الخليفي الهلالي
12-21-2009, 01:37 PM
في أصول التوتر الحدودي السعودي ـ اليمني (١)
قضايا الحدود العربية من القضايا التي ربما من الصعب تاريخياً حسمها ليس لأنها معقدة فنيا، فقضايا الحدود الأوروبية كانت أكثر تعقيداً وأكثر مدعاة للحروب والنزاعات.
الحدود العربية - العربية اتسمت بثلاث سمات كبرى جعلت منها قضية مثارة دائماً ومصدر أزمة فى الأجواء والعلاقات العربية الحديثة: أولاها ارتباط ترسيم الحدود بمسألة شرعية الحكم، ثانيتها ارتباط عدم استقرار الحدود بالقدرة على الاختراق الإقليمي، ثالثتها ارتباط عدم استقرار الحدود بعدم الاستقرار الداخلي الاجتماعي للدولة.
إشكالية الحدود العربية في الواقع هى إشكالية ليست مرتبطة في المقام الأول بعناصر دبلوماسية، ولكن بعناصر استراتيجية، ونقصد بذلك أنه كلما كانت البيئة الاستراتيجية الإقليمية في منطقة جيوبلوتيكية معينة تعانى من مظاهر عدم توافق استراتيجي، انفجرت أو تم التلويح بتفجير قضايا الحدود، لما لهذه القضايا من حساسية فائقة بالنسبة لنظم الحكم العربية.
الأمر الذي يقول لنا إن هناك أزمة بنائية في البيئة الاتصالية العربية تظهر من ضمن ما تظهر في معضلة الحدود العربية- العربية. فنأخذ على سبيل المثال قضايا الحدود اليمنية- السعودية للتوضيح، حيث نرى أنه رغم التوصل إلى اتفاق بترسيم الحدود في عام ٢٠٠٠، فإن الأوضاع الداخلية في اليمن والإقليمية تبعث على تفجير القضية مرة أخرى.
فتاريخيا استمرت الخلافات الحدودية بين اليمن والسعودية، دون حسم طوال حقبة التشطير سواء على حدود الشطر الشمالي أو الجنوبي من اليمن.. وفى ظل دولة الوحدة، بدأت اليمن تطرح مسألة حل مشكلة الحدود المزمنة مع السعودية بشكل أكثر جدية وذلك من خلال وسائل اتصالية كان على رأسها اجتماع القمة بين الدولتين، الذي تمثل في زيارة الرئيس علي عبدالله صالح للسعودية في فبراير ١٩٩٠ ولقائه في حفر الباطن بالملك فهد، حيث كان الهاجس المشترك للمحادثات مسألة الحدود، وقد أكد الرئيس علي عبدالله صالح أنه بالوحدة نضمن إنهاء مسألة الحدود، إلا أن مضمون هذه المسألة الاتصالية لم يواجه برد فعل مشجع من قبل السعودية، والتي كانت تنظر للوحدة اليمنية باعتبارها تهديدا جيواستراتيجيا على أنها تمثل تهديداً خطيراً ينبغي احتواؤه بسبب الاضطراب الداخلي الذي صاحب الحرب الأهلية اليمنية والذي استمر بعد ذلك حتى الآن.
مارست الرياض سياسة الحذر السياسي والاقتصادي، بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، تجاه اليمن بعد حرب الخليج الثانية.
تغير الوضع الجيوبلوتيكي لليمن بسبب الوحدة، فأدى هذا إلى إثارة بعض القضايا الحدودية بينهما. فمثلا أنذرت الرياض شركات النفط الفرنسية العاملة في اليمن بالتوقف عن عملية التنقيب في المناطق التي اعتبرتها أراضى سعودية. وانعكس أثر هذا التدهور في العلاقات اليمنية - السعودية على البيئة الاتصالية لهما.
فتم اللجوء إلى طرف ثالث غربي، فباريس كانت حريصة على مصالح شركاتها النفطية العاملة في اليمن، مما دفعها لإرسال وزير خارجيتها في أكتوبر ١٩٩١، للقيام بمساع للوساطة بين صنعاء والرياض لتسوية النزاع بالطرق السليمة.
أما واشنطن، التي كانت قد أكدت أنها لا تتخذ عادة مواقف من القضايا المتعلقة بالمنازعات الحدودية، إلا أن ذلك لا ينفى حقيقة أن تكون قد مارست ضغوطاً قوية على صنعاء، لدفعها نحو التفاوض مع الرياض لحل الخلاف الحدودي بينهما انطلاقا من مصالحها المتعاظمة في كل من السعودية واليمن.
فوجهت رسالة إلى صنعاء والرياض في يونيو ١٩٩٢، أكدت فيها موقفها الرسمي، الذي تلخص في التشديد على ضرورة حل الخلافات بالطرق السلمية عبر التفاوض، والوساطة والتحكيم.أثمرت جهود الوساطة الأمريكية والفرنسية عن التقاء الطرفين على طاولة المفاوضات بجنيف في ٢١ يوليو ١٩٩٢، وتم الاتفاق على الاحتكام إلى المفاوضات، وهو ما لم يكن يعنى أكثر من إبداء رغبة الطرفين في تسكين حدة الصراع.
ويستمر التحليل.
