ابن شمال المملكة
01-08-2010, 11:11 PM
ابن جبرين بين الحوت والنمل
بدر بن نادر المشاري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
ابن جبرين علم وقمة ورأس, القلم يخجل في الكتابة عنه, والأفكار تتسابق في الحديث عن شخصه, والمواقف تتزاحم لوصفه, فالحديث عنه ليس من مجاراة الواقع, أو زيادة في التباكي أو استجداء النحيب لا, وإن كانت قلوبنا متفطرة وأنفسنا متحسرة والدموع واكفه.
وأنا هنا لست ممن يؤلِّه الأشخاص ويبالغ في الإطراء ويغلوا في المدح ولا أقيم مأتماً في ذكراه كـلا, لكني تأملت معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن أهل السموات ومن في الأرض يستغفرون لطالب العلم وحتى الحيتان في البحر " وهو أكبر حيواناته " والنمل في الجحر ) وهو أصغر حيوان في البر .
قلت: هنيئاً لابن جبرين العالم ولا نزكي على الله أحداً فهو من استغفار الحيتان والنمل.
لن أتحدث عن معرفتنا لشيخنا وقرائتنا عليه والمواقف معه والاستفادة منها ولقاءاتنا المتعددة التي لا أحصيها من كثرتها فآخرها زيارة لبيته الصغير لديّ قبل دخوله المستشفى بأيام هذا العام, كان فيها من جميل الذكريات وروائع الفوائد.
ولا أعتقد أن المراثي والتباكي سيحقق لنا عملاً أو يفتح لنا مغلقاً, ولأن الإسلام على ممر عصوره بطول تاريخه وعرضه لا يموت إن مرض ولا يقف إن تباطؤا أهله وتثاقلوا الخطى.
فالصادق في حبه والمتأثر من قلبه يقوده الحزن الحقيقي والحب الصادق إلى آمال أبعد وآمال أعظم, فيتحمل الراية ويغير السلوك إلى ما هو أفضل ويخوض إلى غمار المجد بنهج الشيخ ويحذو حذوه ويقتفي أثره ويسير على منواله وإلا فما الحكمة من وجود العلماء ليعلموا ويبلغوا ويقتدى بهم ويُشار ويُسَار على أثرهم.
وإني كنت أتابع وأقرأ وأرصد ما كتب من مقالات وما قيل من قصائد وشعر ومارثي به الشيخ من مراثي.
واستمعت إلى بعض الخطب المباركة وأطرق مسامعنا المشاعر المتأججة بل ولا أبالغ ورأينا دموعاً ذرفت حزناً على فراق الشيخ حباً ووفاء له.
ولاشك أن هذا يدل على حب حراس الشريعة وحملة المنهج والمدافعين عن لا إله إلا الله لكن الخير يزداد إذا ترجمت المشاعر عملاً وطبقت تلك المحبة واقعاً.
فأقول: أولاً: إذا مات الاسم بقي الأثر والرسم، فالصغار نقول لهم مات الشيخ وقد حفظ القرآن وأتقنه وعمره ست عشر عاماً وكان ذا همة عالية, فتعلم وكابد وحفظ المتون وتلقى الشروح والتعليم على أيدي علماء ربانين آنذاك فما هو حفظك وأين همتك؟!.
وأقول للآباء وكان أبوهما صالحاً صلاح الأب صلاح للابن بإذن الله, فالشيخ على يدي أبيه بدأ في تعلم القرآن بل وكان يبتهل ويدعوا حتى قال فيه لما رآى حرصه وجدّه ورغب السفر إلى طلب العلم قال فيما نظم:
فـيا رب عبد الله وفقه للهدى وجنبه محذورات ما يتوقع
وسدد به في كل أمر يريده فلا يشتكي إلا إليك ويفزع
ويسر له رزقاً حلالاً مباركاً ينال به خيراً وللبر يصنع
فأين دورك وما هو تأثيرك وهل تحرص على دعاء ربك لنفسك وذريتك.
وأقول لمن يتلقى ويلقي ليكن همك الحق والدليل وقبول الحق أياً كان مصدره دون تعنصر لفئة ولا لأشخاص أو حتى لمذهب , فكان الشيخ يدور مع الدليل حيث دار, كما كان أسلافه وكثير من أهل العلم الراسخين مزيج بين عدد من العلماء وخريج علوم وفهوم كثيرة.
