محمد ابوبكر باذيب
04-10-2005, 02:15 PM
السيد أحمد بن عمر بافقيه في ذمة الله
(1330- 1426هـ)
ظهرالسبت الثاني من ربيع الأول لعام 1426هـ، انتقل إلى رحمة الله تعالى بمدينة جدة، السيد المعمر، الأديب المؤرخ، الكاتب الصحفي، عميد الصحفيين الحضارمة، وأحد مفاخر الكتاب والمناضلين، السيد الشريف الحسيب النسيب، أحمد بن عمر بن أحمد بن أحمد بافقيه، العلوي الحسيني، المولود بمدينة (كلكتا) الهندية سنة 1330هـ (= 1911م)، عن ستة وتسعين عاما، رحمه الله تعالى.
وهذا الراحل الكبير، من بيت عريق في الشرف وخدمة العلم والدين، والدفاع عن الأوطان ضد المستعمر الغاصب، والقيام في وجه الباطل، والجرأة في الحق، فقد كان جده الأدنى السيد أحمد بن أحمد بافقيه (توفي بجدة سنة 1277هـ)، ممن قاوموا الاحتلال الهولندي في الأرخبيل الملايوي (أندونيسيا)، وله مواقف حفظها التاريخ، وكان ابنه السيد عمر بن أحمد، والد فقيدنا، من أعلام المسلمين في الهند، وله شهرة ونفوذ روحي وديني في الهند وجزيرة سيلان (جمهورية سيرلانكا)، وله مؤلفات، وتوفي بمدينة الشحر بحضرموت سنة 1357هـ.
أما فقيدنا الراحل، فبعد أن نشأ في الهند، وتعلم على يد أبيه الجليل، ولقي كبار أعلام عصره، كالسيد الجليل أمير الشعراء الحضرميين، أبوبكر بن شهاب الدين العلوي، أرسله والده إلى حضرموت وهو دون البلوغ، فلازم عمه (أخو أبيه لأمه) العلامة السيد محمد بن عبدالله البار (1348هـ) في بلدة (القرين) بوادي دوعن الأيمن، ثم درس في ربط العلم بتريم، ولقي أكابر علماء تريم آنذاك وعلى رأسهم الإمام عبدالله الشاطري.
ثم عاد إلى الهند فأخذه والده إلى جزيرة سيلان، ليساعده في أعباء الدعوة ونشر الدين الإسلامي بها، ولكن الإقامة لم تطب له لاسيما بعد سفر أبيه، فرحل إلى سنغافورا، والتحق بعمل عند السادة آل الكاف، الذين كانت بيدهم أزمة التجارة هناك، وكان يرسل بعض المقالات الأدبية لتنشر في الصحف المصرية، ونشر أول مقال له في مجلة الرسالة الشهيرة، إلى جوار مقال للأستاذ العقاد، ومن هنا بدأت مسيرته الصحفية والأدبية.
ولما اشتهر الشاب بافقيه تعرف عليه مؤسس صحيفة العرب التي كانت تصدر في سنغافورا، وطلب منه أن يتولى رئاسة تحريرها، فاضطلع بهذا الأمر وهو على رأس العشرين من عمره. ثم توقفت "العرب" عن الصدور وحل محلها صحيفة "السلام"، واستمرت بضع سنوات، ثم أغلقت، فأكمل فقيدنا مسيرتها، وصار هو صاحب امتيازها، من قبل نشوب الحرب العالمية الأولى، وواصل مسيرته بعد الحرب أيضا.
بعد أن نشبت الحرب العالمية الثانية، غادر فقيدنا سنغافورا إلى اندونيسيا، لعله يجد مكانا آمنا بها يلوذ فيه من جحيم الحرب، وعمل في التدريس مدة من الزمان، وأدار بعض المدارس العربية في سورابايا، ولكنه ما لبث أن اعتقلته السلطات اليابانية بحجة تعبئة الطلاب على الحكومة، لأن الاستعمار الياباني فرض على المدارس أن يقوم الطلاب في الصباح الباكر بالسجود للشمس كتقليد ديني ياباني، فرفض فقيدنا ذلك، وخالف الأوامر، فزج به في السجن بضع سنين.