المصدر: صحيفة المصري اليوم
التعليق ..متى يزال فخ الحدود بين العرب ؟!
قضايا الحدود العربية من القضايا التي ربما من الصعب تاريخياً حسمها ليس لأنها معقدة فنيا، فقضايا الحدود الأوروبية كانت أكثر تعقيداً وأكثر مدعاة للحروب والنزاعات.
الحدود العربية - العربية اتسمت بثلاث سمات كبرى جعلت منها قضية مثارة دائماً ومصدر أزمة فى الأجواء والعلاقات العربية الحديثة: أولاها ارتباط ترسيم الحدود بمسألة شرعية الحكم، ثانيتها ارتباط عدم استقرار الحدود بالقدرة على الاختراق الإقليمي، ثالثتها ارتباط عدم استقرار الحدود بعدم الاستقرار الداخلي الاجتماعي للدولة.
إشكالية الحدود العربية في الواقع هى إشكالية ليست مرتبطة في المقام الأول بعناصر دبلوماسية، ولكن بعناصر استراتيجية، ونقصد بذلك أنه كلما كانت البيئة الاستراتيجية الإقليمية في منطقة جيوبلوتيكية معينة تعانى من مظاهر عدم توافق استراتيجي، انفجرت أو تم التلويح بتفجير قضايا الحدود، لما لهذه القضايا من حساسية فائقة بالنسبة لنظم الحكم العربية.
الأمر الذي يقول لنا إن هناك أزمة بنائية في البيئة الاتصالية العربية تظهر من ضمن ما تظهر في معضلة الحدود العربية- العربية. فنأخذ على سبيل المثال قضايا الحدود اليمنية- السعودية للتوضيح، حيث نرى أنه رغم التوصل إلى اتفاق بترسيم الحدود في عام ٢٠٠٠، فإن الأوضاع الداخلية في اليمن والإقليمية تبعث على تفجير القضية مرة أخرى.
فتاريخيا استمرت الخلافات الحدودية بين اليمن والسعودية، دون حسم طوال حقبة التشطير سواء على حدود الشطر الشمالي أو الجنوبي من اليمن.. وفى ظل دولة الوحدة، بدأت اليمن تطرح مسألة حل مشكلة الحدود المزمنة مع السعودية بشكل أكثر جدية وذلك من خلال وسائل اتصالية كان على رأسها اجتماع القمة بين الدولتين، الذي تمثل في زيارة الرئيس علي عبدالله صالح للسعودية في فبراير ١٩٩٠ ولقائه في حفر الباطن بالملك فهد، حيث كان الهاجس المشترك للمحادثات مسألة الحدود، وقد أكد الرئيس علي عبدالله صالح أنه بالوحدة نضمن إنهاء مسألة الحدود، إلا أن مضمون هذه المسألة الاتصالية لم يواجه برد فعل مشجع من قبل السعودية، والتي كانت تنظر للوحدة اليمنية باعتبارها تهديدا جيواستراتيجيا على أنها تمثل تهديداً خطيراً ينبغي احتواؤه بسبب الاضطراب الداخلي الذي صاحب الحرب الأهلية اليمنية والذي استمر بعد ذلك حتى الآن.
مارست الرياض سياسة الحذر السياسي والاقتصادي، بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، تجاه اليمن بعد حرب الخليج الثانية.
تغير الوضع الجيوبلوتيكي لليمن بسبب الوحدة، فأدى هذا إلى إثارة بعض القضايا الحدودية بينهما. فمثلا أنذرت الرياض شركات النفط الفرنسية العاملة في اليمن بالتوقف عن عملية التنقيب في المناطق التي اعتبرتها أراضى سعودية. وانعكس أثر هذا التدهور في العلاقات اليمنية - السعودية على البيئة الاتصالية لهما.
فتم اللجوء إلى طرف ثالث غربي، فباريس كانت حريصة على مصالح شركاتها النفطية العاملة في اليمن، مما دفعها لإرسال وزير خارجيتها في أكتوبر ١٩٩١، للقيام بمساع للوساطة بين صنعاء والرياض لتسوية النزاع بالطرق السليمة.
أما واشنطن، التي كانت قد أكدت أنها لا تتخذ عادة مواقف من القضايا المتعلقة بالمنازعات الحدودية، إلا أن ذلك لا ينفى حقيقة أن تكون قد مارست ضغوطاً قوية على صنعاء، لدفعها نحو التفاوض مع الرياض لحل الخلاف الحدودي بينهما انطلاقا من مصالحها المتعاظمة في كل من السعودية واليمن.
فوجهت رسالة إلى صنعاء والرياض في يونيو ١٩٩٢، أكدت فيها موقفها الرسمي، الذي تلخص في التشديد على ضرورة حل الخلافات بالطرق السلمية عبر التفاوض، والوساطة والتحكيم.أثمرت جهود الوساطة الأمريكية والفرنسية عن التقاء الطرفين على طاولة المفاوضات بجنيف في ٢١ يوليو ١٩٩٢، وتم الاتفاق على الاحتكام إلى المفاوضات، وهو ما لم يكن يعنى أكثر من إبداء رغبة الطرفين في تسكين حدة الصراع.
ويستمر التحليل.
المصدر: صحيفة المصري اليوم
التعليق ..متى يزال فخ الحدود بين العرب ؟!