فالإمام محمد بن إبراهيم وابن باز في نجد وغيرهما وإسماعيل وحماد أنصاريين, ومحمد البيحاني حضرمي وعبد الرزاق عفيفي مصري والشنقيطي موريتاني رحمهم الله رحمة واسعة أئمة الهدى وما صبيح الدجى.
وهذا نهج قويم وفهم للكتاب والسنة عميق, واقتفاء نهج أسلاف الأمة الصلحاء, والسبيل الأحكم فلينتبه لهذا.
وأقول لكل داعية ومصلح: إن ابن جبرين مضى العالم على نور من الله دعى على علم وبصيرة, والتزم الحكمة وترك الجدل راغباً في الحق, يريد الإصلاح ويُحذِّر من الفتنة , ويجتنب الشبهة, ويأخذ بالرفق ويدعو باللين.
ولم ينزع يداً من طاعة ولا شذ عن جماعة وما شمت بأقرانه ولا يتصيد على أهل الخير أخطاء ولايتتبع عثرات، ولا يلحق زلات ونحسب أنه منع النفس من الحقد والحسد والظلم, فكان خير مثال في ذلك, فازداد تواضعاً مع زيادة العلم.
فارتفع شأنه وعظم قدره فخذ أيها الداعية بهذه الخصال لتفلح في دعوتك وتثمر في طريقتك, وتعظم منزلتك ويحبك الصغير والكبير والملك والوزير والخادم والأمير , باختصار كن كالغيث أينما حللت نفعت , وأقول للغيورين للحق وعلى الحق.
إن الشيخ يغار على دين ربه لكن هدفه نصر الصدق وبيان الحق لا ينتصر لنفسه ولا يغضب لها ,بل ينتصر للحق إذا نتهكت حرمات الله ولم يُعلم أنه خاصم إلا أهل البدع الذي طار بعضهم فرحاً بموته, وعلى رأسهم الرافضة ومن على شاكلتهم فهؤلاء يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم كما قال أبو أيوب السختياني الذين يفرحون بموت أهل السنة يريدون إطفاء نور الله بأفواههم.
وهذا أيضاً من فوائد موت العلماء لتبين الحقائق وتنجلي الدخائل وتتميز الصفوف, فبعض أولئك وخاصة منهم أرباب الصحافة وحملة الأقلام المنحرفة من كتابهم هذا ديدنهم إذا مات شاعر ملحد أو كاتب زنديق أو مفكر ضال أو مغنيِ ماجن أو غانية هابطة تباكت قلوبهم وانبرت أقلامهم وطال نحيبهم وكثر ضجيجهم وعظم بكاؤهم وزاد رثاؤهم.
أما العالم العابد الراسخ إذا مات جفت أقلامهم وأخرست أفواههم واستعجم كلامهم واثاقلوا إلى الأرض (( وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ )) [ سورة التوبة: 46].
وأقول لأبناء وطلاب وأحباب الشيخ هلموا بالعمل, واعملوا لما يحفظ تركة الشيخ من الميراث العلم النافع والعمل الصالح , أظهروا مآثره وأسراره الرافعة للهم.
افتحوا كتاب الذكريات وقلبوا صفحات الحياة العلمية العملية الصادقة الناجحة, امنحوا الطلاب والمحبين وللأمة الفرصة في الالتحاق إلى مدرسته والابتعاث إلى تاريخه والتخرج من جامعته.
هذا من البر الذي هو عرفتم به في حياته وأنتم أهله بعد موته وأقل حقوقه عليكم زادكم الله براً كما أنتم وعرفتم.
وأقول للتجار والمحسنين: إن الذي منحكم المال هو الله والذي أعطانا وإياكم النعيم هو المتفضل ربنا الرزاق الذي لا يريد منا من رزق ولا إطعام فإن حرمتم العلم الشرعي حملاً وتدريس وتعليماً فلا تحرموا آثره ونشره وأنتم قد أنعم الله عليكم بالمال.
ومن حق العلماء بل والأمة أن يحفظ عملهم وينشر للأجيال فأنشئوا الأوقاف وأقيموا المؤسسات والمراكز العلمية لتعنى بعلم الإحياء من العلماء والأموات وارعوه واسقوا زرعها لتجنوا ثمارها يوم حصاده في الدنيا والآخرة.
