المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أوراق غزة هاشم (5) : الملك غير المتوج في السلطنة العثمانية الطيب رجب أردوغان -2-


نجد الحسيني
02-02-2009, 10:21 PM
تكملة للفصل الأول من أوراق غزة هاشم (الجزء الرابع) عن السلطان العثماني غير المتوج الطيب رجب أردوغان..

لماذا يا ترى صنع أردوغان مع غزة ما لم يصنعه مع غيرها وفي مواطن كثيرة منها لبنان وأريحا ورام الله والخليل وحتى مع مصر وسوريا..؟

لماذا غزة بالذات دون سواها؟

ولماذا قامت تركيا والتفت عن بكرة أبيها على قدم وساق وبصوت وقلب رجل واحد مع غزة؟

مواقف تركيا وزعيمها أردوغان لم تظهر في دافوس ولـكن بدأ ظهورها منذ أوّل شرارة في يومها الأوّل واستمر مع دافوس ولم تزل المواقف كما هي دون تبديل أو تغيير.

لنرجع بالقراءة إلى الماضي القريب أو البعيد عن غزة..
فكما سمع جميع الناس ترديد غزة هاشم على كلّ لسان.. وربما عرف الكثيرون ماذا تعني غزة هاشم.. فقد نسبت هذه المدينة الحالمة الصغيرة إلى هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب جدّ الرسول محمد صلّ الله عليه وسلّم.. ومسجد هاشم من أشهر المساجد في غزة وفيه ضريح هاشم حيث قبر هناك بعد وفاته كما تؤكد الروايات..

وفي غزة هاشم ولد إمام الأئمة الأربعة الشيخ محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وهو أحد أئمة أهل السنة الكبار والمشهورين وإن أتباع مذهبه من أهل السنة والجماعة ربما يفوق عددهم عدد بقية مذاهب الأئمة العظام مالك وأبو حنيفة وابن حنبل رضوان الله عليهم أجمعين.. فإن أتباع الشافعي رضي الله عنه منتشرون في الهند والسند والباكستان ومصر والسودان واليمن ,والصومال واندونيسيا وتركيا وسائر البلاد الإفريقية...

ومن غزة هاشم سار جيش صلاح الدين لتوحيد جيش مصر وجيش الشام لتحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى ومن الشام عرج على نهر اليرموك في الأردن حتى بلغ طبرية فحطين حيث جرت المعركة المشهورة في تأريخ الشرق والغرب.

ومن غزة هاشم سار المظفر سيف الدين قطز بجيشه لملاقاة جيش التتار المرعب الرهيب في عين جالوت حيث كانت القاضية على التتار كما كانت حطين على الصليبيين.. وسبحان الله! كأن هذا الملك قد تولى الحكم لمثل هذه الواقعة ثم يلقى ربه لافظا أنفاسه الأخيرة بعد أن رددت الجبال والوديان صدى صوته الجهوري : "وا إسلاماه"!

وفي غزة هاشم، قضى الملك الصالح نجم الدين على آخر فلول الصليبيين في معركة غزة التي كانت من أشهر المعارك في التأريخ الإسلامي وأكثرها دموية وأكبرها عزة وانتصارا للمسلمين..

ولـكن ما دور تركيا وما دور العثمانيين في غزة؟
وما للعثمانيين ولهاشم والشافعي وصلاح الدين وحطين وقطز وعين جالوت ونجم الدين وغزة والصليبيين؟

قد سلف لنا الذكر في الفصل الأول عن خيانة العرب الكبرى وتحالفهم مع الانجليز والفرنساويين ضد الخلافة العثمانية المجيدة ولم يستثنى ركوب بقرتهم أو ثورتهم الكبرى كما أطلقوا عليها إلا اثنان: الأول: إمام اليمن يحي بن حميد الدين الذي وقف مع اليمن في الحرب العالمية الأولى على الحياد وأما الثاني فقد كانت غزة ورجالها الأشاوس .. وإن كان إمام اليمن قد فضل الحياد إلاّ أن غزة وشجعانها فضلوا الحرب إلى جانب السلطنة العثمانية ضد الإنجليز القادمين من عريش مصر للاستيلاء عليها واحتلالها وبسط نفوذهم عليها بعد طرد الأتراك.. تقدم الجيش البريطاني بفرقتين حربيتين مكونة من 24000 مقاتل ليتصدى لهم القائد العثماني أحمد جمال باشا وقد لقبوه أهل الشام بجمال باشا السفاح ..
أرى أنه من الواجب علي هنا أن أقف على بضعة سطور تحكي عن هذا القائد الجلاد السفاح كما يصفه خصومه من العرب.

