حد من الوادي
11-15-2010, 12:52 AM
الانفصال الاجتماعي سلاح الحراك الجديد
2010/11/14 الساعة 17:16:51 د.طارق الازعبي
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة...................... على النفس من وقع الحسام المهند
في مقالة لي سابقة تحت عنوان "الانفصال بين الحلم والواقع" تطرقت فيها إلى الأسباب التي تدعوا بعض فئات أبناء الوطن في الجنوب إلى المطالبة بالانفصال عن دولة الوحدة والعودة إلى ما قبل عام 1990 ودعوت فيه الحكومة إلى عدم تجاهل مطالب هذه الفئات وإيجاد الحلول الناجعة من اجل تفويت الفرصة على من لهم مصلحة في تقسيم الوطن كما أني ناشدت أبناء وطننا في الجنوب إلى سلوك الطرق السليمة و السلمية في المطالبة بحقوقهم المشروعة.
منذ تلك الفترة إلى الآن وأنا أتابع عن كثب تطور أجندة المطالبين (بفك الارتباط ) وأُحاول جاداً أن ألتمس لهم مبرراً لمطالبهم هذه وخلصت إلى أنهم قد سلكوا مسلكاً جديدا و نحوا منحاً أخر هو أخطر من رفع السلاح والمقاومة وهذا المنهج المتبع هو ما أسميه "الانفصال الاجتماعي".
قد يقول البعض أنه لا توجد فوارق اجتماعية بين (شطري اليمن) سابقا وأننا شعب واحد تجمعنا لغة واحدة ودين واحد وثقافة مشتركة كما انه تجمعنا أواصر النسب والمصاهرة وموروثات شعبية مشتركة منذ القدم وهذا كله صحيح إلا أني أحب أن أُركز على نقطة هامة وهي الثقافة الاجتماعية السائدة في كلا الشطر يين قبل قيام الوحدة.
إن التقاليد والقيم والمفاهيم والسلوكيات لمجتمع ما، تُمثل الثقافة الاجتماعية لذالك المجتمع وينقل المجتمع ويغذي أفراده بهذه الثقافة من خلال التنشئة الاجتماعية التي تتم بصورة عفوية أو بصورة مقصودة ومن ثم تشكل هذه الثقافة موروثا اجتماعيا يتناقله الأفراد جيلاً بعد جيل وذالك من خلال النشاطات والتفاعلات الاجتماعية لكل فرد والجدير بالذكر أن الثقافة الاجتماعية يصعب تغييرها ولكن لا يستحيل بالطبع فعل ذالك وتكمن صعوبة التغيير في رفض المجتمع لهذا التغيير فمن الصعب تغيير موروثات اجتماعية متأصلة في مجتمع بين عشية وضحاها حيث انه أصبح لهذه الثقافة الاجتماعية جذور داخل المجتمع.
من هنا ومن خلال فهمنا لمعنى الثقافة الاجتماعية أحب أن أُقارن هذه الثقافة بين مجتمع الشمال ومجتمع الجنوب.
مما لاشك فيه أن سلوكيات أفراد المجتمع في شمال الوطن لها خصوصيات تختلف فيها عن سلوكيات أفراد المجتمع في الجنوب وقد تعززت هذه السلوكيات وتم صقلها من خلال سياسة كل دوله حيث أن الدولة في ما كان يسمى بالشطر الشمالي أسست وزرعت عند مجتمعها ثقافة اجتماعية وسلوكية تختلف كلياً أو جزئياً عن مثيلتها في الجنوب فعلى سبيل المثال نجد أنه في الشمال توجد ثقافة الخضوع للمشايخ والاحتكام لهم وإن كانت الدولة قد حاولت بشتى الوسائل القضاء على هذه الظاهرة إلا أنها مازالت متأصلة عند فئة كبيرة من أبناء الشمال وهذه الثقافة تكاد تكون غير موجودة في الجزء الجنوبي خاصة منذ قيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر حيث نجد أن الدولة استطاعت أن تحتوي اغلب أفراد المجتمع تحت مظلة القانون.
