المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شذرات من كتاب: بلاد الأحقاف ـ رموز وكنوز


سالم علي الجرو
06-01-2009, 09:46 AM
العلامة السيّد/ عبد الله بن علوي بن محمد الحدّاد ( ت: 1133هـ )
( ( من أشغله حق ربّه عن حقوق نفسه وحقوق إخوانه فهو عبد الحضرة )

أي أن الذين يغالون كثيرا في العبادة ولا يهتمون بحقوق أنفسهم وأهلهم ورعيّتهم فهم عبيد الحضرة ، وهي جلسات المذاكرة
( ومن أشغله القيام بحق نفسه عن القيام بحق ربه وحق إخوانه ، فهو عبد للشّهوة )

( ومن أشغله القيام بحقوق إخوانه عن القيام بحقوق ربّه وحقوق نفسه فهو عبد الرئاسة )

( ومن أشغله القيام بحقوق ربه وحقوق إخوانه عن القيام بحقوق نفسه فهو صاحب وراثة )
[ كتاب الحكــم ]

العالم العارف ، المرشد الصادق ، القدوة المؤثّرة . له مصنّفات فيّاضة في علوم الدّين والحكمة:

ــــ كتاب الفصول العلمية والأصول الحكمية.
ــــ إتحاف السائل بجواب المسائل.
ــــ سبيل الإدكار بما يمر بالإنسان وينقضي له من الإعمار.
ــــ رسالة المذاكرة.
ــــ هذه رسالة المريد
ــــ كتاب الحكم.
ــــ كتاب المعاونة والمظاهرة والمؤازرة.
ــــ كتاب الوصايا النافعـة.

كتب في مقدمة كتابه: (الفصول العلمية والأصول الحكمية ):
أمّــا بعد:
( فهذه فصول علميّة قيّدناها وأصول حكمية نبّهنا عليها مما قد سنح في الخاطر عند المذاكرة والتّذكار والمناظرة
والإعتبار ، كثيرا ما تدعو الحاجة إليها ، ويقع التعويل عليها من كلّ ناسك ومريد سالك )

مصنّفه القيّم هذا يحتوي على على 48 فصل ، تناول فيها بإسهاب مسائل عديدية تتعلّق:
( بالإيمان واليقين وتقويتهما وفي إخلاص التوحيد عن شوائب الشّرك الخفي ، ثم تصحيح الأخلاق المحمودة
ونفي الأخلاق المذمومة ).

مختارات من:
الفصل الثالثالأزمنــة
فيها الخير والشّر وتشتمل على الأخيار والأشرار ، وأهل الصلاح وأهل الفساد.

متى ينسب الزمان إلى الصلاح والإستقامة؟
إذا كان الغالب على الزمان وأهله: الصلاح والخير والعمل بالبر والأخذ بالصّواب ، وذلك ما كان عليه الزمان في عهد رسول الله
ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ وعهد الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.

زمان الشّرّ والسّوء وزمان الفتنة والبلاء ، هو الزمان الذي يكون فيه الخير نادرا والأخيار قليلون مستورين.

سالم علي الجرو
06-01-2009, 10:23 AM
الفصل الرابع
الكبْر والغفلـةْ [ 1 ] المتكبّر في آيات الله هو الذاهب بنفسه ، الشامخ بأنفه لا يتواضـع للحق وأهله.

المتكبّرون: المنصرفون عن آيات الله وفهم أسراره . قال الحق سبحانه وتعالى:

" ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ( 146 )

الغافل: من أعرض بقلبه عن فهم آيات ربّه ، فصار مدبرا ، متوليا عن الله جلّ وعلا . قال تعالى:
" إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون " وقال تعالى:

" يعلمون ظاهرا من الحياة الدّنيا وهم عن الآخرة غافلون. "
ـــــــــــــــــــــ
هامش:
[ 1 ] قيل لبعضهم: ما الكبر؟
قال: حمقٌ لم يدر صاحبه أين يضعه.

قال معاوية بن أبي سفيان:
" قدم علقمة بن وائل الحضرمي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فأمرني رسول الله أن أنطلق به إلى منزل رجل من الأنصار أُنزله عليه ، وكان منزله في أقصى المدينة ، فانطلقت معه وهو على ناقة له وأنا أمشي في ساعة حارّة وليس عليّ حذاء ، فقلت: إحملني يا عم من هذا الحر فإنه ليس عليّ حذاء ، فقال: لست من أرادف الملوك. قلت: إنّي ابن ابي سفيان . قال: قد سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يذكر ذلك . قلت: فالق إليّ نعلك . قال: لا تقبلها قدماك ، ولكن امشي في ظلّ ناقتي فكفاك بذلك شرفا ، وإن الظّلّ لك لكثير. قال معاوية: فما مرّ بي مثل ذلك اليوم قط ، ثمّ أدرك سلطاني فلم أؤاخذه بل أجلسته معي [ عيون الأخبار ].

سالم علي الجرو
06-01-2009, 11:55 AM
من كتاب الحكمة للعلامة الحبيب


ـــ " إذا رأيت العالم يفيد بقوله دون فعله فاعلم أنه ناقص "

ـــ " من أحبّ أن يوصف بما ليس عنده من الخير وكره أن يذكر بما فيه من الشّر فاعلم أنّه مراء. "

ـــ " من أهمل الصّدق حيث يخاف ، استعمل الكذب حيث يرجو "

ـــ " العادة إذا رسخت نسختْ "

ـــ " من مدحك عند رضائه بما ليس فيك ، ذمّك لا محالة عند غضبه عليك بما ليس فيك. "

ـــ " من سلك ملك . من حفظ الفؤاد حفظ من الفساد . "

ـــ " من حفظ الجوارح أمن الجوارح ."

ـــ " كاد العقل أن لا يكون له عدوّ ."

ـــ كاد الأحمق أن لا يكون له صديقا."
ــــــــــــــــــــــــــــ

الهامش:

الحكمــــة

معرفة صواب ما فيه أخطأنا من جميع أحوالنا الإختيارية وبها يحسن التدبير ونعرف دقائق الأعمال وتظهر خفايا الأمور.

من الحكمة أن لا تتعدى حدودا وأن لا تظلم في معاملتك ، وأن تكون ذا بصيرة نافذة ونظر ثاقب ورأي صائب ، فاصدق وعفْ ، وبر وانْصفْ ، واحتمل

واكْفف ، وكاف ودار وأحلم والطف ، ولن في مواضع اللّين واشْتد في مواضع الشّدّة ، وارفق واتّئد ، واحزم وجد ، وادفع ورأس ذلك الحياء.
[ من الأثر ]

سالم علي الجرو
06-01-2009, 02:04 PM
ألتمس ممن يعنيه الأمر إلغاء التّثبيت مع جزيل الشكر

ابوصالح
06-01-2009, 03:35 PM
ألتمس ممن يعنيه الأمر إلغاء التّثبيت مع جزيل الشكر

ماتكتبه يستفيد منه مرتادي هذه السقيفه وفي اعتقادي تثبيت الموضوع ليس مجامله ولكنه حق كونكم تقدمون معلومه يستفيد منها القاري

وأرى ان يبقى التثبيت بعد أذنكم أستاذنا القدير

وفقكم الباري

سالم علي الجرو
06-01-2009, 05:16 PM
ماتكتبه يستفيد منه مرتادي هذه السقيفه وفي اعتقادي تثبيت الموضوع ليس مجامله ولكنه حق كونكم تقدمون معلومه يستفيد منها القاري

وأرى ان يبقى التثبيت بعد أذنكم أستاذنا القدير

وفقكم الباري

لا اعتراض على ما ترونه مناسبـا

شكرا لكم

سالم علي الجرو
06-02-2009, 07:24 AM
عن كتاب: " الفصول العلميّة والأصول الحكميّة " كنا قد كتبنا مختارات عن فصلين ، هما:
1- الفصل الثالث بعنوان: الأزمنة.
2- الفصل الرابع بعنوان: الكبر والغفلة
ــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل: الخامس:
المداهنة والغلو في المجاملة
وقد كانت مراقبة الناس ومحاذرتهم مما لا يستحسنه أرباب العزائم والهمم . قال الشاعر:

من راقب الناس مات غمّا = وفاز باللذة الجسور
والقصد أن العاقل التّقي لا ينبغي له أن يعوّل إلا على طلب مرضاة الله.

