المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليمن" الأزمة اليمنية.. إلى أين؟!


حد من الوادي
06-29-2011, 12:56 AM
الأزمة اليمنية.. إلى أين؟!

2011/06/28 الساعة 21:31:02
عبد الله السالمي
التعبير عن الحالة اليمنية الراهنة بالأزمة يتجاوز المشكل السياسي إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية, وفي العمق منها, اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا, وحتى قيميا, وأخلاقيا كذلك.. وبقدر ما يحيل استحكام الأزمة على مختلف تجليات الواقع المعيش إلى اعتبار تطاول الجدل السياسي مجرد ملهاة, يكشف الخوض فيها مدى تعالي النخب السياسية عن الاقتراب من موجبات رفع المعاناة الشديدة عن العامة, إلا أن المشكل السياسي كما كان المدخل إلى مختلف صنوف تجليات الأزمة القائمة فإن الطريق إلى تجاوزها, جميعها, يمر به ويبدأ منه.

وعلى هذا الأساس تأتي أهمية الاشتغال السياسي لاجتراح تسوية تلبي شروط موجبات الخروج من أزمة ينذر تطاولها بتداعي ما تبقى من الأسس النظرية الكامنة في الوعي الجمعي باستحسان التغيير, وإمكانية أن يفضي إلى عكس مقولة "ليس بالإمكان أبدع مما كان".. وفوق ذلك فإن التعايش مع الأزمة يؤدي إلى التطبع بثقافتها بما يجعل منها قدرا لا مناص عنه, ومن ثم تصبح حالة عامة يعيش معها الجميع بعقلية الأزمة, فيما تبدو آفاق الحلول, على مستوى التفكير حتى, قيمة غائبة, أبسط ما يمكن أن يقال بصددها أنها أحلام ومثاليات لا تجامع الواقع واشتراطاته!!

والسؤال الأكثر أهمية في هذا السياق, باعتبار أن الاشتغال على تسوية سياسية الخيار الأسلم لتجاوز الأزمة الراهنة, هل يمكن القول إن محددات تجاوزها, نظريا, باتت مدركة –بفتح الراء- لدى فرقاء السياسة في الداخل؟ أم أن في تجليات الأسابيع القليلة الماضية ما يعزز مخاوف تباين الرؤى حد القطيعة, ليس لدى الأطراف ذات الطبيعة الندية, وإنما أيضا, وهو الأهم, لدى جبهة عريضة يجمعها مسمى المعارضة, ولو باعتبارات حديثة عهد بها؟

ثم على افتراض واحدية الرؤية, في عناوينها العريضة على الأقل, فهل يكفي ذلك للحديث عن إمكانية الشروع في تنفيذ أولى خطوات الخروج باليمن من أزمته الراهنة بعيدا عن محورية اللاعبين الإقليميين والدوليين في المعطى السياسي الداخلي, وما إذا كانت إحدى إشكاليات عدم التوافق أو استيضاح الرؤية لممكنات الحل لدى فرقاء الداخل وليدة تباينات الصدور عن الخارج واستحضار تصوراته التي تختلف بالضرورة مع رؤى عديد قوى هنا؟

براغماتية.. ولكن..

بدا أن أحزاب اللقاء المشترك من موقعها الأبرز في منظومة المعارضة أكثر تماشيا مع اشتراطات القوى الإقليمية والدولية ذات الفاعلية الأساسية في مسار التسوية السياسية للأزمة اليمنية, والحديث هنا عن المعارضة.. وبقدر ما يعكس هذا المنحى براغماتية السياسي, التي وإن استغلت النزعة الثورية إلا أنها لا تعدو بمخرجاتها في النهاية مثاليات حالمة, فإنه في الوقت نفسه لم يكن منهم خيارا اتخذوه طواعية وإنما وجدوا أنفسهم مضطرين إليه من باب أن ما لا يدرك جله لا يترك كله, وهذا هو منطق السياسة, التي ليست سوى فن الممكن.

وإذا كان هناك من يعيب هذا المسلك فإن الإشكالية أن الخيار البديل غير متاح حتى لدى الذين يعيبون التسوية, ويأخذون عليها صدورها في الجوهر بما يلبي الرؤية الكلية لقوى إقليمية ودولية –وبالذات السعودية وأمريكا- عن اليمن, وموقعه في سياستها الخارجية وأمنها القومي.. والأمر ليس وليد شهور مضت، أو أعوام خلت، وإنما أبعد من ذلك بكثير حد ذهاب البعض الى عدم فصل المعطى السياسي في الداخل اليمني عن فاعلية الإقليم وقوى دولية أخرى على مدى عقود تكاد تغطي عمر اليمن الجمهوري.

المهم في الأمر إذن أن الحساسية التي تقابل بها قوى في المعارضة الدور الإقليمي والدولي تجاه المشكل اليمني وموجبات التسوية أشبه بردة فعل طبيعية لكنها لا تملك غير الامتعاض، فيما إمكانية الاستغناء عن الإقليم والقوى الكبرى للعب دور في انفراجة للأزمة اليمنية يكاد يكون مستحيلا، إذ بعيدا عن التعاطي العاطفي فإن استقلالية القرار داخليا لها محددات هي أبعد ما تكون عن أبرز قوى المعارضة أما السلطة فشأنها من الوضوح بمكان.

