احمد سعيد
03-10-2009, 05:11 AM
لماذا فشل الانفصال في صيف (94)؟
د.علي قاسم اليافعي / 07مارس 2009
http://siyasapress.net/images/bottom_gradient.gif
(1)
الهروب من الماضي لا يعني الانتصار عليه أو حتى بالضرورة الهروب منه، بل يعني شيئاً واحداً فقط يعني الفشل، الفشل الذي تعيده الأحداث المكررة والصور ذاتها، صور المآسي -مثلاً- التي هربنا منها فكُررت بحدث جديد بصورة جديدة قديمة، يحسبها المتأخر في الفعل أخرى فإذا قارن بين الحادثتين تبين له أنه لا فرق، فالفشل صورٌ مكررة مختلفة لشيء واحد، أو صورٌ متعددة لأشياء متشابهة، تحمل جوهراً متحداً، فالفشل في وحدة الإمام إسماعيل والفشل في هذه الوحدة -مثلاً- لا يختلف من ناحية الجوهر وإن اختلفتا في حال الزمان أو حتى المكان، ومع ذلك فقد اتفقتا في المكان، لأن الفشل هنا -وهنا يعني شيئاً واحداً عقلا ومنطقاً- هو (الفشل).
وعندما ندرس الفشل فإننا نصحح الصور الآتية لا القديمة، والتصحيح لا يعني الاعتداء على أحد أو المزايدة على أحد، فالتصحيح ليس قانوناً نهائياً في إدراك الحقائق العدمية أو الحقائق التي تحمل رؤىً متعددة أو وجهات نظر مختلفة، فيبقى التصحيح في إطار الدراسة إلى أن يُحوّل إلى نتيجة فعلية ناجحة فندرك عندها أن الذي درسناه أو صححناه قد أدركنا من شطره العدمي الحقيقة المطلقة لا ريب.
وهنا ونحن نتكلم في أسباب حرب مهمة وخطيرة حدثت وهي حرب صيف (94) اليمنية، فإننا سندرس فيها شطراً واحداً وهو الماضي لأنها حرب قد جرت إلا أننا نستدرك منها ما قد سيحدث في المستقبل وهي الحرب التي تشبهها إذا حدثت، لا سمح الله وهي ستحدث لأننا سنتكلم عن حرب أحدثتها الحوادث الحسية لا العدمية، والحوادث الحسية التي أحدثت تلك الحرب إما أن تكون قد انتهت أو عولجت وحصرت وإما أن تكون باقية قد كبرت، وتحريكها أو إحياؤها يحتاج إلى وقت ليس إلا وهو ما نرى اليوم بوادرها في الحراك السلمي في الجنوب.
قد يريد البعض الكلام في أسباب فشل حرب صيف (94) اليمنية وهم على قسمين قسم منهم يتصور الكلام في مثل هذه المواضيع كلاماً يتعدى الخط الأحمر وعادة ما يهدف لنوايا خفية وهذه التصور خطأ يرفضه العقل وقسم منهم يريد الكلام بصورة مرسومة في عقله فقط فإذا خالفنا تلك الصورة التي في عقله صار من أهل القسم الأول والبعض الآخر لا يريد الكلام في هذه المواضيع مطلقاً لأنه يُخضِع كل شيء لحسابات مهما حاولنا تجاوزها لا نستطيع إلا أن نكون منه وفيه فندرس تلك الحادثة أو تلك بأيدلوجيته وعلى حسب ما يناسب إستراتيجيته فقط.
ومن هنا نجد أن أي حادثة مهما كانت مؤلمة إذا حاولنا دراستها سنجد أن اختلاف الرؤى كان سبباً من أسبابها أو في إحداثها عادة،وهذا قد يحدث لشخص واحد أو شخصين أو أكثر أو حزب واحد أو حزبين أو أكثر وعلى هذا فإن الكثير من الأحداث تصنعها الأيدلوجيات المختلفة وتقررها الوقائع والملامسات التي تأتي-الأحداث- عادة أو أحيانا مما لا يتوقعه الإنسان سابقاً، ثم تتحول تلك الأيدلوجيات إلى منازعات جاءت من اختلاف أو اتفاق أو اتفاق ثم اختلاف كما حدث في 22/مايو (1990م) حين تم إعلان الوحدة الاندماجية لليمن على تلك الصورة والتي عجل إعلانها لأسباب أمنية عدة أيام من تاريخ الإعلان دون أن يتوقع كل من طرفي الاتفاق (الاشتراكي+المؤتمر) عند تحقيق ذلك الحدث(الوحدة) إعلان الانفصال في (94) وعليه فمن منظور الواقع الذي ظهر بعد الحرب يجزم بعض الدارسين لها في كونها الحرب التي ستظل شبحاً يلاحق اليمن الموحد حتى التشطير الحتمي لا محالة.
رؤية لها أسبابها وقوتها في رؤية الأحداث حول ما جرى بالأمس وحول ما جاء بعد الأمس من تبعات ومشكلات، وحول الأحداث الجارية حالياً في الجنوب اليمني(الحراك السلمي)؛ لأن الروية هذه جاءت من(..) أو درست إيمان الكثير من أبناء الجنوب اليمني بكون الحزب الاشتراكي أو بعض قيادييه قد تفردوا برؤية لا يراها الشعب في الجنوب بضرورة توحيد اليمن وجعل ذلك خياراً استراتيجيا وبرنامجا من برامج الحزب حيث جاء في المؤتمر الأول المنعقد في الفترة (11/13/أكتوبر/1978م) " إن إستراتيجية الثورة اليمنية مرتبطة عضويا ودون انفصال بوحدة ثورتي26/سبتمبر و14إكتوبر".
بل زد على ذلك أن الحزب أجبر الشعب أن يتغنى بالوحدة طيلة فترة حكمه للجنوب فكل يوم في الجنوب كان الطالب يتعلم ويدرس ويلقن الجندي والفلاح (لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية) تربية من أجلها سخرت كل وسائل البلاد ومقدراتها وأجبر الشعب على فكرة الوطن الواحد لكل اليمن كخيار استراتيجيي لا يمكن الحياة بدونه، فكرة لم تعد كما كانت في الماضي وخاصة بعد قيام الوحدة كقول العرب في المثل :" تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" لا ينكر أحد (وخاصة أبناء الجنوب) أن الوحدة اليمنية كانت حلماً، والأفضل من الأحلام فيما وصلنا إليه عدم تحقيق الأحلام، كقول القائل: ليته ظل حلماً.
وعليه فالدراسة أو الدارس يتساءل كيف ربط الحزب الاشتراكي الثورتين؛ لأن على ضوئها سيحاسب الشعب الحزب على مثل تلك التفردات التي أجبرت الشعب في الجنوب على قيام تلك الوحدة أو على الأقل بتلك الصورة، أو لا، والتي لم يجن منها الشعب في الجنوب سوى الظلم والقهر والاحتواء، أو يرفض مثل تلك الاتفاقيات بحجة أنه لم يكن شريكاً في القرار حينها فهي ليست ملزمة له، وهذه الرؤية هي نظرة الأكثر من أبناء الجنوب.
لكنه ما يعني لنا وللموطن هنا هو أسباب فشل انفصال صيف (94) والتي بنظره البسيط لا تتعدى أسباب ما رآه ولمسه وهو ما لا يتجاوز ضعف القيادة العسكرية عند الاشتراكيين وتفوق خصومهم في العدد وهذه نظرة لا نقول إنها ليست منطقية وواقعية بل هي جزء من الحقيقة إلا أن الأبعاد التي تحمل تلك الهزيمة النكراء وذلك الفشل الذريع لفك الارتباط(كما يقولون) منها سياسية ومنها تكتيكية عسكرية واضحة -كما سيأتي-.
فعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى الجانب السياسي نجد قيادة الجنوب قد فشلت حينما أدارت الأزمة بطريقة الاشتراكي القديمة أو بعقلية الاشتراكي المنزوية المحدودة، حيث اعتمدوا سياسياً لإبراز قضية الجنوب قبل الحرب على ردت فعل الحدث ووثقوا ببعض دول الجوار التي كان لها عداوة مع النظام اليمني في حينه وجهلوا أنهم كانوا جزءاً من ذاك النظام حين احتل النظام العراقي الكويت، بل جهلوا نظامهم القديم المعادي لعقدين من الزمن لتك الأنظمة الوراثية، فكانت النتيجة انتظار قادة الجنوب لتدخل بعض دول الجوار أو مجلس الأمن في الشأن اليمني أثناء الحرب سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، ويبين ذلك ما قاله سالم صالح محمد في القاهرة بعد إعلان الانفصال حيث قال:" إننا نأمل في تحريك الوضع خلال اليومين المقبلين على صعيد مجلس الأمن الدولي وعلى صعيد الدول العربية لاتخاذ الخطوات التي يمكن القيام بها من قبل مجلس الأمن والتعجيل بالاعتراف"وهذا الأمل ما كان ليكفي دون تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض فيبقى مجرد انتظار قاتل حدده الحسم العسكري من قبل الطرف الآخر (بلا) لأي تدخل خارجي، وخاصة حين سقطت معظم مناطق الجنوب بفترة لم تتجاوز (70) يوماً.
بدايةً دعوني أتكلم قليلاً عن أسباب تفجير الحرب؛ لأنه لابد من الإشارة إلى ذلك ولو عن بعد. أولاً: أحب أن أعرف أخي القارئ أن الكل يتهم الكل بأسباب إشعال نار الحرب التي جرت في صيف (1994م) -1- الشماليون يقولون إن الجنوبيين هم بدءوا بإشعالها كما جاء على لسان الشيخ عبد الله الأحمر في مجلة المجلة جاء فيها:- س-- لماذا تصرون اليوم على استخدام القوة في فرض الوحدة وترفضون الانفصال؟ الجواب : عندما أقمنا الوحدة لم نتفق على أن يكون هناك انفصال بعد أربع سنوات .
س--لكن الانفصال لم يأت إلا عندما استخدمتم القوة ؟ الجواب : غير صحيح والصحيح أن الحزب الاشتراكي هو الذين فجر الموقف العسكري.
س--المعروف أن التحرشات العسكرية التي قادت إلى الحرب في عمران وذمار كانت من القوات الشمالية ، أليس كذلك؟ الجواب: التحرشات كانت من قوات الحزب الاشتراكي ، وكانت هناك لجنة عسكرية ، والملحقان العسكريان الأمريكي والفرنسي والإعلام وكل هؤلاء ذكروا أن تفجير الموقف كان من الجنوبيين.
2- الجنوبيون يقولون إن الشماليين هم بدءوا الحرب كما جاء على لسان قيادييهم حيث قالوا بدأت قيادة صنعاء بتطويق الألوية الجنوبية المرابطة في الشمال حسب الاتفاق الوحدوي بينها وبين قيادة الحزب الاشتراكي, ثم اعتبروا خطاب الرئيس علي عبد الله في ميدان السبعين في صباح يوم (27/إبريل/1994) بادية حقيقية لإعلان الحرب حيث جاء فيه :" فقد تحمل شعبنا اليمني العظيم الكثير منذ ما يزيد على تسعة أشهر تحمل خلالها الأزمة الطاحنة والخانقة التي استلم البعض ثمنها من ذلك المال الدنس الذي حاول البعض أن يجهض الثورة، واليوم يحاول أن يجهض الوحدة والديمقراطية ويراهن على جواد خاسر؛ ولكن مثلما انتصر شعبنا للثورة والجمهورية ومثلما صمد في جبال عيبان وظفار وردفان فإنه على استعداد مرة أخرى لأن يقف صفاً واحداً لمواجهة أعداء الوحدة والديمقراطية ودعاة الانفصال الذين استلموا ثمن الأزمة ويتحدثون عن معاناة جماهير الشعب وأحوالها المعيشية في الوقت الذي استلموا ثمن الأزمة لكي يشتروا بها الألغام والرشاشات وأدوات الموت...".
وكلامٌ كثير فيه نغمة حربية كتعبيره بمليون شهيد والتصدي لعناصر التخريب، ومهما كلف الثمن ،ويتسكعون على أبواب بعض الواصم وهكذا وفي نفس اليوم بدأت المواجهات فدمرت أهم لواءين منها ( اللواء الثالث مدرع في عمران ولواء باصهيب في ذمار) إضافة إلى اللواء الخامس مشاة خفيف في حرف سفيان وهو من الألوية التي تشردت مع علي ناصر محمد في أحداث (1986م), و حـيّـد لواءان آخران_ اللواء الخامس مظلات في أراضي خولان التي أعلنت أنه في حمايتها و جوارها على شرط امتناعه عن الخوض في الحرب و لواء المشاة المرابط في أرض أرحب التي أعلنت نفس إعلان خولان. وطُوق أيضاً لواء المدفعية الجنوبي المرابط في يريم ثم انقضت القبائل عليه في الأيام الأولى من الحرب. و بدأت الحرب الشاملة على كل الجبهات عندما هوجم لواء باصهيب مساء (4/5/1994م).
ثانياً : أجد من هنا مدخلاً للكلام لا المباشر حول تلك الحرب وما سيجنيه اليمن منها في المستقبل، إلا أنني أطلب من كل أحباب الرئيس علي عبدالله صالح رحابة الصدر إذا قلت إن فشل الانفصال لا يعني الانتصار أبداً وهو ما يعني فشل الانفصال وفشل الانتصار لأن الحرب بحد ذاتها هزيمة لليمن وأبنائه الذين ما زالوا يتجرعون ويلات تلك الحرب القاسية على أبناء الجنوب خاصة، وهي ما ستصنع الأحداث الخطيرة في المستقبل، وهناك سيتجرع الكل منها لا أبناء الجنوب وحدهم (وهذا كلام سترونه في مقبل الأيام إذا لم يعط أبناء الجنوب مكانتهم التي يستحقونها ويتأملونها) وهي النصف، النصف.