الفصل التاسعالدنيا لا راحة فيها لمؤمن عاقل البتّة ، وإن وجدت راحة له ، فلا بدّ أن تكون مصحوبة بغفلة .
وأما الأحمق فقد يستريح في الدنيا ، وسبب وجود الراحة فيها كونه أحمق لا يهتدي إلى بواطن الآفات.

تصفو الحياة لجاهل أو غافل = عمّــا مضى منها ومــا يتوقّـعُ
ولمن يغالط في الحقائق نفسه = ويسومها طلب المحال فتطمعُ

الفصل العاشر
التقوى والإحسـان
إعلم أن كل شيء يحسن مع التقوى والإحسان ، مثل القمر والغنى والصحة والمرض والعزّ والذّل ، والخمول والشّهرة ونحو ذلك.
التقي المحسن إن أصابه فقر كان حاله مع الله الرضا والقناعة [ 1 ] والصبر والورع والإستغناء عن الناس . وكان حظه من الله تعالى الرضا والقرب والإمداد
بالصبر والمعونة ، وكان حاله فيما بينه وبين الناس الستر والتّجمل وانطلاق الألسن بالثّناء عليه.

وهذا الفقر لو أصاب بعض الفجار المسيئين لكان حاله الجزع والسخط والطمع في الناس والتعلق بما في أيديهم . وكان حظه من الله تعالى السخط والمقت
وعدم الإمداد بالصبر والمعونة . وكان حاله عند الناس الإزدراء بالفاقة ، وكانت ألسنتهم عليه منطلقة بالذّم.

ومهما كان الإنسان محسنا تقيّا فأغناه الله تعالى مع ذلك ووسع عليه كان حاله مع الله : الشكر وتعظيم النعمة والإستعانة على الطاعة وبذل المال في وجوه الخير
واصطناع المعروف في القريب والبعيد . وكان حظّه من الله تعالى الرضا والمحبة والإمداد بالمزيد من اليسر والسّعة . وكانت ألسنة الناس منطلقة بالثّناء
عليه وبالدعاء بزيادة اليسر والسّعة.

الفصل الثالث والعشرون:
الإقتصاد والتّوسط في الأمور [ 2 ]
اعلم أن الإقتصاد والأخذ بالوسط في جميع الأمور هو المطلوب والذي ينبغي . وقد ورد:
خير الأمور أوساطها

وورد أيضا:

الإقتصاد والمت الحسن جزء من خمس وعشرين جزء من النبوّة

وقال أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه: عليكم بالنّمط الأوسط ، فإنّ يرجع إليه الغالي ويلحقهم التالي

الشّجاعة[ 3 ]
الإفراط فيها تهوّر وإلقاء النفس إلى التّهلكة ، والتقصير عنها جبن وذل

التّواضـع
الإفراط فيه ضعة ومهانة والتقصير عنه تكبّر ورعونة

الحيــاء
الإفراط فيه أنوثة وضعف ، والتقصير عنه فضاضة وهتك

البشر والبشاشة
الإفراط في ذلك سخف وخلاعة ، والتقصير عنه جفاء ووحشة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش

[1] القناعة الرضا بالحال مع عدم التألم والشّره ، قال الشاعر:إنّ القناعة من يحلل بساحتها = لم يلق من دهره شيئ يؤرّقهُ

[2] قال أحدهم لإبنه: يا بنيّ ، الحسنة بين السيئتين ، يعني الإفراط والتقصير ، وخير الأمور اوساطها ، وشرّ السير: الحَقْحَقَةُ ( أرفع السيروأتعبه للظّهر ) ـ عيون الأخبار
[3] الشجاعة تحمّل المكاره مع القدرة على الظفر والإستظهار ، من دلائلها: القوة في لين والإعطاء في الحق والتّحمّل في المرافقة والصبر في الشّدّة
والعفو عند المقدرة.
لقمان الحكيم لابنه: كن في الشّدّة وقورا وفي المكاره صبورا وفي الرخاء شكورا ، ولا تدّعي ما ليس لك ، ولا تقف ما ليس لك به علم ، واحفظ العبر واحْذر الغِيَرْ
تكن شجاعا.واعلم أن من لا يغلبه غضبه ولا تجمح به حميّته ولا تهزمه شهوته ولا تقصر به نيّته ، ومن ينصر المظلوم ويواسي المهموم هو أشجع الناس .
وإيّاك والتّهور والإندفاع أو أن يغلبك الغضب ، فإنه رأس الهلكة.

عفاف
06-02-2009, 09:06 AM
شاكرة لك هذا الإختيارالممتع والمفيد الذي نقلته لنا استاذي الفاضل سالم بن علي الجرو وكان علينا أن نصمت تهيّبًا لهذه الشذرات التي أتت من أحد رموز حضرموت وهو العلامة السيد عبدالله بن علوي بن محمد الحدّاد (رحمه الله آمين) والفضل لله ثم لك الذي جعلتنا نطّلع عليها ونستفيد منها ان شاء الله كحكم وعِبرْ ....نعم ماقرأناه نعتبره ذخيرة لاتنفذ من ثروة المعرفة لجميع الطالبين والمريدين ومثلا يحتذى به في استخراج النفائس والكنوز,,,
لاشك أنك تعبت كثيرًا وبحثت كثيرًا .... صدق من قال بأن اللغة قد تستغني عن كثير من شعرها ولكنها لاتستغني عن همم رجالها وثباتهم للخير والحق والانصاف ....
متمنّية هذا الثبات والهمّة والنخوة للجميع ,,, ولاجلها أصافحك عن بعد أيها الأستاذ الفاضل القدير ,,, مصافحة الثناء والإعجاب ....
لك مني خالص أرقّ التحايا والمودة الإحترام.

سالم علي الجرو
06-02-2009, 06:54 PM
شاكرة لك هذا الإختيارالممتع والمفيد الذي نقلته .. وكان علينا أن نصمت تهيّبًا لهذه الشذرات التي أتت من أحد رموز حضرموت وهو العلامة السيد عبدالله بن علوي بن محمد الحدّاد (رحمه الله آمين) لك مني خالص أرقّ التحايا والمودة الإحترام.

الفصل الرابع والعشـرون

الرّفق[1]

اعلم أن الرفق في جميع الأمور مطلوب ومحبوب ومرغوب فيه شرعا وعقلاً ويأتي به ومعه من المطالب والخيرات ما لا يتأتّى مثله ولا قريب منه مع العنف والخرق ، والرفق صفة الحكماء من عباد الله الذين اصطفى . قال الله تعالى في وصف نبيّه سيّد البشر ، صلوات الله عليه وسلامه:

" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك" . وقال تعالى: " خذ العفو وأْمر بالعرْف واعْرض عن الجاهلين "وقال تعالى: " وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ".

وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم: " إنّ الله رفيق يحبّ الرفق في الأمر كلّه "وقال عليه الصلاة والسلام: " ما كان الرفق في شيء إلاّ زانه ولا نزع من شيء إلا شانه "

ومن لم يأخذ بالرفق من الرؤساء المتبوعين ، وأخذ بضدّه من العنف والشّدّة فقلّ ما يتمّ له أمر ، وتجتمع له كلمة ، وإن وقع ذلك قليلا لبعض من يكون كذلك ، فيكون بالظّاهر دون الباطن مع الكراهيّة والإشمئزاز.

وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ يأمر بالرّفق يأخذ به في أكثر أحواله وعمومها كما يعرف من نظر في سيرته واطّلع على حديثه وأخباره في تعليمه للجاهل. فمن ذلك حديث الإعرابي الذي بال في المسجد [2]، وحيث الآخر الي اعطاه صلى الله عليه وآله وسلم ـ فسخط منه وقال ما لا ينبغي ، فهمّ به المسلمون فكفّهم عنه ، ثمّ زاده شيئا من العطاء حتى رضي وقال جميلا.

وحديث الشاب الذي قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ يا رسول الله ، إئذن لي في الزّنا . فقال عليه الصلاة والسلام: " أتحبّه لابنتك؟ فقال: لا .
فقال له: كذلك الناس لا يحبّونه لبناتهم".
ـــــــــــــــــــــــــــــ

الهامش:

[1] الرفق هو التأني في الأمور والتدرج فيها ضده العنف .
[2] عن أنس رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يصيحون به :
مه مه ( أي أترك ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزرفوه دعوه ( لا تقطعوا بوله ) فيترك الصحابة الأعرابي يقضي بوله ثم يدعوا الرسول عليه الصلاة والسلام الأعرابي فيقول للأعرابي : إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه دلوا من الماء . فقال الأعرابي : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لقد تحجرت واسعا ) " أي ضيقت واسعا " متفق عليه ...

قائد المحمدي
06-03-2009, 01:37 AM
أشكرك استاذي الكريم (( سالم بن علي الجرو ))
اشكرك على هذا الكتاب الجميل وهذه الحكم الرائعة

وإن كان هذا الكتاب ثروة للعقل البشري إلا انه
ثروة ثقافية للأنسان اليمني في حضرموت

وعلى فكرة نحن متعطشون للكتاب اليمني الإلكتروني
لقراءته واقتنائه


الله يعطيك العافية
وبارك الله فيك

سالم علي الجرو
06-03-2009, 05:06 AM
اشكرك على هذا الكتاب الجميل وهذه الحكم الرائعة

وإن كان هذا الكتاب ثروة للعقل البشري إلا انه
ثروة ثقافية للأنسان اليمني في حضرموت

وعلى فكرة نحن متعطشون للكتاب اليمني الإلكتروني
لقراءته واقتنائه

الله يعطيك العافية
وبارك الله فيك

كيف يغترّ أحد بنسب مجرّد عن التّقوى؟
هذا السؤال وجّهه الحبيب: عبد الله بن علوي بن محمد الحداد ، إلى الجهلاء من العلويين ، المتباهين بالنّسب ، والمعتمدين عليه دون عمل صالح.
الفصل: الخامس والعشرون
التّعظيم في غير محلّه
لا ينبغي لأحد ممن يعوّل عليه أن يعظّم ولا أن يثني على الجاهل [1] وإن كان ممن له نسب شريف وسلف صالح . فإن تعظيمه
والثناء عليه في الظاهر قد يفتنه في دينه ، ويغرّه بالله ويزهده في العمل الصّالح ويلهيه عن التّزوّد لآخرته.

وكيف يغترّ أحد بنسب مجرد عن التّقوى [2] أو يعتمد عليه؟ بعد قول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم"
" يا فاطمة بنت محمد ، لا أغني عنك شيئا " الحديث الصحيح.

وقد تفطّن لذلك جماعة من الشعراء فضلا عن الأئمّة والعلماء حتى قال بعض الشعراء:

لعمرك مــا الإنسان إلاّ ابن دينــه = فلا تترك التّقوى اتّكالا على النّسبِ [3]
فقد رفع الإسلام سلمان بن فارسٍ = وقـد وضـع الشّر الحسيب أبا لهبِ

وقال المتنبّي:

إذا لم تكن نفس الشّريف كأصله = فماذا الذي تغني رفاع المناصبِ

وقال آخر:

وما ينفع الأصل من هاشمٍ = إذا كانت النّفس من باهلهْ

وهو ما أيّده مفتي الديار الحضرمية ، العلامة النّحرير ، المجاهد ، الشاعر ابن عبيد الله السقاف ـ رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته ـ في ذات الكتاب: ( بلاد الأحقاف ـ رموز وكنوز ) ص. 118

قال في إحدى قصائده:

وقد بحّ صوتي بالنّصيحة بينهم = ولكنّهــم عــن كــلّ فـائــدة صـــمُّ
ومن كان منهم فيـه نسك فإنّه = تولّى عليه الضّعف واشْتمل الوهمُ
يريدون مـن أهل القبور معونةً = وأنّى يعين الناس مـن ضمّه ردْمُ
وقد عمّتهم داء الدّهان بأسرهم = وإن حملوا رُقط المكائد واعْتمّــواــــــــــــــــــــــــــــــ

الهامش:

[1] الجاهل: معرّفة وكأنّه يوجّه سهام نقده إلى معلومين.
[2] النقد حادّا ولا ذعا وصريحا وجريئا من عالم علوي يعرف مهام وواجبات النسب الشّريف ، لا يخاف في الله لومة لائم . إعتبر أنّ من يباهي بالنّسب دون عمل صالح هو مجرد من التقوى.
[3] إن المقياس في صالح الأعمال للعباد الجميع هي التقوى ، وإنذها لخطيئة التجرّد من التّقوى فكيف لما تكون من علوي ، وليس هذا فحسب بل يتّكل على النّسب ، وهم من وصفهم الحبيب بــ: ( الجهلاء ): ( ولا أن يثني على الجاهل وإن كان ممن له نسب شريف وسلف صالح . فإن تعظيمه والثناء عليه في الظاهر قد يفتنه في دينه ، ويغرّه بالله ويزهده في العمل الصّالح ويلهيه عن التّزوّد لآخرته ).

سالم علي الجرو
06-04-2009, 09:38 AM
26
محاسبة النّفس
إذا أراد الإنسان أن يعرف نفسه من حيث دينه: أهو في نرق وارتفاع أم هو نزول وانحطاط؟ ، فلينظر في احواله وأعماله التي كان قد عملها في شهر قد مضى أو عام قد انقضى
وقد ورد في الخبر أو الأثر:

من كان يومه مثل أمسه فهو مغبون ، ومن كان يومه شرّ من أمسه فهو ملعون

30الجليس
للصحبة والمخالطة والمجالسة أثر كبير في الصلاح والنّفع ، وكذلك في الفساد والضذرر ، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
" المرء مع جليسه ، والمرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ". وقال عليه الصلاة والسلام:
"مثل الجليس الصالح كبائع المسك إمّ أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإمّا أن تجد رائحة طيّبة منه ، ومثل الجليس السوء مثل نافخ كير: إما أن يحرق ثيابك
وإمّا أن تجد منه ريحا منتنة ".

35
]" استقيموا ولا تروغوا روغان الثّعالب " ـ عمر بن الخطّاب .
الإستقامـة
الإستقامة على الصراط المستقيم ، والسبيل القويم ، الموصل إلى الله من غير اعوجاج . قال الله تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
وقال تعالى: " وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ، وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ "
وقال تعالى: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة "

وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم:" استقيموا ولن تحصو ولكن سددوا وقاربوا .واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله .
قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ". وقال سفين بن عبد الله:قلت: يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك ، فقال: قل آمنت بالله ثمّ استقمْ.وقال عمر بن الخطاب" " استقيموا ولا تروغوا روغان الثّعالب "[/COLOR]

الهامش
الباب السادس الإستقامة في المعاملة
هذه الصفحة مقتبسة من كتاب الإستقامة في مائة حديث نبوي للدكتور محمد زكي محمد خضر

أحب للناس ما تحب لنفسك ، الحب في الله ، النصيحة ، ادخال السرور على المسلمين ، العدل ، صلة الرحم ، الإحسان إلى الجار ، الرفق في كل شيء ، الرفق بالنساء ، اجتناب الغش ، مداراة لاناس ، قضاء حوائج المسلمين ، طاعة المرأة لزوجها ، الأمانة