وبعد خروجه من المعتقل الياباني، يمم وجهه شطر الجنوب العربي، إلى عدن، وكانت ترزح تحت الاستعمار البريطاني، فلم يرق له الحال، فذهب إلى المكلا، ووصلها في عهد السلطان العالم صاحب المؤلفات الفائقة صالح بن غالب القعيطي (1375هـ)، وعمل مراسلا لصحيفة "النهضة" التي كان يصدرها في عدن الأديب الناهض عبدالرحمن جرجرة، وبعد حادثة القصر في المكلا (سنة 1369هـ) زج به في السجن بتهمة تحريض الشعب على الإنجليز، ولكنه خرج بعفو من السلطان صالح، الذي قربه منه وأدناه واعتذر إليه شخصيا بأن الأمر كان خارجا عن إرادته، وناوله مساعدة مالية، ولكن فقيدنا بإبائه المعهود رد تلك المساعدة، وظن أن السلطان يريد أن يشتري ذمته !!.
ثم غادر فقيدنا المكلا إلى عدن عام 1370هـ (1951م)، بعد أن ضاقت عليه الأرض، وفي عدن عمل مديرا لتحرير صحيفة النهضة بعد أن كان مراسلا لها، وبعد أن توقفت عن الصدور في عام (1376هـ) أسس صحيفة أخرى وسماها "الجنوب العربي"، واستمرت في الصدور بضع سنوات..
عندما استقر الفقيد في عدن انضم إلى حزب (رابطة أبناء الجنوب) الذي أسسه المرحوم السيد محمد علي الجفري سنة 1370هـ (=1950م)، وكان يعد من الأعضاء المؤسسين له، وبسبب هذا الانضمام عد فقيدنا من أبرز السياسيين في الجنوب العربي، ومن كبار المطالبين بالاستقلال، وبالطبع فقد كانت أفكاره وأفكار زملائه المناضلين تنشر باستمرار في الصحف الوطنية، ومن أبرزها صحيفته هو "الجنوب العربي"، لذلك فقد انتهزت الحكومة فرصة خروجه من عدن، وسفره لأداء مناسك الحج عام 1375هـ (1956م)، لتمنعه من الدخول، كما فعلت ذلك من قبل مع رفيق دربه المرحوم شيخان عبدالله الحبشي، الذي منع من العودة إلى عدن أيضا قبل ذلك بأعوام قلائل.
لبث فقيدنا في المملكة العربية السعودية بعض الوقت، ريثما تهيأ للسفر إلى مصر، التي احتضنته لسنوات طويلة، وكان أولاده قد سبقوه قبل ذلك إلى مصر للدراسة العليا في جامعاتها العريقة، وفي مصر يطيب له المقام لبضع عشرة سنة، ولم يكف حسه الصحفي عن العطاء والأداء، فأصدر صحيفة بمصر سماها "النضال" صدرت لمدة سنتين (1962-1964م)، وذلك بسبب قلة الإقبال عليها، لانتعاش الحركة الصحفية في مصر، وقلة الموارد المالية لهذه الصحيفة.
وبعد مصر، غادر فقيدنا الراحل الأراضي المصرية أخيرا إلى الأراضي السعودية، لينعم فيها بقضاء بقية عمره المديد، فهو يسكن مدينة جدة منذ عام 1976م تقريبا (1396هـ) وحتى غادرها إلى مثواه الأخير يوم أمس، ودفن بمقبرة الفيصلية بجدة.
هذا باختصار مما كتبته عنه، فقد لازمته منذ عام 1415هـ ، وكتبت عنه الكثير من الذكريات, وأقوم الآن بجمع مقالاته الأدبية وما سطره قلمه من نتاج فكري وأدبي. وهو إلى كل هذا .. رجل علم وصلاح، عرفته تقيا نقيا، سليم الصدر، صافي السريرة، عنده إسناد عال، وإجازات من كبر علماء حضرموت والهند، وكل ذلك مودع في ترجمته التي أقوم بتجميعها وتهيئتها للنشر بإذن الله تعالى.
