المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كاس العالم / العلامة د. أحمد الحداد


من السادة
07-16-2010, 05:37 AM
د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد التاريخ: 16 يوليو 2010
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

bism2


لقد شَغل العالمَ أجمع أمرٌ أشاب الصغير، وأتعب الكبير، ورفع ضغط الغني والفقير؛ إنه الفوز الذي كان ينتظر، والفرح الذي يُستعر، إنه لقب البطولة لكرة القدم الموقرة، ذلك الحدث الذي قامت له الدنيا ولم تقعد، على مدى شهر كامل، في حَلَبة السباق على الفوز الباهر، عبر تصفيات كثيرة من مختلف القارات على مدى أربع سنوات، وبذلت له الأموال الطائلة، والأوقات الفاضلة، والمنتديات الفارهة الفاخرة، الحدث الذي اعتبروه معجزة العصر ومنتهى سول الشباب والشابات، من الأبناء والبنات، بل والآباء والأمهات. فيا لله هذا الفوز الذي أسهمت فيه حتى الحيوانات بتنبؤاتها، فضلا عن العرافين والدجالين والسحرة والمشعوذين! حدث لا كالأحداث! وإنجاز أخرج البشرية من أزمتها المالية! أو بشرها بالشفاء من الأدواء المستعصية! قدسه الكتاب والمحللون، وما أدري هل هام به شيطان الشعر؟! بينما لم يقف كاتب أو محلل استراتيجي يُعنى بخدمة قضايا الأمم والشعوب ومقدراتها الاقتصادية؛ لينقد هذا التهريج العالمي لكرة لا تسمن ولا تغني من جوع. وقبل أن أسمح لقلمي بتحبير ما أريد قوله، أوضح: أني لا أرى بأساً في لعب كرة القدم الخالي عن المفاسد الأخلاقية والاجتماعية؛ لأنه من اللهو المباح الذي يرمي إلى صحة الأجسام، ويحفظ الشباب عن الخوض في الباطل، وما لا يعنيهم من أمر الساسة والسياسة، إلا أني أرى أن الكرة ليست إلهاً يعبد ولا رباً يقصد، كما يظن البعض؛ إذ يحصل من أجلها الولاء والبراء، والحب والبغض، والفرح والحزن العميقان، وتضيع معها الصلوات وتتبع فيها الشهوات، لكل من اللاعبين والمشجعين والمتابعين، فضلا عن قتل المواهب المعرفية، فما لأجل الكرة خلقنا، ولا أعمارنا لها وهبنا، ولا لِلهو واللعب نشأنا؛ بل خلقنا الله تعالى لمعرفته وعبادته، واستعمرنا الأرض لنعيش فيها أكرم عيش؛ نزرع ونحصد، ونبني ونشيّد، وننفع أنفسنا وأجيالنا القادمة، والدلائل على هذا هي من الشهرة ما يغني عن ذكرها، فهل حقق العالم من انشغاله الكبير بهذه اللعبة واللهو إنجازا يذكر للدين أو الدنيا؟ ها هي إسبانيا فازت بكأس العالم، فهل سيخرجها ذلك من أزمتها المالية الخانقة التي تكاد تلحقها باليونان؟ وها هي الدول المشاركة عن بكرة أبيها خسرت ذلك الرهان المحموم فهل فاتها شيء مما تحلم به من إنجازات تنموية؟ الكرة ليست إلا وسيلة ترفيهية، عاملها الأساسي البطالة عن العمل، وإضاعة فرصة التعليم النافع، واللحاق بركب الحضارة الراقية في ميادين المعرفة والصناعة، فلماذا هذا الاهتمام المنقطع النظير؟

ولَعَمْرُ الحق لو أن عالما حقق كشفاً غير مسبوق ينفع البشرية قاطبة، فإنه لا ينال هذا الاهتمام في أنحاء المعمورة المترامية الأطراف، ولو كان هذا الاهتمام بقضية نصرة الضعفاء ورفع الظلم عن المستضعفين في أوطانهم لعم نفعه البشرية، وخرجت الإنسانية من كابوس الظلام الحالك والظلم المتلاحق، الذي بسببه تحل الكوارث المتلاحقة بالبشر عقاباً إلهياً، لكونهم لا يتناهون عن منكر فعلوه {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، فما للعقلاء لا يتكلمون في ما ينفع الناس، وينقدون الذات، فإن نقد الذات من الفضائل التي ينبغي أن تكون حاضرة لدى كل إنسان، نصحاً لله والرسول والمؤمنين، وتواصياً بالحق الذي هو سبب للفوز من الخسران المبين، اللاعبون إخواننا، والمشجعون والمتابعون أهلونا، لهم حقٌ علينا أن نرشد سلوكهم، وتصرفاتهم، ونجعل أفعالهم موزونة بميزان الشرع المبين، والعقل المكين، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.