القائد العثماني أحمد جمال باشا قد ولاه الخليفة على الشام وعينه واليا على سوريا.. خاض هذا القائد كبرى معاركه في الحرب العالمية الأولى في مقدونيا ضد البلغار، شارك أتاتورك وبقية زعماء جمعية الإتحاد والترقي، وهي منظمة ماسونية يهودية عملت على تمزيق دولة الخلافة وزرع ونشر القوميات البغيضة من عربية وفارسية وكردية وأمازيغية وتركية، في الانقلاب على سلطانه عبد الحميد كرها وبغضا في العرب الذي رفض سلطانه التخلي عنهم والاهتمام بوطنه تركيا.. لقد شارك بالإطاحة في رجل قد شهد وشاهد منه كيف ضحى لأجل العرب وفلسطين والقدس بعرش مملكته وبشعبه وأمته.
عند وصوله إلى سوريا، كان متعاطفا جدا مع العرب وقد عمل المستحيل لاستمالتهم إلى صفوف الجيش العثماني لمحاربة المستعمرين من فرنساويين وبريطانيين.. لـكن العرب قد قرروا ووقعوا على نصرة المستعمر وخذلان السلطنة ومواجهتها بالخيانة والطعن في ظهرها ومشاركة الأعداء في ذبح جنود السلطنة ممّا أفقد القائد صوابه لما حلّ به منهم حتى ذهب إلى تسريح جميع الكتائب العربية من جيشه واستبدالها بفرق تركية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وذلك بعد أن أعمت بصره وبصيرته خيانة العرب ..
ربما يكون القائد العثماني أحمد جمال باشا قد سفك دماء كثيرة من عرب الشام خاصة ولست هنا لأبرر أفعاله فإنما حسابه وحساب خصومه عنده سبحانه وتعالى..
كانت الحرب.. وكانت الخيانة.. وكانت الإعدامات.. وكانت كلّ أوزار الدنيا وبلاءها وآلامها.
ربما كان أحمد جمال باشا كما صوره أعداءه وخصومه من الانجليز والفرنساويين والعرب وربما لا يكون كذلك. فالله وحده أعلم!
فمتى لحق الرجل أن يصنع كلّ تلك المآسي ولم يحلّ على سوريا إلاّ أثناء الحرب وهي دائرة تشتعل بنيرانها التي اكتوت منها البشر والشجر والحجر وحتى البهائم.؟
وما الذي يجعل هذا الرجل يستنزف قواته ويخسر جنوده في معارك الشام لأجل دمشق ولبنان وفلسطين ويترك بلده تركيا وقائده تحت نير حرب ضروس قد أكلت الأخضر واليابس.. وحاصرها الأعداء من كلّ جانب..
لقد رأى أحمد جمال باشا ممّن حوله من العرب ما لا عين رأت حتى ملئ قلبه حقدا.. فجنّ جنونه وفقد تركيزه وضلّ طريق الصواب.
في نفس العام الذي تولى فيه إمارة الشام قام بتجهيز جيشه لعبور قناة السويس وتحرير مصر من براثن الاحتلال البريطاني وقد بدأ هجومه مخترقا صحراء سيناء بجيش منهك القوى قد أضعفه الجوع والعطش بعد أن تقطعت به السبل واشتد عليه الحصار حتى أضحى ذلك الجيش هدفا سهلا لحصده واصطياده من البوارج البريطانية المتمركزة في قناة السويس وكذلك من القوات البريطانية بمدافعها ورشاشاتها وبنادقها المحصنة على الضفة الغربية للقنال. وقد أخفقت حملة الجنرال جمال باشا تلك وبدأ وكأن القائد أحمد جمال باشا فقد السيطرة على أعصابه بسوء تقديره للمواقف الحربية وكذلك ما أرتكبه من أخطاء في إدراته للمعارك. وقد رجع من الجبهة من سيناء وهو يشعر بالمهانة لما جرى له ولعسكره حتى أصبح عصبيا، حاد المزاج وزادت من عصبيته تلك المعلومات المتوالية عن الخلايا الثورية العربية المدنية والعسكرية وتعاونها مع البريطانيين والفرنساويين ليشعر معها بأنه طعن في ظهره ممن احتسبوا عليه بالحلفاء.. وبدأ حينها بإعدام وشنق زعماء الثوار العرب ويحكي التأريخ بأنه قد قام بالتعذيب والتنكيل بقسوة شديدة على بعض القادة العرب حتى تدخل الشريف حسين بن علي فكتب إليه البرقيات يرجوه التخفيف من قسوته المتعمدة على القيادات العربية، لـكن جمال باشا لم يستجيب له مما أضطر الشريف إلى إرسال برقياته إلى الصدر الأعظم (لقب رئيس الوزراء أبّان الخلافة) وكذلك إلى السلطان ولـكن دون جدوى فقد استبد الغضب والحنق بالباشا أحمد جمال ولم يعد يعي ما يدور حوله بسبب الهزائم التي لحقت به وتكبدها جيشه من جرّاء مناصرة الجيوش العربية وقادتها للعدو.. حتى أنه هدد في بعض برقياته الشريف حسين وولده الأمير فيصل متوعدا بأن الدماء تستثير الدماء وأن العنف يجرّ العنف.. وتدخل الأمير فيصل بن الحسين وقابله عدة مرات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لـكن جمال باشا، وكأنه بالذي قد أصابه المسّ ممّا زرعوه العرب في داخله، قرر المضي في مخططه حتى النهاية.