وحتى لا أشعب الموضوع وأطيل في موضع الاختصار سأدخل في جوهر الكلام وأعرض لأخي الكريم قوة الجنوب والشمال قبل التشطير ثم أدخل في أسباب فشل الانفصال الذي جرى في صيف (94) كانت دولة الجنوب(بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني) تمتلك15 لواء متنوعاً ما بين الدبابات، والمدفعية والمشاة الآلي، والمشاة ، و10 كتائب مدفعية ميدان، إضافة إلى لواء صواريخ أرض ـ أرض، بينما كانت دولة الشمال(بقيادة المؤتمر الشعبي العام) تمتلك حوالي (21 لواء) ما بين الدبابات، والمدفعية ، و كتيبتي دفاع جوي مستقلتين، والمشاة الآلي، والمشاة، وقبل توقيع اتفاقيه الوحدة بين الحزبين الحاكمين (التي ما زالت إلى اليوم محل جدل) بيومين اتفقت قيادة البلدين (الحزبين) على إجراء نقل بعض الوحدات والألوية العسكرية كلاً إلى شطر الطرف الآخر كمظهر من مظاهر الوحدة وذلك في 20 مايو كالتالي:-
نقل الطرف الجنوبي عدداً من ألوية حزام الوطن المهمة الضاربة وبدون دراسات عسكرية مسبقة لمواقعها وتوقعٍ لأسوء الاحتمالات لما قد يحيط تلك الألوية إذا ما أراد أحد الطرفين التراجع عن تلك الاتفاقية، ثم وضعها في مناطق يصعب إمدادها وتموينها ويسهل محاصرتها بسهولة ويسر؛ لأنها كلها في أماكن نفوذ القبائل المسلحة الخطرة الموالية للنظام الحاكم في صنعاء، منها لواء باصهيب في ذمار واللواء الثالث مدرع في عمران واللواء الأول مدفعيه في يريم و اللواء الخامس في حرف سفيان .
ونقل الطرف الشمالي عدداً من الألوية والوحدات القتالية المهمة والضاربة إلى مناطق الجنوب لكنه نقلها، أو كأنه نقلها وفق خطط مسبقة ومعدة سلفا لتطويق العاصمة عدن من جميع الجهات وضرب مراكز القوة مما تبقى من الوحدات والألوية الجنوبية إذا ما تراجع الاشتراكي عن اتفاقيات الوحدة وهو ما حصل، وهذا يدل عن مدى دهاء وخبث نظام الجمهورية العربية اليمنية في حينه ومدى تصورهم للمستقبل، حيث وضع (الطرف الشمالي)قوات العمالقة وهي أربعة ألوية مدرعة منتشرة في أبين واللواء الثاني مدرع في ردفان ووحدة من الحرس الجمهوري وكتائب الأمن المركزي في منطقة معاشيق في خورمكسر بالقرب من مطار عدن.
كل ذلك جرى في ظل حوار لم يتجاوز الشهرين بين الطرفين كان آخر اجتماع للطرفين في مطلع شهر إبريل عام (1990) في مدينة تعز تم فيه الاتفاق على نقل لواء العمالقة وقوامه أربعة ألوية وكتبتي شرطة عسكرية وأمن مركزي إلى أبين شرق عدن، اللواء الثاني مدرع شمال عدن واللواء الثامن صاعقة غرب عدن هذا من الجانب الشمالي، ومن الجانب الجنوبي اللواء الثالث مدرع شمال غرب صنعاء اللواء الخامس مظلات معسكر الباحة غرب صنعاء اللواء الأول مدفعية جنوب شرق صنعاء لواء باصهيب معسكر الحرس الجمهوري جنوب غرب صنعاء،اللواء 14مشاة شمال صنعاء.
إلا أنه حدث تغيير للاتفاقية أثناء اجتماع ثنائي بين البيض وصالح في عدن دون معرفة القيادة في المواقع التي ستنتقل إليها الألوية الجنوبية وهي اللواء الأول مدفعية واللواء الثالث مدرع واللواء الخامس مظلات ولواء باصهيب وهو ما سبب كارثة فيما بعد كما قال صالح سعيد زنقل رئيس اللجنة الجنوبية في الاتفاقية السابقة حيث قال :"هذا التصرف لا يحترم جهود الآخرين وسوف يؤدي إلى كارثة، وهو ما حدث بالفعل.
خطة محكمة كما قلنا سابقاً الجيش الجنوبي في أماكن نفوذ الحزب الحاكم (القبائل المسلحة) والقيادة في الشمال تحاصره بها (أي بالقبائل) وتحمي صنعاء بلواء غمدان والحرس الجمهوري الذي يزيد عدده عن خمسة وثلاثين ألفاً بعد تحول اللواء الرابع مدرع وانضمامه إليه، والأمن المركزي وعدده فوق الثمانية عشر ألفاً، ثم جُعل الحرس الجمهوري تحت تصرف رئيس الدولة دون أن تتساءل قيادات الجنوب لماذا؟ لأنه غلب عليها التبعية الضعيفة لنزوات البيض التي جعلت عدن بلا حراسه سوى القيادات نفسها التي وقعت على الوحدة أو تبعت البيض على ذلك، فلما وقعت الحرب كان من الطبيعي والمنطقي أن يخسر فيها الطرف الجنوبي كلّ شيء أن يخسر فيها السيادة أن يخسر فيها الأرض أن يخسر فيها الحزب أن يخسر فيها الشراكة، أن يخسر فيه الشعب.
زد على ذلك عدم معرفة الاشتراكيين لقدرة جيشهم في الحروب الكلاسيكية وغير الكلاسيكية من ناحية التكتيكات والتدريبات الحقيقية على أرض الواقع والذي كان سبباً جوهرياً للفشل في فترة لم تتجاوز (70يوما) وأعني أنهم لم يدخلوا حروباً حقيقية غير الانقلابات التي كانت تحدث كل فترة زمنية بين القيادات الاشتراكية والاشتراكية نفسها وهي لا تعد حروباً كلاسيكية أو حروب عصابات بل حروباً همجية سرعان ما تحدد هزيمة الطرف الخاسر كما حدث في (13/يناير /1986م) وهو ما جعلهم يتصرفون بدون حذر فاختاروا الزمان والمكان غير المناسب، وهو ما سيرسم لك الصورة الواضحة لقيام الوحدة ويرسم لك التساؤل حول قيامها هل قامت على دراسة وإستراتيجية تخدم أبناء وطنهم(الجنوب) أم قامت على أيدلوجية قومية أو حزبية كان لابد منها وهو ما حصل بالفعل.
الحلقة الثانية
قد يقول القائل: إن جيش الجنوب اليمني قبل الوحدة كان من أفضل الجيوش العربية من ناحية التدريب والتنظيم والتسليح! وهذا لا خلاف فيه غير أن الكثير
لا يدرك محدودية الجيش الجنوبي والتي لا تتعدى الخمسين ألف جنديا ولا يدرك جهل القيادة في الجنوب والتي شتته بعد الوحدة في الشمال ولا يدرك حجم الإهمال الذي جرى له أثناء تغيير المواقع حيث تم إسكانهم في مساكن مستأجرة أو مساكن جماعية أضعفت من معنويات الكثير منهم بسبب إهمال القيادة وانشغالها. زد على ذلك تصرفات وزير الدفاع هيثم قاسم الهمجية وغير المدروسة بممتلكات الجيش حيث باع أو أعطى أقاربه أو قربهم أو تقرب لبعض العناصر أو الشخصيات الاجتماعية في الشمال، بتلك الذخائر والآليات من مخازن تلك المعسكرات الجنوبية المحاصرة في الشمال كل ذلك جرى بصورة مكافئة أو انتهاء العمر الافتراضي لها أو كسب ودّ شيخ قبيلة.
وحتى لا أبتعد كثيراً سأتحدث عن شخص وزير الدفاع هيثم قاسم الرجل الأسطورة عند الجنوبيين سابقاً باختصار فعندما نتحدث عنه -وهذا الكلام كان- فكأننا سنتحدث عن قاعدة العند المشهورة أو العنيدة كما يقول العوام! وهيثم قاسم أو حقيقة شخصية هيثم عند الباحثين أو الخبراء في المجال العسكري شخصية لا تمتلك خبرات عسكرية كثيرة أبداً ، فهو من الناحية العسكرية كأي وزير دفاع جنوبي أدخله القدر إلى ساحة ليست ساحته أو مكان ليس مكانه فمرحلة وزارة الدفاع مرحلة كان سينتقل بعدها إلى الرئاسة مثلاً فمحمد قحطان الشعبي أصبح أول رئيس للجمهورية وقائداً أعلى للجيش وعلي ناصر محمد كان وزيراً للدفاع عام1969 (الجنوب)، وعبد الفتاح إسماعيل كان في عام 1964المسئول العسكري والسياسي عن نشاطات الجبهة القومية في عدن وعلي سالم البيض تولى منصب وزير الدفاع في أول حكومة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد الاستقلال وذلك حتى عام (1969). وهنا سيتبين لك مدى كارثة البيض وعدم تقديره لقيادته العسكرية البسيطة،وكيف سقطت معظم الأراضي أو الجبهات العسكرية لتلك القيادة المتسرعة، التي حصرت نفسها أو محيطها بظروف سياسية خارجية وداخلية ليست في صالحها 100% ثم حصرت جيوشها قليلة العدد في أمكان غير مدروسة وخطرة ولم تترك لنفسها حماية - في أماكن نفوذها في الجنوب عدن كما فعل الرئيس في صنعاء- في حالة حدوث ما حدث في صيف (94) بل ستجد -وهو من الغريب- أن تموين تلك المعسكرات أو ألئك المقاتلين أثناء الحرب -لا فقط في تلك المعسكرات المحصورة في الشمال بل ما تبقى منها في الجنوب- غير كافي بل شبه معدوم فانكشفت تلك القوات وأصبحت مقارنة مع القوات الشمالية الأضعف.
ثم إذا قارنت أو قورن حقيقة جيش الجنوب بجيش الشمال - سابقاً- فالفارق ليس كبيراً من ناحية التدريب والأداء وخاصة أنه قد أهمل ذاك الجيش(جيش الجنوب) بعد قيام الوحدة إهمالاً كلياً كما تقدم وترفعت قيادته عنه وعن عناصره الفاعلة وأغلقت أبوابها دونه وجعلت من بينها وبينهم حجاباً يوم مزقته وأبعدته عن مكان معرفته بالأرض وأرهقته بهموم الحياة. بخلاف جيش الشمال الذي يمتاز بتأقلمه مع الطبيعة الجغرافية وكأنه عامل بناء دور وهو ما حدث حيث عملت تلك الجيوش في أماكن تواجدها في أبين وغيرها في إصلاح الطرقات وكسب ثقة الناس هناك، ثم كثافته صنعت منه القدرة على التغلب ثم هو لم يوضع بجانب قبائل موالية للنظام مثلاً أو قبائل مسلحة خطرة تشكل عليه خطراً، فالقيادات في الجنوب قبل الوحدة قد قضت على ذاك الجانب (أعني الجانب ا(ٍلقبلي أو التسلح القبلي).
وكان من الأخطاء الكبيرة والأسباب القاتلة لفشل الانفصال بدء تفجير الحرب أو وقوعها على الأقل بتلك الصورة وذاك الزمن سواء من قبل الاشتراكيين -هذا إذا كانوا سبباً فيه- أو جُعِلوا كذلك أو حتى حدوث تلك الحرب أصلاً؛لأن الشعب في وقته ما زال يتغنى بالوحدة، ثم إرسال صواريخ سكود على مدينة صنعاء؛ لأنه زاد من تعاطف وحنق وثورة الشارع وتكاتف القبائل والإسلاميين الشماليين مع النظام في الشمال أضْعاف ما كان سيحصل عليه النظام في وقت آخر.
وهنا يتساءل شعب الجنوب كافة ويسأل البيض لماذا؟ وهل أحاطتك الخيانة أم غلبت عليك ....؟
ثم أجيب أنا عنه بكل بساطة وأقول بل انعدام الخبرة وحسن القيادة والحيطة وشخصيته الارتجالية المتسرعة ،إلا أنه قد يقول الاشتراكيون عنه أو عن أنفسهم نحن أخذنا كل تلك المعسكرات وحشرناها هناك بحسن نية وهنا نقف ونتأمل الاشتراكي الذي صال وجال لعقدين من الزمن في الجنوب يستدرجه صالح للوحدة بحسن نية ويتنازل عن كل شيء بحسن نية ويدخل الحرب بحسن نية ويمزق جيشه بحسن نية ثم تختفي قادته خارج الوطن لأكثر من أربعة عشر عاماً دون أن نراها على محطة فضائية تتكلم وتشرح الحكاية أو ما جرى في تلك الأيام ثم يعتذرون للشعب صراحة عن أخطائهم وسوء قيادتهم على الأقل في الأزمة(حرب 94)! لكن لعلهم يريدون من ذلك حسن النية؛ أو لعلهم ينتظرون عفو الرئيس مع بعض المناصب كم حدث مع البعض، أو كأنهم باعوا مسبقاً أم إنهم لا يستطيعون الكلام والتخطيط والعرض كالسياسيين والقادة؟!.
على كلّ حرب قاسية ومؤلمة لكل الشعب اليمني لكنها كانت مؤلمة وقاسية على أبناء الجنوب أكثر فهي ليست صفعة للاشتراكيين وحسب بل لكل الجنوبيين حينما فقدوا الشراكة الحقيقية وحقوق المساواة بعد حرب صيف (1994م) إلا أنه إذا ما درسنا الأسباب لا على سبيل الحصر وهي كثيرة جداً -منها ما تقدم- نجد أن أسباب الفشل قد تجاوزت تلك النظرة القاصرة عند المواطن البسيط وعند الدارس المنتمي أو المتعصب غير أنه كان من أسباب فشل الانفصال ما يحلله ويشعر به المواطن البسيط في كل اليمن شمالاً وجنوباً.
ألمٌ وألمٌ وفشلٌ كان سببه القرارات الارتجالية من جانب قيادات الجنوب يقول الكثير من أبناء الجنوب لنا الحق أن نقول كان على البيض وقيادات الاشتراكي أن تتساءل لماذا لواء العمالقة الشمالي الذي يحمل عدة ألوية رئيسة في لوائه في أبين القريبة من عدن الفاصلة بين المحافظات الشرقية والغربية؟ كان عليه أن يدرس هو ومن معه كل الخيارات بعقلية السياسي الحذر لكنه أخطأ ثم حلل الخطأ بخطيئةٍ أخرى هي اعتكافه في عدن ثم زاد من تعنتاته المحرجة التي أوصلته إلى (وثيقة العهد والاتفاق) التي احتفل بها هو ومن معه في عمان بشكل باهت كل ذلك يدل على عدم الحنكة السياسية إضافة إلى كل ذلك انعدام التخطيط السياسي والعسكري والتكتيك عند القيادة الجنوبية في الأزمات.