فنحن لكم داعين ولجهودكم شاكرين, وليكن لتراث ابن جبرين من بذلكم نصيباً وافراً وفاءً له وللأمة لتدخلوا في قول رسول الله: ( إذا مات ابن آدم أنقطع عمله إلا من ثلاث ).
وأقول للأمة جمعاء حكاماً ومحكومين وعلماء وعامة وصغار وكبار: أخرجوا لنا قادة بارعين, وادرسوا وابحثوا وفكروا واعملوا عملاًً جماعياً مؤسسياً استراتيجياً في تخريج القادة في كل مجالات العلوم والمعارف والحياة كلها, وخصوصاً العلم الشرعي.
فنحن على يقين أنه إذا مات منا سيد قام سيد، فاشحذوا الهمم وقووا العزائم وألهبوا الحماس المنضبط وأشعلوا هذه الثمرة وجميل الثناء وحسن الذكر وروعة الحب, ونحن على يقين بفلاح ونصر الأمة بإذن الله {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } (110) سورة يوسف.
فيا أيتها الصحف والفضائيات والمواقع أعلنوا الحب للعلماء وأظهروا إجلال النبلاء واصدقوا في الثناء دون إفراط وجفاء قووا مكانة العلماء بين الناس, واحفظوا لهم حقهم وانشروا عبادة توحيدهم دون غلو وتفريط.
وأختم بمقولة عون بن عبد العزيز لعمر بن عبد العزيز: إن استطعت أن تكون عالماً فكن عالماً, فإن لم تستطع فكن متعلماً، فإن لم تكن متعلماً فأحبهم فإن لم تحبهم فلا تبغضهم.
فقال عمر: سبحان الله! لقد جعل الله عز وجل له مخرجاً. [ العلم لزهير بن حرب 1/3 ].
رحم الله ابن جبرين وعلماء أمتنا وسائر المسلمين والمسلمات, ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) فإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنـا على فراقك يا ابن جبرين لمحزونون, ولله ما أعطى وله ما أخذ وكل شئ عنده بأجل مسمى, وإنا بإذن الله لسائرون ومتفائلون وبالله واثقون.
فسلامٌ على الشيخ يوم ولد ويوم تعلم ويوم علم ويوم حيي ويوم مات ويوم يبعث حياً، وهنيئاً لك استغفار الحوت والنمل نحسبك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بدر بن نادر المشاري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
ابن جبرين علم وقمة ورأس, القلم يخجل في الكتابة عنه, والأفكار تتسابق في الحديث عن شخصه, والمواقف تتزاحم لوصفه, فالحديث عنه ليس من مجاراة الواقع, أو زيادة في التباكي أو استجداء النحيب لا, وإن كانت قلوبنا متفطرة وأنفسنا متحسرة والدموع واكفه.
وأنا هنا لست ممن يؤلِّه الأشخاص ويبالغ في الإطراء ويغلوا في المدح ولا أقيم مأتماً في ذكراه كـلا, لكني تأملت معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن أهل السموات ومن في الأرض يستغفرون لطالب العلم وحتى الحيتان في البحر " وهو أكبر حيواناته " والنمل في الجحر ) وهو أصغر حيوان في البر .
قلت: هنيئاً لابن جبرين العالم ولا نزكي على الله أحداً فهو من استغفار الحيتان والنمل.
لن أتحدث عن معرفتنا لشيخنا وقرائتنا عليه والمواقف معه والاستفادة منها ولقاءاتنا المتعددة التي لا أحصيها من كثرتها فآخرها زيارة لبيته الصغير لديّ قبل دخوله المستشفى بأيام هذا العام, كان فيها من جميل الذكريات وروائع الفوائد.
ولا أعتقد أن المراثي والتباكي سيحقق لنا عملاً أو يفتح لنا مغلقاً, ولأن الإسلام على ممر عصوره بطول تاريخه وعرضه لا يموت إن مرض ولا يقف إن تباطؤا أهله وتثاقلوا الخطى.
فالصادق في حبه والمتأثر من قلبه يقوده الحزن الحقيقي والحب الصادق إلى آمال أبعد وآمال أعظم, فيتحمل الراية ويغير السلوك إلى ما هو أفضل ويخوض إلى غمار المجد بنهج الشيخ ويحذو حذوه ويقتفي أثره ويسير على منواله وإلا فما الحكمة من وجود العلماء ليعلموا ويبلغوا ويقتدى بهم ويُشار ويُسَار على أثرهم.