وهناك سلوكيه أخرى تتمثل في ما إذا كان الشعب يعتمد على الدولة أو على نفسه في تسيير حياته حيث نجد أن الثقافة السائدة في الشمال تتمثل في اعتماد الفرد على نفسه في تحصيل رزقه وعدم اعتماده على الدولة في توفير الوظيفة أو لقمة العيش وهذا ما يُفسر أنه في أثناء قيام الوحدة كان عدد موظفي الدولة في الجنوب أكثر منه في الشمال رغم تباين عدد السكان في كلا الشطرين.
وهناك أمثلة كثيرة لتباين واختلاف الثقافة الاجتماعية بين شطري الوطن سابقا وأكتفي بهذين المثاليين.
مما سبق حاولنا شرح مفهوم الثقافة الاجتماعية ومدى أهميتها في التأثير على سلوك المجتمعات وفيما يلي سنحاول التطرق لمدى فعالية هذا "السلاح الجديد" واستخدامه من قبل دعاة الانفصال وتعامل الدولة معه :
مما لا يخفى على أحد أنه وبعد قيام الوحدة كانت الظروف الاجتماعية والسياسية ملائمة لاندماج الشعبيين وكان هناك تحمس من الجميع لإعلانها بعد طول انتظار ولكن ما لبثت السماء تتلبد بالغيوم وأمطرت على اليمن سهام حرب أودت بحياة الكثيرين من أبناء الوطن وخلفت ورائها شرخاً وكسراً لم يلتئمان حتى الآن.
في أعقاب هذه الحرب ترسخت الوحدة بالدماء وكان هناك مُريدين لاستمرارية هذه الوحدة سوءًا من أبناء الشمال أو من أبناء الجنوب ولكن انشغال الدولة الحديثة بعد عام 1994 بالتنمية وتعزيز الحكم وقمع دعاة الانفصال أدى بها إلى إهمال جانب هام في تعزيز هذه الوحدة ألا وهو الجانب الاجتماعي.
لقد حدثت أخطاء جسيمة من قبل بعض الأفراد والمسئولين في تعاملهم مع أبناء الجنوب حيث كان يُنظر لهم بنظرة المهزوم وأُلصقت دعوى الانفصال بكل من حاول انتقاد الدولة أو المطالبة بحق مسلوب. هذه التصرفات وان كانت في أغلبها فردية لم تلقى اهتمام من السلطة المركزية مما أدى إلى احتقان لدى المتضررين وشعورهم بالنقصان والعنصرية وبأنه يُنظر إليهم كطبقة مارقة على القانون.
كان من الواجب على الدولة إصدار بيان تُعاقب فيه كل من يدعوا إلى التفرقة أو الانتقاص من قيمة أي مواطن وإنشاء دائرة قانونية تستمع وتبت في أي شكوى مقدمة من المواطنين الذين تعرضوا لفقدان مناصبهم أو أراضيهم أو عانوا من أي عنصريه ضدهم أو وصفهم بدعاة الانفصال لكن لم يتم شيء من ذالك مما أتاح لدعاة الانفصال الحقيقيون إلى الاستفادة من هذه الثغرة والتغلغل من خلالها لتعزيز مطالبهم بفك الارتباط.
إن جيل الوحدة الذي يناهز عمره الآن قرابة العشرون عاما قد رضع من آبائه (المتضررين) الحقد على كل ما تأتي به رياح الشمال فالكل يلاحظ الآن عند الأطفال في الجنوب وشباب الوحدة النظرة المشمئزة تجاه أمطار الشمال وخيراته وعمالته وتجارته فأصبحت سحابة الشمال رمز للجفاف والقحط.
