إذا نزلبالمسلمين أمر فيقول الصلاة جامعة، وكذلك في المحاضرات والندوات الحاشدة التي يكونمن مقاصدها ـ بعد تلقي العلم ـ إظهار كثرة المهتدين، وجمهور المسلمين، وكذلك في عرضقوة أهل الإسلام في جيوشهم الحربية وآلاتهم العسكرية، لأن كل ذلك مما يكسر قلوبالعدو، ويرهب أعداء الله، ويعلي منار الإسلام".
ولما احتج عليه الشيخ ابنباز بضعف أحد الرواة، وتنازل الشيخ عن لفظ مظاهرات كما بينه فيما بعد، وقد سألته آنذاك فأظهر لي الشيخ عبد الرحمن أنه تعرض لفتنة من سفهاء أساءوا له وشنعوا عليه، ولايحب أن يظهر عند الناس آنذاك أنه يخالف الشيخ ابن باز، وبخاصة مع كثرة الخصوم،والشامتين به، زمن ارتفاع أصوات أهل الفتنة والمخرقة، أما هو فلم يزل يعتقد بماكتبه في الكتاب أول مرة، وعرض أن يكتب أحد غيره تأييدا لرأيه الأول ذاك، وهو الآنحي يرزق ويمكن سؤاله، ثم أيد رجوعه بفعله فقد خرج بعد ذلك في عدة مظاهرات بجوارهالشيخ حامد العلي والشيخ الشايجي والشيخ الطبطبائي وغيرهم من العلماء، في محافلمعروفة وصور موثقة، ثم إن فيما سبق وما سيأتي حجة مغنية عن الوقوف عند هذا، واثباتعملي بعد القولي بتراجعه عن القول السابق، وفي قول وفعل جلة علماء العصر وهو منهمكفاية.
4- أن المظاهرات وسيلة لها أحكام الوسائل، والأصل في الوسائلالإباحة، وما يتلبس بوسيلة مباحة من مخالفة فالوسائل لها أحكام المقاصد، فمالذييقصده المسلمون بهذه الوسيلة إلا إظهار الحق، ورفض الظلم، وكشف الخيانات اليهودية،وشحذ همم الناس وألسنتهم وأقلامهم وأيديهم بما يملكون فعله، كما ان في هذا صناعةوحدة في الموقف ورأي للأمة.
5- جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلميشكو جاره فقال اطرح متاعك على الطريق فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاءإلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال "يا رسول الله ما لقيت من الناس"، فقال : ومالقيت منهم؟ قال: "يلعنوني"، قال: لقد لعنك الله قبل الناس، قال: "إني لا أعود"،فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارفع متاعك فقد كفيت. ورواهالبزار بإسناد حسن بنحو إلا أنه قال: "ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق" فوضعه، فكان كل من مر به قال: "ما شأنك؟"، قال جاري يؤذيني فيدعو عليه فجاء جارهفقال: "رد متاعك فلا أؤذيك أبدا". و"روى" أبو داود واللفظ له وابن حبان في صحيحهوالحاكم وصححه على شرط مسلم: (جاء رجل يشكو جاره فقال له: «اذهب فاصبر»، فأتاه مرتين أو ثلاثا، فقال اذهب فاطرح متاعكفي الطريق ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه ويخبرهم خبر جاره فجعلوا يلعنونه فعلالله به وفعل، وبعضهم يدعو عليه فجاء إليه جاره فقال: "ارجع فإنك لن ترى مني شيئاتكرهه" (كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر باب الصلح، الكبيرةالعاشرة بعد المائتين: إيذاء الجار ولو ذميا).
6- وإن الصوت والإعلاموالضجيج نصف الحرب، ومن شهد الحرب الإعلامية التي يمارسها اليهود في أمريكا، علممقدار أهمية هذه المظاهرات وخطورتها في العصر الحديث، إن الإعلام الأمريكي يخفي خبرالمظاهرات الإسلامية ولا يذكرها، وإن ذكرها أحدهم قلّل جدا من قدرها، ولكن تقاريرهاتصل ذوي القرارات النهمة، وهم يعلمون أنها تعمل في النفوس عملا مروعا للبغاة، فهيبدايات مخيفة، وهي حقيقة قد تؤدي أن يتجاوب الناس معها.