نعم على سالم البيض كان يوماً من الأيام وزيراً للدفاع لكن لا يملك أي خبرة عسكرية على الإطلاق وله فلتات تدل على همجيته وتفرده في القرار فيوم عين وزيراً للدفاع -على سبيل المثال- اتخذ قراراً بطرد الخبراء البريطانيين من القاعدة الجوية في مدينة خور مكسر بعدن دون علم القيادة التي فاجأها القرار عند سماعها البيض يتلوه من إذاعة عدن، ويذكر الشيخ سنان أبو لحوم في مقابلة مع صحيفة الثوري وساطة قام بها بين البيض وصالح حول الوحدة عام (1989م) حيث أخبره البيض ساعتها" بأنه يود تحقيق الوحدة قبل أن يشاع عن وجود النفط المكتشف في محافظة حضرموت وبكميات كبيرة ، فإنه إذا عرفت الجماهير بذلك قد يصبح الأمر من الصعب تحقيقها".
ثم المدقق النظر في إقدامه على وضع أهم الألوية العسكرية الثالث مدرع بعمران ولواء باصهيب في ذمار وهي أماكن القبائل المسلحة والخطرة ونفوذ النظام في الشمال دون أن يدرس حركة الإمدادات بل دون أن يدرس لماذا هناك وليس في تعز أو على الحدود الخارجية (وهو ما طالب به البيض فيما بعد فلم يحصل عليه أي سحب القوات من المدن) يدل على كارثية التخطيط وسوء إدارة البلاد والأزمة عند البيض وبعض الاشتراكيين الذين عودونا على الارتجالية في القرارات المصيرية(وأنا أعني فقط بعض الاشتراكيين) بل زد على ذلك كونه يخفي حقيقة وجود النفط عن الشعب الذي حكمه ووثق به وهي خيانة في أي منظور، إلا أن ما يعني لنا هنا هو دراسة فشل الانفصال وحسب.
وعلى ضوء ما سبق يتبن، أنه كان من المفروض والواجب منطقياً بل وعسكرياً وسياسياً أن يدرس البيض وضع الجيش مع القيادة العسكرية أولاً -وهو أقل القليل- وهو ما لم يحصل البتة ولو حصل فكان من المنطق أن يبقي القليل في تلك المعسكرات -قبل أن يعتكف في عدن ويبدي لقيادة الشمال تبرمه من الوحدة بعد وقوعها- ثم يسحب بقية الجيش إلى أماكن تواجده (الجنوب) ثم يسد تلك المساحات بالجيوش الشعبية بقدر الإمكان وبأقل عدد، وهذا يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن وهي ضرورة لابد منها، وقد تكون صعبة لكنها ليست مستحيلة حتى يستطيع التحرك بمساحة أكثر وحدود أوسع، بل تقول الدراسة كان بإمكانه أن يجند أولاً من الشعب من يسد تلك الأماكن كواجهة لتلك المعسكرات ومن يحمي عدن ثانياً إذا لزم الأمر، ثم يسحب الجيش الرسمي من تلك المعسكرات إلى أماكن نفوذه لحماية الأرض التي سقطت بلمح البصر أمام المد القادم من الشمال.
وقبل ذلك كله وهو مهم لا بد من اختيار المكان والخطاب المناسب لإدارة الأزمة وهو ما لم يحصل من القيادات الجنوبية حيث رأينا عدم اختيار الخطاب المناسب لتلك الحرب من جانب الاشتراكيين كلهم فكان سبباً رئيسا في فشل الانفصال في صيف (94) ونعني أنه كان لابد من تغيير الخطاب من الكلام حول الانفصال وفك الشراكة إلى الكلام حول تغيير النظام القائم في وقته لأسباب تخص كل أبناء الشعب مع تبييت نية الانفصال إذا أرادوا نجاح فك الشراكة،وهناك كان عليهم أن يظلوا سياسيين في صنعاء تابعين للجمهورية اليمنية بالمعنى المختصر كان عليهم أن يقودوا حربهم من صنعاء لا من عدن، عندها سيجد الاشتراكيون أنفسهم أمام خيار الهجوم لا الدفاع كما حدث بالأمس وسيورث ذلك عند الطرف الآخر انقساماً بينه وبين القيادة السياسية وبينه وبين الجماهير الشعبية التي خرجت تسانده حتى بإرسال الخبزالى ساحة المعركة.
وهذا وذاك لن يمنع الاستعداد من جانب الاشتراكيين لتلك الحرب استعداداً كاملاً لأسباب قد نستطرد منها الكثير أثناء هذه الدراسة المختصرة وهو ما خسر به الاشتراكيون المعركة على الصعيد العسكري والسياسي حيث ألجأتهم سياساتهم في غير وقتها إلى اعتمادهم اعتماداً كلياً على التدخل الخارجي وهو ما لم يحصل سوى ما دعت إليه الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمحافل الدولية، كقراري مجلس الأمن رقم (924-931) بوقف العمليات العسكرية، واتفاقية موسكو بين الطرفين بتاريخ 30/ يونيو (1994م) والتي تنص على وقف العمليات العسكرية - وهو ما لم يلتزم به الطرف الآخر، ولم تتوقعه القيادة في الجنوب فكان من أسباب صنع الفشل المبكر فدلّ ذلك على عجز المهارة والتكتيك العسكري وعجز الإدارة السياسة للقيادة العسكرية أثناء الحرب في الجنوب وقد ظهر ذلك العجز وعدم التخطيط فيما بعد وأثناء الحرب يوم وجدوا أهم المعسكرات محصورة في مناطق القبائل الموالية للنظام الحاكم في الشمال، والحدود مفتوحة أمام المد البشري المتدفق إلى أماكن تواجدهم ونفوذهم،وهم ينتظرون رحمة التدخل الخارجي.
هذا لأن الحرب على الجبهة الأخرى الدبلوماسية كانت لا تجري بصالح قيادة الجنوب للأسباب المتقدمة كسقوط بعض الجبهات العسكرية الجنوبية ومحاصرة بعض الجبهات الأخرى وتقدم القوات الشمالية تجاه الجنوب بسرعة غير معقولة إلا أنه وإن شكلت تلك التحركات بعض الضغوط على الطرف الآخر (نظام صنعاء) فإنها لم تسجل للجنوبيين حماية وغطاء أبداً؛ لأن دعوة مجلس الأمن بقرار رقم(924) لوقف فوري للعمليات العسكرية والعودة إلى طاولة الحوار لحل الخلافات بالطرق السلمية والذي نص على إرسال بعثة لتقصي الحقائق لم ينص على عدوانية الطرف المتقدم بالحرب وإلزامه بالقوة وهو ما أتاح له زيادة الضغط العسكري على كل الجبهات ثم إسقاط العاصمة عدن.
ومع ذلك فإن الدراسة لا تنظر إلى هذه الأسباب، كأسباب فشلٍ محصور فيها بل تجد أن الوضع أعني وضع الحرب في صيف (94) لم يتدارك في مهده قبل الحرب، ثم وقعت الحرب وكان بالإمكان أثناء الحرب الرجوع إلى طاولة الحوار، لكن كلا القيادتين في الشمال والجنوب قد خططا تخطيطاً أوصل إلى نتائج عكسية (أعني الحرب) فالبيض فشل في الحرب التي خطط لها وصالح سيفشل في الحرب التي رأى أنه انتصر فيها والأيام كفيلة بإظهار الحقائق أمام الشعب كل الشعب في الجنوب والشمال.
لكنه وقبل الوصول إلى الفصل الأخير سندرس سوء التخطيط وإدارة الأزمة بعقلية القيادة الفاشلة وقبل ذلك نوضح أو نعرف ما هي القيادة الناجحة والقيادة الفاشلة (القيادة الناجحة هي التي تهتم بالتخطيط ورسم الأهداف المستقبلية والقيادة الفاشلة هي التي تتدارك أخطاءها بعد الفشل) أو بمعنى آخر (القيادة الناجحة هي التي ترى أخطاءها قبل والقيادة الفاشلة هي التي ترى أخطاءها بعد) وهو ما حصل مع قيادة الجنوب عند التخطيط للوحدة الاندماجية الفاشلة فقيادة الجنوب استدركت كل شيء بعد، وعند الحرب علمت فشلها بعد وهو ما يعني لنا دراسته.
أخي القارئ ولقد كان لذلك الذوبان بين اليمن الجنوبية والفكر الماركسي مشكلة أخرى ظهرت عند إعلان الانفصال حيث وجدنا أن هدم روح القبيلة والجماعة بإدخال المدنية بتلك الصورة أو بكسر القبيلة بتلك الصورة من قبل الجناح الماركسي ثم دمج الجنوب بالشمال القبلية ثم إعلان الانفصال دون دراسة لكل تلك الظروف الاجتماعية كارثة ودخولاً في مجهولٍ لم يدرس دراسة حقيقية إذ كيف تعتمد أثناء الكر والفر على شعبٍ قتلت فيه روح الشجاعة والإقدام على مدار عقدين من الزمن ، بل وتطالبه بالوقوف معك وبصفك في حربٍ تكاتفت فيها من قبل الطرف الآخر الجهود وتهيأت له فيها الظروف الاجتماعية والدولية والعسكرية؟!.
ومع ذلك نقول إن كل ذلك تهيأ مع مرور الأيام وصنعته الأزمنة المديدة التي قاد فيها الاشتراكي الجنوب فحدثت أخطاء أثناء القيادة منذ إن استلم زمام السلطة وجرد الشعب من حرية الاختيار وجرد معارضيه من حرية الاستقلال فأصبح قياديوه ذات نزعة ارتجالية هامشية جلبت للشعب الدمار، ودون إستراتيجية مدروسة، جلبت للسلطة اتخاذ القرار الهش، ولقد أحدث اعتماد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على الاتحاد السوفيتي عقبة في تهيئة النظام الماركسي في الجنوب نحو الفشل الذي صار في صيف (1994) حيث لوحظ أن الجناح الماركسي المنتصر في (13/يناير1986) وبعد تلك الحرب الدامية هرول فاتخذ قرارات ارتجالية منها قرار الوحدة الاندماجية بتلك الصورة الفاشلة والذي قد يراه البعض أمراً حتمياً؛ لأن اعتماده (الاشتراكي) على الاتحاد السوفيتي كان اعتمادا كلياً وبعد سقوطه بخيار البيروسترويكا والذي يعني إعادة البناء هرب الاشتراكيون اليمنيون إلى خيار الوحدة هروباً من الوضع الراهن وهو من الناحية المنطقية قريب إلى الحقيقة لأنه أصّل لوفاة ما تبقى من الدعم الروسي لجنوب اليمن وهو الأمر الذي لم يتداركه الاشتراكيون عند إعلان الانفصال أو التهيئة لتلك المرحلة الجديدة، مع تداركهم له عند التوحيد سابقاً.
إلا أنه قد يقول القائل كان بإمكان الاشتراكي اللجوء إلى الخيار الآخر وهو ربط نفسه بمنظومة الخيار الاقتصادي لدول الخليج مثلاً أو بإقامة مشاريع استثمارية جديدة تنعش الاقتصاد الوطني وتخرج البلاد من مأزقه الاقتصادي، وهو صحيح إلا أن ذلك كان يتطلب تغيير الخيار الاستراتجي للحزب نفسه من الاشتراكية إلى (...) حتى يتناسب مع المرحلة ويكون مقبولاً للطرف الآخر المُتعامل معه وهو ما لم يوافق عليه الحزب وفضل الدخول في الوحدة بصورة جريئة وخطيرة؛ لأن الحزب ظن أنه سيغير من طبيعة الشعب القبلي في الشمال كما أوهمته العناصر الاشتراكية في الشمال، ثم زاد على ذلك بأن اختار الخيار الديمقراطي والتعددية الحزبية -كما سيأتي-.
وحتى مع مرور الأيام واكتشاف قيادة الاشتراكي لذلك سنجد أنهم تمسكوا بخيار الاشتراكية، أثناء الحرب وبعد الحرب إلى يومنا هذا فهم لم يعوا أن الحزب الاشتراكي لم يعد يمثل الطبقات الاشتراكية الجنوبية وحسب بل هو جزء من التعددية الحزبية التي يحافظ عليها النظام الحاكم اليوم وجزء من انقسام قديم أثناء حرب الانفصال كان سبباً في إضعاف الدعوة إليه وفشله، بل وعقبة في ظل أهداف جديدة يريدونها هم ويريدها الكثير من أبناء الشعب الذي يحمل أطيافاً لا تنتمي للحزب أصلاً، وتتمنى أن يشملها حزب جديدٌ لا ترى فيه الماضي الذي حمل الفشل والهزيمة.
الحلقة الثالثة
لقد تكلمنا سابقا حول العقبة الجديدة وهي سقوط المعسكر الشيوعي الروسي والذي حسبه الاشتراكيون في جنوب اليمن نهاية العالم، وتكلمنا أن الشعب في الجنوب يلوم الاشتراكي على بعض الخيارات ويعاتبه على بعض القرارات ومنها (قرار الوحدة وقرار الانفصال)وهنا نضرب مثالاً يؤكد خطأ الاشتراكي من الخوف من سقوط المعسكر الشيوعي، فكوبا الشيوعية مثلا لم تهرول بعد سقوط الاتحاد السوفيتي إلى أحضان أمريكا الغريم التقليدي أبداً بل استمرت تدرس خياراتها بما يناسب شعبها، بينما هرول قادة الجنوب اليمني إلى خيار الوحدة لاعتباره خياراً استراتيجياً وبمنظور الكثير من الدارسين ليس كذلك؛ لأنه عندهم أن قادة الاشتراكي ظنوا أن سقوط الحزب الشيوعي الروسي سقوطاً لليمن الاشتراكية، وهو ما لم يظنه قادة الحزب الشيوعي في كوبا بقيادة فيدل كاسترو في كون سقوط الاتحاد السوفيتي يعني سقوطاً لكوبا الشيوعية.
