المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليمن صنعاء" جملة ختامية في الفصل الأخير لصالح


حد من الوادي
10-07-2011, 12:47 AM
جملة ختامية في الفصل الأخير لصالح

عبدالفتاح حيدرة

لم أعد أتذكر عدد المرات التي أملت فيها شيئاً جيداً يقوله الرئيس صالح أو يفعله ولم يقل أو يفعل، ويبدو أنه لن يفعل أبداً، لقد عودنا الرجل أنه لا يرى سوى نفسه، وأن صالح كما يقولون لا يفعل إلا ما هو في صالح صالح، غير أنه الآن يتجاوز ما يمكن فهمه، ويعمل ضد الجميع بما فيهم نفسه، لا يمكن لرجل عاقل أن يتصرف إلا بعكس ما يتصرف به صالح، الشيء الجيد في الأمر أنه يترك حكمة بالغة للرؤساء الذين سيأتون من بعده: «اصنع العكس تماماً مما عمله صالح في أيامه الأخيرة».


الكتابة عن صالح في هذا الوقت بالذات مثل من يسبق الرئيس بأمتار ليغرس لافتات تحذيرية في الطريق الذي يذهب فيه ويقوده إلى الهاوية، ويجرنا جميعاً معه، لأنه للأسف صادف أن يكون رئيسنا بمثل هذه المواصفات. وهو الوحيد تقريباً القادر في هذه البلاد على وقف حنفية الدم أو تحويلها إلى نهر يغرق فيه الجميع.


لكن ما يبدو واضحاً أن هذا الرجل يقرر بعكس ما نأمل، ولا يفعل شيء سوى ممارسة مزيد من المتناقضات فحسب، هذه هي طريقته في الإدارة وربما هي الطريقة الوحيدة بالنسبة له، دعونا نتذكر أنه عندما استقبل منتخب الناشئين لكرة القدم قبل أيام نصحهم بالابتعاد عن التدخين، في الوقت الذي كان يقتل أترابهم في ساحة التغيير بالمدافع، كان كمن ينصح الآخر برمي السيجارة من يده وهو يدخن «بقصبة دبابة». وفي نهاية الأسبوع الماضي جمع العلماء ليفتوا بحرمة الخروج عن الحاكم بعد أسبوع واحد فقط من الاحتفال بالخروج على من كان يوصف بـ «إمام المؤمنين» في العام 1962.


للأسف إن رجلاً بمثل هذه المواصفات صادف أن اعتلى كرسي الحكم في «وقت الفراغ» واستمر فيه حتى اليوم منذ ثلاثة عقود، وهو في اللحظة يتصرف على طريقته، ولا يوجد ما هو جديد، إنه يفعل ما يجيده: الاحتفاظ بكرسي السلطة، واستخدم في ذلك كل ما يجيده السياسي القذر أمامه ويوظفه لصالحه، إنه يفعل كل شيء ليحافظ على مصالحه، «حتى وإن اضطر أن يكون وطنياً»، بقي على الرئيس صالح حتى يفعل ماهو في صالحه أن يجرب هذه الورقة الأخيرة: أن يكون وطنياً، ويتخلى عن أنانيته الممتدة في ابنه الذي طُرد المرة تلو الأخرى من أكاديميتين عسكريتين، وهو الآن متهم بقتل الشباب في الساحات، وبسببه يغادر المبعوث الأممي صنعاء بدون حل، سوى ذلك الحل الذي يعطي الأطراف المسلحة هذه الفرصة المخيفة: فرصة تجريب الحرب!


السؤال: ما الذي يخطط له الرئيس في اليوم الذي غادر فيه بن عمر صنعاء متجهاً إلى الأمم المتحدة للتحضير لقرار دولي بشأن اليمن، هو لا يستطيع أن يراهن على الآلة العسكرية في قمع الثورة، ولا يستطيع أن يضمن انتصاراً على القوات المنشقة، ولن يكون بمقدوره العودة إلى المبادرة الخليجية التي تمنحه بعض الضمانات إن هو جرب الخيار العسكري غير المضمون أبداً، وفي كل الأحوال لن يكون بمقدوره الاستمرار في الوضع الزئبقي الراهن إلى ما لا نهاية.


صالح في الوقت الراهن يفكر كالتالي: لن أسمح لعلي محسن وحميد الأحمر في أن يتسببا بإخراجي من الحكم، لابد من تأديبهم، وقرص آذان الشباب المغرر بهم في الساحات، لا بأس من قتل بعضهم.. لا يمكن التسليم بهذه السهولة وأنا لا زلت الأقوى، لدي السلاح ولدي العتاد ولدي المال، ولدي من لا يزال يهتف لي ويصلي من أجلي، أما المجتمع الدولي فسوف أهدده بتفجير الأوضاع وتسليمهم هذه البلاد خرائب متهالكة وقبلة للمتشددين الأصوليين، وإن لم أستطع ذلك سوف أعمل على رفع كلفة التغيير إلى الدرجة التي يتوقف فيها هؤلاء عن تهديدي.