كفاح طويل، وقصة حياة ممتعة، انقضت بكل مافيها من آلام وآمال، ومن طموح وتحقيق لإنجازات، ست وتسعون سنة، مرت على فقيدنا كطيف، أو كحلم عابر، وهكذا سبيل كل حي، وهذه هي الدنيا .. تنتهي، وينتهي كل شيء. فعلى فقيدنا الراحل العزيز رحمات باريه تعالى، صب الله على قبره شآبيب الرحمة والرضوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلم / محمد أبوبكر عبدالله باذيب – جدة (0506610521)
(1330- 1426هـ)
ظهرالسبت الثاني من ربيع الأول لعام 1426هـ، انتقل إلى رحمة الله تعالى بمدينة جدة، السيد المعمر، الأديب المؤرخ، الكاتب الصحفي، عميد الصحفيين الحضارمة، وأحد مفاخر الكتاب والمناضلين، السيد الشريف الحسيب النسيب، أحمد بن عمر بن أحمد بن أحمد بافقيه، العلوي الحسيني، المولود بمدينة (كلكتا) الهندية سنة 1330هـ (= 1911م)، عن ستة وتسعين عاما، رحمه الله تعالى.
وهذا الراحل الكبير، من بيت عريق في الشرف وخدمة العلم والدين، والدفاع عن الأوطان ضد المستعمر الغاصب، والقيام في وجه الباطل، والجرأة في الحق، فقد كان جده الأدنى السيد أحمد بن أحمد بافقيه (توفي بجدة سنة 1277هـ)، ممن قاوموا الاحتلال الهولندي في الأرخبيل الملايوي (أندونيسيا)، وله مواقف حفظها التاريخ، وكان ابنه السيد عمر بن أحمد، والد فقيدنا، من أعلام المسلمين في الهند، وله شهرة ونفوذ روحي وديني في الهند وجزيرة سيلان (جمهورية سيرلانكا)، وله مؤلفات، وتوفي بمدينة الشحر بحضرموت سنة 1357هـ.
أما فقيدنا الراحل، فبعد أن نشأ في الهند، وتعلم على يد أبيه الجليل، ولقي كبار أعلام عصره، كالسيد الجليل أمير الشعراء الحضرميين، أبوبكر بن شهاب الدين العلوي، أرسله والده إلى حضرموت وهو دون البلوغ، فلازم عمه (أخو أبيه لأمه) العلامة السيد محمد بن عبدالله البار (1348هـ) في بلدة (القرين) بوادي دوعن الأيمن، ثم درس في ربط العلم بتريم، ولقي أكابر علماء تريم آنذاك وعلى رأسهم الإمام عبدالله الشاطري.
ثم عاد إلى الهند فأخذه والده إلى جزيرة سيلان، ليساعده في أعباء الدعوة ونشر الدين الإسلامي بها، ولكن الإقامة لم تطب له لاسيما بعد سفر أبيه، فرحل إلى سنغافورا، والتحق بعمل عند السادة آل الكاف، الذين كانت بيدهم أزمة التجارة هناك، وكان يرسل بعض المقالات الأدبية لتنشر في الصحف المصرية، ونشر أول مقال له في مجلة الرسالة الشهيرة، إلى جوار مقال للأستاذ العقاد، ومن هنا بدأت مسيرته الصحفية والأدبية.
ولما اشتهر الشاب بافقيه تعرف عليه مؤسس صحيفة العرب التي كانت تصدر في سنغافورا، وطلب منه أن يتولى رئاسة تحريرها، فاضطلع بهذا الأمر وهو على رأس العشرين من عمره. ثم توقفت "العرب" عن الصدور وحل محلها صحيفة "السلام"، واستمرت بضع سنوات، ثم أغلقت، فأكمل فقيدنا مسيرتها، وصار هو صاحب امتيازها، من قبل نشوب الحرب العالمية الأولى، وواصل مسيرته بعد الحرب أيضا.
بعد أن نشبت الحرب العالمية الثانية، غادر فقيدنا سنغافورا إلى اندونيسيا، لعله يجد مكانا آمنا بها يلوذ فيه من جحيم الحرب، وعمل في التدريس مدة من الزمان، وأدار بعض المدارس العربية في سورابايا، ولكنه ما لبث أن اعتقلته السلطات اليابانية بحجة تعبئة الطلاب على الحكومة، لأن الاستعمار الياباني فرض على المدارس أن يقوم الطلاب في الصباح الباكر بالسجود للشمس كتقليد ديني ياباني، فرفض فقيدنا ذلك، وخالف الأوامر، فزج به في السجن بضع سنين.