وبمعية ذلك فإن استحضار اللاعبين الإقليميين والدوليين خلال تعاطيهم مع الأزمة اليمنية وممكنات التسوية، مصالحهم القومية أمر طبيعي، ومن ثم فإن الدفع بأن تلك القوى العربية والأجنبية معنية في تجاوز الأزمة اليمنية بمصالحها وليس سواد عيون اليمنيين تحصيل حاصل، والدفع به اشتغال ساذج أقرب الى العفوية وأبعد عن الاحتراف السياسي، وهنا يتضح الفرق بين عقليتين، الأولى سياسية على صلة بمشروع الدولة بمفهوم الدولة الحديثة وأعرافها السياسية والدبلوماسية كلبنة في بناء أممي يؤثر ويتأثر بمختلف مكوناته.. والثانية بدائية عفوية مسكونة بهاجس المؤامرة، ويغلب عليها منطق تبسيطي أقرب ما يكون الى الحالة الدعوية الدينية، أو القائم بأمر الصدقات وكافل اليتيم!!

محورية الخارج

اشتراطات التسوية إذن وبقدر محورية الدور الإقليمي والدولي فيها إلا أنها تأخذ بعين الاعتبار مراكز الثقل في الداخل وممكنات التنفيذ وضمانات تحقيقها نزع فتيل الأزمة وحلحلة تعقيداتها.. وهنا فإن تراجع القوى الأبرز في المعارضة عن مقولات سابقة أملتها حالة العنفوان من مثل "إسقاط النظام" وحلّ المؤتمر الشعبي العام ومواقف أخرى تصب في خانة القطيعة معه وإقصائه مستقبلا من لعب أي دور في سياق التوازنات.. إن هذا التراجع الذي بدا واضحا في أحاديث قيادات في "المشترك" مؤخرا يشيء بإمكانية التقارب على أسس تستحضر ابتداءً الإيمان بشراكة كل القوى اليمنية في موجبات الحل للأزمة القائمة، وأن استبعاد أي منها ينذر باستفحالها.

وربما يحسب للدور الإقليمي والدولي اشتغاله على لعبة التوازنات التي أعادت المشكل اليمني إلى هيئة التدافع السياسي، وهو صنيع ظهر معه للأسف أن مكونات في الداخل أقل معرفة من الخارج بالتوصيف الأكثر مصداقية للحالة اليمنية الراهنة، واستيضاح مراكز الثقل فيها وأطرافها الرئيسية، وتبدلات مواقفها.. وحين يملك الخارج من دقة التوصيف وفهم الجذور الكامنة وراء الظاهر من تجليات المشهد اليمني فإنه أقدر على التعاطي باحترافية مع مرئيات الأزمة، ومن ثم توجيه مساراتها بما يجعله فاعلا فيها، وبالذات في رسم نهاياتها، وهذا ما كان أو يبدو أنه سيكون.

ولعل النظرة من علٍ التي يعتمدها المعنيون بالأزمة اليمنية حال التعاطي معها توجب تحقيق أدنى متطلبات التوازن في استحضار أطرافها، وأن يكونوا على مسافة واحدة من الراعي الإقليمي والدولي على حد سواء، وإلا فإن حالة الاستقطاب هي الأخرى ستغدو هي المهيمنة في العمق من الاشتغال الإقليمي والدولي، ومن ثم يكون المعول عليهم إحداث مقاربة لفرقاء الأزمة اليمنية من الأشقاء والأصدقاء فاعلين فاعلية مباشرة وغير مباشرة في إذكاء نزعة الإقصاء لدى بعض قوى في الداخل لبعضها الآخر، بحجة محاباة الإقليم والرعاة الدوليين لأطراف على حساب أخرى في سياق إعادة استحضار مرجعيات الصراع الإقليمي والدولي في العنوان العام.

وهنا فإنه لا يمكن إغفال استشعار حالة الاستقطاب، أو لنقل التقارب بين قوى في الداخل ومرجعيات إقليمية ودولية فاعلة في مسار التسوية السياسية القائمة، وامتعاض قوى داخلية أخرى من كل ذلك.. باعتبار أن المسألة برمتها تصب في خانة تقوية طرف على آخر، على أساس أن توسعة مواطئ أقدام الإقليم والقوى الدولية ذات الصلة ستكون أدنى للثبات في حال كانت قوى الداخل على صلة بها بكيفية أو بأخرى.. وهو ما يعزز حالة الممانعة القائمة اليوم لدى فصائل في المعارضة ضد أية تسوية ترعاها السعودية وأمريكا حتى وإن لم يلح في الأفق ما يمكن أن يتأتى كمخرج حقيقي سواها.

وفي المجمل فإن تعقيدات الأزمة اليمنية التي تتصدرها قوة حضور الإقليم وأمريكا على وجه الخصوص في موجبات التسوية واستحقاقاتها السياسية والأمنية والاقتصادية أدعى للتعاطي معها من قبل فرقاء الداخل بواقعية شديدة تأخذ بأسلم الممكنات، أما بناء عوالم افتراضية والتوقف عندها فذلك مدار اشتغال الشعراء وليس الساسة.

[email protected]