حد من الوادي
10-09-2010, 04:22 PM
إذاعة المكلا في عامها (44) ذاهبةٌ إلى الانهيار! ...كتب: صالح حسين الفردي
السبت , 9 أكتوبر 2010 م
إذاعة ومجد:
في الثامن والعشرين من سبتمبر 2010م، دلفت إذاعة المكلا إلى عامها الرابع والأربعين، ومنذ انطلاقتها الأولى وهي تؤسس لدور ريادي وحضاري، رفد المجتمع بأدوات قيمية وروحية ومعرفية وثقافية وفنية واجتماعية وسياسية ورياضية، وظلت - رغم تقلبات السياسة وصراعات المراحل وتباينات الأجنحة الثورية زمنئذ - تمدّ مجتمعها الحضري والريفي، النخبوي والشعبي، بما يسهم في رقيه وتطوره وتهذيبه وترقيقه وتعميق جذوره وتفتح براعم مستقبله لغد أفضل.
منذ ربع قرن:
هكذا كانت إذاعة المكلا في ربع قرنها الماضي، كياناً نشطاً وخلاقاً ومبدعاً، صنع مجد الكثير من الأسماء التي علقت بالذاكرة المجتمعية فتوهجت نجوماً مضيئة في فضاء الكون الإعلامي وأرجاء المعمورة، ومازال البعض منهم كذلك أطال الله في أعمارهم، ويبدو أن هذه المدرسة الإذاعية المكلاوية الحضرمية التاريخية لم تخرج من دائرة الاستهداف الداخلي لتقزيم مجدها وتفتيت دورها وتحطيم تأثيرها الايجابي - كغيرها - من منافذ الوعي وتشكيله وقنوات الإبداع ونشره وتمكينه من دوره الخاص والعام.
ومرّت الذكرى:
مرّت تلك الذكرى باستحياء شديد من قبل قيادة الإذاعة الرسمية - اليوم - دون حرص على مراجعة الذات وتقويم السلوك وتفنيد القدرات، ونبذ السلبيات التي تسهم في تشويه التاريخ التليد والعطاء المجيد لإذاعة رائدة في منطقة الجزيرة والخليج، فالجميع في (مقر) الإذاعة - لا استثني أحدا - يغرز نصاله المثلومة في جسدها اليتيم ولم يعد تكترث الواجهة الإذاعية الرسمية بما آلت إليه أحوالها ولم يتجرأ أحد على الاحتجاج - علناً - وإن حاول البعض الردح بالصوت أو المراسلة مع صنعاء (لعل منها تأتي النجدة) أو عن طريق المفاوضات في الغرف المغلقة وكسب النقاط وحصد الهبات والوصول إلى العطايا والامتيازات، وليذهب الكيان الإذاعي العريق إلى الجحيم، فوزارة الإعلام والمؤسسة العامة والسلطة المحلية - تنفيذية وتشريعية - لا يعنيها من أمرها إلا اسطوانة النفاق وتكرارها اليومي التي ما فتئت تدبج المدائح التي لم تعد تجدي ولم تعد قادرة على سترة عورة الإخفاقات الإذاعية الكبيرة التي تغتال الزمن الإذاعي السامق بكبرياء الأعلام الكبار، والكل يجد في تلك الاسطوانة سلواه ومبتغاه والبقاء في مكانته ومكاسبه وما يرغب ويهواه.