ـ 76 ـ أحب للناس ما تحب لنفسك
ـ 77 ـ الحب في الله
ـ 78 ـ النصيحة
ـ 79 ـ ادخال السرور على المسلمين
ـ 80 ـ العدل
ـ 81 ـ صلة الرحم
ـ 82 ـ الإحسان إلى الجار
ـ 83 ـ الرفق في كل شيء
ـ 84 ـ الرفق بالنساء
ـ 85 ـ اجتناب الغش
ـ 86 ـ مداراة الناس
ـ 87 ـ قضاء حوائج المسلمين
ـ 88 ـ طاعة المرأة لزوجها
ـ 89 ـ الأمانة


ـ 76 ـ أحب للناس ما تحب لنفسك

عن يزيد بن أسيد (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” أحبّ للنّاسِ ما تُحِبّ لِنَفسِكَ ”

(رواه البخاري في التأريخ والطبراني والحاكم والبيهقي)

إذا كان مقياس المرء في تعامله مع غيره أن يحب لهم ما يحب لنفسه ، أنمحى الشقاق الذي دوافعه الأنانية وحلت محله المحبة والتعاون والتآلف. هل يريد أن يُطَفَفَ له المكيال؟ فلا يفعل ذلك مع غيره. هل يحب أن يهينه أحد على ملأ من الناس؟ فلا يفعل ذلك مع غيره. هل يحب أن يساعده الناس عند حاجته لهم من مرض أو فقر؟ كذلك يفعل مع غيره. وهكذا تكون أسس الحياة السعيدة له ولغيره. أما من تغلبت عليه أنانيته فهو يرى العالم يعيش في غابة ما يتوفر فيها أقل من حاجة من فيها لذلك فيكون منهجه: قد أفلح من غلب . هذا هو التناقض الواضح في المنهج بين المؤمن الصادق وعبد الدنيا.

والإيثار أعلى درجة من ذلك حين يؤثر المؤمن أخاه على نفسه ، قال الله تعالى في مدح الأنصار: ” يحبّونَ مَن هاجَر إليهم ولايَجِدونَ في صُدورِهِم حاجَة مِمّا أوتوا ويؤثِرونَ عَلى أنفُسِهِم وَلو كانَ بِهِم خصاصة ، ومَن يوقَ شُحَ نَفسِهِ فأولئكَ هُمُ المُفلِحون ” (2). ـ

إن للمؤمن على المؤمن حقوق وعليه أداؤها . فبالإضافة إلى الحقوق التي تبرز عند الحاجة كتشييع الجنائز والصلاة عليها وعيادة المريض وغير ذلك ، فإن هناك حقوقا دائمة كاحترام النفس والعرض والمال . أما الحقوق المخصوصة بناس معينين: فحق العالم الإجلال والإحترام ، وحق الجاهل التعليم ، وحق الصديق النصح والتسديد ، وحق الأمير الطاعة في غير معصية الله ، وحق الولد الإعالة والتربية ، وحق الزوجين الإحسان بعض لبعض ، وحق الكبير على الصغير الإحترام ، وحق الصغير على الكبير العطف ، وحق الفقير على الغني الصدقة والإقراض... وهكذا . ، وهذه كلها يجب أن يقصدها دون مقابل أو توقع لجزاء منهم . وهو يفرح لفرح أخيه ويحزن لحزنه ، قال ذو النون المصري : من أعلام الأيمان إغتمام القلب بمصائب المسلمين ، وبذل النصح لهم متجرعا ظنونهم ، وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهّلوه وكرهوه.

ـ 77 ـ الحب في الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” يَقولُ اللّه تعالى يومَ القِيامةِ: أينَ المُتَحابّونَ بِجلالي... اليومَ أُظللُّهُم في ظلّي يومَ لا ظِلّ إلاّ ظلّي ”

(رواه مسلم وأحمد)

وصف الله تعالى المؤمنين بعضهم نحو بعض: ” أذِلَّة على المؤمِنينَ أعِزَة على الكافرينَ ” (3) ، ووصف أحوالهم قبل الأيمان وبعده: ” كُنتم أِعداءا فأصبحتُم بِنِعمتِهِ إخوانا ” (4) ، ومقياس هذه الأخوة هو المحبة بين أعضاء الجسد الواحد فذلك دليل قوة الأمة وتمسكها بما فرض الله عليها . قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أحب لله وأبغض لله وعادِ في الله ووالِ في الله فإنه لن تنال ولاية الله إلاّ بذلك ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك.

إذا أحببت امرؤا ما في الله فأخبره أنك تحبه ، ذلك ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(5) وإذا أخبرك شخص أنه يحبك في الله فيستحب أن تجيبه: أحبك الذي أحببتنا من أجله. وادع لمن تحب من إخوانك المؤمنين بظهر الغيب ، فدعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجاب فالملائكة تجيب الداعي: ولك مثل ذلك(6). وإفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف وسيلة لزيادة تحابب المسلمين بعضهم مع بعض(7).ـ

إن مجالسة من تحب من الصالحين ، إن كان مجلس نصيحة وتواص بالحق فهو مجلس عبادة ، وزيارة الأخ لأخيه دون أن يكون بينهما مصلحة دنيوية عبادة ، فالمؤمن مرآة أخيه يرى فيها نفسه لأن المؤمنين بعضهم لبعض نَصَحَة والمنافقين بعضهم لبعض غششة(8). وهذا ما سيتأكد في الحديث اللاحق.

رأى أحد العارفين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال له لم تبغض فلانا (عن رجل معين) فقال لأنه يبغض أحد الرجال الصالحين ، وسماه له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تعلم أنه يحب الله ورسوله؟ قال نعم ، قال أتبغضه لأنه يبغض فلانا ولا تحبه لأنه يحب الله ورسوله؟ فلما أخبر الرجل بعد يقظته ندم على ما كان من بغضه للرجل الصالح. فالمؤمن يحب المؤمنين وينظر إلى محاسنهم ويتغاضى عن مساوئهم ويعطي لحبهم لله ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزنا كبيرا ، فإنه ما من مسلم إلاّ وفيه خلق يحبه غيره وخلق يكرهونه ، فعلى المؤمن أن ينظر لما يحب من أخلاق إخوانه ويتغاضى عما يكره منهم.
ـ 78 ـ النصيحة
عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” الدّينُ النَصيحةُ ” قيل لمن يا رسول الله قال: ” للّهِ ولِرَسولِهِ ولأئمةِ المُسلمين ولعامّتِهِم ” .

(رواه مسلم)

قال الله تعالى : ” وذَكِّر فَإنّ الذِكرى تَنفَعُ المُؤمِنينَ ” (9) ، قال عمر بن الخطاب: لا خير في قوم ليسوا بناصحين ولا خير في قوم لا يحبون الناصحين . وقال الحارث المحاسبي: إعلم أن من نصحك فقد أحبك ومن داهنك فقد غشك ومن لم يقبل نصيحتك فليس بأخ لك . ومن تصدى لنصح أحد فليكن أولا قد إتصف هو بالخلق الذي ينصح الناس به وليكن نصحه برفق وتلطف دون تشهير. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا نصحت فانصح سرا لا جهرا ، فإذا نصحت أخاك سرا فقد نصحته وزِنته (من الزين) ، وإن نصحته أمام ملأ فقد نصحته وشنته (من الشين).ـ

وقد يكون النصح بالتعريض والتلميح أبلغ أحيانا من التصريح ، خاصة لمن يفوقك في السلطان أو يكبرك بالسن . مر الحسن والحسين رضي الله عنهما وهما صغيران بشيخ لا يحسن الوضوء ، فأرادا أن يعلماه الوضوء فتقدم منه أحدهما وقال: إختصمنا أنا وأخي هذا في أينا أحسن وضوءا ونريد أن تكون بيننا حكما ، فلما توضآ أمامه عرف خطأه فشكر لهما صنيعهما . وإذا عرفت من شخص عنادا بأن يفعل عكس ما تنصحه به فعليك أن ترفق به وتنصحه بعكس ما تراه لكي يصيب الحق في مخالفته لك . وذلك هو أحد الأسس التي عرفت حديثا في تعليم الكبار. فالغاية من النصح تقويم الإعوجاج وليس العجب بالنفس والتباهي بأنك أفضل ممن تنصحه أو أعلم منه.

