المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حضـــرموت" حضارمة وجنوبيون في ميرديان الهرم بالقاهرة


حد من الوادي
01-09-2012, 01:33 AM
وقائع ومشاهدات وملاحظات
حضارمة وجنوبيون في ميرديان الهرم بالقاهرة

1/8/2012 المكلا اليوم / كتب : الدكتور / عبد الله سعيد باحاج


ما قبل المؤتمر ووقائعه وما انتهى إليه:

سبعون حضرمياً أو نحو ذلك انطلقوا من حضرموت صوب قاهرة المعز تلبية لدعوة بحضور مؤتمر عنوانه بموجب الدعوة (توحيد الصف الجنوبي). وكنت أحد هؤلاء السبعين. وهي المرة الأولى التي أشارك فيها في مؤتمر (سياسي) كغيري من الأكاديميين والباحثين المشاركين من حضرموت، حيث وصلتني دعوة كريمة من الأستاذ محمد أحمد بلفخر أحد أعضاء لجنة التواصل والتحضير لهذا المؤتمر، وقد جاءتني هذه الدعوة قبل موعد المؤتمر والمقرر له في 19 نوفمبر 2011م بحوالي شهر.

وعلمت بعد وصولي إلى القاهرة وانضمامي إلى بقية الأخوة المشاركين أن هناك من هم محسوبين على لجنة الإعداد والتحضير لهذا المؤتمر من اعترض وبشدة على حضوري لهذا المؤتمر ربما لأنني (حضرمي) أكثر من كوني (جنوبي)، كما توحي كتاباتي للبعض بذلك. وهو أمر لم يثيرني أو يستفزني كثيراً بقدر ما أحزنني أن يصل مستوى بعض المشاركين إلى هذا الدرك. وعلينا بعد ذلك ألا نستغرب المآل التي انتهى إليها هذا المؤتمر.

ومنذ اللحظة الأولى التي ولجنا فيها بهو فندق مريديان الهرم المخصص لعقد المؤتمر والذي يقع على أطراف القاهرة وبجوار أهرامات الجيزة الشهيرة في مساء الجمعة 18 نوفمبر 2011م عمّت الفوضى والهرج والمرج وكأننا في سوق شعبي، أو في أحد مطاعم صنعاء الشعبية حسب وصف الأستاذ أبوبكر باخطيب في تغطيته الصحفية والمباشرة لوقائع المؤتمر والتي نشرت في موقع (المكلا اليوم) في 27 نوفمبر 2011م.

ومضت ساعات طوال حتى استطعنا وبعد مجاهدة وصراع إلى الوصول إلى الغرف التي ستأوينا في الفندق. ولم تكن عملية الوصول هذه سهلة وسلسة كما ينبغي لها أن تكون، بل كانت على طريقة (من سبق أكل النبق)، أي أن عليك أن تصل إلى غرفة وأن تختار فيها زميلك الذي سيقيم معك فيها بالفتوّنة والقوة والصوت العالي والزعيق وقلب الوجه وإظهار العين الحمراء وما إلى ذلك من الحركات المعروفة في ساحات العراك والصراع البدني. واضطررت للاستعانة بالأستاذين محمد أحمد بلفخر ومحسن علي باصرة حتى أصل إلى غرفة يشاركني فيها الأستاذ أنور صالح التميمي مساعد المنسق العام لجبهة إنقاذ حضرموت.

وفي تلك اللحظات الفوضوية طرأ على ذهني خاطر عابر وهو إذا كانت هذه هي بداية المؤتمر فكيف إذن ستكون خاتمته، وهل سيكون ميلاد الخاتمة من رحم البداية. غير أنني وبطبعي المتفائل دوماً بالخير أقنعت نفسي أو بالأحرى أجبرتها على الاقتناع أن هي إلا زوبعة في فنجان وسحابة رعدية عابرة لا تلبث أن تزول، وما سيأتي سيكون أفضل وسيحقق المؤتمر المناط به من الأهداف والمسؤوليات التي جئنا من أجلها إلى هنا، فلا شك أننا لم نأت لأجل الاستضافة في فندق خمسة نجوم قد لا يجد البعض منا الراحة فيه كما يجده في مسكنه وبين أفراد أسرته وعشيرته وبني قومه.