وقد هرع حكام العربلأمريكا يستنقذونها ويطلبونها الكلام أو الإحتجاج بما يكف الاضطراب، أو عدمالاستقرار، وبدأ الحديث عن الخوف من سقوط الحكومات الموالية لإسرائيل. ولولا شعورالعالم بدلالات المظاهرات لما تغيرت المواقف، أو لما خفف المفسدون في الأرض خوفا منمضاعفة الموقف. فكيف تخذلون إخوانكم حتى في عمل كهذا؟، فلا تبخلوا بكلمة حق لاتضير، وقد تنفع كثيرا، فالمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله، والذين لا يستنكرونولا يتظاهرون ولا يتكلمون ولا يكتبون، قد أسلموا إخوانهم، وتهاونوا بحقوقهم، ثمإنكم لا تعلمون أثر المناصرة والمظاهرة في نفوس إخوانكم عندما يعلمون أن هناك منانتصر لهم واستنكر الجرائم المقترفة في حقهم.
7- أما الذين يقلدون رجالاصالحين لهم خير كبير، ولكنهم يخطئون فيما لا يدركون، فإن عليهم أن يتقوا الله،ويخرجوا من ربقة العصمة لمشائخهم، واتّباعهم في الخطأ والصواب، فهذه مصادمة للحقبالرجال، وأنتم تعلمون أن هؤلاء الأفاضل قد دفعتهم نيات صالحة فقالوا قولا ربما كانصوابا آنذاك في زمن غير الزمن، وفي حال غير الحال، فعليكم أن تتبعوا فقه السلفوهديهم، في تقدير الأمور، ووعي العالم المحيط، فالسلفية إما أن تكون فترة تاريخيةغابرة، فتلك قد انقضت، وإما أن تكون منهجا حيا متجاوبا مع مقتضيات الزمن، فهذا أوانالعلم والعقل. فإن أولئك العلماء أنفسهم الذين تحتجون بهم كانوا يمنعون في شبابهمالراديو والتلفاز، وفي أواخر أعمارهم تبين لهم خطؤهم وتراجعوا، وإنا لا نملك لكم أننبعثهم فيعتذروا لكم عن خطأ لم يعد الإصرار عليه صحيحا، ولا مناسبا، ولكننا نناشدالقلوب الحية، والعيون التي ترى، والعقول التي تعي أن تخرج من ضيق التاريخ إلى نهجالشريعة، وتهاجر إلى هذا الزمان ثم تعرف ما يدور، ومن جمد فلن يجمّد العالم ولنيغلق إلا فهمه ولن يضر إلا نفسه، إن اتباع الرسول ص غاية في المعاصرة، والمتابعةللزمان، وهي منهج متحرك وليست صورة تاريخية جامدة.
8- دليل فعل العلماء: ومنفعل العلماء، ما تعلمونه من فعل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وجميع علماء السلفيةفي الكويت، خرجوا جميعا في مقدمة صفوف المظاهرات التي احتجت على المفسدين فيالجامعة وغيروا القرار بمظاهرتهم، ثم تظاهروا عدة مرات، ويتكرر هذا منهم ولا يجرؤأحد على نقض ذلك، وتظاهر علماء الجزائر ودعاتهم مرات عديدة يتقدمهم محمد السعيدوعلي بلحاج، وعباسي مدني وبقية من العلماء المسنين الذين كانوا أعضاء جمعيةالعلماء، ومن قبل هذا مواقف علماء المسلمين في أغلب بلاد المسلمين، إن لم يكن كلها. قديما وحديثا، وقد خرج علماء الشام في مظاهرات يقودهم الشيخ القصاب ضد موقف الملكفيصل الشريف عندما تراخى عن الحرب للفرنسيين، وأيدهم رشيد رضا عددا من المظاهرات فيزمنه، وخرج علماء الأزهر في المظاهرات ضد الإنجليز في عام 1919م.