والنصح لله هو أن تأمر بما يأمر الله وتنفذ أوامره في خاصة نفسك ، والنصح لرسوله أن تبلغ ما أمر به أمته مما أوتيت من علم وتكون أمينا في الدفاع عن سنته. والنصح لأئمة المسلمين بإرشادهم لما فيه خير الناس ومساعدتهم في تنفيذ ذلك والدعاء لهم . قال عبد الله بن المبارك لو علمت أن لي دعوة مستجابة واحدة لجعلتها لأئمة المسلمين لأن بصلاحهم يصلح ناس كثير وبفسادهم يهلك ناس كثير.أما النصح لعامة المسلمين فيجب البدء بالأقرب فالأقرب . وقد وصف الله تعالى الإنسان بالخسران إلا الذين يتواصون بالحق وبالصبر: ” إن الإنسانَ لَفي خُسر. إلاّ الّذينَ آمَنوا وعمِلوا الصالحاتِ وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصَبرِ ” (10).ـ
ـ 79 ـ إدخال السرور على المسلمين

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” مَن لَقيَ أخاهُ المُسلِمَ بِما يُحِبّ لِيَسُرَّهُ بِذلك ، سَرّهُ اللّهُ عزّ وجَلّ يومَ القِيامةِ”

(رواه الطبراني بإسناد حسن وأبو الشيخ)

الأساس القويم لبناء المجتمع المتماسك هو المحبة بين أفراد ذلك المجتمع وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه ، فالمسلم يحب السرور لنفسه لذلك فهو يحب السرور لأخيه ، ويحب أن يكون هو المتسبب في إدخال السرور على نفس أخيه ، والله تعالى يجازي على ذلك بسرور أعظم يوم القيامة.

إن إدخال السرور على نفس المسلم يمكن أن يتم بقضاء حوائجه ، أو بالرفق في مخاطبته أو بتخفيف آلامه ومصائبه عند شدائده أو بتعليمه ما ينفعه أو ما ينفع من يحبه كولده أو قريبه.فالسعي في قضاء حوائج المسلمين عبادة.
ـ 80 ـ العدل
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” إنّ المُقسِطينَ عند اللّهِ على مَنابِر مِن نور ، الّذينَ يَعدِلونَ في حُكمِهِم وأهليهم وماوُلّوا ”

(رواه مسلم)

قال الله تعالى: ” ولا يَجرِمَنَّكُم شَنآنُ قوم على ألاّ تَعدِلوا ، إعدِلوا هُوَ أقرَبُ لِلتَقوى” (11) ، أي لا يحملكم بغضكم لقوم على أن تظلموهم فإن العدل أحق أن يتبع حتى مع الأعداء. ” إنّ اللّهَ يأمُرُ بالعَدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُربى وينهى عَن الفَحشاء والمُنكر والبَغي ” (12). وقد نادى الله عبده داود عليه السلام: ” يا داودُ إنّا جَعَلناكَ خليفَة في الأرضِ فاحكُم بينَ النّاسِ بالحَقّ ولا تَتَّبِعِ الهوى فيُضِلّك عن سَبيلِ اللّهِ ” (13).ـ

في هذا الحديث تبيان أن العدل لا يكون في الحكم فقط ، بل العدل في كل من ولي شيئا . فالوالد عليه العدل بين أولاده ، ومن تزوج بأكثر من إمرأة عليه العدل بينهن ، ومن حمل مسؤولية عليه العدل بين من يشملهم عمله من رئاسة أو مراجعة أو تكليف بواجبات إلى غير ذلك . كما أن عليه أن يعدل بين حق نفسه وحق غيره فلا يؤثر نفسه على غيره دون حق ولا يتبع الهوى فيفضل أقرباءَه على غيرهم أو يغمط حق من يكرهه. أتى رجل إلى عمر بن الخطاب فقال له: إني أبغضك ، فقال له عمر أتغمطني حقي؟ قال لا ، قال فإنما يبكي على الحب النساء.

إن الله تعالى إذا أوجب أمرا جعل متطلبات ذلك الواجب واجبة أيضا . فالمعروف أن الغضب يفقد المرء بعضا من صواب قراره. لذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحكم عند الغضب(14). ومن عمل تحت أمرته أجير فعليه أن يعدل معه ولا يظلمه ، فلا يكرهه على عمل لم يتفق عليه عند التعاقد مستفيدا من كونه لم يصرف إجرته بعد ، أو أن بإستطاعته حجبها عنه أو تقليلها ، فكل ذلك من الظلم سواء كان لمصلحته هو أو لمن أمره بذلك ، فمن ساعد ظالما على ظلمه كان شريكا له ، ومن كان في كده ظالما لغيره كان ما أكل من مال حرام وسحت.

ـ 81 ـ صلة الرحم
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” الرَحِمُ مُعَلَّقَة بالعَرشِ تَقولُ مَن وَصَلَني وَصَلَهُ اللّهُ وَمَن قطَعَني قَطَعَهُ اللّهُ ”

(متفق عليه)

إن الله تعالى خلق الناس من أبوين وجعل كل أسرة تتصل بقرابة مع غيرها ، فصلة الرحم تعني إقامة علاقات التعاون والتآلف مع الأقربين وتقديم ما يحتاجون من مساعدة إليهم . ويتم ذلك بالتزاور والتناصح والرعاية عند الملمات ومنح الصدقات لفقرائهم ، كل هذا مع عدم توقع مقابلة ذلك بإحسان مقابل ذلك بل ابتغاء وجه الله حتى وإن كان ذلك المقابل مقصرا في صلة رحمه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأحلم عنهم ويجهلون عليّ ، فقال: ” لَئِن كُنتَ كَما قُلتَ فَكأنَّما تُسِفُّهُم الملّ ولا يزال معَكَ مِنَ اللّهِ ظَهير عَليهِم ما دُمتَ على ذلك ” (15) ، تسفهم المل أي كأنما تطعمهم الرماد الحار أي يلحق بهم إثم كبير. ويجب على المؤمن أن يراعي ذوي رحمه الأقرب فالأقرب ، قال تعالى: ” وأولوا الأرحامِ بَعضُهم أولى بِبَعض في كِتابِ اللّهِ ” ـ(16) .وقد حث الله تعالى على تفقد ذوي القربى في كثير من الآيات ” أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربَة أو مسكينا ذا مَترَبَة ” (17) ، ” وآتِ ذا القُربى حَقَّهُ والمِسكينَ وابنَ السَبيلِ ولا تَبَذّر تَبذيرا ” (18) ، فالصدقة إذا أعطيت إلى ذي قربى يكون لها أجر الصدقة وأجر صلة الرحم . وهكذا فالمؤمن يتغاضى عن هفوات أقربائه تجاهه وإساءتهم إليه وظلمهم له ويحسن إليهم متفقدا إياهم في السراء والضراء مادّا يد المساعدة إليهم كلما احتاجوا إليه.
ـ 82 ـ الإحسان إلى الجار
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” مَن كانَ يُؤمِنُ باللّهِ واليومِ الآخِرِ فليُحسِن إلى جارِهِ ، ومَن كانَ يُؤمِنُ باللّهِ واليومِ الآخِر فليُكرم ضيفهُ ، ومَن كانَ يؤمن باللّه واليوم الآخر فليَقُل خيرا أو ليَصمت ”

(متفق عليه)

الإحسان إلى الجار سواء كان مسلما أو غير مسلم وسواء كان يمت بقرابة أو لا يمت بقرابة حث عليه القرآن: ” والجار ذي القُربى والجار الجُنُب والصاحب بالجَنب ” (19) ، وهذه الوصية تقع ضمن منهج تكوين المجتمع الصالح المتعاون والذي تبنى فيه العلاقات على أسس متينة من تعاون وتكافل وإحترام ، حتى إن إختلف الدين وانعدمت رابطة النسب أو القرابة . وليس الجار بالمسكن فقط ، بل هناك الجار في العمل ، والصاحب في السفر هو جار مؤقت ، وجار في مصلحة مشتركة (يدخلون تحت الصاحب بالجنب) ، فحقوق هؤلاء النصح والمصاحبة بالمعروف وعدم الأذى وتحمل أذاهم وطيب الكلام معهم.