وقتلت لغة الضاد:
إن المتابع - اليوم - لساعات البث (التسع) من إذاعة المكلا يهوله ما تقترفه الأصوات الملاصقة لميكرفونها - عنوة - والتي تسللت في غفلة من تقويم حقيقي لمدى أحقيتها بالانتماء لهذا الصرح الكبير، غفلةٌ تطاول عليها الليل وأرخت عليها الأيام سدولها، فكانت وبالاً على لغتنا العربية الفصيحة، وعنوان هويتنا العربية والإسلامية وعمق جذورنا الحضارية والثقافية والإذاعية، فلم يعد للغة القرآن مكان في (غرف الإذاعة) ومربعات التسجيل والبث اليومي، فمعاول الهدم والتشويه سادرة في غيها القبيح ونعيقها العالي الذي وجد في منظومة الفساد والإفساد - إذاعياً ومؤسسياً وسلطوياً - حماية كبرى ودفاعاً مستميتاً للإجهاز على تاريخ (هنا المكلا) برغم معرفتنا الأكيدة بأن هناك أصواتٍ رائعة – بوحاً ولغة ونغماً وإيقاعا وشدواً وشجواً -
إلا أن الغث الطافح نجح في الهيمنة على دقائق الرقي اللغوي، وتظهر فقاعات البؤس وبشاعة المنقلب الإذاعي عندما تستمع إلى صوت الإعلامي الكبير والأديب الرائع سالم العبد وهو يردد بصوته الرخيم: (الثانية تماماً في المكلا .. الساعة الإخبارية)، هاتان الجملتان هما ما تبقى من أثر راقٍ بصوت المبدع العبد تضعك في مواجهة والحقيقة الصادمة في منتصف نهار المكلا والانهيار الذي تتردّى إليه إذاعتها، فبعد أن تنتهي هذه (الكليشة) اليومية يدخل المستمع دهاليز الغباء اللغوي والنزق المعرفي والعته الإذاعي، فتصاب بالحيرة والذهول، فتتساءل، وهل يحرص مذيعو المكلا على تصحيح أخطائهم والتحلي بروح الشجاعة الأدبية ويعترفون بحقيقة عجزهم اللغوي - تهجياً ولغة وإعراباً - وهل يدركون بشاعة فعلتهم تجاه (لغة الضاد)، وهل يطوون في صدروهم أسطر قاموس الانتماء لتاريخ الإذاعة المشرّف، والأكثر مرارة هل سعت قيادة الإذاعة الرسمية إلى إصلاح اخلالات الفترة السابقة أو أضافوا إليها ما يثقل كاهل التاريخ الإذاعي المجيد ورسخت ثقافة (الفيد البرامجي)، واحتوت هذه الأصوات البائسة لغة، وحارت ما تبقى من جمال لغة الضاد؟!
الكبار ومسؤولية الانهيار:
هذه الأسئلة وغيرها تجعلنا نحمّل وزير الإعلام ومدير عام المؤسسة ومحافظ المحافظة والأمين العام ورئيس فرع الحزب الحاكم، بوصفهم المشرفين المباشرين على رسالة الإذاعة والموجهين لها والمملين عليها والداعمين، نحملهم مسؤولية ما يحدث من تدمير مبرمج لتاريخها المجيد، ونلقي باللائمة على كل الخيرين فيها والمخضرمين - خاصة - لصمتهم المقيت على العبث اليومي، واستسلامهم لـ(هوجة الكسب السريع)، وهم يدركون أنهم قد أصبحوا جزءاً من منظومة التشويه والتدمير اليومي لهذا المجد، ومن العيب أن تطوي إذاعة المكلا ثلاثة وأربعين عاماً وهو تشكو من عقوق أبنائها وجحودهم وتكالبهم على فتات الدنيا ومخصصات الأعياد والمنظمات والمؤسسات الدافعة نقداً، (والبركة في القفشات والشعارات وما قلّت أسطره وكبر ثمنه)، دون مراعاة لتاريخ فذ، وصون لتراث عريق، فإلى أين هم بها ذاهبون؟! وإذا تنازل الجميع عن مسؤوليته التاريخية ودوره في إيقاف التقهقر والانهيار، فإننا نأمل منهم، حفاظاً على لغة القرآن من عبث أنصاف المقدمين وتدمير ذائقة المدينة الحضارية وعنوان حضرموت، أن تستبدل العربية الفصحى في برامج وأخبار وحوارات الإذاعة باللهجة الشعبية الدراجة، ويا إذاعة ما دخلك شر!
فقد تجاوز العبث المتاح وهجنت البرامج واستنسخت، (وتصنعنعت وتخلجنت وتلبننت وتعرققت وتمصررت) ولم تعد تحمل ملامح المكلا وحصاد العمر الجميل، فلم يتبق إلا قرار وزير الإعلام ومدير عام المؤسسة والسلطة المحلية بالمحافظة لتغيير لغتها اليومية إلى (كوكتيل) من اللهجات حسب العرض والطلب والمزاج الخاص لصغار الإذاعيين الذين يطمسون يفرضون أذواقهم الغنائية على خارطة التاريخ الإذاعي المكلاوي ويحاربون التراث المؤرشف فيها، والاعتذار لمن تبقى من القابضين على جمر العربية الفصحى في (غرف) الإذاعة، والعاشقين لتراث حضرموت الفني والبرامجي! وكفى.