وفيالجزيرة العربية، خرج الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله ـ والد رئيس مجلس الشورى ـبأهل القصيم في مظاهرة بشأن مشكلة في مدارس البنات، وخرج الشيخ سلمان العودة منذسبع سنوات مع العلماء والعامة احتجاجا على منعه من الكلام، وخرج معه جمع كبير منالعلماء والدعاة، ولم تننتقد المظاهرة لذاتها بل الذين انتقدوا إنما كان نقدهم علىالتوقيت، أو احتمال الفوضى، ثم خرج أخيرا الشيخ المبارك بأهل المنطقة الشرقية، وقادالشيخ القرضاوي عددا من المظاهرات، وهو يقود المظاهرات في الدوحة في كل حدث ملم،وفي السودان يخرج علماؤهم للمظاهرات، منها مظاهرات في أعقاب ضرب بلادهم قبل بضعسنوات، وفي بلدان العالم الإسلامي من العلماء المؤيدين ما لا يحصى عددا، فهل نستبعدعلماء كعلماء الباكستان "المودودي، واليمن "الزنداني" وكثيرون من الشام ومصروغيرها.
ولسنا بصدد تحقيق الحق والباطل في خطاب المتظاهرين، ولكن النقاش فيشرعية العمل، فقد دلت الأدلة الشرعية على صحتها وفعلها منذ عهد النبوة، ومارسهاالعلماء الموتى والأحياء من شتى المدارس ومن المدرسة السلفية تحديدا، ومن أشدهمتمسكا. ولم يزل علماء العصر يخرجون في كل مكان ينبذون الظلم والفساد وينكرون علىالطغاة، وعلى المفسدين في الأرض، فإن منع علماء الخروج على الحكام، فلم لا يجوز حتىالصراخ في وجوه اليهود المحتلين العنصريين القتلة!. أما المفاسد التي تحتمل من هذاالعمل فصحيح أنها قد تقع، ولكنها مفاسد محتملة، والمصلحة متيقنة، فلا يسقط اليقينيبالمحتمل، واظهار الحق وشعائر الدين ومناصرة الحق واجب لا يسقطه احتمال أذى، ثم إنخروج العلماء والزعماء في هذه المظاهرات مما يعطيها وزناوأهمية، ويرشدها ويبعدهاعن الفساد، ويؤكد السلطة والاحترام لقادة المظاهرات ورعاة مصالح الأمة.
9- أما رأي المخالفين، فهو منطلق من الخوف من تهمة الخروج على الحاكم، وهذا شأن آخر،لأن هذا الخروج في المظاهرات على ظلم اليهود لا علاقة له بالخروج على ظلم الحكام،وليس معهم أدلة منع تعوق ما سبق، وهذه وسيلة أصلها الإباحة، وقد أشكل على بعضهم عدمورود اللفظ، فلنسمها مناصرة، ونفرق بينها وبين المظاهرة، ثم نقول هذه المناصرةللمظلومين في كل أرض، وتحت كل سماء، والمظاهرة ضد العدوان الداخلي، ثم يقوم منيهمهم هذا "التفريق الجديد" بتحريم "المظاهرات" وإباحة "المناصرات". أما هذه الحالالقائمة المانعة لإظهار الدين والمناصرة والأخوة والتعاطف فليست من الدين في شيءوليست من العلمانية في شيء.
10- لقد أصبح التظاهر مقياسا من مقاييس الرأيعند الأمم مسلمها وكافرها في هذا العصر، فنحن لا نعلم رأي أمة من حكامها ولا منإعلامها الذي قد يسيطر عليه حزب أو قلة لا تخدم مصلحة الأمة ولا تحرص عليها، ولانعلم من قال ممن لم يقل ومن وافق ومن خالف، فهذا قياس مهم لموقف الأمة واستنكارهالباطل أو مناصرتها لحق.
11- وقد تعطلت في الحياة الإسلامية وسائل قياس الرأيالعام، كالتي كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يرى الناس يوافقنعلى رأيه في اعادة الغنائم، فيقول إني لا أعلم من رضي ممن لم يرض فاذهبوا "وليأتنيعرفاؤكم بالخبر"، فقد كان هناك عرفاء للمجتمع، ينقلون إليه ومنه الموقف والرأي،ويتفقدون مجموعاتهم ويعرفون قرارهم وما يحبون، وهذه طريقة مبكرة رائعة في قياسالرأي، والإستشارة والتصويت على موقف. وما دام هذا الأمر غير موجود اليوم فإن إظهارالرأي مهم لمعرفة القرار أو دفعه باتجاه محدد، أو صناعة رأي عند غير ذوي الرأيوتأييده.