وهذا يبقى دراسة لا تتعدى الحقيقة إلا أنه لو لجأ قادة الاشتراكي بعد سقوط المعسكر الروسي هروباً إلى خيار الكنفدرالية أو الفدرالية بنظر الشعب عند تحيق الوحدة لكان أفضل بكثير من الهروب إلى الاندماجية، وهذا ليس قانوناً نهائيا في الحكم على الطريق الصحيح الذي كان من الواجب اتخاذه من قبل الاشتراكيين في جنوب اليمن عند تحيق الوحدة الاندماجية الفاشلة بنظر الدارسين والشعب بل وبنظر الاشتراكيين الذين أسسوا تلك الوحدة لكنه الطريق الأفضل والأصلح للجنوبيين والشماليين وهذا ما سنراه في المستقبل. دراسة قد لا تعني للبعض شيئاً وللطرف الآخر دراسة لا بد منها؛ لأن المدقق النظر في تلك الحقبة أو المرحلة الفاصلة قد يتساءل هل كان بإمكان الاشتراكيين تجاوز مثل تلك العقبات أثناء الحرب؟ الجواب أن مما لا شك فيه أن تلك المرحلة كانت كارثة بتلك العقلية وبذاك التخطيط إلا أنه إذا تعامل معها الاشتراكيون في حينه بما يناسب حال الزمان والمكان وبشكل آخر لربما كان الوضع مختلفاً الآن، إلا أن ما حصل قد صار وما علينا إلا أن نستفيد من الماضي فقط؛ لأن الاشتراكيين قد اختاروا لإعلان الانفصال الزمن الخطأ والمكان الخطأ فجنوا على أنفسهم حتمية الفشل ولعدوهم النصر لا ريب.
قد يقول البعض إن الحزب الاشتراكي مهد للانفصال بقرار سري بعد عام (91) بضرب طوق أمني على المحافظات الجنوبية الست وهذا صنع الزمن المناسب للانفصال. الجواب هذا غير صحيح؛لأننا لم نر ذلك، ولأنه كان على الحزب أن يستمر في تحريك المظاهرات الجماهيرية من صنعاء ومن بداية التخطيط إذا فعل ذلك، والتي جاءت بعد إبريل 1993م لمحاربة الفساد وغلاء المعيشة وتمسك الرئيس علي عبد الله ببطانة سيئة تعمل على تبديد المال العام ونشر الفوضى وعدم احترام النظام والقانون وهذا هو الطريق الوحيد إذا أراد الاشتراكيون -في حينه- فيما بعد فك الارتباط بينهم وبين المؤتمر والتنصل من الوحدة في وقته وحينه. وهو ما يجعلنا نؤكد استعجال الاشتراكي بقراره إعلان الانفصال، الذي أعطى لنظام صالح الحق بالتمسك بالشرعية التي صنعوها له هم في عام تسعين وقرار الانفصال كان من الواجب إعلانه بعد عام (2000م) إذا أراد قادة الاشتراكي الخيار المناسب، حتى نعطي الوحدة الفرصة بالنجاح أو الفشل وهو الحتمية الأكيدة إذا لم يستعجل الاشتراكيون بإعلان الانفصال في (21/مايو 1994)، (أثناء الحرب)؛ لأن الشعب في ساعتها يكون قد علم ما علمه اليوم سواء في الشمال أو في الجنوب، زد على ذلك أن أبناء الشمال سيكون خيارهم (80% ) على الأقل بنعم للانفصال؛ لأنهم سيكونون في حالة إرهاق من بقاء الوحدة على ما هي عليه وستكون قيادة الجنوب قد درست طبيعة المجتمع القبلي جيداً ودرست طبيعة السياسة للرئيس علي عبد الله ودرست دور الإسلاميين الذين كان لهم نصيب الأسد في هزيمة الاشتراكيين في حرب الانفصال. وأنا هنا لا أعتدي على الحزب الاشتراكي؛ لأنه قد يكون خارج الحسبان، وقرارات الحرب بتلك الصورة قد تكون ليست محسوبة عليه جملة بل على البيض وبعض قيادات الحزب فقط، كما حدث في كثير من القرارات ومنها قرار تعجيل إعلان الوحدة :" فعند التوقيع على اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتحديد الفترة الانتقالية في (22أبريل 1990م) في صنعاء وتحديد (26مايو1990م) كيوم لإعلان قيام الدولة الموحدة، كان القليل من قيادات الحزب والدولة يعرف خفايا ما يجري فمعظمها تفاجأ بتقديم موعد إعلان الدولة من (26-22-مايو) فالاتفاقيات كانت تجري بين كل من علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، فالقرار المهم بشأن الوحدة أتخذ كما هو معروف بين الاثنين في النفق الأرضي الذي يربط الساحل الذهبي بمدينة الروضة(القلوعة). وعند رفع العلم لدولة الوحدة في صباح يوم (22مايو1990م) على مبنى القصر المدور في مدينة التواهي كانت الغالبية العظمى من القيادات تجهل مصيرها الجديد في ظل دولة الوحدة ولا تعرف إلى أين تتجه فأجبرت القيادات التي كانت متحفظة على أسلوب تحقيق الوحدة على مجارات المتحمسين للوحدة...".(عدن تدفع الثمن).
ثم اعتكاف علي سالم البيض - ولا نعلم هل كان مثل ذاك الاعتكاف مدروساً من قبل الحزب أم إن علي سالم البيض قد تفرد به كعادته في اتخاذ القرارات الارتجالية- أعطى حذراً كبيراً ووقتاً كافياً للقيادة في الشمال بل وفرصة جعلت من الوقت يجري بصالحهم دون أن يشعر الاشتراكيون بذلك؛ -سواء على المستوى العسكري أو السياسي-؛ لأنهم أو كأنهم لم يتوقعوا إصرار الرئيس علي عبدالله بمهاجمتهم في كل مكان على المستوى السياسي والاجتماعي والعسكري بل ظنوا أنه مع مرور الوقت سيستسلم الشماليون للأمر الواقع، والضغوط الخارجية وسيكتفون بالصدمة الأولى عند تفجير الأوضاع بسحب ألويتهم إلى الحدود القديمة وهذا ببساطة سذاجة انقشعت عند مرور الوقت بسقوط المناطق الجنوبية منطقة، منطقة وهروب الاشتراكيين بشكل مخيف وفاضح ويدل على حقيقة هذا التحليل أن الاشتراكيين لم يجهزوا للخيار الآخر وهو خيار المقاومة(حروب العصابات) الذي إذا حصل كان سيفاجئ الكل وسينتصر لا محالة مع مرور الوقت.
وحدة يمنية بين حزبين لا بين شعبين
كما ترى كان من الواضح أن قادة الحزب الاشتراكي هم الطرف الأضعف تكتيكيا من كل النواحي فهم لم يدرسوا الوضع الاجتماعي جيداً لم يدرسوا حجم الكثافة السكانية في الشمال وتأثيرها على قرار إعلان الانفصال؛ لأن عدمية تلك الدراسة مع تدارك تلك المشكلة بعد الوحدة وخاصة عند ذوبان الجنوب في تلك الكثافة السكانية التي تحركت عند إعلان الانفصال -بتلك الصورة وتلك الأخطاء- (بدء إعلان الحرب وإرسال صواريخ سكود على مدينة صنعاء) مع النظام في الشمال مساندة له معنوياً بل ومادياً فكانت مشكلة شكلت جيشاً قوياً وسنداً رئيساً مع النظام الحاكم في الشمال في حربه ضد الانفصاليين، مشكلة لم يعمل لها قادة الاشتراكي حسابا. بل يجزم من يطلع على تلك الأحداث أو يدرس تلك الحرب أن قيادة الاشتراكي عند إعلان الانفصال لم تدرس كذلك الوضع الإقليمي المحيط بها جيداً بل نظروا إليه نظرة سطحية وغير عميقة، حيث اعتمدوا على دعم بعض دول الجوار الخليجية لسبب وقوف الرئيس علي عبد الله مع نظام بغداد وهذا من الأخطاء الكبيرة لقادة الحزب الاشتراكي-كما تقدم- لأن كل دول الخليج وإن كان بينها وبين نظام الرئيس علي عبد الله فجوة بسبب تأييده للعراق إثر احتلال الآخر دولة الكويت الشقيقة لا تتفق اتفاقاً كليا مع تاريخ الحزب الاشتراكي اليمني منذ نشأته وهنا يأتي السؤال من الأفضل لمجلس التعاون الخليجي (وخاصة عمان التي لها حدود مع الجنوب أو السعودية التي لها حدود مع الجنوب والشمال) نظام صالح أم نظام البيض بقاء الوحدة أم دولتين سياديتين برئيسين وعاصمتين؟.
بل كان على الاشتراكيين دراسة توجهات الرئيس صالح وزيارته وتحركاته كلها من بداية الوحدة وأخذها بعين الاعتبار كزيارته إلى واشنطن في (يناير 1990) مثلاً؛ لأنها زيارة قد تحتمل مدلولات كالحد من النفوذ الشيوعي على وجه الحقيقة أو كونها زيارة عادية كما جاءت والمقصود منها رفع المستوى الاقتصادي للبلاد، بل كان عليهم دراسة طبيعة الرجل ومرونته لأنه رجل لا يستهان به بل هو على وجه الحقيقة ثعبان تغلّب على خصومه وجمع تحت عباءته السلال والقاضي الأرياني وقضى على المتمردين والمعارضين واحتوى المشكلات القبلية وحجمها بالتعامل معها بطريقته المعهودة وأسلوبه المرن وهو ما لم يعمل له الاشتراكيون اعتبارا يوم أقاموا الوحدة بتلك الصورة ويوم أرادوا التنصل منها بتلك اللحظة. ثم كان عليهم دراسة ظهور أحزاب جديدة وصحف متعددة تتكلم باسم تلك الأحزاب والتي كان كلها من المناطق الشمالية والتي شكلت أمام الرأي العام عقبة بوجه الطرف المطالب بالانفصال حيث تكلمت كل تلك الأحزاب والصحف والمجلات مع وضد الانفصال وهو الشيء الذي غاب عن نظر الاشتراكيين ولم يعملوا له حساباً وقيمة بل وجود الكثير من الاشتراكيين من أبناء الشمال في الحزب ثم التخلي عن خيار الحزب(الحرب) الحرب) وشق صف الحزب عند إعلان الانفصال، بل وأثناء الحرب كان عقبة أمام الرأي العام داخل الوطن وخارجه ولقد نسي أو تناسى الاشتراكيون أن إعلان الانفصال بتلك اللحظة الحرجة، باسم الحزب كان كارثة على الحزب وعلى أهمية الدعوة للانفصال وخاصة مع عدم تسامحهم مع وطنهم ونسيان الماضي قبل إعلان الانفصال إذ أن بعض قادة الانفصال الموتورين من أبناء الجنوب وقفوا بجانب النظام الحاكم في الشمال وهم جلّ من هرب مع علي ناصر محمد إضافة إلى اشتركيي الشمال كما تقدم وهو ما زاد من ضعف الدعوة أمام الرأي العام وحجّم أو منع التدخل الدولي أو الإقليمي بشكل مباشر في تلك الأحداث. ولسبب ذاك التعنت وعدم التسامح بين الجنوبيين والجنوبيين أولاً، حدثت مشكلات استغلها النظام الحاكم في الشمال أثناء الحرب أو لعل تأخر التسامح بين الجنوبيين صنع الفشل أو كان جزءاً منه وكان من المفروض أن تتسامح القيادة مع الشعب قبل إعلان الوحدة كالقيادة مع القيادة والقيادة مع السلاطين وأتباعهم والقيادة مع الإسلاميين أو بتغيير فكرة الحزب من حزب يدعو إلى مبدأ الاشتراكية إلى حزب يحمل كل أطياف الجنوب ويقبله الكل (الإسلاميون أو المشايخ أو السلاطين أو الاشتراكيون) بل ويكون مقبولاً إقليمياً ودولياً، إلا أن الاشتراكيين اعتمدوا على تغيير طبيعة الشمال المختلفة أكثر من اعتمادهم على المصالحة الشاملة مع أفراد شعبهم بطبقاته، وهذا ببساطة نوع من الطموح الخاطئ، وكان عليهم أولاً إحداث المصالحة التي تسد على النظام في الشمال الطريق إذا ما أراد الاشتراكيون فك الارتباط كما حدث في صيف (94). وأعني مصالحة شاملة تجمع كل الجنوب ومنهم الذين تضرروا عند استلام الجبهة القومية زمام الأمور في الجنوب والتي تحولت فيما بعد إلى الحزب الاشتراكي،ومنهم كل الشعب في الجنوب وكذلك الرئيس السابق علي ناصر محمد والذي قادر صنعاء إلى سوريا برغبة اشتراكية هو وبعض العناصر الموالية له (مقابل تخلي الاشتراكي عن عناصر الجبة الوطنية في الشمال وتجميد فروع الحزب هناك) قبل قرارات واتفاقيات إعلان الوحدة في (26/ مايو) والتي أعلنت فيما بعد بتاريخ (22/مايو 1990م)، قد يقول القائل: إن الحزب فعل تلك المصالحة، الجواب: كل هذا لم يتداركه الاشتراكيون إلا عند إعلان الانفصال حيث جمعوا حولهم بعض أتباع السلاطين والمشايخ، فكانت نقطة تحول لم يعد لها معنى؛ لأنها تأخرت عن وقتها ومكانها وهو قبل قيام الوحدة بأعوام يعني أقله بعد حرب (13يناير 1986).
زد على ذلك أن الاشتراكي ترك ذلك لنتائج إعلان 30نوفمنبر (1989)لبداية أعمال لجان الوحدة والتي فرضت على الحزب الاشتراكي اليمني إصلاح صراعات الماضي، ومنها إعادة الاعتبار للشخصيات المناضلة في فترة الكفاح المسلح وهذا يشمل سالم ربيع علي ومناصريه وعلي ناصر محمد ومناصريه، وهنا نقف وندرس ونحلل هذا الخطأ الفاحش الذي وقعت فيه قيادة الاشتراكي، حيث سنجد أن التسامح لم يشمل كل الجنوبيين بل مجموعة ممن انتموا للحزب الاشتراكي سابقا، وهو ما ترك فجوة في أوساط الجنوبيين وأعطى لنظام صالح استغلال الكثير ممن ينتمون لغير الاشتراكي بالأصل، وهم من أبناء الجنوب ومنهم الإسلاميون المتشددون وبعض مشايخ القبائل وبعض الشعب بل استغل تلك المجاميع التي كانت اشتراكية ولها معه ثأر وهم أتباع أو موالون لعلي ناصر محمد، وهم من شارك معه في الحرب بعدة جبهات كجبهة شبوة حضرموت بقيادة عبدالله علي عليوة وجبهة مكيراس بقيادة أحمد الحسني وجبهة الضالع بقيادة فيصل رجب ويؤكد ذلك معاملتهم فيما بعد حرب صيف (94) كشريك في السلطة بدلا عن القيادات الأولى(وهي شريك صوري؛ أي لا تتعدى المناصب الصورية أبداً) .