يحتاج الجيران بعضهم بعضا ، فعلى المرء أن يقدم المساعدة لجاره ولا يؤذيه ولا يعتدي عليه في بناء أو مضايقة أو منّ على معروف. وعلى المؤمن أن يحب لجاره ما يحب لنفسه ويتلطف به إن كان سيئ الخلق أو فاسقا . وفي القصة المشهورة عن أبي حنيفة رضي الله عنه مع جاره الذي كان يعاقر الخمر وينشد الشعر عند ثمله ، حيث كان افتقاده له عندما سجن سببا في توبته وصلاحه فيما بعد.

وإكرام الضيف هو الآخر مما يثبت علاقة الود والمودة ويدفع عن النفس النظرة المادية التي يسببها الشح والبخل . وقد أردف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث أخيرا التوقف عن فضول الكلام وسيئه فعلى المؤمن أن يقول الخير أو ليصمت فذلك خير من النطق بالفحش أو الكذب أو رياء القول أو المدح الكاذب أو ما شابه ذلك . وقد مرت آفات اللسان في الحديثين ـ66ـ و ـ67.ـ
ـ 83 ـ الرفق في كل شيئ
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” إنّ اللّهَ رَفيق يُحبّ الرفقَ ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي عَلى العُنف وما لا يُعطي على سواهُ ” .

(رواه مسلم)

إن الترفق بالناس من حسن الخلق وهو مما حث عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فما كان الرفق في شيء إلاّ زانه وما كان العنف في شيء إلاّ شانه(20). وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهلا إذا باع سهلا إذا اشترى(21). ولماذا يسلك الإنسان العنف إذا كان باب الرفق مفتوحا إلاّ إذا كان المرء معجبا بنفسه مزدريا لغيره وهذا ما لا يحبه الله ، أو إذا كان يظن أن من يقابله لا ينفع معه الرفق. ولكن هذا أيضا لا يجوز إلاّ عن تجربة أو بينة . أما إذا اتُّخِذ العنف منهجا فهذا ما ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث.

والرفق يكون في كل شيء. فالمشي على الأرض هونا دون عجب أو تكبر هو رفق ، وإطعام الحيوان رفق ، ومعاملة الناس يجب أن تكون برفق ، والدعوة في سبيل الله تكون برفق ، فربّ عدو لدود ورث العداوة عن غيره يقلبه الرفق صديقا حميما . قال الله تعالى: ” ولا تَستوي الحَسَنَةُ ولا السيئةُ ادفَع بالّتي هيَ أحسَنُ فإذا الّذي بينَكَ وبينَهُ عداوة كأنَّهُ ولي حَميم ” (22).ـ

من الرفق بالناس أن تؤدي حق المحتاج من ذوي القربى أو الجيران أو من تعرف حاجته قبل أن يسألك . ومن الرفق عدم الإلحاح مع الناس في كل شيء كعدم المماطلة في قَضاء الدين أو البيع والشراء عموما إلاّ إذا كان المرء فقيرا ، فإن مطل الغني ظلم(23) ، ومن الرفق قضاء الدين قبل أن يسأل عنه صاحبه.
ـ 84 ـ الرفق بالنساء
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” أكمَلُ المُؤمنينَ إيمانا أحسَنُهُم خلقا ، وخيارُكُم خيارُكُم لنسائهم ”

(رواه الترمذي وقال حسن صحيح)

الوصية بالنساء وصية خاصة أدّاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكد عليها في وصيته لأمته قبل وفاته. وكان يؤكد على ذلك باستمرار وينهى عن سوء المعاملة والعنف وذلك لبناء البيت الصالح. وإذا ما كره المرء من زوجته أو كرهت المرأة من زوجها خلُقا ، وجد معها أو وجدت معه خلقا محبوبا غيره. والصبر على سوء خلق أحد الزوجين من الأمور التي تقرب عند الله تعالى . وقد حث الله تعالى على التغاضي عن زلات الأزواج فقال: ” وعاشروهُنّ بالمَعروف ، فإن كَرهتُموهُنّ فعسى أن تَكرَهوا شيئا ويَجعَل اللّهُ فيه خيرا كَثيرا ” (24). وعلى فرض سوء الزوجة وعدم إمكان الإصلاح فإن الله يدعو المؤمنين إلى الحذر منهن ، لكنه يدعو إلى العفو أيضا: ” يا أيُّها الّذينَ آمَنوا إنّ من أزواجكُم وأولادكُم عَدوا لَكُم فاحذَروهُم وأن تعفوا وتَصفحوا وتَغفروا فإنّ اللّهَ غَفور رَحيم ” (25) ، والزوج ينطبق على الرجل والمرأة.

والمعاملة بين أفراد الأسرة يجب أن تبنى على التعاون وحسن الخلق واحتمال زلات ابعضهم بعضا ، ويقود ذلك التعاون رب الأسرة . لذا فإن أول واجبات رب الأسرة هو الإحسان إلى زوجته وعن طريق ذلك يسري الإحسان إلى بقية أفراد الأسرة ومن ثم يرتبط أفرادها بالمحبة والإيثار والتعاون . ويجب أن لا يكون ذلك على حساب دين المرء وواجباته الأخرى نحو والديه أو ذوي قرباه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذّر من عقوق المرء والديه طاعة لزوجته(26) ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق(27).ـ

ـ 85 ـ إجتناب الغش
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” مَن حَمَلَ عَلينا السلاحَ فليسَ منّا ومَن غَشّنا فليسَ منّا ” .

(رواه مسلم)

الغش في المعاملات يمكن أن تحد منه القوانين ، ولكن كلما زادت القوانين شدة إبتكر الغشاشون نوعا جديدا من الغش. أما إذا حورب الغش من داخل نفس الإنسان ، فكان لا يحب لغيره إلاّ ما يحب لنفسه فإن الغش يقضى عليه أو قل كثيرا . من الغش إخفاء العيوب ، ومن الغش نقص المكيال ، ومن الغش الحلف الكاذب ، ومن الغش إظهار الورع والتقوى أمام المشتري ، ومن الغش وصف السلعة بما ليس فيها ، ومن الغش الوعد الكاذب مع اليقين بعدم التمكن من الوفاء . وشر الغشاشين الذين يغشون الناس ولا ينتفعون هم بل ينتفع غيرهم بذلك وما هم سوى أدوات لتنفيذ الغش ، وليس لهم من نفع سوى فائدة تافهة كرضاء أوليائهم عنهم أو مدحهم لهم وتشجيعهم على سوء عملهم لقاء ثمن بخس من متاع الدنيا الزائل ، وهذا عمل لا يرضاه الله تعالى.

إن رب الأسرة الذي يهمل توجيه أسرته وتعليمها غاشّ لهم ، والذي يكسب الرزق الحرام ويطعم أولاده من ذلك الرزق الحرام غاشّ لهم . وكانت نساء المؤمنين الأولين يوصين أزواجهن بالرزق الحلال ويقلن لهم: إتقوا الله فينا فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على حر جهنم . ومن ولي من أمر المسلمين شيئا فلم يبذل جهده معهم أو استأثر بالمنافع لنفسه وذويه دونهم فهو غاش لهم ، والرعية إذا لم تنصح لمن ولاّه الله أمرها غاشّة له.

