مبارك بوشندل
02-06-2010, 06:14 AM
من كتاب صيد الخاطر ايضاَ لابن الجوزي يرحمه الله
الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه.
فأمر بقصد نيته ورفع اليدين إليه والسؤال له.
فقلوب الجهال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكف عن الخطايا.
والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة وكفتهم عن الانبساط.
ولولا نوع تغطية على عين المراقبة الحقيقية لما انبسطت كف بأكل ولا قدرت عين على نظر.
ومن هذا الجنس إنه ليغان على قلبي ومتى تحققت المراقبة حصل الأنس، وإنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة، لأن المخالفة توجب الوحشة، والموافقة مبسطة المستأنسين. في لذة عيش المستأنسين، ويا خسار المستوحشين.
وليست الطاعة كما يظن أكثر الجهال أنها في مجرد الصلاة والصيام.
إنما الطاعة الموافقة بامتثال الأمر واجتناب النهي.
هذا هو الأصل والقاعدة الكلية، فكم من متعبد بعيد، لأنه مضيع الأصل وهادم للقواعد بمخالفة الأمر وارتكاب النهي.
وإنما المحقق من أمسك ذؤابة ميزان المحاسبة للنفس فأدى ما عليه واجتنب ما نهى عنه.
فإن رزق زيادة تنفل وإلا لم يضره والسلام.
فصل بين المتعة والخوف
رأيت النفس تنظر إلى لذات أرباب الدنيا العاجلة وتنسى كيف حصلت وما يتضمنها من الآفات.
وبيان هذا أنك إن رأيت صاحب إمارة وسلطنة فتأملت نعمته وجدتها مشوبة فإن لم يقصد هو الشر حصل من عماله.
ثم هو خائف منزعج في كل أموره حذر من عدو أن يسيئه، قلق ممن هو فوقه أن يعزله، ومن نظير أن يكيده.
ثم أكثر زمانه يمضي في خدمة من يخافه من السلاطين، وفي حساب أموالهم، وتنفيذ أوامرهم التي لا تخلو من أشياء منكرة.
وإن عزل أربى ذلك على جميع ما نال من لذة.
ثم تلك اللذة تكون مغمورة بالحذر فيها ومنها وعليها.
وإن رأيت صاحب تجارة رأيته قد تقطع في البلاد فلم ينل ما نال إلا بعد علو السن وذهاب زمان اللذة.
كما حكي أن رجلاً من الرؤساء كان حال شبيبته فقيراً، فلما كبر استغنى وملك أموالاً واشترى عبيداً من الترك وغيرهم وجواري من الروم فقال هذه الأبيات في شرح حاله.
ما كنت أرجوه إذ كنت ابن عشرينا ... ملكته بعد أن جاوزت سبعينا
تطوف بي من الأتراك أغزلة ... مثل الغصون على كثبان يبرينا
وخرد من بنات الروم رائعة ... يحكين بالحسن حور الجنة العينا
يغمزنني بأساريع منعمة ... تكاد تعقد من أطرافها لينا
يردن إحياء ميت لا حراك به ... وكيف يحيين ميتاً صار مدفونا
قالوا أنينك طول الليل يسهرنا ... فما الذي تشتكي قلت الثمانينا
وهذه الحالة هي الغالبة فإن الإنسان لا يكاد يجتمع له كل ما يحبه إلا عند قرب رحيله، فإن بدر ما يحب في بداية شبابه فالصبوة مانعة من فهم التدابير أو حسن الإلتذاذ.
والإنسان في حالة الصبوة لا يدري أين هو إلا أن يبلغ، فإذا بلغ كانت همته في المنكوح كيف ما اتفق.
وإن تزوج جاء الأولاد فمنعوه اللذة وانكسر في نفسه وافتقر إلى الكسب عليهم.
فبينما هو في تلك المدة القريبة من الثلاثين وخطه الشيب فا نفرق من نفسه لعلمه أن النساء ينفرقن منه كما قال ابن المعتز بالله:
لقد أتعبت نفسي في مشيبي ... فكيف تحبني الغيد الكعاب
وهكذا لا ترى المتمتع بالمستحسنات، إن وجدهن، لم يجد ما لا يبلغ به المراد.
وإن اشتغل بجمع المال ضاع زمن تمتعه، وإذا تم المطلوب فالشيب أقبح قذى وأعظم مبغض.
ثم إن صاحب المال خائف على ماله، محاسب لمعامليه، مذموم إن أسرف وإن قتر.
ولده يرصد موته، وجاريته قد لا ترضى بشخصه، وهو مشغول بحفظ حواشيه.
فقد مضى زمانه في محن، واللذات فيها خلس معتادة لا لذة فيها.
ثم في القيامة يحشر الأمير والتاجر خزايا، إلا من عصم الله.
فإياك إياك أن تنظر إلى صورة نعيمهم فإنك تستطيبه لبعده عنك، ولو قد بلغته كرهته.
ثم في ضمنه من محن الدنيا والآخرة ما لا يوصف.
فعليك بالقناعة مهما أمكن، ففيها سلامة الدنيا والدين.