وإني كنت أتابع وأقرأ وأرصد ما كتب من مقالات وما قيل من قصائد وشعر ومارثي به الشيخ من مراثي.
واستمعت إلى بعض الخطب المباركة وأطرق مسامعنا المشاعر المتأججة بل ولا أبالغ ورأينا دموعاً ذرفت حزناً على فراق الشيخ حباً ووفاء له.
ولاشك أن هذا يدل على حب حراس الشريعة وحملة المنهج والمدافعين عن لا إله إلا الله لكن الخير يزداد إذا ترجمت المشاعر عملاً وطبقت تلك المحبة واقعاً.
فأقول: أولاً: إذا مات الاسم بقي الأثر والرسم، فالصغار نقول لهم مات الشيخ وقد حفظ القرآن وأتقنه وعمره ست عشر عاماً وكان ذا همة عالية, فتعلم وكابد وحفظ المتون وتلقى الشروح والتعليم على أيدي علماء ربانين آنذاك فما هو حفظك وأين همتك؟!.
وأقول للآباء وكان أبوهما صالحاً صلاح الأب صلاح للابن بإذن الله, فالشيخ على يدي أبيه بدأ في تعلم القرآن بل وكان يبتهل ويدعوا حتى قال فيه لما رآى حرصه وجدّه ورغب السفر إلى طلب العلم قال فيما نظم:
فـيا رب عبد الله وفقه للهدى وجنبه محذورات ما يتوقع
وسدد به في كل أمر يريده فلا يشتكي إلا إليك ويفزع
ويسر له رزقاً حلالاً مباركاً ينال به خيراً وللبر يصنع
فأين دورك وما هو تأثيرك وهل تحرص على دعاء ربك لنفسك وذريتك.
وأقول لمن يتلقى ويلقي ليكن همك الحق والدليل وقبول الحق أياً كان مصدره دون تعنصر لفئة ولا لأشخاص أو حتى لمذهب , فكان الشيخ يدور مع الدليل حيث دار, كما كان أسلافه وكثير من أهل العلم الراسخين مزيج بين عدد من العلماء وخريج علوم وفهوم كثيرة.
فالإمام محمد بن إبراهيم وابن باز في نجد وغيرهما وإسماعيل وحماد أنصاريين, ومحمد البيحاني حضرمي وعبد الرزاق عفيفي مصري والشنقيطي موريتاني رحمهم الله رحمة واسعة أئمة الهدى وما صبيح الدجى.
وهذا نهج قويم وفهم للكتاب والسنة عميق, واقتفاء نهج أسلاف الأمة الصلحاء, والسبيل الأحكم فلينتبه لهذا.
وأقول لكل داعية ومصلح: إن ابن جبرين مضى العالم على نور من الله دعى على علم وبصيرة, والتزم الحكمة وترك الجدل راغباً في الحق, يريد الإصلاح ويُحذِّر من الفتنة , ويجتنب الشبهة, ويأخذ بالرفق ويدعو باللين.
ولم ينزع يداً من طاعة ولا شذ عن جماعة وما شمت بأقرانه ولا يتصيد على أهل الخير أخطاء ولايتتبع عثرات، ولا يلحق زلات ونحسب أنه منع النفس من الحقد والحسد والظلم, فكان خير مثال في ذلك, فازداد تواضعاً مع زيادة العلم.
فارتفع شأنه وعظم قدره فخذ أيها الداعية بهذه الخصال لتفلح في دعوتك وتثمر في طريقتك, وتعظم منزلتك ويحبك الصغير والكبير والملك والوزير والخادم والأمير , باختصار كن كالغيث أينما حللت نفعت , وأقول للغيورين للحق وعلى الحق.
إن الشيخ يغار على دين ربه لكن هدفه نصر الصدق وبيان الحق لا ينتصر لنفسه ولا يغضب لها ,بل ينتصر للحق إذا نتهكت حرمات الله ولم يُعلم أنه خاصم إلا أهل البدع الذي طار بعضهم فرحاً بموته, وعلى رأسهم الرافضة ومن على شاكلتهم فهؤلاء يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم كما قال أبو أيوب السختياني الذين يفرحون بموت أهل السنة يريدون إطفاء نور الله بأفواههم.