وأخذت الحقائق تتكشف شيئاً فشيئاً بخصوص هذا المؤتمر (العجيب) والذي بدأ بمقولة (توحيد الصف الجنوبي) وانتهى إلى خيار وحيد وأوحد بفرض رؤية الفيدرالية لفصيل جنوبي بذاته، فقد قيل لنا بعد وصولنا إلى فندق المريديان أن عدد المشاركين في المؤتمر في حدود (150 – 200) شخص، وهذا يعني أن نسبة الحضارمة المشاركين فيه ستكون في حدود النصف أو قريباً من ذلك، وهو ما يتفق – إلى حد ما – مع الحجم السكاني لحضرموت ضمن سكان الجنوب.

ثم بعد ذلك أتى إلينا خبر يفيد بأن عدد المشاركين قد ارتفع إلى حوالي (400) شخص، ومع ثبات عدد المشاركين من حضرموت، إي بحدود (70) شخصاً كما أسلفنا، ومرة أخرى أتى إلينا خبر ثانٍ يفيد بأن العدد الكلي للمشاركين قد وصل إلى حوالي (700) شخص، وكذلك مع ثبات عدد الحضارمة المشاركين في المؤتمر والقادمين من حضرموت.

وهذا يعني أن نسبة مشاركة هؤلاء الحضارمة في المؤتمر قد انخفضت من (50% إلى 10%) وهذه كانت أولى علامات التعجب والاستفهام مما يدور حولنا، وكأن شيئاً ما يدور في الخفاء لجعلنا أقلية عددية غير مؤثرة في أعمال المؤتمر عند المداولة والطرح أو التصويت على قرارات أو توصيات. ثم تكاثرت علامات الاستفهام والتعجب حتى أصبحت سلسلة متصلة تبدأ بالتحضير والدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر، ثم باستقدام المشاركين وإيوائهم في غرف الفندق والذي حاول فيه البعض – كما علمت – أن يضع إلى جوار كل حضرمي شخص آخر من غير الحضارمة يقيمان معاً في غرفة واحدة بالفندق،

ومروراً بإعداد الجلسة الافتتاحية وتوزيع أوراق عمل المؤتمر والتي غيبت عمداً أو إهمالاً إلى ما قبل بدء المؤتمر بحوالي ساعة، ومع حرمان أوراق أخرى يمكن أن تضاف إلى أعمال المؤتمر ومنها (رؤية جبهة إنقاذ حضرموت)، وهي التي تم نشرها في موقع (المكلا اليوم) كاملة بتاريخ 15 نوفمبر 2011م، ثم ما ساد جلسات المؤتمر من فوضى لا تقل عن سابقتها التي حدثت في بهو الفندق عند دخولنا إليه أول مرة. وهو ما شرحه العزيز الأستاذ أبوبكر باخطيب في مقاله المشار إليه سابقاً، والذي سبقني كذلك إلى وضع علامتي استفهام كبيرة وتعجب أكبر حول جهة التمويل لهذا المؤتمر، وفي هذا الفندق الفاخر الذي تتناقض مستوى الإقامة فيه مع مستوى الفقر وضنك العيش الذي يرزح تحته أغلب فئات شعبنا في حضرموت والجنوب عامة،

وحيث تصل كلفة الإقامة فيه لليلة واحدة أكثر من مرتب شهر لخريج جامعي من أبناء شعبنا. وهذا يعني أن الذين خططوا ورتبوا لأن يكون مكان انعقاد المؤتمر في هذا الفندق ربما لا يدركون معاناة شعبهم، أو أنهم قد تعودوا وألفوا الإقامة في مثل هذه الأماكن الفاخرة والغالية، أو أن هناك أطراف أخرى غيرهم أملت عليهم اختيار هذا المكان طالما وأنهم يمولون تكاليف هذا المؤتمر ولأسباب ودوافع غير واضحة وغير مقنعة لنا. وعلى أية حال تبقى هذه ملاحظة تفرض نفسها حتى وأن فسرت بمبررات أو حجج.