عن صحيفة الوسط
د.علي قاسم اليافعي / 07مارس 2009
http://siyasapress.net/images/bottom_gradient.gif
(1)
الهروب من الماضي لا يعني الانتصار عليه أو حتى بالضرورة الهروب منه، بل يعني شيئاً واحداً فقط يعني الفشل، الفشل الذي تعيده الأحداث المكررة والصور ذاتها، صور المآسي -مثلاً- التي هربنا منها فكُررت بحدث جديد بصورة جديدة قديمة، يحسبها المتأخر في الفعل أخرى فإذا قارن بين الحادثتين تبين له أنه لا فرق، فالفشل صورٌ مكررة مختلفة لشيء واحد، أو صورٌ متعددة لأشياء متشابهة، تحمل جوهراً متحداً، فالفشل في وحدة الإمام إسماعيل والفشل في هذه الوحدة -مثلاً- لا يختلف من ناحية الجوهر وإن اختلفتا في حال الزمان أو حتى المكان، ومع ذلك فقد اتفقتا في المكان، لأن الفشل هنا -وهنا يعني شيئاً واحداً عقلا ومنطقاً- هو (الفشل).
وعندما ندرس الفشل فإننا نصحح الصور الآتية لا القديمة، والتصحيح لا يعني الاعتداء على أحد أو المزايدة على أحد، فالتصحيح ليس قانوناً نهائياً في إدراك الحقائق العدمية أو الحقائق التي تحمل رؤىً متعددة أو وجهات نظر مختلفة، فيبقى التصحيح في إطار الدراسة إلى أن يُحوّل إلى نتيجة فعلية ناجحة فندرك عندها أن الذي درسناه أو صححناه قد أدركنا من شطره العدمي الحقيقة المطلقة لا ريب.
وهنا ونحن نتكلم في أسباب حرب مهمة وخطيرة حدثت وهي حرب صيف (94) اليمنية، فإننا سندرس فيها شطراً واحداً وهو الماضي لأنها حرب قد جرت إلا أننا نستدرك منها ما قد سيحدث في المستقبل وهي الحرب التي تشبهها إذا حدثت، لا سمح الله وهي ستحدث لأننا سنتكلم عن حرب أحدثتها الحوادث الحسية لا العدمية، والحوادث الحسية التي أحدثت تلك الحرب إما أن تكون قد انتهت أو عولجت وحصرت وإما أن تكون باقية قد كبرت، وتحريكها أو إحياؤها يحتاج إلى وقت ليس إلا وهو ما نرى اليوم بوادرها في الحراك السلمي في الجنوب.
قد يريد البعض الكلام في أسباب فشل حرب صيف (94) اليمنية وهم على قسمين قسم منهم يتصور الكلام في مثل هذه المواضيع كلاماً يتعدى الخط الأحمر وعادة ما يهدف لنوايا خفية وهذه التصور خطأ يرفضه العقل وقسم منهم يريد الكلام بصورة مرسومة في عقله فقط فإذا خالفنا تلك الصورة التي في عقله صار من أهل القسم الأول والبعض الآخر لا يريد الكلام في هذه المواضيع مطلقاً لأنه يُخضِع كل شيء لحسابات مهما حاولنا تجاوزها لا نستطيع إلا أن نكون منه وفيه فندرس تلك الحادثة أو تلك بأيدلوجيته وعلى حسب ما يناسب إستراتيجيته فقط.
ومن هنا نجد أن أي حادثة مهما كانت مؤلمة إذا حاولنا دراستها سنجد أن اختلاف الرؤى كان سبباً من أسبابها أو في إحداثها عادة،وهذا قد يحدث لشخص واحد أو شخصين أو أكثر أو حزب واحد أو حزبين أو أكثر وعلى هذا فإن الكثير من الأحداث تصنعها الأيدلوجيات المختلفة وتقررها الوقائع والملامسات التي تأتي-الأحداث- عادة أو أحيانا مما لا يتوقعه الإنسان سابقاً، ثم تتحول تلك الأيدلوجيات إلى منازعات جاءت من اختلاف أو اتفاق أو اتفاق ثم اختلاف كما حدث في 22/مايو (1990م) حين تم إعلان الوحدة الاندماجية لليمن على تلك الصورة والتي عجل إعلانها لأسباب أمنية عدة أيام من تاريخ الإعلان دون أن يتوقع كل من طرفي الاتفاق (الاشتراكي+المؤتمر) عند تحقيق ذلك الحدث(الوحدة) إعلان الانفصال في (94) وعليه فمن منظور الواقع الذي ظهر بعد الحرب يجزم بعض الدارسين لها في كونها الحرب التي ستظل شبحاً يلاحق اليمن الموحد حتى التشطير الحتمي لا محالة.
رؤية لها أسبابها وقوتها في رؤية الأحداث حول ما جرى بالأمس وحول ما جاء بعد الأمس من تبعات ومشكلات، وحول الأحداث الجارية حالياً في الجنوب اليمني(الحراك السلمي)؛ لأن الروية هذه جاءت من(..) أو درست إيمان الكثير من أبناء الجنوب اليمني بكون الحزب الاشتراكي أو بعض قيادييه قد تفردوا برؤية لا يراها الشعب في الجنوب بضرورة توحيد اليمن وجعل ذلك خياراً استراتيجيا وبرنامجا من برامج الحزب حيث جاء في المؤتمر الأول المنعقد في الفترة (11/13/أكتوبر/1978م) " إن إستراتيجية الثورة اليمنية مرتبطة عضويا ودون انفصال بوحدة ثورتي26/سبتمبر و14إكتوبر".
بل زد على ذلك أن الحزب أجبر الشعب أن يتغنى بالوحدة طيلة فترة حكمه للجنوب فكل يوم في الجنوب كان الطالب يتعلم ويدرس ويلقن الجندي والفلاح (لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية) تربية من أجلها سخرت كل وسائل البلاد ومقدراتها وأجبر الشعب على فكرة الوطن الواحد لكل اليمن كخيار استراتيجيي لا يمكن الحياة بدونه، فكرة لم تعد كما كانت في الماضي وخاصة بعد قيام الوحدة كقول العرب في المثل :" تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" لا ينكر أحد (وخاصة أبناء الجنوب) أن الوحدة اليمنية كانت حلماً، والأفضل من الأحلام فيما وصلنا إليه عدم تحقيق الأحلام، كقول القائل: ليته ظل حلماً.
وعليه فالدراسة أو الدارس يتساءل كيف ربط الحزب الاشتراكي الثورتين؛ لأن على ضوئها سيحاسب الشعب الحزب على مثل تلك التفردات التي أجبرت الشعب في الجنوب على قيام تلك الوحدة أو على الأقل بتلك الصورة، أو لا، والتي لم يجن منها الشعب في الجنوب سوى الظلم والقهر والاحتواء، أو يرفض مثل تلك الاتفاقيات بحجة أنه لم يكن شريكاً في القرار حينها فهي ليست ملزمة له، وهذه الرؤية هي نظرة الأكثر من أبناء الجنوب.
لكنه ما يعني لنا وللموطن هنا هو أسباب فشل انفصال صيف (94) والتي بنظره البسيط لا تتعدى أسباب ما رآه ولمسه وهو ما لا يتجاوز ضعف القيادة العسكرية عند الاشتراكيين وتفوق خصومهم في العدد وهذه نظرة لا نقول إنها ليست منطقية وواقعية بل هي جزء من الحقيقة إلا أن الأبعاد التي تحمل تلك الهزيمة النكراء وذلك الفشل الذريع لفك الارتباط(كما يقولون) منها سياسية ومنها تكتيكية عسكرية واضحة -كما سيأتي-.
فعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى الجانب السياسي نجد قيادة الجنوب قد فشلت حينما أدارت الأزمة بطريقة الاشتراكي القديمة أو بعقلية الاشتراكي المنزوية المحدودة، حيث اعتمدوا سياسياً لإبراز قضية الجنوب قبل الحرب على ردت فعل الحدث ووثقوا ببعض دول الجوار التي كان لها عداوة مع النظام اليمني في حينه وجهلوا أنهم كانوا جزءاً من ذاك النظام حين احتل النظام العراقي الكويت، بل جهلوا نظامهم القديم المعادي لعقدين من الزمن لتك الأنظمة الوراثية، فكانت النتيجة انتظار قادة الجنوب لتدخل بعض دول الجوار أو مجلس الأمن في الشأن اليمني أثناء الحرب سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، ويبين ذلك ما قاله سالم صالح محمد في القاهرة بعد إعلان الانفصال حيث قال:" إننا نأمل في تحريك الوضع خلال اليومين المقبلين على صعيد مجلس الأمن الدولي وعلى صعيد الدول العربية لاتخاذ الخطوات التي يمكن القيام بها من قبل مجلس الأمن والتعجيل بالاعتراف"وهذا الأمل ما كان ليكفي دون تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض فيبقى مجرد انتظار قاتل حدده الحسم العسكري من قبل الطرف الآخر (بلا) لأي تدخل خارجي، وخاصة حين سقطت معظم مناطق الجنوب بفترة لم تتجاوز (70) يوماً.
بدايةً دعوني أتكلم قليلاً عن أسباب تفجير الحرب؛ لأنه لابد من الإشارة إلى ذلك ولو عن بعد. أولاً: أحب أن أعرف أخي القارئ أن الكل يتهم الكل بأسباب إشعال نار الحرب التي جرت في صيف (1994م) -1- الشماليون يقولون إن الجنوبيين هم بدءوا بإشعالها كما جاء على لسان الشيخ عبد الله الأحمر في مجلة المجلة جاء فيها:- س-- لماذا تصرون اليوم على استخدام القوة في فرض الوحدة وترفضون الانفصال؟ الجواب : عندما أقمنا الوحدة لم نتفق على أن يكون هناك انفصال بعد أربع سنوات .
س--لكن الانفصال لم يأت إلا عندما استخدمتم القوة ؟ الجواب : غير صحيح والصحيح أن الحزب الاشتراكي هو الذين فجر الموقف العسكري.
س--المعروف أن التحرشات العسكرية التي قادت إلى الحرب في عمران وذمار كانت من القوات الشمالية ، أليس كذلك؟ الجواب: التحرشات كانت من قوات الحزب الاشتراكي ، وكانت هناك لجنة عسكرية ، والملحقان العسكريان الأمريكي والفرنسي والإعلام وكل هؤلاء ذكروا أن تفجير الموقف كان من الجنوبيين.
2- الجنوبيون يقولون إن الشماليين هم بدءوا الحرب كما جاء على لسان قيادييهم حيث قالوا بدأت قيادة صنعاء بتطويق الألوية الجنوبية المرابطة في الشمال حسب الاتفاق الوحدوي بينها وبين قيادة الحزب الاشتراكي, ثم اعتبروا خطاب الرئيس علي عبد الله في ميدان السبعين في صباح يوم (27/إبريل/1994) بادية حقيقية لإعلان الحرب حيث جاء فيه :" فقد تحمل شعبنا اليمني العظيم الكثير منذ ما يزيد على تسعة أشهر تحمل خلالها الأزمة الطاحنة والخانقة التي استلم البعض ثمنها من ذلك المال الدنس الذي حاول البعض أن يجهض الثورة، واليوم يحاول أن يجهض الوحدة والديمقراطية ويراهن على جواد خاسر؛ ولكن مثلما انتصر شعبنا للثورة والجمهورية ومثلما صمد في جبال عيبان وظفار وردفان فإنه على استعداد مرة أخرى لأن يقف صفاً واحداً لمواجهة أعداء الوحدة والديمقراطية ودعاة الانفصال الذين استلموا ثمن الأزمة ويتحدثون عن معاناة جماهير الشعب وأحوالها المعيشية في الوقت الذي استلموا ثمن الأزمة لكي يشتروا بها الألغام والرشاشات وأدوات الموت...".
وكلامٌ كثير فيه نغمة حربية كتعبيره بمليون شهيد والتصدي لعناصر التخريب، ومهما كلف الثمن ،ويتسكعون على أبواب بعض الواصم وهكذا وفي نفس اليوم بدأت المواجهات فدمرت أهم لواءين منها ( اللواء الثالث مدرع في عمران ولواء باصهيب في ذمار) إضافة إلى اللواء الخامس مشاة خفيف في حرف سفيان وهو من الألوية التي تشردت مع علي ناصر محمد في أحداث (1986م), و حـيّـد لواءان آخران_ اللواء الخامس مظلات في أراضي خولان التي أعلنت أنه في حمايتها و جوارها على شرط امتناعه عن الخوض في الحرب و لواء المشاة المرابط في أرض أرحب التي أعلنت نفس إعلان خولان. وطُوق أيضاً لواء المدفعية الجنوبي المرابط في يريم ثم انقضت القبائل عليه في الأيام الأولى من الحرب. و بدأت الحرب الشاملة على كل الجبهات عندما هوجم لواء باصهيب مساء (4/5/1994م).
ثانياً : أجد من هنا مدخلاً للكلام لا المباشر حول تلك الحرب وما سيجنيه اليمن منها في المستقبل، إلا أنني أطلب من كل أحباب الرئيس علي عبدالله صالح رحابة الصدر إذا قلت إن فشل الانفصال لا يعني الانتصار أبداً وهو ما يعني فشل الانفصال وفشل الانتصار لأن الحرب بحد ذاتها هزيمة لليمن وأبنائه الذين ما زالوا يتجرعون ويلات تلك الحرب القاسية على أبناء الجنوب خاصة، وهي ما ستصنع الأحداث الخطيرة في المستقبل، وهناك سيتجرع الكل منها لا أبناء الجنوب وحدهم (وهذا كلام سترونه في مقبل الأيام إذا لم يعط أبناء الجنوب مكانتهم التي يستحقونها ويتأملونها) وهي النصف، النصف.