وبعد خروجه من المعتقل الياباني، يمم وجهه شطر الجنوب العربي، إلى عدن، وكانت ترزح تحت الاستعمار البريطاني، فلم يرق له الحال، فذهب إلى المكلا، ووصلها في عهد السلطان العالم صاحب المؤلفات الفائقة صالح بن غالب القعيطي (1375هـ)، وعمل مراسلا لصحيفة "النهضة" التي كان يصدرها في عدن الأديب الناهض عبدالرحمن جرجرة، وبعد حادثة القصر في المكلا (سنة 1369هـ) زج به في السجن بتهمة تحريض الشعب على الإنجليز، ولكنه خرج بعفو من السلطان صالح، الذي قربه منه وأدناه واعتذر إليه شخصيا بأن الأمر كان خارجا عن إرادته، وناوله مساعدة مالية، ولكن فقيدنا بإبائه المعهود رد تلك المساعدة، وظن أن السلطان يريد أن يشتري ذمته !!.
ثم غادر فقيدنا المكلا إلى عدن عام 1370هـ (1951م)، بعد أن ضاقت عليه الأرض، وفي عدن عمل مديرا لتحرير صحيفة النهضة بعد أن كان مراسلا لها، وبعد أن توقفت عن الصدور في عام (1376هـ) أسس صحيفة أخرى وسماها "الجنوب العربي"، واستمرت في الصدور بضع سنوات..
عندما استقر الفقيد في عدن انضم إلى حزب (رابطة أبناء الجنوب) الذي أسسه المرحوم السيد محمد علي الجفري سنة 1370هـ (=1950م)، وكان يعد من الأعضاء المؤسسين له، وبسبب هذا الانضمام عد فقيدنا من أبرز السياسيين في الجنوب العربي، ومن كبار المطالبين بالاستقلال، وبالطبع فقد كانت أفكاره وأفكار زملائه المناضلين تنشر باستمرار في الصحف الوطنية، ومن أبرزها صحيفته هو "الجنوب العربي"، لذلك فقد انتهزت الحكومة فرصة خروجه من عدن، وسفره لأداء مناسك الحج عام 1375هـ (1956م)، لتمنعه من الدخول، كما فعلت ذلك من قبل مع رفيق دربه المرحوم شيخان عبدالله الحبشي، الذي منع من العودة إلى عدن أيضا قبل ذلك بأعوام قلائل.
لبث فقيدنا في المملكة العربية السعودية بعض الوقت، ريثما تهيأ للسفر إلى مصر، التي احتضنته لسنوات طويلة، وكان أولاده قد سبقوه قبل ذلك إلى مصر للدراسة العليا في جامعاتها العريقة، وفي مصر يطيب له المقام لبضع عشرة سنة، ولم يكف حسه الصحفي عن العطاء والأداء، فأصدر صحيفة بمصر سماها "النضال" صدرت لمدة سنتين (1962-1964م)، وذلك بسبب قلة الإقبال عليها، لانتعاش الحركة الصحفية في مصر، وقلة الموارد المالية لهذه الصحيفة.
وبعد مصر، غادر فقيدنا الراحل الأراضي المصرية أخيرا إلى الأراضي السعودية، لينعم فيها بقضاء بقية عمره المديد، فهو يسكن مدينة جدة منذ عام 1976م تقريبا (1396هـ) وحتى غادرها إلى مثواه الأخير يوم أمس، ودفن بمقبرة الفيصلية بجدة.
هذا باختصار مما كتبته عنه، فقد لازمته منذ عام 1415هـ ، وكتبت عنه الكثير من الذكريات, وأقوم الآن بجمع مقالاته الأدبية وما سطره قلمه من نتاج فكري وأدبي. وهو إلى كل هذا .. رجل علم وصلاح، عرفته تقيا نقيا، سليم الصدر، صافي السريرة، عنده إسناد عال، وإجازات من كبر علماء حضرموت والهند، وكل ذلك مودع في ترجمته التي أقوم بتجميعها وتهيئتها للنشر بإذن الله تعالى.
كفاح طويل، وقصة حياة ممتعة، انقضت بكل مافيها من آلام وآمال، ومن طموح وتحقيق لإنجازات، ست وتسعون سنة، مرت على فقيدنا كطيف، أو كحلم عابر، وهكذا سبيل كل حي، وهذه هي الدنيا .. تنتهي، وينتهي كل شيء. فعلى فقيدنا الراحل العزيز رحمات باريه تعالى، صب الله على قبره شآبيب الرحمة والرضوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلم / محمد أبوبكر عبدالله باذيب – جدة (0506610521)