ورغم أن المؤتمر قد حدد له الساعة الحادية عشرة صباحاً وبتوقيت القاهرة من صباح السبت 19 نوفمبر لعقد جلسة الافتتاحية، إلا أن التخبط الذي كان سائداً خلاله أدى إلى تأجيل تلك الجلسة الافتتاحية إلى صباح اليوم التالي أي الأحد. وكانت تلك فرصة طيبة لأبناء حضرموت المشاركين في المؤتمر لعقد اجتماع تشاوري فيما بينهم للخروج برؤية مشتركة حول كيفية التعامل الايجابي مع الأطروحات التي ستقدم في هذا المؤتمر. وبعد صلاة العشاء في مساء السبت عقد هذا الاجتماع التشاوري للحضارمة في إحدى قاعات الفندق وحضرته الأغلبية العظمى من الحضارمة المشاركين في المؤتمر واتضح منه ما يلي:

1. أن هذا المؤتمر الذي دعينا إليه يسعى إلى التركيز على مناقشة خيار (الفيدرالية) فقط كحل للقضية الجنوبية، وبالتالي استبعاد أي خيار آخر، وخاصة خيار (فك الارتباط).

2. أن هذا المؤتمر الذي حمل شعار (توحيد الصف الجنوبي) قد ناقض نفسه عندما ركز على خيار (الفيدرالية)، لأنه يعني ببساطة استبعاد من يقول بفك الارتباط. بل والسعي لعدم دعوة أصحاب هذا الاتجاه القائل بفك الارتباط. وهذا يعني أن هذا المؤتمر ليس بمؤتمر لتوحيد صف الجنوبيين جميعاً، وإنما هو لتوحيد صف من يقول بالفيدرالية فقط.

3. أن هناك أموراً تثير الشك والريبة في سلوك ومواقف القائمين على تنظيم هذا المؤتمر، والتي تدفع بالقول إلى وجود رغبة غير معلنة لديهم في إسكات الصوت الحضرمي وتهميشه، ومن ذلك منع (جبهة إنقاذ حضرموت) من طرح رؤيتها في هذا المؤتمر، وهي رؤية تتفق مع الطرح القائل بفك الارتباط، وكذلك دعوة حوالي (70) شخص أي أن يكون تمثيل القادمين من حضرموت هو (10%) فقط وبما لا يتفق مع الحجم الحقيقي لسكان حضرموت في مجموعة سكان الجنوب والذي يصل إلى حوالي نصف سكان الجنوب. وكنت شخصياً قد طرحت هذه الملاحظة في ذلك الاجتماع التشاوري، فكان الرد بأن هناك حوالي (110) شخصاً من حضارمة عدن ولحج وأبين والضالع ويافع وجهت إليهم الدعوة لحضور المؤتمر، أي أن العدد الكلي للحضارمة هو في حدود (180) شخصاً.

وهو منطق غريب وعجيب أن يستدعي من حضارمة الخارج أكثر من حضارمة الداخل، وكأننا في الضفة الغربية أو قطاع غزة بفلسطين، حيث يمنع خروج أهل الداخل ويكتفي بمن هم في الخارج.

4. أن الدعوة التي وجهت إلى أفراد من حضارمة الداخل كانت فوضوية وغير منظمة، وبعضها غير مجدية، وغير مفيدة، وإنما لكمالة العدد وللعلاقات والمجاملات الشخصية فقط. فلا شك أن في داخل حضرموت ممن هو أجدر وأحق بتمثيل حضرموت في هذا المؤتمر، ولكن لم توجه لهم دعوة بسبب هذه الفوضى (غير الخلاقة) التي رافقت التحضير والدعوات لحضور المؤتمر. وربما كان تخوفاً من جرأة وشجاعة هؤلاء الأفراد في قولة الحق فيما لو حضروا المؤتمر.

5. استغرب الكثيرون – وكنت من ضمنهم – عدم توزيع أوراق العمل التي ستعرض وتناقش في المؤتمر، بل أننا لم نعلم شيئاً عن جدول أعماله إلا قبل ساعة واحدة فقط من موعد انعقاده المؤجل في صباح يوم الأحد. وربما يعني ذلك أن اللجنة المكلفة بتنظيم جدول أعمال المؤتمر وأوراق العمل التي ستقدم خلاله لم تتفق على ذلك. ويبدو أن هناك خلاف حول هذا الأمر، وهو ما استدعى تأجيل وتوزيع هذه الأوراق إلى الساعة الأخيرة قبل انعقاد المؤتمر. وجعلنا هذا التستر المريب على أوراق المؤتمر ندرك أن هناك ما يحاك في الخفاء لا يريدون الإفصاح عنه مسبقاً حتى لا يؤدي إلى انهياره وفشله، وهو المآل الذي آل إليه بالفعل.