وقد قيل لبعض الزهاد وعنده خبز يابس. كيف تشتهي هذا. فقال: أتركه حتى أشتهيه.
الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه.
فأمر بقصد نيته ورفع اليدين إليه والسؤال له.
فقلوب الجهال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكف عن الخطايا.
والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة وكفتهم عن الانبساط.
ولولا نوع تغطية على عين المراقبة الحقيقية لما انبسطت كف بأكل ولا قدرت عين على نظر.
ومن هذا الجنس إنه ليغان على قلبي ومتى تحققت المراقبة حصل الأنس، وإنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة، لأن المخالفة توجب الوحشة، والموافقة مبسطة المستأنسين. في لذة عيش المستأنسين، ويا خسار المستوحشين.
وليست الطاعة كما يظن أكثر الجهال أنها في مجرد الصلاة والصيام.
إنما الطاعة الموافقة بامتثال الأمر واجتناب النهي.
هذا هو الأصل والقاعدة الكلية، فكم من متعبد بعيد، لأنه مضيع الأصل وهادم للقواعد بمخالفة الأمر وارتكاب النهي.
وإنما المحقق من أمسك ذؤابة ميزان المحاسبة للنفس فأدى ما عليه واجتنب ما نهى عنه.
فإن رزق زيادة تنفل وإلا لم يضره والسلام.
فصل بين المتعة والخوف
رأيت النفس تنظر إلى لذات أرباب الدنيا العاجلة وتنسى كيف حصلت وما يتضمنها من الآفات.
وبيان هذا أنك إن رأيت صاحب إمارة وسلطنة فتأملت نعمته وجدتها مشوبة فإن لم يقصد هو الشر حصل من عماله.
ثم هو خائف منزعج في كل أموره حذر من عدو أن يسيئه، قلق ممن هو فوقه أن يعزله، ومن نظير أن يكيده.
ثم أكثر زمانه يمضي في خدمة من يخافه من السلاطين، وفي حساب أموالهم، وتنفيذ أوامرهم التي لا تخلو من أشياء منكرة.
وإن عزل أربى ذلك على جميع ما نال من لذة.
ثم تلك اللذة تكون مغمورة بالحذر فيها ومنها وعليها.
وإن رأيت صاحب تجارة رأيته قد تقطع في البلاد فلم ينل ما نال إلا بعد علو السن وذهاب زمان اللذة.
كما حكي أن رجلاً من الرؤساء كان حال شبيبته فقيراً، فلما كبر استغنى وملك أموالاً واشترى عبيداً من الترك وغيرهم وجواري من الروم فقال هذه الأبيات في شرح حاله.
ما كنت أرجوه إذ كنت ابن عشرينا ... ملكته بعد أن جاوزت سبعينا
تطوف بي من الأتراك أغزلة ... مثل الغصون على كثبان يبرينا
وخرد من بنات الروم رائعة ... يحكين بالحسن حور الجنة العينا
يغمزنني بأساريع منعمة ... تكاد تعقد من أطرافها لينا
يردن إحياء ميت لا حراك به ... وكيف يحيين ميتاً صار مدفونا
قالوا أنينك طول الليل يسهرنا ... فما الذي تشتكي قلت الثمانينا
وهذه الحالة هي الغالبة فإن الإنسان لا يكاد يجتمع له كل ما يحبه إلا عند قرب رحيله، فإن بدر ما يحب في بداية شبابه فالصبوة مانعة من فهم التدابير أو حسن الإلتذاذ.
والإنسان في حالة الصبوة لا يدري أين هو إلا أن يبلغ، فإذا بلغ كانت همته في المنكوح كيف ما اتفق.
وإن تزوج جاء الأولاد فمنعوه اللذة وانكسر في نفسه وافتقر إلى الكسب عليهم.
فبينما هو في تلك المدة القريبة من الثلاثين وخطه الشيب فا نفرق من نفسه لعلمه أن النساء ينفرقن منه كما قال ابن المعتز بالله:
لقد أتعبت نفسي في مشيبي ... فكيف تحبني الغيد الكعاب
وهكذا لا ترى المتمتع بالمستحسنات، إن وجدهن، لم يجد ما لا يبلغ به المراد.
وإن اشتغل بجمع المال ضاع زمن تمتعه، وإذا تم المطلوب فالشيب أقبح قذى وأعظم مبغض.
ثم إن صاحب المال خائف على ماله، محاسب لمعامليه، مذموم إن أسرف وإن قتر.
ولده يرصد موته، وجاريته قد لا ترضى بشخصه، وهو مشغول بحفظ حواشيه.
فقد مضى زمانه في محن، واللذات فيها خلس معتادة لا لذة فيها.
ثم في القيامة يحشر الأمير والتاجر خزايا، إلا من عصم الله.
فإياك إياك أن تنظر إلى صورة نعيمهم فإنك تستطيبه لبعده عنك، ولو قد بلغته كرهته.
ثم في ضمنه من محن الدنيا والآخرة ما لا يوصف.
فعليك بالقناعة مهما أمكن، ففيها سلامة الدنيا والدين.
وقد قيل لبعض الزهاد وعنده خبز يابس. كيف تشتهي هذا. فقال: أتركه حتى أشتهيه.