رجع القائد أحمد جمال باشا القهقرى بما تبقى من فلول جيشه الممزق إلى غزة حيث لحقت به فرقتين بريطانيتين مكونة من 24 ألف مقاتل بأسلحتها ورشاشاتها وعربات مدافعها.. وهنا، جمع الجنرال جمال باشا من رجال غزة وجهز وأعد لواء يقدر بثلاثة ألاف مقاتل عربي من غزة وأعاد تنظيم الجيش ليلقى به فرق العدو التي تتفوق عدة وعتادا ومعدات.
وكان العجب.. وكان المستحيل.. وكان النصر المبين..
فقد استطاع القائد العثماني بـلواء واحد فقط يتألف من أقل من 3000 رجل عربي فلسطيني غزاوي أن ليس فقط يصمد في وجه فرقتين بريطانيتين تتفوق عليه بقرابة عشرة أضعاف من الرجال والعتاد إلا أنه قد كبد جيش العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات مما أرغمه على التقهقر والفرار إلى داخل العريش والبعض منهم إلى البحر.
أندهش القائد أحمد جمال باشا من بسالة وشجاعة من معه من رجال غزة حتى قال: - ليت كان عندي عشرة ألوية مثل هذا اللواء لأنسيت بهم بريطانيا فرحة النصر وأعدتها حبيسة جزرها.
وقام القائد من فوره بإصدار بيانا رسميا من القيادة يشيد فيه بالشجاعة الفذّة التي أبداها الجنود الفلسطينيون في غزة أمام ضعف أضعاف أضعافهم من جنود الأعداء.. وامتدح بسالتهم الخارقة وبأنها قد ذكرته بالشجاعة التي أبداها أجدادهم من قبل بقيادة صلاح الدين الأيوبي.


وقد ظلت غزة عصية على مدى عامين ولم تسقط إلاّ عند قرب نهاية الحرب العالمية وبالتحديد في نهاية العام 1917م بعد ثلاثة معارك ضارية تكبد فيها العدو آلاف الضحايا.. كما فقدت غزة أيضا الآلاف من رجالها بسبب القصف البريطاني من البوارج في البحر والطائرات في الجو والدبابات والمدفعية في البر.

ولم يعش القائد أحمد جمال باشا طويلا بعد انتهاء الحرب.. إذ مات بعد 4 سنوات فقط، فإلى الله مآبه وعليه تعالى حسابه.


تلك كانت لمحة مضيئة من لمحات ومواقف غزة هاشم في تأريخ الدولة العثمانية العظمى.

