من السادة
04-01-2011, 09:53 AM
هبات الفتـن
الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو مَعاذا فليعذ به».
وقد كان الناس يظنون أن هذا الحديث وأمثاله إنما يتحدث عما جرى من فتن في الصدر الأول، وأن ذلك قد زال، والواقع أن دلالة الحديث متجددة في كل زمان، إلا أنها في زماننا هذا أكثر ظهورا، وأكثر فتكا، فهي تموج موج البحر وتأتي الناس على غِرة؛ لا يدرى كيف تشتعل ولا كيف تنطفئ، وقد كان السلف يَحذر ويُحذر منها خشية أن يلجها الجاهل وهو لا يشعر، وكان حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يارسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم»، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : «نعم، وفيه دخَن»، قلت: وما دخَنُه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتُنكر»، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاةٌ إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها». قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: «هم من جِلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».
فهذا الحديث يجلي واقعنا المعاصر، كأنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ينظر إليه رأي العين؛ فهؤلاء الدعاة إلى أبواب جهنم يقذفون الناس في دركاتها بإشعال الفتنة التي هي نائمة، فيكون بعد ذلك قتل النفس البريئة، وترويع الآمنين، وإفساد الحرث والنسل.. كل ذلك باسم إنكار المنكر الذي غاب عليهم فقهه؛ فإن من شرطه المجمع عليه ألا يؤدي إلى أنكر منه، وإلا كان حراما؛ لأن الضرر لايزال بالضرر، ومراتب إنكار المنكر باليد ثم باللسان ثم بالقلب معلومة لا تخفى على أولئك الدعاة، لكنهم يَعمَون عنها ليظهر وصفهم لمن لا يعرفهم، فهل لهؤلاء الدعاة من وازع؟ أم هل لهم من رادع؟ أفلا ينظرون إلى مآلات الأفعال قبل التّفوّه بالأقوال؟ وهو من المقاصد المعتبرة عند علماء الأمصار بغير خلاف، ألم يروا كيف يُسلمون البلاد والعباد لأهل الكفر والعناد الذين يستبيحون الحرمات، وينهبون الثروات، ويفتكون بالمقدرات! فما ذا الذي جرى ويجري في العراق الجريح، والصومال الشحيح، وغيرهما من البلدان؟ وما مثل هؤلاء إلا كما قال الشاعر:
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
وليتها نار تحرق رجل واطئها، لكنها نار تحرق السهل والجبل، فيا ليت أولئك يعلمون.
الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو مَعاذا فليعذ به».
وقد كان الناس يظنون أن هذا الحديث وأمثاله إنما يتحدث عما جرى من فتن في الصدر الأول، وأن ذلك قد زال، والواقع أن دلالة الحديث متجددة في كل زمان، إلا أنها في زماننا هذا أكثر ظهورا، وأكثر فتكا، فهي تموج موج البحر وتأتي الناس على غِرة؛ لا يدرى كيف تشتعل ولا كيف تنطفئ، وقد كان السلف يَحذر ويُحذر منها خشية أن يلجها الجاهل وهو لا يشعر، وكان حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يارسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم»، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : «نعم، وفيه دخَن»، قلت: وما دخَنُه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتُنكر»، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاةٌ إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها». قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: «هم من جِلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».
فهذا الحديث يجلي واقعنا المعاصر، كأنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ينظر إليه رأي العين؛ فهؤلاء الدعاة إلى أبواب جهنم يقذفون الناس في دركاتها بإشعال الفتنة التي هي نائمة، فيكون بعد ذلك قتل النفس البريئة، وترويع الآمنين، وإفساد الحرث والنسل.. كل ذلك باسم إنكار المنكر الذي غاب عليهم فقهه؛ فإن من شرطه المجمع عليه ألا يؤدي إلى أنكر منه، وإلا كان حراما؛ لأن الضرر لايزال بالضرر، ومراتب إنكار المنكر باليد ثم باللسان ثم بالقلب معلومة لا تخفى على أولئك الدعاة، لكنهم يَعمَون عنها ليظهر وصفهم لمن لا يعرفهم، فهل لهؤلاء الدعاة من وازع؟ أم هل لهم من رادع؟ أفلا ينظرون إلى مآلات الأفعال قبل التّفوّه بالأقوال؟ وهو من المقاصد المعتبرة عند علماء الأمصار بغير خلاف، ألم يروا كيف يُسلمون البلاد والعباد لأهل الكفر والعناد الذين يستبيحون الحرمات، وينهبون الثروات، ويفتكون بالمقدرات! فما ذا الذي جرى ويجري في العراق الجريح، والصومال الشحيح، وغيرهما من البلدان؟ وما مثل هؤلاء إلا كما قال الشاعر:
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
وليتها نار تحرق رجل واطئها، لكنها نار تحرق السهل والجبل، فيا ليت أولئك يعلمون.