وفي النهاية خرج هذا الاجتماع التشاوري لحضارمة مؤتمر المريديان بالهرج والمرج ومزيد من التذمر والشكوى لسوء تنظيمه والإعداد له. وقد حاول المهندس محسن علي باصرة الذي ترأس هذا الاجتماع السيطرة على الموقف وإصلاح ذات البين والتوفيق بين المشادات والعصبيات اللفظية التي سادت الاجتماع، إلا أنه لم يوفق بوجه عام. وكان في منصة رئاسة هذا الاجتماع كل من الأخوين الأستاذين عبد المجيد سعيد وحدين ومحمد عبد الله الحامد، وكانا في صمتهما ووقارهما أثناء هذا الاجتماع يماثلان صمت ووقار أبي الهول القابع بهدوء واتزان خلف جدران قاعة الفندق.

وفي خطوة استباقية، وبروح وطنية صادقة تقدر المسؤولية، وبوعي يقظ بخطورة ما يحاك ضد حضرموت وشعبها من محاولات للإقصاء والتهميش، وجعلها كما كانت في العهد القومي والاشتراكي مجرد محافظة تابعة تساق كما تساق النعاج إلى المسلخة، ودون اعتبار لمكانتها سكانياً واجتماعياً وثقافياً وحضارياً اجتمع في مساء ذلك اليوم السبت وبعد انفضاض الاجتماع التشاوري السابق ذكره نفر من أبناء حضرموت المشاركين في هذا المؤتمر من الأكاديميين والمثقفين والناشطين واتفقوا على أمرين هما:

أولاً... الإعلان عن عدم المشاركة في هذا المؤتمر لأنه لا يتفق مع طموحات شعبنا في حضرموت وفي الجنوب عامة، ولأن المراد والمبتغى من هذا المؤتمر هو تشكيل قيادة تمثل (أبناء الجنوب) في التعاطي محلياً وإقليمياً ودولياً لترويج فكرة (الفيدرالية) مع استبعاد فكرة (فك الارتباط). ولا شك أن ذلك يخذل آمال وثقة شعبنا في حضرموت والتي أولاها للمشاركين من أبنائه في هذا المؤتمر.

ثانياً... إطلاق دعوة لجعل هذا المؤتمر وبكل نقائصه بمثابة (مؤتمر تشاوري) يؤسس لعقد مؤتمر آخر أكثر تنظيماً وتفعيلاً وتشاوراً، وتشارك فيه قطاعات متميزة من أبناء حضرموت والجنوب عامة لها القدرة والاقتدار على طرح هموم حضرموت والجنوب بصورة أفضل. وطرح معالجات ممكنه لها.

وعلى الفور تم تحرير صيغة أولى لبيان سيطرح على هذه المجموعة من الحضارمة لمناقشته وإثرائه. وكلف كل من د. سعيد الجريري ود. خالد بلخشر ود. ماهر بن دهري وآخرون بمتابعة ذلك وتحرير الصياغة النهائية للبيان.

وعند الثانية والنصف ليلاً، وعندما كنت في نوم عميق سمعت طرقاً على باب غرفتي فاستيقظت ووجدت أمامي د. محمد عوض بارشيد أحد المكلفين بمتابعة وصياغة البيان وطلب مني الحضور فوراً لمشاركة بقية الأخوة في هذا الأمر. وكان لابد علي أن ألبي هذا الطلب. فلبست ما يقيني من برد يلسع بين ردهات الفندق وانضممت إلى بقية الزملاء المجتمعين في غرفة أحدهم وشاركتهم في المداولة بالرأي وبما هو مناسب في صياغة البيان، ثم عدت إلى غرفتي قبل أذان الفجر بأقل من ساعة، ولم يكن من الممكن النوم إلا بعد أداء الفرض.