وحتى لا أشعب الموضوع وأطيل في موضع الاختصار سأدخل في جوهر الكلام وأعرض لأخي الكريم قوة الجنوب والشمال قبل التشطير ثم أدخل في أسباب فشل الانفصال الذي جرى في صيف (94) كانت دولة الجنوب(بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني) تمتلك15 لواء متنوعاً ما بين الدبابات، والمدفعية والمشاة الآلي، والمشاة ، و10 كتائب مدفعية ميدان، إضافة إلى لواء صواريخ أرض ـ أرض، بينما كانت دولة الشمال(بقيادة المؤتمر الشعبي العام) تمتلك حوالي (21 لواء) ما بين الدبابات، والمدفعية ، و كتيبتي دفاع جوي مستقلتين، والمشاة الآلي، والمشاة، وقبل توقيع اتفاقيه الوحدة بين الحزبين الحاكمين (التي ما زالت إلى اليوم محل جدل) بيومين اتفقت قيادة البلدين (الحزبين) على إجراء نقل بعض الوحدات والألوية العسكرية كلاً إلى شطر الطرف الآخر كمظهر من مظاهر الوحدة وذلك في 20 مايو كالتالي:-
نقل الطرف الجنوبي عدداً من ألوية حزام الوطن المهمة الضاربة وبدون دراسات عسكرية مسبقة لمواقعها وتوقعٍ لأسوء الاحتمالات لما قد يحيط تلك الألوية إذا ما أراد أحد الطرفين التراجع عن تلك الاتفاقية، ثم وضعها في مناطق يصعب إمدادها وتموينها ويسهل محاصرتها بسهولة ويسر؛ لأنها كلها في أماكن نفوذ القبائل المسلحة الخطرة الموالية للنظام الحاكم في صنعاء، منها لواء باصهيب في ذمار واللواء الثالث مدرع في عمران واللواء الأول مدفعيه في يريم و اللواء الخامس في حرف سفيان .
ونقل الطرف الشمالي عدداً من الألوية والوحدات القتالية المهمة والضاربة إلى مناطق الجنوب لكنه نقلها، أو كأنه نقلها وفق خطط مسبقة ومعدة سلفا لتطويق العاصمة عدن من جميع الجهات وضرب مراكز القوة مما تبقى من الوحدات والألوية الجنوبية إذا ما تراجع الاشتراكي عن اتفاقيات الوحدة وهو ما حصل، وهذا يدل عن مدى دهاء وخبث نظام الجمهورية العربية اليمنية في حينه ومدى تصورهم للمستقبل، حيث وضع (الطرف الشمالي)قوات العمالقة وهي أربعة ألوية مدرعة منتشرة في أبين واللواء الثاني مدرع في ردفان ووحدة من الحرس الجمهوري وكتائب الأمن المركزي في منطقة معاشيق في خورمكسر بالقرب من مطار عدن.
كل ذلك جرى في ظل حوار لم يتجاوز الشهرين بين الطرفين كان آخر اجتماع للطرفين في مطلع شهر إبريل عام (1990) في مدينة تعز تم فيه الاتفاق على نقل لواء العمالقة وقوامه أربعة ألوية وكتبتي شرطة عسكرية وأمن مركزي إلى أبين شرق عدن، اللواء الثاني مدرع شمال عدن واللواء الثامن صاعقة غرب عدن هذا من الجانب الشمالي، ومن الجانب الجنوبي اللواء الثالث مدرع شمال غرب صنعاء اللواء الخامس مظلات معسكر الباحة غرب صنعاء اللواء الأول مدفعية جنوب شرق صنعاء لواء باصهيب معسكر الحرس الجمهوري جنوب غرب صنعاء،اللواء 14مشاة شمال صنعاء.
إلا أنه حدث تغيير للاتفاقية أثناء اجتماع ثنائي بين البيض وصالح في عدن دون معرفة القيادة في المواقع التي ستنتقل إليها الألوية الجنوبية وهي اللواء الأول مدفعية واللواء الثالث مدرع واللواء الخامس مظلات ولواء باصهيب وهو ما سبب كارثة فيما بعد كما قال صالح سعيد زنقل رئيس اللجنة الجنوبية في الاتفاقية السابقة حيث قال :"هذا التصرف لا يحترم جهود الآخرين وسوف يؤدي إلى كارثة، وهو ما حدث بالفعل.
خطة محكمة كما قلنا سابقاً الجيش الجنوبي في أماكن نفوذ الحزب الحاكم (القبائل المسلحة) والقيادة في الشمال تحاصره بها (أي بالقبائل) وتحمي صنعاء بلواء غمدان والحرس الجمهوري الذي يزيد عدده عن خمسة وثلاثين ألفاً بعد تحول اللواء الرابع مدرع وانضمامه إليه، والأمن المركزي وعدده فوق الثمانية عشر ألفاً، ثم جُعل الحرس الجمهوري تحت تصرف رئيس الدولة دون أن تتساءل قيادات الجنوب لماذا؟ لأنه غلب عليها التبعية الضعيفة لنزوات البيض التي جعلت عدن بلا حراسه سوى القيادات نفسها التي وقعت على الوحدة أو تبعت البيض على ذلك، فلما وقعت الحرب كان من الطبيعي والمنطقي أن يخسر فيها الطرف الجنوبي كلّ شيء أن يخسر فيها السيادة أن يخسر فيها الأرض أن يخسر فيها الحزب أن يخسر فيها الشراكة، أن يخسر فيه الشعب.
زد على ذلك عدم معرفة الاشتراكيين لقدرة جيشهم في الحروب الكلاسيكية وغير الكلاسيكية من ناحية التكتيكات والتدريبات الحقيقية على أرض الواقع والذي كان سبباً جوهرياً للفشل في فترة لم تتجاوز (70يوما) وأعني أنهم لم يدخلوا حروباً حقيقية غير الانقلابات التي كانت تحدث كل فترة زمنية بين القيادات الاشتراكية والاشتراكية نفسها وهي لا تعد حروباً كلاسيكية أو حروب عصابات بل حروباً همجية سرعان ما تحدد هزيمة الطرف الخاسر كما حدث في (13/يناير /1986م) وهو ما جعلهم يتصرفون بدون حذر فاختاروا الزمان والمكان غير المناسب، وهو ما سيرسم لك الصورة الواضحة لقيام الوحدة ويرسم لك التساؤل حول قيامها هل قامت على دراسة وإستراتيجية تخدم أبناء وطنهم(الجنوب) أم قامت على أيدلوجية قومية أو حزبية كان لابد منها وهو ما حصل بالفعل.
الحلقة الثانية
قد يقول القائل: إن جيش الجنوب اليمني قبل الوحدة كان من أفضل الجيوش العربية من ناحية التدريب والتنظيم والتسليح! وهذا لا خلاف فيه غير أن الكثير
لا يدرك محدودية الجيش الجنوبي والتي لا تتعدى الخمسين ألف جنديا ولا يدرك جهل القيادة في الجنوب والتي شتته بعد الوحدة في الشمال ولا يدرك حجم الإهمال الذي جرى له أثناء تغيير المواقع حيث تم إسكانهم في مساكن مستأجرة أو مساكن جماعية أضعفت من معنويات الكثير منهم بسبب إهمال القيادة وانشغالها. زد على ذلك تصرفات وزير الدفاع هيثم قاسم الهمجية وغير المدروسة بممتلكات الجيش حيث باع أو أعطى أقاربه أو قربهم أو تقرب لبعض العناصر أو الشخصيات الاجتماعية في الشمال، بتلك الذخائر والآليات من مخازن تلك المعسكرات الجنوبية المحاصرة في الشمال كل ذلك جرى بصورة مكافئة أو انتهاء العمر الافتراضي لها أو كسب ودّ شيخ قبيلة.
وحتى لا أبتعد كثيراً سأتحدث عن شخص وزير الدفاع هيثم قاسم الرجل الأسطورة عند الجنوبيين سابقاً باختصار فعندما نتحدث عنه -وهذا الكلام كان- فكأننا سنتحدث عن قاعدة العند المشهورة أو العنيدة كما يقول العوام! وهيثم قاسم أو حقيقة شخصية هيثم عند الباحثين أو الخبراء في المجال العسكري شخصية لا تمتلك خبرات عسكرية كثيرة أبداً ، فهو من الناحية العسكرية كأي وزير دفاع جنوبي أدخله القدر إلى ساحة ليست ساحته أو مكان ليس مكانه فمرحلة وزارة الدفاع مرحلة كان سينتقل بعدها إلى الرئاسة مثلاً فمحمد قحطان الشعبي أصبح أول رئيس للجمهورية وقائداً أعلى للجيش وعلي ناصر محمد كان وزيراً للدفاع عام1969 (الجنوب)، وعبد الفتاح إسماعيل كان في عام 1964المسئول العسكري والسياسي عن نشاطات الجبهة القومية في عدن وعلي سالم البيض تولى منصب وزير الدفاع في أول حكومة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد الاستقلال وذلك حتى عام (1969). وهنا سيتبين لك مدى كارثة البيض وعدم تقديره لقيادته العسكرية البسيطة،وكيف سقطت معظم الأراضي أو الجبهات العسكرية لتلك القيادة المتسرعة، التي حصرت نفسها أو محيطها بظروف سياسية خارجية وداخلية ليست في صالحها 100% ثم حصرت جيوشها قليلة العدد في أمكان غير مدروسة وخطرة ولم تترك لنفسها حماية - في أماكن نفوذها في الجنوب عدن كما فعل الرئيس في صنعاء- في حالة حدوث ما حدث في صيف (94) بل ستجد -وهو من الغريب- أن تموين تلك المعسكرات أو ألئك المقاتلين أثناء الحرب -لا فقط في تلك المعسكرات المحصورة في الشمال بل ما تبقى منها في الجنوب- غير كافي بل شبه معدوم فانكشفت تلك القوات وأصبحت مقارنة مع القوات الشمالية الأضعف.
ثم إذا قارنت أو قورن حقيقة جيش الجنوب بجيش الشمال - سابقاً- فالفارق ليس كبيراً من ناحية التدريب والأداء وخاصة أنه قد أهمل ذاك الجيش(جيش الجنوب) بعد قيام الوحدة إهمالاً كلياً كما تقدم وترفعت قيادته عنه وعن عناصره الفاعلة وأغلقت أبوابها دونه وجعلت من بينها وبينهم حجاباً يوم مزقته وأبعدته عن مكان معرفته بالأرض وأرهقته بهموم الحياة. بخلاف جيش الشمال الذي يمتاز بتأقلمه مع الطبيعة الجغرافية وكأنه عامل بناء دور وهو ما حدث حيث عملت تلك الجيوش في أماكن تواجدها في أبين وغيرها في إصلاح الطرقات وكسب ثقة الناس هناك، ثم كثافته صنعت منه القدرة على التغلب ثم هو لم يوضع بجانب قبائل موالية للنظام مثلاً أو قبائل مسلحة خطرة تشكل عليه خطراً، فالقيادات في الجنوب قبل الوحدة قد قضت على ذاك الجانب (أعني الجانب ا(ٍلقبلي أو التسلح القبلي).
وكان من الأخطاء الكبيرة والأسباب القاتلة لفشل الانفصال بدء تفجير الحرب أو وقوعها على الأقل بتلك الصورة وذاك الزمن سواء من قبل الاشتراكيين -هذا إذا كانوا سبباً فيه- أو جُعِلوا كذلك أو حتى حدوث تلك الحرب أصلاً؛لأن الشعب في وقته ما زال يتغنى بالوحدة، ثم إرسال صواريخ سكود على مدينة صنعاء؛ لأنه زاد من تعاطف وحنق وثورة الشارع وتكاتف القبائل والإسلاميين الشماليين مع النظام في الشمال أضْعاف ما كان سيحصل عليه النظام في وقت آخر.
وهنا يتساءل شعب الجنوب كافة ويسأل البيض لماذا؟ وهل أحاطتك الخيانة أم غلبت عليك ....؟
ثم أجيب أنا عنه بكل بساطة وأقول بل انعدام الخبرة وحسن القيادة والحيطة وشخصيته الارتجالية المتسرعة ،إلا أنه قد يقول الاشتراكيون عنه أو عن أنفسهم نحن أخذنا كل تلك المعسكرات وحشرناها هناك بحسن نية وهنا نقف ونتأمل الاشتراكي الذي صال وجال لعقدين من الزمن في الجنوب يستدرجه صالح للوحدة بحسن نية ويتنازل عن كل شيء بحسن نية ويدخل الحرب بحسن نية ويمزق جيشه بحسن نية ثم تختفي قادته خارج الوطن لأكثر من أربعة عشر عاماً دون أن نراها على محطة فضائية تتكلم وتشرح الحكاية أو ما جرى في تلك الأيام ثم يعتذرون للشعب صراحة عن أخطائهم وسوء قيادتهم على الأقل في الأزمة(حرب 94)! لكن لعلهم يريدون من ذلك حسن النية؛ أو لعلهم ينتظرون عفو الرئيس مع بعض المناصب كم حدث مع البعض، أو كأنهم باعوا مسبقاً أم إنهم لا يستطيعون الكلام والتخطيط والعرض كالسياسيين والقادة؟!.
على كلّ حرب قاسية ومؤلمة لكل الشعب اليمني لكنها كانت مؤلمة وقاسية على أبناء الجنوب أكثر فهي ليست صفعة للاشتراكيين وحسب بل لكل الجنوبيين حينما فقدوا الشراكة الحقيقية وحقوق المساواة بعد حرب صيف (1994م) إلا أنه إذا ما درسنا الأسباب لا على سبيل الحصر وهي كثيرة جداً -منها ما تقدم- نجد أن أسباب الفشل قد تجاوزت تلك النظرة القاصرة عند المواطن البسيط وعند الدارس المنتمي أو المتعصب غير أنه كان من أسباب فشل الانفصال ما يحلله ويشعر به المواطن البسيط في كل اليمن شمالاً وجنوباً.
ألمٌ وألمٌ وفشلٌ كان سببه القرارات الارتجالية من جانب قيادات الجنوب يقول الكثير من أبناء الجنوب لنا الحق أن نقول كان على البيض وقيادات الاشتراكي أن تتساءل لماذا لواء العمالقة الشمالي الذي يحمل عدة ألوية رئيسة في لوائه في أبين القريبة من عدن الفاصلة بين المحافظات الشرقية والغربية؟ كان عليه أن يدرس هو ومن معه كل الخيارات بعقلية السياسي الحذر لكنه أخطأ ثم حلل الخطأ بخطيئةٍ أخرى هي اعتكافه في عدن ثم زاد من تعنتاته المحرجة التي أوصلته إلى (وثيقة العهد والاتفاق) التي احتفل بها هو ومن معه في عمان بشكل باهت كل ذلك يدل على عدم الحنكة السياسية إضافة إلى كل ذلك انعدام التخطيط السياسي والعسكري والتكتيك عند القيادة الجنوبية في الأزمات.