أما حمل السلاح ضد المسلمين الذي ورد في هذا الحديث دون تأويل سائغ فهو كفر. والتأويل السائغ هو أن يكون هناك حجة شرعية يقبلها العقل استنادا إلى كتاب الله أو أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتأويل تقبله اللغة العربية ، كالدفاع عن النفس والمال والدين والعرض والوطن.
ـ 86 ـ مداراة الناس
عن عائشة رضي الله عنها قالت ، إستأذن رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ” إئذنوا لَهُ بئسَ أخو العَشيرَة هُوَ ” ، فلما دخل ألان له القول ، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله قلت عنه الذي قلت ثم ألنت له القول!! قال: ” يا عائشة ، إنّ شَرّ الناس مَنزلة عند اللّه يوم القيامَة من ودَعَهُ أو ترَكَهُ الناسُ اتّقاء فُحشه ” .

(متفق عليه)

لين الكلام وخفض الجناح للمؤمنين من الإيمان . أما الفسقة والأشرار فيجب التلطف بهم ومداراتهم ابتغاء تأليف قلوبهم وتزيين الإيمان لهم أو تجنب أذاهم . وقد نهى الله تعالى عن سب آلهة الكفار ” ولا تَسُبوا الذين يدعونَ من دون الله فيَسُبّوا اللّهَ عدوا بغير علم ” (28). فمن الدين مداراة السفهاء ، والتلطف بهم دون خنوع وبما لا يزيد من غرورهم وصلافتهم تجاه الحق. وهذا لا يقلبهم إلى أخيار فإن شر الناس من أكرم إتقاء شره. والله تعالى يحب الرفق في الأمر كله. أما إظهار العزة على الكفار ، ” أذلَّة على المؤمنينَ أعزَّة على الكافرينَ ” (29) فهو مطلوب في حال المجابهة والخصام مع جموع الكافرين أو ممثليهم أو المعاندين منهم الذين لا يظهرون أي لين تجاه الحق.

قال محمد بن الحنفية(30) رضي الله عنه: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدّا حتىيجعل الله له منه فرجا . وقد أخرج الطبراني من حديث علي بن الحسين(31) عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ” رأسُ العَقل بَعدَ الإيمان التوَدُدَ إلى النّاس واصطناعُ المعروف إلى كُلّ برّ وفاجر ”

ويبيح هذا الحديث غيبة المجاهر بفسوقه ، ولذلك أحوال محدودة منها تحذير المسلمين من شره والإستعانة بهم لتغيير منكره أو شكايته إلى قاض أو نحوه أو تسميته بما عرف عنه من منكر. أما فيما عدا ذلك فالغيبة محرمة . ” ولا يَغتَب بَعضُكُم بَعضا ، أيُحبّ أحَدُكُم أن يأكُلَ لَحمَ أخيه ميتا فَكَرهتُموهُ ” (32). وهكذا يجب على المسلم أن يستعمل هذه الرخص في حدودها فلا يتعداها ، كما أن عليه أن يجنب نفسه الوقوع في مواضع التهم بحيث يغتابه الناس أو يظنوا به سوءأ ورحم الله من جَبّ الغيبة عن نفسه.

ـ 87 ـ قضاء حوائج المسلمين
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

” المُسلمُ أخو المُسلمِ لا يَظلمهُ ولا يُسلمهُ ، مَن كانَ في حاجَة أخيه كانَ اللّهُ في حاجَته ، ومَن فَرَّجَ عن مُسلم كُربَة فَرَّجَ اللّهُ عنهُ بها كُربَة من كُرَب يوم القيامَة ومَن سَتَرَ مُسلما سَتَرهُ اللّهُ يومَ القيامة ” .

(متفق عليه)

المسلم يعامِل أخاه كما يحب أن يعامَل هو وخاصة في أوقات الضيق. فهو يساعد أخاه إن احتاج ، وينصره إن استنصره ، ويدافع عنه في غيابه ، ولا يسلمه إلى من يظلمه ، ولا يفشي سره ، ولا يتآمر عليه في جد ولا هزل . وإذا وجده في كربة نفَّسَ عنه بالكلمة الطيبة أو بقضاء حاجته أو بنصحه وإرشاده إلى من يستطيع مساعدته. ومشي المسلم في حاجة أخيه دون توقع نفع دنيوي منه ، من أقرب القربات إلى الله ، وليس بالقليل أن يقال: أن الله تعالى في حاجة فلان ما دام يقضي حاجة أخيه ، ومن حقوق المسلم على المسلم أخذ أقواله على أفضل وجه وعدم اتهامه إلاّ ببينة واضحة . ومن حق المسلم على المسلم أن يستره إذا وجده مرتكبا لأثم أو ذنب أو فعل يستقبحه الناس ، فمن ستر مسلما ستره الله تعالى (33).ـ

حقوق المسلمين بعضهم نحو بعض كثيرة ، بعضها عام لكل الأحايين ، وبعضها محدود في حالات خاصة . والمؤمن إذا جبل نفسه على عمل الخير في كل وقت ، وجعل ذلك شغله الشاغل عملا بقوله تعالى: ” فاستَبقوا الخيرات ” (34) ، فإنه يحاول جهده لخدمة غيره دون توقع ثواب أو مكافأة . ومن اعتاد ذلك قيّض الله له من يساعده في وقت الضيق. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” ما أكرَم شاب شيخا لسنّه ، إلاّ قيَّض اللّهُ له من يُكرمُهُ عندَ سنّه ” (35) ، كما قال: ” برّوا آباءكُم تَبرُّكم أبناءكُم ، وعِفّوا تَعفّ نساؤكُم ” (36). فإن من يؤدي حقوق غيره من المسلمين يقيض الله له من يؤدي حقه عند حاجته لذلك . وهذا المستوى من الفهم قد أدركه بعض عقلاء الغربيين اليوم في مساعدة بعضهم البعض والتعاون فيما بينهم ، حتى أنهم ودون الرجوع إلى أمر أو نهي من دين أو شرع أدركوا أن فعل الخير للناس يدخل الطمأنينة إلى نفس فاعل ذلك الخير ويذهب عنه القلق ، هذا في الوقت الذي تماهل كثير من المسلمين في التخلق بهذه الأخلاق ، فشاع التدابر وقطع الأرحام والأنانية ، فلاعجب أن أوكلهم الله تعالى إلى أنفسهم ورفع عنهم رعايته باللطف والرحمة جزاء سوء أعمالهم ولن يغير الله ما بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم(37).ـ
ـ 88 ـ طاعة المرأة لزوجها
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” لو كُنتُ آمرا أحَدا أن يَسجُدَ لأحَد ، لأمَرتُ المرأةَ أن تَسجُدَ لزوجها ”

(رواه أحمد والترمذي والحاكم)

في الوقت الذي أوصى الله تعالى الرجل بالإحسان إلى من يرعاهم من زوجة وأولاد وأم وأب خاصة إن كانا عاجزين ، فإن الوصية للمرأة بالطاعة تكون مكملة لتجانس الأسرة واكتمال تماسكها وتآلفها . فقد أعطى الله الرجل القوامة ، ” الرجالُ قوّامونَ على النساء ” (38) ، لكنه لم يعطه الحق في الإعتداء والظلم والتعسف. إن طاعة المرأة لزوجها أحد أركان تأسيس أسرة قوية متماسكة . ويأتي هذا الأمر ضمن أوامر مشابهة للولد بإطاعة أبيه ، وللرعية بإطاعة أميرها ، وفي الوقت نفسه أمر الراعي بالإحسان إلى رعيته ، وحرم الظلم والغش. وقد سبق في الحديثين 51 و 52 ذكر ذلك.

