من السادة
08-01-2010, 06:31 AM
احتقار الثقافة الشعبية!
الكاتب : يوسف ضمرة
كل ما نكتبه ونحكيه عن بعض الظواهر والقضايا الثقافية في العالم العربي، هو مجرد نظرة عابرة، أو هبة ريح سطحية. فالخلل في البنية الاجتماعية العربية أكبر مما نتلمس. وهذا يعني أن الوضع الثقافي لن يكون في مأمن من هذا الخلل. وعليه، يصبح تقبل الناس للثقافات الغريبة والهجينة، وتخليهم عن مقومات الهوية الاجتماعية الكبرى، أسهل بكثير مما نظن، وأكثر سهولة مما هي الحال في مجتمعات أخرى، حتى لو بدت تلك المجتمعات أقرب إلى الطفولة البشرية.
ليست المسألة كامنة في الحفاظ على طبق الحمص أو التبولة وما شابه ذلك، فالتمسك ببعض العادات والتقاليد أحيانا ليس سوى مظهر من مظاهر الصراع الطبقي، وليس تمسكا ببعض عناصر الثقافة الاجتماعية الكبرى، وكل مظهر من مظاهر الصراع الطبقي لا يشكل صمام أمان للهوية الكبرى، ولكي يكون الأمر أكثر وضوحا، فإن علينا الاعتراف بأن طبق الحمص يشكل وجبة كاملة عند طبقة كاملة من طبقات المجتمعات العربية، بينما هو على موائد الطبقات العليا ليس أكثر من تنويع أو تزيين أو تغيير في النكهة والطعم والديكور.
أي أن علينا أن نعي ثقافتنا بمقوماتها كلها أولاً، ثم نسارع إلى تحصينها في وجه العولمة الثقافية التي تهدد الثقافات الأقل مقدرة على الصراع والصمود اقتصاديا وماديا، فالثقافات العابرة للقوميات والأجناس والأعراق، لا تمانع في تبني طبق الحمص أو التبولة، ولا تمانع هي ذاتها في أن تصبح تلك الأطباق وبعض الملبوسات العربية جزءا من يومياتها ومفرداتها، طالما كانت الثقافة الأقوى قادرة على صهر الثقافات الأخرى وتذويبها وإعادة تشكيلها في خدمة الثقافة الأكبر والأقوى، والعاملة أساسا في خدمة الاقتصاد الأكبر، وبالتالي السياسة المهيمنة.
ومن يسافر إلى بلدان أوروبا أو أميركا، يلحظ شغفا أو دهشة في الشوارع العامة، أمام بعض أشكال الفنون الشعبية العربية واللباس العربي، ولكن هذا لا يعني البتة أن تلك الجموع تتبنى هذه الفنون أو تصنفها في خانة الفن الغربي المتطور، وليس غريبا أن يقول واحد مثل عالم الاجتماع الشهير «ماكس فيبر»، إن الموسيقى الغربية تطورت لأنها تحمل في جوهرها وطبيعتها سمة الفن الأصيل، وهي السمة التي لا تنطبق على سواها من أشكال الموسيقى الأخرى.
لقد تمكن الكثير من المجتمعات غير العربية، التي خضعت للاستعمار مثل المجتمعات العربية، أن تحافظ على عناصر ثقافاتها من لغة وطعام ومأكل وملبس وفنون، وتمكنت من ثم من تطويرها في سياق الحفاظ على أصالتها وجوهرها. وهذا ما مكنها من تحصين تلك الثقافات ضد الاختراق أو التذويب أو التهميش، كما يحدث الآن للثقافة العربية، حيث تتعرض لنخر داخلي يومي من أبنائها غير المحصنين في الأصل، ولذلك صار من السهل علينا في العالم العربي أن نغني بلغات الآخرين، أو نخلط لغتنا بلغاتهم، وصار من السهل علينا أن نتخاطب بغير اللغة العربية، وصار من السهل أن تجد قنوات فضائية عربية تستخدم في جزء كبير من برامجها العربية لغات أجنبية.
وأخيرا، يمكن القول إن احتقارنا للثقافة الشعبية كلها، كان واحدا من الأسباب التي أدت إلى إضعاف الثقافة العربية في مواجهة ثقافة الهيمنة والتهميش والتغريب، أما احتقارنا لهذه الثقافة الشعبية، فهو ما يحتاج إلى وقفة ثانية.