نعم على سالم البيض كان يوماً من الأيام وزيراً للدفاع لكن لا يملك أي خبرة عسكرية على الإطلاق وله فلتات تدل على همجيته وتفرده في القرار فيوم عين وزيراً للدفاع -على سبيل المثال- اتخذ قراراً بطرد الخبراء البريطانيين من القاعدة الجوية في مدينة خور مكسر بعدن دون علم القيادة التي فاجأها القرار عند سماعها البيض يتلوه من إذاعة عدن، ويذكر الشيخ سنان أبو لحوم في مقابلة مع صحيفة الثوري وساطة قام بها بين البيض وصالح حول الوحدة عام (1989م) حيث أخبره البيض ساعتها" بأنه يود تحقيق الوحدة قبل أن يشاع عن وجود النفط المكتشف في محافظة حضرموت وبكميات كبيرة ، فإنه إذا عرفت الجماهير بذلك قد يصبح الأمر من الصعب تحقيقها".
ثم المدقق النظر في إقدامه على وضع أهم الألوية العسكرية الثالث مدرع بعمران ولواء باصهيب في ذمار وهي أماكن القبائل المسلحة والخطرة ونفوذ النظام في الشمال دون أن يدرس حركة الإمدادات بل دون أن يدرس لماذا هناك وليس في تعز أو على الحدود الخارجية (وهو ما طالب به البيض فيما بعد فلم يحصل عليه أي سحب القوات من المدن) يدل على كارثية التخطيط وسوء إدارة البلاد والأزمة عند البيض وبعض الاشتراكيين الذين عودونا على الارتجالية في القرارات المصيرية(وأنا أعني فقط بعض الاشتراكيين) بل زد على ذلك كونه يخفي حقيقة وجود النفط عن الشعب الذي حكمه ووثق به وهي خيانة في أي منظور، إلا أن ما يعني لنا هنا هو دراسة فشل الانفصال وحسب.
وعلى ضوء ما سبق يتبن، أنه كان من المفروض والواجب منطقياً بل وعسكرياً وسياسياً أن يدرس البيض وضع الجيش مع القيادة العسكرية أولاً -وهو أقل القليل- وهو ما لم يحصل البتة ولو حصل فكان من المنطق أن يبقي القليل في تلك المعسكرات -قبل أن يعتكف في عدن ويبدي لقيادة الشمال تبرمه من الوحدة بعد وقوعها- ثم يسحب بقية الجيش إلى أماكن تواجده (الجنوب) ثم يسد تلك المساحات بالجيوش الشعبية بقدر الإمكان وبأقل عدد، وهذا يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن وهي ضرورة لابد منها، وقد تكون صعبة لكنها ليست مستحيلة حتى يستطيع التحرك بمساحة أكثر وحدود أوسع، بل تقول الدراسة كان بإمكانه أن يجند أولاً من الشعب من يسد تلك الأماكن كواجهة لتلك المعسكرات ومن يحمي عدن ثانياً إذا لزم الأمر، ثم يسحب الجيش الرسمي من تلك المعسكرات إلى أماكن نفوذه لحماية الأرض التي سقطت بلمح البصر أمام المد القادم من الشمال.
وقبل ذلك كله وهو مهم لا بد من اختيار المكان والخطاب المناسب لإدارة الأزمة وهو ما لم يحصل من القيادات الجنوبية حيث رأينا عدم اختيار الخطاب المناسب لتلك الحرب من جانب الاشتراكيين كلهم فكان سبباً رئيسا في فشل الانفصال في صيف (94) ونعني أنه كان لابد من تغيير الخطاب من الكلام حول الانفصال وفك الشراكة إلى الكلام حول تغيير النظام القائم في وقته لأسباب تخص كل أبناء الشعب مع تبييت نية الانفصال إذا أرادوا نجاح فك الشراكة،وهناك كان عليهم أن يظلوا سياسيين في صنعاء تابعين للجمهورية اليمنية بالمعنى المختصر كان عليهم أن يقودوا حربهم من صنعاء لا من عدن، عندها سيجد الاشتراكيون أنفسهم أمام خيار الهجوم لا الدفاع كما حدث بالأمس وسيورث ذلك عند الطرف الآخر انقساماً بينه وبين القيادة السياسية وبينه وبين الجماهير الشعبية التي خرجت تسانده حتى بإرسال الخبزالى ساحة المعركة.
وهذا وذاك لن يمنع الاستعداد من جانب الاشتراكيين لتلك الحرب استعداداً كاملاً لأسباب قد نستطرد منها الكثير أثناء هذه الدراسة المختصرة وهو ما خسر به الاشتراكيون المعركة على الصعيد العسكري والسياسي حيث ألجأتهم سياساتهم في غير وقتها إلى اعتمادهم اعتماداً كلياً على التدخل الخارجي وهو ما لم يحصل سوى ما دعت إليه الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمحافل الدولية، كقراري مجلس الأمن رقم (924-931) بوقف العمليات العسكرية، واتفاقية موسكو بين الطرفين بتاريخ 30/ يونيو (1994م) والتي تنص على وقف العمليات العسكرية - وهو ما لم يلتزم به الطرف الآخر، ولم تتوقعه القيادة في الجنوب فكان من أسباب صنع الفشل المبكر فدلّ ذلك على عجز المهارة والتكتيك العسكري وعجز الإدارة السياسة للقيادة العسكرية أثناء الحرب في الجنوب وقد ظهر ذلك العجز وعدم التخطيط فيما بعد وأثناء الحرب يوم وجدوا أهم المعسكرات محصورة في مناطق القبائل الموالية للنظام الحاكم في الشمال، والحدود مفتوحة أمام المد البشري المتدفق إلى أماكن تواجدهم ونفوذهم،وهم ينتظرون رحمة التدخل الخارجي.
هذا لأن الحرب على الجبهة الأخرى الدبلوماسية كانت لا تجري بصالح قيادة الجنوب للأسباب المتقدمة كسقوط بعض الجبهات العسكرية الجنوبية ومحاصرة بعض الجبهات الأخرى وتقدم القوات الشمالية تجاه الجنوب بسرعة غير معقولة إلا أنه وإن شكلت تلك التحركات بعض الضغوط على الطرف الآخر (نظام صنعاء) فإنها لم تسجل للجنوبيين حماية وغطاء أبداً؛ لأن دعوة مجلس الأمن بقرار رقم(924) لوقف فوري للعمليات العسكرية والعودة إلى طاولة الحوار لحل الخلافات بالطرق السلمية والذي نص على إرسال بعثة لتقصي الحقائق لم ينص على عدوانية الطرف المتقدم بالحرب وإلزامه بالقوة وهو ما أتاح له زيادة الضغط العسكري على كل الجبهات ثم إسقاط العاصمة عدن.
ومع ذلك فإن الدراسة لا تنظر إلى هذه الأسباب، كأسباب فشلٍ محصور فيها بل تجد أن الوضع أعني وضع الحرب في صيف (94) لم يتدارك في مهده قبل الحرب، ثم وقعت الحرب وكان بالإمكان أثناء الحرب الرجوع إلى طاولة الحوار، لكن كلا القيادتين في الشمال والجنوب قد خططا تخطيطاً أوصل إلى نتائج عكسية (أعني الحرب) فالبيض فشل في الحرب التي خطط لها وصالح سيفشل في الحرب التي رأى أنه انتصر فيها والأيام كفيلة بإظهار الحقائق أمام الشعب كل الشعب في الجنوب والشمال.
لكنه وقبل الوصول إلى الفصل الأخير سندرس سوء التخطيط وإدارة الأزمة بعقلية القيادة الفاشلة وقبل ذلك نوضح أو نعرف ما هي القيادة الناجحة والقيادة الفاشلة (القيادة الناجحة هي التي تهتم بالتخطيط ورسم الأهداف المستقبلية والقيادة الفاشلة هي التي تتدارك أخطاءها بعد الفشل) أو بمعنى آخر (القيادة الناجحة هي التي ترى أخطاءها قبل والقيادة الفاشلة هي التي ترى أخطاءها بعد) وهو ما حصل مع قيادة الجنوب عند التخطيط للوحدة الاندماجية الفاشلة فقيادة الجنوب استدركت كل شيء بعد، وعند الحرب علمت فشلها بعد وهو ما يعني لنا دراسته.
أخي القارئ ولقد كان لذلك الذوبان بين اليمن الجنوبية والفكر الماركسي مشكلة أخرى ظهرت عند إعلان الانفصال حيث وجدنا أن هدم روح القبيلة والجماعة بإدخال المدنية بتلك الصورة أو بكسر القبيلة بتلك الصورة من قبل الجناح الماركسي ثم دمج الجنوب بالشمال القبلية ثم إعلان الانفصال دون دراسة لكل تلك الظروف الاجتماعية كارثة ودخولاً في مجهولٍ لم يدرس دراسة حقيقية إذ كيف تعتمد أثناء الكر والفر على شعبٍ قتلت فيه روح الشجاعة والإقدام على مدار عقدين من الزمن ، بل وتطالبه بالوقوف معك وبصفك في حربٍ تكاتفت فيها من قبل الطرف الآخر الجهود وتهيأت له فيها الظروف الاجتماعية والدولية والعسكرية؟!.
ومع ذلك نقول إن كل ذلك تهيأ مع مرور الأيام وصنعته الأزمنة المديدة التي قاد فيها الاشتراكي الجنوب فحدثت أخطاء أثناء القيادة منذ إن استلم زمام السلطة وجرد الشعب من حرية الاختيار وجرد معارضيه من حرية الاستقلال فأصبح قياديوه ذات نزعة ارتجالية هامشية جلبت للشعب الدمار، ودون إستراتيجية مدروسة، جلبت للسلطة اتخاذ القرار الهش، ولقد أحدث اعتماد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على الاتحاد السوفيتي عقبة في تهيئة النظام الماركسي في الجنوب نحو الفشل الذي صار في صيف (1994) حيث لوحظ أن الجناح الماركسي المنتصر في (13/يناير1986) وبعد تلك الحرب الدامية هرول فاتخذ قرارات ارتجالية منها قرار الوحدة الاندماجية بتلك الصورة الفاشلة والذي قد يراه البعض أمراً حتمياً؛ لأن اعتماده (الاشتراكي) على الاتحاد السوفيتي كان اعتمادا كلياً وبعد سقوطه بخيار البيروسترويكا والذي يعني إعادة البناء هرب الاشتراكيون اليمنيون إلى خيار الوحدة هروباً من الوضع الراهن وهو من الناحية المنطقية قريب إلى الحقيقة لأنه أصّل لوفاة ما تبقى من الدعم الروسي لجنوب اليمن وهو الأمر الذي لم يتداركه الاشتراكيون عند إعلان الانفصال أو التهيئة لتلك المرحلة الجديدة، مع تداركهم له عند التوحيد سابقاً.
إلا أنه قد يقول القائل كان بإمكان الاشتراكي اللجوء إلى الخيار الآخر وهو ربط نفسه بمنظومة الخيار الاقتصادي لدول الخليج مثلاً أو بإقامة مشاريع استثمارية جديدة تنعش الاقتصاد الوطني وتخرج البلاد من مأزقه الاقتصادي، وهو صحيح إلا أن ذلك كان يتطلب تغيير الخيار الاستراتجي للحزب نفسه من الاشتراكية إلى (...) حتى يتناسب مع المرحلة ويكون مقبولاً للطرف الآخر المُتعامل معه وهو ما لم يوافق عليه الحزب وفضل الدخول في الوحدة بصورة جريئة وخطيرة؛ لأن الحزب ظن أنه سيغير من طبيعة الشعب القبلي في الشمال كما أوهمته العناصر الاشتراكية في الشمال، ثم زاد على ذلك بأن اختار الخيار الديمقراطي والتعددية الحزبية -كما سيأتي-.
وحتى مع مرور الأيام واكتشاف قيادة الاشتراكي لذلك سنجد أنهم تمسكوا بخيار الاشتراكية، أثناء الحرب وبعد الحرب إلى يومنا هذا فهم لم يعوا أن الحزب الاشتراكي لم يعد يمثل الطبقات الاشتراكية الجنوبية وحسب بل هو جزء من التعددية الحزبية التي يحافظ عليها النظام الحاكم اليوم وجزء من انقسام قديم أثناء حرب الانفصال كان سبباً في إضعاف الدعوة إليه وفشله، بل وعقبة في ظل أهداف جديدة يريدونها هم ويريدها الكثير من أبناء الشعب الذي يحمل أطيافاً لا تنتمي للحزب أصلاً، وتتمنى أن يشملها حزب جديدٌ لا ترى فيه الماضي الذي حمل الفشل والهزيمة.
الحلقة الثالثة
لقد تكلمنا سابقا حول العقبة الجديدة وهي سقوط المعسكر الشيوعي الروسي والذي حسبه الاشتراكيون في جنوب اليمن نهاية العالم، وتكلمنا أن الشعب في الجنوب يلوم الاشتراكي على بعض الخيارات ويعاتبه على بعض القرارات ومنها (قرار الوحدة وقرار الانفصال)وهنا نضرب مثالاً يؤكد خطأ الاشتراكي من الخوف من سقوط المعسكر الشيوعي، فكوبا الشيوعية مثلا لم تهرول بعد سقوط الاتحاد السوفيتي إلى أحضان أمريكا الغريم التقليدي أبداً بل استمرت تدرس خياراتها بما يناسب شعبها، بينما هرول قادة الجنوب اليمني إلى خيار الوحدة لاعتباره خياراً استراتيجياً وبمنظور الكثير من الدارسين ليس كذلك؛ لأنه عندهم أن قادة الاشتراكي ظنوا أن سقوط الحزب الشيوعي الروسي سقوطاً لليمن الاشتراكية، وهو ما لم يظنه قادة الحزب الشيوعي في كوبا بقيادة فيدل كاسترو في كون سقوط الاتحاد السوفيتي يعني سقوطاً لكوبا الشيوعية.