وهذا أيضاً من فوائد موت العلماء لتبين الحقائق وتنجلي الدخائل وتتميز الصفوف, فبعض أولئك وخاصة منهم أرباب الصحافة وحملة الأقلام المنحرفة من كتابهم هذا ديدنهم إذا مات شاعر ملحد أو كاتب زنديق أو مفكر ضال أو مغنيِ ماجن أو غانية هابطة تباكت قلوبهم وانبرت أقلامهم وطال نحيبهم وكثر ضجيجهم وعظم بكاؤهم وزاد رثاؤهم.
أما العالم العابد الراسخ إذا مات جفت أقلامهم وأخرست أفواههم واستعجم كلامهم واثاقلوا إلى الأرض (( وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ )) [ سورة التوبة: 46].
وأقول لأبناء وطلاب وأحباب الشيخ هلموا بالعمل, واعملوا لما يحفظ تركة الشيخ من الميراث العلم النافع والعمل الصالح , أظهروا مآثره وأسراره الرافعة للهم.
افتحوا كتاب الذكريات وقلبوا صفحات الحياة العلمية العملية الصادقة الناجحة, امنحوا الطلاب والمحبين وللأمة الفرصة في الالتحاق إلى مدرسته والابتعاث إلى تاريخه والتخرج من جامعته.
هذا من البر الذي هو عرفتم به في حياته وأنتم أهله بعد موته وأقل حقوقه عليكم زادكم الله براً كما أنتم وعرفتم.
وأقول للتجار والمحسنين: إن الذي منحكم المال هو الله والذي أعطانا وإياكم النعيم هو المتفضل ربنا الرزاق الذي لا يريد منا من رزق ولا إطعام فإن حرمتم العلم الشرعي حملاً وتدريس وتعليماً فلا تحرموا آثره ونشره وأنتم قد أنعم الله عليكم بالمال.
ومن حق العلماء بل والأمة أن يحفظ عملهم وينشر للأجيال فأنشئوا الأوقاف وأقيموا المؤسسات والمراكز العلمية لتعنى بعلم الإحياء من العلماء والأموات وارعوه واسقوا زرعها لتجنوا ثمارها يوم حصاده في الدنيا والآخرة.
فنحن لكم داعين ولجهودكم شاكرين, وليكن لتراث ابن جبرين من بذلكم نصيباً وافراً وفاءً له وللأمة لتدخلوا في قول رسول الله: ( إذا مات ابن آدم أنقطع عمله إلا من ثلاث ).
وأقول للأمة جمعاء حكاماً ومحكومين وعلماء وعامة وصغار وكبار: أخرجوا لنا قادة بارعين, وادرسوا وابحثوا وفكروا واعملوا عملاًً جماعياً مؤسسياً استراتيجياً في تخريج القادة في كل مجالات العلوم والمعارف والحياة كلها, وخصوصاً العلم الشرعي.
فنحن على يقين أنه إذا مات منا سيد قام سيد، فاشحذوا الهمم وقووا العزائم وألهبوا الحماس المنضبط وأشعلوا هذه الثمرة وجميل الثناء وحسن الذكر وروعة الحب, ونحن على يقين بفلاح ونصر الأمة بإذن الله {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } (110) سورة يوسف.
فيا أيتها الصحف والفضائيات والمواقع أعلنوا الحب للعلماء وأظهروا إجلال النبلاء واصدقوا في الثناء دون إفراط وجفاء قووا مكانة العلماء بين الناس, واحفظوا لهم حقهم وانشروا عبادة توحيدهم دون غلو وتفريط.
وأختم بمقولة عون بن عبد العزيز لعمر بن عبد العزيز: إن استطعت أن تكون عالماً فكن عالماً, فإن لم تستطع فكن متعلماً، فإن لم تكن متعلماً فأحبهم فإن لم تحبهم فلا تبغضهم.
فقال عمر: سبحان الله! لقد جعل الله عز وجل له مخرجاً. [ العلم لزهير بن حرب 1/3 ].
رحم الله ابن جبرين وعلماء أمتنا وسائر المسلمين والمسلمات, ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) فإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنـا على فراقك يا ابن جبرين لمحزونون, ولله ما أعطى وله ما أخذ وكل شئ عنده بأجل مسمى, وإنا بإذن الله لسائرون ومتفائلون وبالله واثقون.
فسلامٌ على الشيخ يوم ولد ويوم تعلم ويوم علم ويوم حيي ويوم مات ويوم يبعث حياً، وهنيئاً لك استغفار الحوت والنمل نحسبك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.