السبت , 9 أكتوبر 2010 م
إذاعة ومجد:
في الثامن والعشرين من سبتمبر 2010م، دلفت إذاعة المكلا إلى عامها الرابع والأربعين، ومنذ انطلاقتها الأولى وهي تؤسس لدور ريادي وحضاري، رفد المجتمع بأدوات قيمية وروحية ومعرفية وثقافية وفنية واجتماعية وسياسية ورياضية، وظلت - رغم تقلبات السياسة وصراعات المراحل وتباينات الأجنحة الثورية زمنئذ - تمدّ مجتمعها الحضري والريفي، النخبوي والشعبي، بما يسهم في رقيه وتطوره وتهذيبه وترقيقه وتعميق جذوره وتفتح براعم مستقبله لغد أفضل.
منذ ربع قرن:
هكذا كانت إذاعة المكلا في ربع قرنها الماضي، كياناً نشطاً وخلاقاً ومبدعاً، صنع مجد الكثير من الأسماء التي علقت بالذاكرة المجتمعية فتوهجت نجوماً مضيئة في فضاء الكون الإعلامي وأرجاء المعمورة، ومازال البعض منهم كذلك أطال الله في أعمارهم، ويبدو أن هذه المدرسة الإذاعية المكلاوية الحضرمية التاريخية لم تخرج من دائرة الاستهداف الداخلي لتقزيم مجدها وتفتيت دورها وتحطيم تأثيرها الايجابي - كغيرها - من منافذ الوعي وتشكيله وقنوات الإبداع ونشره وتمكينه من دوره الخاص والعام.
ومرّت الذكرى:
مرّت تلك الذكرى باستحياء شديد من قبل قيادة الإذاعة الرسمية - اليوم - دون حرص على مراجعة الذات وتقويم السلوك وتفنيد القدرات، ونبذ السلبيات التي تسهم في تشويه التاريخ التليد والعطاء المجيد لإذاعة رائدة في منطقة الجزيرة والخليج، فالجميع في (مقر) الإذاعة - لا استثني أحدا - يغرز نصاله المثلومة في جسدها اليتيم ولم يعد تكترث الواجهة الإذاعية الرسمية بما آلت إليه أحوالها ولم يتجرأ أحد على الاحتجاج - علناً - وإن حاول البعض الردح بالصوت أو المراسلة مع صنعاء (لعل منها تأتي النجدة) أو عن طريق المفاوضات في الغرف المغلقة وكسب النقاط وحصد الهبات والوصول إلى العطايا والامتيازات، وليذهب الكيان الإذاعي العريق إلى الجحيم، فوزارة الإعلام والمؤسسة العامة والسلطة المحلية - تنفيذية وتشريعية - لا يعنيها من أمرها إلا اسطوانة النفاق وتكرارها اليومي التي ما فتئت تدبج المدائح التي لم تعد تجدي ولم تعد قادرة على سترة عورة الإخفاقات الإذاعية الكبيرة التي تغتال الزمن الإذاعي السامق بكبرياء الأعلام الكبار، والكل يجد في تلك الاسطوانة سلواه ومبتغاه والبقاء في مكانته ومكاسبه وما يرغب ويهواه.