لقد استغل الحراك هذه النظرة لدى الجيل الصاعد وبدأ بعزف الأوتار عليها وأصبح يرعاها كنبتة و يتعاهدها بالسقي حتى لا تذبُل وتصبح شجرة عاتية جذورها في الأرض وأغصانها باسقة في السماء يصعب اجتثاثها بسهوله وتقاوم كل الرياح العاصفة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل من سبيل إلى جعل هذه الشجرة مثمرة والاستفادة من ظلها لمصلحة الشمال والجنوب معاً أم أنه قد فات الأوان؟
2010/11/14 الساعة 17:16:51 د.طارق الازعبي
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة...................... على النفس من وقع الحسام المهند
في مقالة لي سابقة تحت عنوان "الانفصال بين الحلم والواقع" تطرقت فيها إلى الأسباب التي تدعوا بعض فئات أبناء الوطن في الجنوب إلى المطالبة بالانفصال عن دولة الوحدة والعودة إلى ما قبل عام 1990 ودعوت فيه الحكومة إلى عدم تجاهل مطالب هذه الفئات وإيجاد الحلول الناجعة من اجل تفويت الفرصة على من لهم مصلحة في تقسيم الوطن كما أني ناشدت أبناء وطننا في الجنوب إلى سلوك الطرق السليمة و السلمية في المطالبة بحقوقهم المشروعة.
منذ تلك الفترة إلى الآن وأنا أتابع عن كثب تطور أجندة المطالبين (بفك الارتباط ) وأُحاول جاداً أن ألتمس لهم مبرراً لمطالبهم هذه وخلصت إلى أنهم قد سلكوا مسلكاً جديدا و نحوا منحاً أخر هو أخطر من رفع السلاح والمقاومة وهذا المنهج المتبع هو ما أسميه "الانفصال الاجتماعي".
قد يقول البعض أنه لا توجد فوارق اجتماعية بين (شطري اليمن) سابقا وأننا شعب واحد تجمعنا لغة واحدة ودين واحد وثقافة مشتركة كما انه تجمعنا أواصر النسب والمصاهرة وموروثات شعبية مشتركة منذ القدم وهذا كله صحيح إلا أني أحب أن أُركز على نقطة هامة وهي الثقافة الاجتماعية السائدة في كلا الشطر يين قبل قيام الوحدة.
إن التقاليد والقيم والمفاهيم والسلوكيات لمجتمع ما، تُمثل الثقافة الاجتماعية لذالك المجتمع وينقل المجتمع ويغذي أفراده بهذه الثقافة من خلال التنشئة الاجتماعية التي تتم بصورة عفوية أو بصورة مقصودة ومن ثم تشكل هذه الثقافة موروثا اجتماعيا يتناقله الأفراد جيلاً بعد جيل وذالك من خلال النشاطات والتفاعلات الاجتماعية لكل فرد والجدير بالذكر أن الثقافة الاجتماعية يصعب تغييرها ولكن لا يستحيل بالطبع فعل ذالك وتكمن صعوبة التغيير في رفض المجتمع لهذا التغيير فمن الصعب تغيير موروثات اجتماعية متأصلة في مجتمع بين عشية وضحاها حيث انه أصبح لهذه الثقافة الاجتماعية جذور داخل المجتمع.
من هنا ومن خلال فهمنا لمعنى الثقافة الاجتماعية أحب أن أُقارن هذه الثقافة بين مجتمع الشمال ومجتمع الجنوب.
مما لاشك فيه أن سلوكيات أفراد المجتمع في شمال الوطن لها خصوصيات تختلف فيها عن سلوكيات أفراد المجتمع في الجنوب وقد تعززت هذه السلوكيات وتم صقلها من خلال سياسة كل دوله حيث أن الدولة في ما كان يسمى بالشطر الشمالي أسست وزرعت عند مجتمعها ثقافة اجتماعية وسلوكية تختلف كلياً أو جزئياً عن مثيلتها في الجنوب فعلى سبيل المثال نجد أنه في الشمال توجد ثقافة الخضوع للمشايخ والاحتكام لهم وإن كانت الدولة قد حاولت بشتى الوسائل القضاء على هذه الظاهرة إلا أنها مازالت متأصلة عند فئة كبيرة من أبناء الشمال وهذه الثقافة تكاد تكون غير موجودة في الجزء الجنوبي خاصة منذ قيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر حيث نجد أن الدولة استطاعت أن تحتوي اغلب أفراد المجتمع تحت مظلة القانون.