وهذا يبقى دراسة لا تتعدى الحقيقة إلا أنه لو لجأ قادة الاشتراكي بعد سقوط المعسكر الروسي هروباً إلى خيار الكنفدرالية أو الفدرالية بنظر الشعب عند تحيق الوحدة لكان أفضل بكثير من الهروب إلى الاندماجية، وهذا ليس قانوناً نهائيا في الحكم على الطريق الصحيح الذي كان من الواجب اتخاذه من قبل الاشتراكيين في جنوب اليمن عند تحيق الوحدة الاندماجية الفاشلة بنظر الدارسين والشعب بل وبنظر الاشتراكيين الذين أسسوا تلك الوحدة لكنه الطريق الأفضل والأصلح للجنوبيين والشماليين وهذا ما سنراه في المستقبل. دراسة قد لا تعني للبعض شيئاً وللطرف الآخر دراسة لا بد منها؛ لأن المدقق النظر في تلك الحقبة أو المرحلة الفاصلة قد يتساءل هل كان بإمكان الاشتراكيين تجاوز مثل تلك العقبات أثناء الحرب؟ الجواب أن مما لا شك فيه أن تلك المرحلة كانت كارثة بتلك العقلية وبذاك التخطيط إلا أنه إذا تعامل معها الاشتراكيون في حينه بما يناسب حال الزمان والمكان وبشكل آخر لربما كان الوضع مختلفاً الآن، إلا أن ما حصل قد صار وما علينا إلا أن نستفيد من الماضي فقط؛ لأن الاشتراكيين قد اختاروا لإعلان الانفصال الزمن الخطأ والمكان الخطأ فجنوا على أنفسهم حتمية الفشل ولعدوهم النصر لا ريب.
قد يقول البعض إن الحزب الاشتراكي مهد للانفصال بقرار سري بعد عام (91) بضرب طوق أمني على المحافظات الجنوبية الست وهذا صنع الزمن المناسب للانفصال. الجواب هذا غير صحيح؛لأننا لم نر ذلك، ولأنه كان على الحزب أن يستمر في تحريك المظاهرات الجماهيرية من صنعاء ومن بداية التخطيط إذا فعل ذلك، والتي جاءت بعد إبريل 1993م لمحاربة الفساد وغلاء المعيشة وتمسك الرئيس علي عبد الله ببطانة سيئة تعمل على تبديد المال العام ونشر الفوضى وعدم احترام النظام والقانون وهذا هو الطريق الوحيد إذا أراد الاشتراكيون -في حينه- فيما بعد فك الارتباط بينهم وبين المؤتمر والتنصل من الوحدة في وقته وحينه. وهو ما يجعلنا نؤكد استعجال الاشتراكي بقراره إعلان الانفصال، الذي أعطى لنظام صالح الحق بالتمسك بالشرعية التي صنعوها له هم في عام تسعين وقرار الانفصال كان من الواجب إعلانه بعد عام (2000م) إذا أراد قادة الاشتراكي الخيار المناسب، حتى نعطي الوحدة الفرصة بالنجاح أو الفشل وهو الحتمية الأكيدة إذا لم يستعجل الاشتراكيون بإعلان الانفصال في (21/مايو 1994)، (أثناء الحرب)؛ لأن الشعب في ساعتها يكون قد علم ما علمه اليوم سواء في الشمال أو في الجنوب، زد على ذلك أن أبناء الشمال سيكون خيارهم (80% ) على الأقل بنعم للانفصال؛ لأنهم سيكونون في حالة إرهاق من بقاء الوحدة على ما هي عليه وستكون قيادة الجنوب قد درست طبيعة المجتمع القبلي جيداً ودرست طبيعة السياسة للرئيس علي عبد الله ودرست دور الإسلاميين الذين كان لهم نصيب الأسد في هزيمة الاشتراكيين في حرب الانفصال. وأنا هنا لا أعتدي على الحزب الاشتراكي؛ لأنه قد يكون خارج الحسبان، وقرارات الحرب بتلك الصورة قد تكون ليست محسوبة عليه جملة بل على البيض وبعض قيادات الحزب فقط، كما حدث في كثير من القرارات ومنها قرار تعجيل إعلان الوحدة :" فعند التوقيع على اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتحديد الفترة الانتقالية في (22أبريل 1990م) في صنعاء وتحديد (26مايو1990م) كيوم لإعلان قيام الدولة الموحدة، كان القليل من قيادات الحزب والدولة يعرف خفايا ما يجري فمعظمها تفاجأ بتقديم موعد إعلان الدولة من (26-22-مايو) فالاتفاقيات كانت تجري بين كل من علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، فالقرار المهم بشأن الوحدة أتخذ كما هو معروف بين الاثنين في النفق الأرضي الذي يربط الساحل الذهبي بمدينة الروضة(القلوعة). وعند رفع العلم لدولة الوحدة في صباح يوم (22مايو1990م) على مبنى القصر المدور في مدينة التواهي كانت الغالبية العظمى من القيادات تجهل مصيرها الجديد في ظل دولة الوحدة ولا تعرف إلى أين تتجه فأجبرت القيادات التي كانت متحفظة على أسلوب تحقيق الوحدة على مجارات المتحمسين للوحدة...".(عدن تدفع الثمن).
ثم اعتكاف علي سالم البيض - ولا نعلم هل كان مثل ذاك الاعتكاف مدروساً من قبل الحزب أم إن علي سالم البيض قد تفرد به كعادته في اتخاذ القرارات الارتجالية- أعطى حذراً كبيراً ووقتاً كافياً للقيادة في الشمال بل وفرصة جعلت من الوقت يجري بصالحهم دون أن يشعر الاشتراكيون بذلك؛ -سواء على المستوى العسكري أو السياسي-؛ لأنهم أو كأنهم لم يتوقعوا إصرار الرئيس علي عبدالله بمهاجمتهم في كل مكان على المستوى السياسي والاجتماعي والعسكري بل ظنوا أنه مع مرور الوقت سيستسلم الشماليون للأمر الواقع، والضغوط الخارجية وسيكتفون بالصدمة الأولى عند تفجير الأوضاع بسحب ألويتهم إلى الحدود القديمة وهذا ببساطة سذاجة انقشعت عند مرور الوقت بسقوط المناطق الجنوبية منطقة، منطقة وهروب الاشتراكيين بشكل مخيف وفاضح ويدل على حقيقة هذا التحليل أن الاشتراكيين لم يجهزوا للخيار الآخر وهو خيار المقاومة(حروب العصابات) الذي إذا حصل كان سيفاجئ الكل وسينتصر لا محالة مع مرور الوقت.
وحدة يمنية بين حزبين لا بين شعبين
كما ترى كان من الواضح أن قادة الحزب الاشتراكي هم الطرف الأضعف تكتيكيا من كل النواحي فهم لم يدرسوا الوضع الاجتماعي جيداً لم يدرسوا حجم الكثافة السكانية في الشمال وتأثيرها على قرار إعلان الانفصال؛ لأن عدمية تلك الدراسة مع تدارك تلك المشكلة بعد الوحدة وخاصة عند ذوبان الجنوب في تلك الكثافة السكانية التي تحركت عند إعلان الانفصال -بتلك الصورة وتلك الأخطاء- (بدء إعلان الحرب وإرسال صواريخ سكود على مدينة صنعاء) مع النظام في الشمال مساندة له معنوياً بل ومادياً فكانت مشكلة شكلت جيشاً قوياً وسنداً رئيساً مع النظام الحاكم في الشمال في حربه ضد الانفصاليين، مشكلة لم يعمل لها قادة الاشتراكي حسابا. بل يجزم من يطلع على تلك الأحداث أو يدرس تلك الحرب أن قيادة الاشتراكي عند إعلان الانفصال لم تدرس كذلك الوضع الإقليمي المحيط بها جيداً بل نظروا إليه نظرة سطحية وغير عميقة، حيث اعتمدوا على دعم بعض دول الجوار الخليجية لسبب وقوف الرئيس علي عبد الله مع نظام بغداد وهذا من الأخطاء الكبيرة لقادة الحزب الاشتراكي-كما تقدم- لأن كل دول الخليج وإن كان بينها وبين نظام الرئيس علي عبد الله فجوة بسبب تأييده للعراق إثر احتلال الآخر دولة الكويت الشقيقة لا تتفق اتفاقاً كليا مع تاريخ الحزب الاشتراكي اليمني منذ نشأته وهنا يأتي السؤال من الأفضل لمجلس التعاون الخليجي (وخاصة عمان التي لها حدود مع الجنوب أو السعودية التي لها حدود مع الجنوب والشمال) نظام صالح أم نظام البيض بقاء الوحدة أم دولتين سياديتين برئيسين وعاصمتين؟.
بل كان على الاشتراكيين دراسة توجهات الرئيس صالح وزيارته وتحركاته كلها من بداية الوحدة وأخذها بعين الاعتبار كزيارته إلى واشنطن في (يناير 1990) مثلاً؛ لأنها زيارة قد تحتمل مدلولات كالحد من النفوذ الشيوعي على وجه الحقيقة أو كونها زيارة عادية كما جاءت والمقصود منها رفع المستوى الاقتصادي للبلاد، بل كان عليهم دراسة طبيعة الرجل ومرونته لأنه رجل لا يستهان به بل هو على وجه الحقيقة ثعبان تغلّب على خصومه وجمع تحت عباءته السلال والقاضي الأرياني وقضى على المتمردين والمعارضين واحتوى المشكلات القبلية وحجمها بالتعامل معها بطريقته المعهودة وأسلوبه المرن وهو ما لم يعمل له الاشتراكيون اعتبارا يوم أقاموا الوحدة بتلك الصورة ويوم أرادوا التنصل منها بتلك اللحظة. ثم كان عليهم دراسة ظهور أحزاب جديدة وصحف متعددة تتكلم باسم تلك الأحزاب والتي كان كلها من المناطق الشمالية والتي شكلت أمام الرأي العام عقبة بوجه الطرف المطالب بالانفصال حيث تكلمت كل تلك الأحزاب والصحف والمجلات مع وضد الانفصال وهو الشيء الذي غاب عن نظر الاشتراكيين ولم يعملوا له حساباً وقيمة بل وجود الكثير من الاشتراكيين من أبناء الشمال في الحزب ثم التخلي عن خيار الحزب(الحرب) الحرب) وشق صف الحزب عند إعلان الانفصال، بل وأثناء الحرب كان عقبة أمام الرأي العام داخل الوطن وخارجه ولقد نسي أو تناسى الاشتراكيون أن إعلان الانفصال بتلك اللحظة الحرجة، باسم الحزب كان كارثة على الحزب وعلى أهمية الدعوة للانفصال وخاصة مع عدم تسامحهم مع وطنهم ونسيان الماضي قبل إعلان الانفصال إذ أن بعض قادة الانفصال الموتورين من أبناء الجنوب وقفوا بجانب النظام الحاكم في الشمال وهم جلّ من هرب مع علي ناصر محمد إضافة إلى اشتركيي الشمال كما تقدم وهو ما زاد من ضعف الدعوة أمام الرأي العام وحجّم أو منع التدخل الدولي أو الإقليمي بشكل مباشر في تلك الأحداث. ولسبب ذاك التعنت وعدم التسامح بين الجنوبيين والجنوبيين أولاً، حدثت مشكلات استغلها النظام الحاكم في الشمال أثناء الحرب أو لعل تأخر التسامح بين الجنوبيين صنع الفشل أو كان جزءاً منه وكان من المفروض أن تتسامح القيادة مع الشعب قبل إعلان الوحدة كالقيادة مع القيادة والقيادة مع السلاطين وأتباعهم والقيادة مع الإسلاميين أو بتغيير فكرة الحزب من حزب يدعو إلى مبدأ الاشتراكية إلى حزب يحمل كل أطياف الجنوب ويقبله الكل (الإسلاميون أو المشايخ أو السلاطين أو الاشتراكيون) بل ويكون مقبولاً إقليمياً ودولياً، إلا أن الاشتراكيين اعتمدوا على تغيير طبيعة الشمال المختلفة أكثر من اعتمادهم على المصالحة الشاملة مع أفراد شعبهم بطبقاته، وهذا ببساطة نوع من الطموح الخاطئ، وكان عليهم أولاً إحداث المصالحة التي تسد على النظام في الشمال الطريق إذا ما أراد الاشتراكيون فك الارتباط كما حدث في صيف (94). وأعني مصالحة شاملة تجمع كل الجنوب ومنهم الذين تضرروا عند استلام الجبهة القومية زمام الأمور في الجنوب والتي تحولت فيما بعد إلى الحزب الاشتراكي،ومنهم كل الشعب في الجنوب وكذلك الرئيس السابق علي ناصر محمد والذي قادر صنعاء إلى سوريا برغبة اشتراكية هو وبعض العناصر الموالية له (مقابل تخلي الاشتراكي عن عناصر الجبة الوطنية في الشمال وتجميد فروع الحزب هناك) قبل قرارات واتفاقيات إعلان الوحدة في (26/ مايو) والتي أعلنت فيما بعد بتاريخ (22/مايو 1990م)، قد يقول القائل: إن الحزب فعل تلك المصالحة، الجواب: كل هذا لم يتداركه الاشتراكيون إلا عند إعلان الانفصال حيث جمعوا حولهم بعض أتباع السلاطين والمشايخ، فكانت نقطة تحول لم يعد لها معنى؛ لأنها تأخرت عن وقتها ومكانها وهو قبل قيام الوحدة بأعوام يعني أقله بعد حرب (13يناير 1986).
زد على ذلك أن الاشتراكي ترك ذلك لنتائج إعلان 30نوفمنبر (1989)لبداية أعمال لجان الوحدة والتي فرضت على الحزب الاشتراكي اليمني إصلاح صراعات الماضي، ومنها إعادة الاعتبار للشخصيات المناضلة في فترة الكفاح المسلح وهذا يشمل سالم ربيع علي ومناصريه وعلي ناصر محمد ومناصريه، وهنا نقف وندرس ونحلل هذا الخطأ الفاحش الذي وقعت فيه قيادة الاشتراكي، حيث سنجد أن التسامح لم يشمل كل الجنوبيين بل مجموعة ممن انتموا للحزب الاشتراكي سابقا، وهو ما ترك فجوة في أوساط الجنوبيين وأعطى لنظام صالح استغلال الكثير ممن ينتمون لغير الاشتراكي بالأصل، وهم من أبناء الجنوب ومنهم الإسلاميون المتشددون وبعض مشايخ القبائل وبعض الشعب بل استغل تلك المجاميع التي كانت اشتراكية ولها معه ثأر وهم أتباع أو موالون لعلي ناصر محمد، وهم من شارك معه في الحرب بعدة جبهات كجبهة شبوة حضرموت بقيادة عبدالله علي عليوة وجبهة مكيراس بقيادة أحمد الحسني وجبهة الضالع بقيادة فيصل رجب ويؤكد ذلك معاملتهم فيما بعد حرب صيف (94) كشريك في السلطة بدلا عن القيادات الأولى(وهي شريك صوري؛ أي لا تتعدى المناصب الصورية أبداً) .
عن صحيفة الوسط