ما تزال تركيا تقرأ التأريخ.. وما يزالون الأتراك يتذكرون سلاطينهم بكل اعتزاز وافتخار من آل عثمان.

ولم ينسوا الأتراك وما زالوا يذكرون صديقهم من عدوهم.

والترك رجال ذو حمية وقوة وشجاعة خارقة.. مثلهم مثل العرب في قديمهم لا يهابون الموت ولا يخافون ولا يفرون.. والإقدام والمواجهة من طبعهم.. ولو أعدنا قراءة تأريخ فتح القسطنطينية لعلمنا كيف كانت فعائل الأتراك وشجاعتهم وإقدامهم مع سلطانهم محمد الفاتح..
وكيف كانوا يحفرون الأنفاق بسواعدهم وأصابعهم ومعاولهم تحت أسوار القسطنطينية كي يصلوا إلى داخل المدينة ويطلعوا على أعداءهم من تحت أقدامهم وكأنهم من شياطين الأرض..
وكيف كان البيزنطيون أثناء حفر تلك الأنفاق من قبل الأتراك يقومون بغلي الزيت الحار وصبه على رؤوس الجنود الأتراك من فوق السور حتى ينسلخ الجلد ويذوب العظم من شدة حرارة زيت النار..
ولم يثني ذلك عزائمهم ولم يفت من عضدهم واستمروا بالبناء والموت وأصواتهم تعلو (الله أكبر).

فلولا أولـئك الرجال البواسل ولولا أولـئك السلاطين العظام لما صدحت المساجد من أعلى المنابر وأعلى المنارات والمآذن باسم الله أكبر وإقامة الصلوات ونشر الدين الحنيف في معظم أرجاء أوروبا من النمسا حتى روسيا ومن القوقاز حتى البلطيق.. وما تزال تلك الآثار باقية إلى اليوم وخالدة إلى ما شاء الله.

شهرة الأتراك في القوة والشجاعة أضحت مثلا في الغرب..
فقد كنت في فرنسا لتلقي تعليمي هناك.. وإذ عندما يريد أن يعبر الفرنسي عن قوة رجل يقول:
Il est fort comme un turc
إنه قوي كالتركي.. أو كأنه تركي في شجاعته.

ومن شراسة الأتراك وعنادهم وجبروتهم، نفهم لماذا طردت مصر 26 تركيا من معبر رفح قدموا بالمساعدات لأهل غزة ولم يتحملوا استفزازات العسكر في الحدود في معبر رفح حتى تناوشوا معهم وعلت الأصوات وارتفعت هناك وتشابكوا بالألسن والأيادي وقد كانوا 24 طبيبا واثنان من النواب في البرلمان التركي في مواجهة الجيش والحرس على حدود غزة.

هكذا جاء رد أردوغان قويا صلبا وأنه لن يتهاون في الكرامة..
وكلمة كرامة ترددت كثيرا على لسان البطل أردوغان..
وترد عليه العاهرة ليفني في أمس بأن على أردوغان أن يبدي قليلا من الاحترام لإسرائيل مهما كانت تصرفات الشعب في تركيا.

ويثبت لنا أردوغان بأن الشجاعة تولد من رحم الكرامة وأن بلا كرامة لا توجد شجاعة والعكس بالعكس.

كما أثبتت لنا غزة مذ فجر التأريخ وضربت لنا الأمثال بالصمود والثبات وبالصبر والشجاعة..

وما تزال غزة هاشم في ثباتها وشجاعتها مضرب المثل.


وإلى قراءة أوراق أخرى من أوراق غزة، لكم تحياتي,,,




بقلم: نجد الحسيني

عبدالقادر صالح فدعق
02-02-2009, 10:43 PM
حياك الله ياأبن الحسين ..


الكرامة المهدورة مثل البيضة الفاسدة ..



دمت في عز ..

.

نجد الحسيني
02-04-2009, 09:09 PM
أخي الحبيب أبو حمزة،
ما قلت إلا حقا ولا نطقت إلا صدقا
جزيت خيرا وفضلا بما قال لسانك وخط به قلمك
وإن لك من أخيك أبي صالح أسمى آيات التقدير واجلّ علامات الإحترام.
دمت بودّ وعزّ