إن رعاية المرأة لزوجها وأولادها قد أسقط عنها فرائض كثيرة كالجهاد أو حضور الجمعة والجماعات . فالمرأة الصالحة تحفظ زوجها في بيتها ونفسها وولدها ، وإذا نظر إليها زوجها سرته وإذا أمرها أطاعته ولا تخرج من بيتها ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه وهي قد نذرت نفسها لصلاح بيتها وعند ذلك تنال فضل المجاهدين في سبيل الله وهي ماكثة في بيته ، أما إذا كانت المرأة ذات زوج فاسق ، فعليها مصاحبته بالمعروف وأداء حقوق الله أولا ثم حقوقه ثانيا ، وعدم مشاركته في فسوقه ، والإنكار عليه ولو بالقلب ، والدعاء له بالصلاح ، والترفق به حتى يجعل الله لها مخرجا . وإن كان مهملا لولدها فعليها أن تكون لولدها أما وأبا ، ولتكن لها أسوة حسنة في امرأة فرعون: ”ضرب اللّهُ مثلا للّذينَ آمَنوا امرَأةَ فرعونَ إذ قالَت ربّ ابن لي عندَكَ بيتا في الجَنَّة ونَجّنّي من فرعونَ وعَمَله ونَجّني منَ القوم الظالمينَ ” (39).ـ

ـ 89 ـ الأمانة
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

ـ” أربَع مَن كُنّ فيه كانَ مُنافقا خالصا ، ومَن كانَت فيه خَصلَة منهُنّ كانَت فيه خصلَة من النفاق حتى يَدَعَها: إذا أؤتُمنَ خانَ ، وإذا حَدَّثَ كَذَبَ ، وإذا عاهَدَ غَدَرَ ، وإذا خاصَمَ فَجَرَ ” .ـ

(متفق عليه)

الأسس القويمة لحسن المعاملة بين الناس (مسلمين وغير مسلمين) هي الصدق والأمانة والمحافظة على الوعد. فالأمانة أوصى بها تعالى: ” إنّ اللّهَ يأمُرُكُم أن تُؤَدّوا الأمانات إلى اهلها ” (40) ، وأوصى بالصدق ولعن الكاذبين ، وأمر بالوفاء بالعهد وبالعقود: ” وأوفوا بالعهد إنّ العَهدَ كانَ مَسؤولا ” (41) وبالعقود: ” ياأيُّها الّذينَ آمَنوا أوفوا بالعُقود ” (42). وقد مقت الله تعالى الخيانة حتى مع الكفار فقال: ” ولا تُجادل عَن الّذينَ يَختانونَ أنفُسَهُم ، إنّ اللّهَ لا يُحبّ مَن كانَ خوّانا أثيما ” (43).ـ

الخيانة صفة لا يمكن أن يتصف بها مؤمن كما سبق في الحديث (64) هامش (3) ، لذلك فالمعاملة بين المسلمين تستند إلى الأمانة والصدق والإيفاء بالعهود والمواثيق والعقود. ولقد بلغ من وفاء المسلمين بعهودهم ومواثيقهم مع غيرهم مبلغا على مر القرون السالفة لم تبلغه أمة من الأمم ، وذلك بفضل ما أمرهم به كتاب ربهم وما اخْتَطَّهُ لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته. فقد وفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعهده مع الكفار في صلح الحديبية حتى أخلفوا هم الميثاق.وفي حياته كان مثالا للإيفاء بالوعد ، وكان يأمر أصحابه بذلك . إحتجز الكفار قبيل معركة بدر حذيفة بن اليمّان رضي الله عنه وصاحبا له ، ولم يتروكوهما حتى وعداهم بأن لا يشاركا في المعركة التي توشك أن تقع. فلما استشارا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك أمرهما بالإيفاء بذلك ، فلم يشهدا معركة بدر. وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم هجرته عليا بن أبي طالب رضي الله عنه بعده ليرد الآمانات إلى أهلها والتي لم تكن سوى أمانات المشركين الذين عادوه وأخرجوه من بلده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ـ1ـ يزيد بن أسد هو جد خالد بن عبد الله القسري ، كان من أهل اليمن ، خرج في زمن عمر إلى فتح الشام ، ووجهه معاوية في4000 رجل من أهل الشام لنصرة عثمان رضي الله عنه فوصل المدينة فوجده قد قتل ، فلم يفعل شيئا.

ـ2ـ سورة الحشر الآية 9.

ـ3ـ سورة المائدة الآية 54.

ـ4ـ سورة آل عمران الآية 103.

ـ5ـ حديث: ” إذا أحبّ الرجل أخاهُ فليخبره أنه يحبه ” رواه عن المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.

ـ6ـحديث: ” إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب ، قال المَلَكُ ولك مثل ذلك ” رواه مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه.

ـ7ـ حديث: ” لا تؤمِنوا حتى تحابّوا ، ألا أدُلُّكُم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم... أفشوا السلامَ بينكم ” رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ـ8ـ حديث: ” المؤمنون بعضُهُم لبعض نَصَحة وادّون وإن بعدت منازلهم وأبدانهم ، والفجرة بعضهم لبعض غشَشَة متخاذلون وإن قربت منازلهم ” رواه أبو الشيخ بن حبان عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ـ9ـ سورة الذاريات الآية 55.

ـ10ـ سورة العصر الآيتان 2 و 3.

ـ11ـ سورة المائدة الآية

ـ12ـ سورة النحل الآية 8.

ـ13ـ سورة ص الآية 90.

ـ14ـ حديث: ” لا يقضي القاضي وهو غضبان ” متفق عليه من حديث أبي بكرة.

ـ15ـ رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ـ16ـ سورة الأنفال الآية 75.

ـ17ـ سورة البلد الآيتان 14 و 15.

ـ18ـ سورة الإسراء الآية 26.

ـ19ـ سورة النساء الآية 36.

ـ20ـ حديث : "إن الرفقَ لا يكونُ في شيء إلاّ زانه ، ولا ينزع من شيء إلاّ شانه" رواه مسلم عن إبن عباس رضي الله عنهما.

ـ21ـ حديث: ” رَحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ” رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

ـ22ـ سورة فصلت الآية 134.

ـ23ـ حديث: ” مَطل الغني ظلم ، وإذا أُتبِع أحدكم على مليئ فليتبع ” متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ـ24ـ سورة النساء الآية 19.

ـ25ـ سورة التغابن الآية 14.

ـ26ـ حديث من علامات الساعة: ” أطاع الرجل زوجَهُ وعَقّ أمَّهُ ” رواه الترمذي.

ـ27ـ راجع الحديث 18.

ـ28ـ سورة الأنعام الآية 108.

ـ29ـ سورة المائدة الآية 54.

ـ30ـ محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وأمه خولة بنت جعفر من بني حنيفة ، كان صاحب راية أبيه يوم الجمل وكان شجاعا فصيحا كريما ، توفي سنة 81هـ بالمدينة.

ـ31ـ علي زين العابدين الإبن الأصغر للإمام الحسين رضي الله عنهما ، كان عابدا زاهدا جوادا . وكان إذا توضأ اصفر لونه ، فإذا سئل عن ذلك قال أتدرون بين يدي من أريد أن أقف؟ وكان لا يترك قيام الليل لا سفرا ولا حضرا . كان محبوبا مهابا ، وحادثة المسجد الحرام مع هشام بن عبد الملك مشهورة حيث قال فيه الفرزدق:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته = والبيت يعرفه والحل والحرم
في قصيدته المشهورة . توفي بالمدينة ودفن في البقيع عام 99هـ وهو ابن 58 سنة.

ـ32ـ سورة الحجرات الآية 12.

ـ33ـ حديث: ” لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلاّ ستره الله يوم القيامة ” رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ـ34ـ سورة البقرة الآية 148وسورة المائدة الآية 48.

ـ35ـ رواه الترمذي.

ـ36ـ حديث: ” برّوا آباءَكُم تبرّكُم أبناؤكُم ، وعُفّوا تَعُفّ نساؤكُم ” رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ـ37ـ ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم ” سورة الرعد الآية 11

ـ38ـ سورة النساء الآية 34.

ـ39ـ سورة التحريم الآية 11.

ـ40ـ سورة النساء الآية 58.

ـ41ـ سورة الإسراء الآية 34.

ـ42ـ سورة المائدة الآية 1.

ـ43ـ سورة النساء الآية 107.

الدكتور أحمد باذيب
05-23-2010, 06:50 PM
نتابع بتلهف
جزاك الله خيرا استاذنا ابا لطفي