الكاتب : يوسف ضمرة
كل ما نكتبه ونحكيه عن بعض الظواهر والقضايا الثقافية في العالم العربي، هو مجرد نظرة عابرة، أو هبة ريح سطحية. فالخلل في البنية الاجتماعية العربية أكبر مما نتلمس. وهذا يعني أن الوضع الثقافي لن يكون في مأمن من هذا الخلل. وعليه، يصبح تقبل الناس للثقافات الغريبة والهجينة، وتخليهم عن مقومات الهوية الاجتماعية الكبرى، أسهل بكثير مما نظن، وأكثر سهولة مما هي الحال في مجتمعات أخرى، حتى لو بدت تلك المجتمعات أقرب إلى الطفولة البشرية.
ليست المسألة كامنة في الحفاظ على طبق الحمص أو التبولة وما شابه ذلك، فالتمسك ببعض العادات والتقاليد أحيانا ليس سوى مظهر من مظاهر الصراع الطبقي، وليس تمسكا ببعض عناصر الثقافة الاجتماعية الكبرى، وكل مظهر من مظاهر الصراع الطبقي لا يشكل صمام أمان للهوية الكبرى، ولكي يكون الأمر أكثر وضوحا، فإن علينا الاعتراف بأن طبق الحمص يشكل وجبة كاملة عند طبقة كاملة من طبقات المجتمعات العربية، بينما هو على موائد الطبقات العليا ليس أكثر من تنويع أو تزيين أو تغيير في النكهة والطعم والديكور.
أي أن علينا أن نعي ثقافتنا بمقوماتها كلها أولاً، ثم نسارع إلى تحصينها في وجه العولمة الثقافية التي تهدد الثقافات الأقل مقدرة على الصراع والصمود اقتصاديا وماديا، فالثقافات العابرة للقوميات والأجناس والأعراق، لا تمانع في تبني طبق الحمص أو التبولة، ولا تمانع هي ذاتها في أن تصبح تلك الأطباق وبعض الملبوسات العربية جزءا من يومياتها ومفرداتها، طالما كانت الثقافة الأقوى قادرة على صهر الثقافات الأخرى وتذويبها وإعادة تشكيلها في خدمة الثقافة الأكبر والأقوى، والعاملة أساسا في خدمة الاقتصاد الأكبر، وبالتالي السياسة المهيمنة.
ومن يسافر إلى بلدان أوروبا أو أميركا، يلحظ شغفا أو دهشة في الشوارع العامة، أمام بعض أشكال الفنون الشعبية العربية واللباس العربي، ولكن هذا لا يعني البتة أن تلك الجموع تتبنى هذه الفنون أو تصنفها في خانة الفن الغربي المتطور، وليس غريبا أن يقول واحد مثل عالم الاجتماع الشهير «ماكس فيبر»، إن الموسيقى الغربية تطورت لأنها تحمل في جوهرها وطبيعتها سمة الفن الأصيل، وهي السمة التي لا تنطبق على سواها من أشكال الموسيقى الأخرى.
لقد تمكن الكثير من المجتمعات غير العربية، التي خضعت للاستعمار مثل المجتمعات العربية، أن تحافظ على عناصر ثقافاتها من لغة وطعام ومأكل وملبس وفنون، وتمكنت من ثم من تطويرها في سياق الحفاظ على أصالتها وجوهرها. وهذا ما مكنها من تحصين تلك الثقافات ضد الاختراق أو التذويب أو التهميش، كما يحدث الآن للثقافة العربية، حيث تتعرض لنخر داخلي يومي من أبنائها غير المحصنين في الأصل، ولذلك صار من السهل علينا في العالم العربي أن نغني بلغات الآخرين، أو نخلط لغتنا بلغاتهم، وصار من السهل علينا أن نتخاطب بغير اللغة العربية، وصار من السهل أن تجد قنوات فضائية عربية تستخدم في جزء كبير من برامجها العربية لغات أجنبية.
وأخيرا، يمكن القول إن احتقارنا للثقافة الشعبية كلها، كان واحدا من الأسباب التي أدت إلى إضعاف الثقافة العربية في مواجهة ثقافة الهيمنة والتهميش والتغريب، أما احتقارنا لهذه الثقافة الشعبية، فهو ما يحتاج إلى وقفة ثانية.