12- وهناك دائما وسائل جديدة، لا تخالف الشرع، وقد لا تكون عرفتقديما لأن التكوين الإجتماعي والسياسي للمجتمعات قديما لم يكن يعرفها ولا تتناسبمعه، مثال ذلك العصيان المدني، وهو عصيان في غاية السلمية، ولكنه مدمر لمصالحالمستعمرين، وقد ساهم بدور كبير في استقلال الهند عندما استخدمه غاندي بذكاء كبير،وهو لم يخترع النظرية، ولكنه طبق فكرة مقال قرأه، وكانت ظروف بريطانيا بلا شكمساعدة على انهاء هيمنتها.
13- تبين جدوى هذه المظاهرات الكبيرة في رفعالأذى عن شعوب عديدة عبر التاريخ، وآخر شواهد ذلك ما رأيناه في إفريقيا الجنوبيةونيل سكانها الحرية بوسائل منها المظاهرات، كما حدث في أندونيسيا عندما خرجالمتظاهرون وأبعدوا سوهارتوا ونظامه الفاسد، وما حدث من تظاهر اليوغسلاف ضد الطاغيةسلوبودان ميلسوفتش، واستطاعوا تحرير أنفسهم بالخروج في مظاهرات عارمة وذهبوا إلىالبرلمان، واسقطوا الصنم، وصانوا دماءهم وأعراضهم وكرامتهم من جوره، وفي التاريخشواهد لا تحصى لفائدة هذه المظاهرات.
ثم لو تأملنا إنهاء الاستعمار في أغلبالمستعمرات حول العالم في بلدان مسلمة وغيرها، من الهند إلى الفلبين إلى سوريا ومصروشمال افريقيا وإيران والعراق لوجدنا المظاهرات ذات أثر مشهود لا يناقش فيه عاقل،فهي من أهم الوسائل ولا يعني أنها وسيلة حق معصومة من الخطأ، ولكن الذين يناقشونبأنهم عندما اختفوا في جحورهم لم يصدر منهم خطأ أبدا، وهذا حق لهم لا نعارضه، ولاندعي عليهم بأنهم فعلوا شيئا، ولكن من يبني أمة وينقذ موقفا ويصنع نصرا، ويتبعمحمدا صلى الله عليه وسلم ورجال العلم والعمل فلا شك أنه سيقع في أخطاء لن يقع فيهاأبدا المعصومون من العمل ومن الخطأ ومن الصواب، وسيجدون كل الشواهد الباطلةوالصحيحة على خطأ العاملين، وتقصيرهم وتعثرهم، والماشي يخطئ الطريق أحيانا ويقصر،ولكن حسبه أنه شمر واجتهد، والقاعدون لا عيوب ولا فضائل. أما العاملون فيحصل منهمالخطأ ويصابوا، ومن ظهر عمله بان خطؤه، ورأى الناس عيوبه، ولكنه يحرك بخيره غيره،وهو أجدر بالعلم وبالفقه، ومعرفة الحق من الخطأ، ووعي مقاصد الشرع، وإدراك روحالقرآن بعمله بكتاب ربه من كل متفلسف كليل.
14- والتظاهر مع الحق، وضدالباطل سنة مشروعة جارية، سنها الله في إظهار الإنكار على الفساد في قوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [سورة النور: 2]،وسنها في الابتهاج بالأعياد، واستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوديعه للغزاةحين خروجهم والاحتفال بهم حال عودتهم، وفي إظهار القوة كما فعل مع أبي سفيان فألزمهرؤية قوة المسلمين، وقطع الطريق عليه أن يفكر في إمكان مواجهة القوة الضاربةللإسلام، ومن قبل طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائفين أن يهرولوا في الطوافاظهارا لقوة وصحة أجسامهم، مما يراجع تفصيله في فقه الحج وفي السير.
وإن لمنظهر موقفنا وحميتنا وصوتنا وتعاطفنا مع إخواننا المقهورين وحمانا المنتهك فما ذابقي؟ فاظهار الحق، بكل وسيلة وغمط الباطل بكل وسيلة، في عموم ما ذكر، مما تواترتعلى مشروعيته الأدلة تواترا معنويا، وهي سنة في الإسلام قائمة.
محمد الأحمري (http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=articles&scholar_id=209)