وهناك سلوكيه أخرى تتمثل في ما إذا كان الشعب يعتمد على الدولة أو على نفسه في تسيير حياته حيث نجد أن الثقافة السائدة في الشمال تتمثل في اعتماد الفرد على نفسه في تحصيل رزقه وعدم اعتماده على الدولة في توفير الوظيفة أو لقمة العيش وهذا ما يُفسر أنه في أثناء قيام الوحدة كان عدد موظفي الدولة في الجنوب أكثر منه في الشمال رغم تباين عدد السكان في كلا الشطرين.
وهناك أمثلة كثيرة لتباين واختلاف الثقافة الاجتماعية بين شطري الوطن سابقا وأكتفي بهذين المثاليين.
مما سبق حاولنا شرح مفهوم الثقافة الاجتماعية ومدى أهميتها في التأثير على سلوك المجتمعات وفيما يلي سنحاول التطرق لمدى فعالية هذا "السلاح الجديد" واستخدامه من قبل دعاة الانفصال وتعامل الدولة معه :
مما لا يخفى على أحد أنه وبعد قيام الوحدة كانت الظروف الاجتماعية والسياسية ملائمة لاندماج الشعبيين وكان هناك تحمس من الجميع لإعلانها بعد طول انتظار ولكن ما لبثت السماء تتلبد بالغيوم وأمطرت على اليمن سهام حرب أودت بحياة الكثيرين من أبناء الوطن وخلفت ورائها شرخاً وكسراً لم يلتئمان حتى الآن.
في أعقاب هذه الحرب ترسخت الوحدة بالدماء وكان هناك مُريدين لاستمرارية هذه الوحدة سوءًا من أبناء الشمال أو من أبناء الجنوب ولكن انشغال الدولة الحديثة بعد عام 1994 بالتنمية وتعزيز الحكم وقمع دعاة الانفصال أدى بها إلى إهمال جانب هام في تعزيز هذه الوحدة ألا وهو الجانب الاجتماعي.
لقد حدثت أخطاء جسيمة من قبل بعض الأفراد والمسئولين في تعاملهم مع أبناء الجنوب حيث كان يُنظر لهم بنظرة المهزوم وأُلصقت دعوى الانفصال بكل من حاول انتقاد الدولة أو المطالبة بحق مسلوب. هذه التصرفات وان كانت في أغلبها فردية لم تلقى اهتمام من السلطة المركزية مما أدى إلى احتقان لدى المتضررين وشعورهم بالنقصان والعنصرية وبأنه يُنظر إليهم كطبقة مارقة على القانون.
كان من الواجب على الدولة إصدار بيان تُعاقب فيه كل من يدعوا إلى التفرقة أو الانتقاص من قيمة أي مواطن وإنشاء دائرة قانونية تستمع وتبت في أي شكوى مقدمة من المواطنين الذين تعرضوا لفقدان مناصبهم أو أراضيهم أو عانوا من أي عنصريه ضدهم أو وصفهم بدعاة الانفصال لكن لم يتم شيء من ذالك مما أتاح لدعاة الانفصال الحقيقيون إلى الاستفادة من هذه الثغرة والتغلغل من خلالها لتعزيز مطالبهم بفك الارتباط.
إن جيل الوحدة الذي يناهز عمره الآن قرابة العشرون عاما قد رضع من آبائه (المتضررين) الحقد على كل ما تأتي به رياح الشمال فالكل يلاحظ الآن عند الأطفال في الجنوب وشباب الوحدة النظرة المشمئزة تجاه أمطار الشمال وخيراته وعمالته وتجارته فأصبحت سحابة الشمال رمز للجفاف والقحط.
لقد استغل الحراك هذه النظرة لدى الجيل الصاعد وبدأ بعزف الأوتار عليها وأصبح يرعاها كنبتة و يتعاهدها بالسقي حتى لا تذبُل وتصبح شجرة عاتية جذورها في الأرض وأغصانها باسقة في السماء يصعب اجتثاثها بسهوله وتقاوم كل الرياح العاصفة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل من سبيل إلى جعل هذه الشجرة مثمرة والاستفادة من ظلها لمصلحة الشمال والجنوب معاً أم أنه قد فات الأوان؟