سوف يقول صالح لنفسه: مهمتي الآن هي جعل التغيير المطلوب مكلف جداً، لا يجب أن يكون هذا التغيير سهلاً أبداً، وسيردد جملته التي يكررها دائماً في لحظات الغضب: «عليّ وعلى أعدائي»، سوف يظن أنه بإمكانه محاولة سحق خصومه بالآلة العسكرية، لا يمكن لرئيس مغامر أن ينسحب دون أن يجرب هذه الآلة المدمرة ضد خصومه، وسيظن أنه إذا فشل هذا الخيار فإن المبادرة الخليجية لا تزال على الرف وسوف يلجأ لها، أما الشعب فلا يخطر على باله، لأنه منشغل الآن بما هو أهم بالنسبة إليه!


لماذا يختار الرئيس هذه الخيارات الصعبة؟ والإجابة مزيد من الأسئلة: لماذا يرفض المبادرة الخليجية، والنداءات الدولية، ونصائح الأصدقاء المخضرمين في الداخل والخارج، ولماذا لا يستفيد من تجارب الرؤساء الذين لم يمض على هربهم أو تنحيهم أو فرارهم سوى شهور.. لماذا يصر على تجاهل كل الوقائع ويغلق أذنيه وعينيه عن مئات الآلاف الذين يخرجون يومياً يصفونه ويقولون فيه ما لا يقال، وهو «مزبط بالكرسي» على نحو مخيف.


كيف لهذا الرجل الذي يقال عنه داهية و«جني وخطير» أن يرَاكِم كل هذا السخط الشعبي ضده، وكيف لرجل عاش متنعماً بالسلطة والثروة أن يحفر قبره في آخر أيامه ويملؤه بالدم ثم يقفز فيه. إنه حتى اللحظة مستمر في فعل ذلك ويرفض التوقف.


يشير الراحل غازي القصيبي في روايته «سعادة السفير» إلى أربعة مفاتيح لفهم شخصية «همام» الرئيس الديكتاتور في بلاد النهروان، هذه المفاتيح هي: الفقر والكرامة والإرادة والمغامرة، تقول الرواية: ولد همام في أسرة فقيرة وتزوجت أمه من عمه الذي عامله بقسوة، لذلك كان أثناء بحثه عن السلطة يهرب من الفقر، واستطاع أن يعيش دون أن يحطم الفقر نفسيته، بل طور شعوراً متضخماً جداً بالكرامة، ولذلك كل ما يقوم به همام هو دفاعاً عن كرامته، كما تعلّم همام في طفولته أن الإرادة القوية تحقق المعجزات وتهيمن بها على الناس، وهناك المغامرة: كل شيء تقريباً حققه همام جاء عن طريق المغامرة، منها ما هو محسوب بعناية ومنها ما هو جنوني.


في الرواية تفاصيل أكثر، تجعلك تعتقد أن همام ليس سوى صالح، لكن عندي من النهايات ما هو أفضل، أو ما أتمنى أن يشكل نهاية الفصل الأخير من رواية الرئيس صالح: «أيها الشعب العظيم، لقد اجتهدت في الأعوام الماضية وأنجزت ما قدرت عليه، أرجو أن تتذكروا ذلك، وتنسوا أخطائي وتغفروا لي، إني أثق فيكم وبقدرتكم على اختيار الرئيس المقبل، لقد ضحيت دائماً من أجل الوطن، واليوم أضحي من أجلكم، ومن أجل صون دمائكم، وأقدم استقالتي من رئاسة الجمهورية.. أيها الشعب العظيم إني أدعوكم في الحزب الحاكم وفي بقية الأحزاب أن تساعدوني على إنجاح هذا القرار وأن تساعدوا المناضل عبد ربه هادي منصور على إدارة المرحلة الانتقالية والأهم أن نتساعد جميعاً لنُخرج بلادنا من الأزمة التي اشتركنا جميعا ً في صنعها،، عاشت اليمن حرة وغالية».


شيء بسيط وعفوي يشبه الجمل السابقة كفيل بأن يحول الرجل إلى شيء آخر، غير الرجل الشرير الذي هو عليه الآن، سوف يفاجئ الجميع، وفي اليوم التالي سيشير إليه الإعلام العالمي بأنه الرئيس الذكي الذي استطاع أن يفلت من غضب الثورات العربية، والعقوبات الدولية، لكن الأهم في ذلك بالنسبة لتاريخه، أنه في الأيام المقبلة وفي المستقبل سوف يتذكر اليمنيون صالح بشيء لا يستدعي منهم صب اللعنات عليه.


المصدر أونلايــن