وقتلت لغة الضاد:
إن المتابع - اليوم - لساعات البث (التسع) من إذاعة المكلا يهوله ما تقترفه الأصوات الملاصقة لميكرفونها - عنوة - والتي تسللت في غفلة من تقويم حقيقي لمدى أحقيتها بالانتماء لهذا الصرح الكبير، غفلةٌ تطاول عليها الليل وأرخت عليها الأيام سدولها، فكانت وبالاً على لغتنا العربية الفصيحة، وعنوان هويتنا العربية والإسلامية وعمق جذورنا الحضارية والثقافية والإذاعية، فلم يعد للغة القرآن مكان في (غرف الإذاعة) ومربعات التسجيل والبث اليومي، فمعاول الهدم والتشويه سادرة في غيها القبيح ونعيقها العالي الذي وجد في منظومة الفساد والإفساد - إذاعياً ومؤسسياً وسلطوياً - حماية كبرى ودفاعاً مستميتاً للإجهاز على تاريخ (هنا المكلا) برغم معرفتنا الأكيدة بأن هناك أصواتٍ رائعة – بوحاً ولغة ونغماً وإيقاعا وشدواً وشجواً -
إلا أن الغث الطافح نجح في الهيمنة على دقائق الرقي اللغوي، وتظهر فقاعات البؤس وبشاعة المنقلب الإذاعي عندما تستمع إلى صوت الإعلامي الكبير والأديب الرائع سالم العبد وهو يردد بصوته الرخيم: (الثانية تماماً في المكلا .. الساعة الإخبارية)، هاتان الجملتان هما ما تبقى من أثر راقٍ بصوت المبدع العبد تضعك في مواجهة والحقيقة الصادمة في منتصف نهار المكلا والانهيار الذي تتردّى إليه إذاعتها، فبعد أن تنتهي هذه (الكليشة) اليومية يدخل المستمع دهاليز الغباء اللغوي والنزق المعرفي والعته الإذاعي، فتصاب بالحيرة والذهول، فتتساءل، وهل يحرص مذيعو المكلا على تصحيح أخطائهم والتحلي بروح الشجاعة الأدبية ويعترفون بحقيقة عجزهم اللغوي - تهجياً ولغة وإعراباً - وهل يدركون بشاعة فعلتهم تجاه (لغة الضاد)، وهل يطوون في صدروهم أسطر قاموس الانتماء لتاريخ الإذاعة المشرّف، والأكثر مرارة هل سعت قيادة الإذاعة الرسمية إلى إصلاح اخلالات الفترة السابقة أو أضافوا إليها ما يثقل كاهل التاريخ الإذاعي المجيد ورسخت ثقافة (الفيد البرامجي)، واحتوت هذه الأصوات البائسة لغة، وحارت ما تبقى من جمال لغة الضاد؟!
الكبار ومسؤولية الانهيار:
هذه الأسئلة وغيرها تجعلنا نحمّل وزير الإعلام ومدير عام المؤسسة ومحافظ المحافظة والأمين العام ورئيس فرع الحزب الحاكم، بوصفهم المشرفين المباشرين على رسالة الإذاعة والموجهين لها والمملين عليها والداعمين، نحملهم مسؤولية ما يحدث من تدمير مبرمج لتاريخها المجيد، ونلقي باللائمة على كل الخيرين فيها والمخضرمين - خاصة - لصمتهم المقيت على العبث اليومي، واستسلامهم لـ(هوجة الكسب السريع)، وهم يدركون أنهم قد أصبحوا جزءاً من منظومة التشويه والتدمير اليومي لهذا المجد، ومن العيب أن تطوي إذاعة المكلا ثلاثة وأربعين عاماً وهو تشكو من عقوق أبنائها وجحودهم وتكالبهم على فتات الدنيا ومخصصات الأعياد والمنظمات والمؤسسات الدافعة نقداً، (والبركة في القفشات والشعارات وما قلّت أسطره وكبر ثمنه)، دون مراعاة لتاريخ فذ، وصون لتراث عريق، فإلى أين هم بها ذاهبون؟! وإذا تنازل الجميع عن مسؤوليته التاريخية ودوره في إيقاف التقهقر والانهيار، فإننا نأمل منهم، حفاظاً على لغة القرآن من عبث أنصاف المقدمين وتدمير ذائقة المدينة الحضارية وعنوان حضرموت، أن تستبدل العربية الفصحى في برامج وأخبار وحوارات الإذاعة باللهجة الشعبية الدراجة، ويا إذاعة ما دخلك شر!
فقد تجاوز العبث المتاح وهجنت البرامج واستنسخت، (وتصنعنعت وتخلجنت وتلبننت وتعرققت وتمصررت) ولم تعد تحمل ملامح المكلا وحصاد العمر الجميل، فلم يتبق إلا قرار وزير الإعلام ومدير عام المؤسسة والسلطة المحلية بالمحافظة لتغيير لغتها اليومية إلى (كوكتيل) من اللهجات حسب العرض والطلب والمزاج الخاص لصغار الإذاعيين الذين يطمسون يفرضون أذواقهم الغنائية على خارطة التاريخ الإذاعي المكلاوي ويحاربون التراث المؤرشف فيها، والاعتذار لمن تبقى من القابضين على جمر العربية الفصحى في (غرف) الإذاعة، والعاشقين لتراث حضرموت الفني والبرامجي! وكفى.