وفي الصباح انتشرت في أوساط المشاركين خبر رفض الحضارمة المشاركة في أعمال المؤتمر، فبادرت اللجة التنظيمية المكلفة على سير أعماله بإرسال الدكتور سعد الدين بن طالب للحوار مع هؤلاء الرافضين لمعرفة أسباب رفضهم ومحاولة إقناعهم بالعدول عن عدم المشاركة ولو بحضور الجلسة الافتتاحية، فأجتمع بنا في الحديقة الخلفية للفندق، وأوضحنا له أسباب عدم مشاركتنا وبموجب ما تقدم شرحه. وكان موقفنا ثابتاً لا يتزعزع، ولم يستطع إقناعنا برؤيته بالحضور إلى جلسات المؤتمر.

وكان موعد افتتاح الجلسة قد حل، فتأخر هذا الموعد إلى حين إقناعنا بالمشاركة. وبعد فشل د. سعد الدين بن طالب في مهمته عدنا إلى اعتصامنا واجتماعنا في إحدى غرف الفندق نتداول الرأي والحديث فيما بيننا، ثم جاء إلينا من يخبرنا أن المهندس حيدر أبوبكر العطاس قادم علينا حيث اجتماعنا، وهو أحد الداعين والراعين والداعمين والمنظمين لهذا المؤتمر، وحاول إقناعنا ولو بحضور الجلسة الافتتاحية فقط، وأن نعبر عن اعتراضنا وامتناعنا عن المشاركة من داخل قاعة المؤتمر، غير أنه لم يفلح في مسعاه، وظل موقفنا ثابتاً بعدم المشاركة، وانصرف عنا تاركاً لنا الخيار في المشاركة أو عدم المشاركة.

وأثناء حوارنا معه أشرت في حديثي إلى أننا في حضرموت وأن كنا مع القضية الجنوبية قلباً وقالباً، إلا أننا نرى أن حضرموت هي قلب هذه القضية وأن (المسألة الحضرمية) تتطلب المزيد من العناية والاهتمام والعدالة حتى يمكن لهذه (القضية الجنوبية) أن تجد لها أنصاراً ودعاة أكثر للدفاع عنها والسعي إلى حلّها. وأننا لا يمكن أن نخذل شعبنا في حضرموت الذي حمّلنا المسؤولية والأمانة في نقل همومه وتطلعاته إلى المؤتمر، ونحن نرى الآن كيف تعامل حضرموت في هذا المؤتمر بكثير من التهميش والإقصاء وانتقاص في قدرها ومكانتها.

وبعد فشل المهندس حيدر العطاس في إقناعنا بالحضور بادرنا إلى التوقيع على البيان الذي انتهينا من مراجعة صياغته النهائية. وقد تشرفت بأن أكون أول الموقعين، ومن بعدي وقع المهندس بدر باسلمة، ثم توالت التوقيعات حتى بلغت 19 توقيعاً. وشاركني في التوقيع كلا من الأستاذين أنور صالح التميمي وحسين فرج العامري وهما من أعضاء اللجنة التأسيسية لجبهة إنقاذ حضرموت.

أما بقية أسماء الموقعين فهم وبحسب ما ذكر في موقع (المكلا اليوم) بتاريخ 21 نوفمبر 2011م: الأستاذ أبوبكر باخطيب، الأستاذ حسين سالم الجيلاني، د. خالد يسلم بلخشر، د. سعيد سالم الجريري، د. عبد الله سعيد الجعيدي، د. ماهر سعيد بن دهري، د. محمد صالح العوادي، د. محمد عوض بارشيد، الشيخ عمر بن الشكل الجعيدي، المقدم أحمد عمر بامعس، المقدم عمر سعيد باشقار بارشيد، المقدم محمد سعيد الجريري، الأستاذ محمد أحمد بلفخر، الأستاذ محمد خميس الجريري، الأستاذ محمد سعيد الحامدي، كما نشر موقع (المكلا اليوم) النص الكامل لهذا البيان. وهذا الموقع الذي يرأسه الأستاذ سند محمد بايعشوت هو الذي أطلق على مجموعة الحضارمة هؤلاء (مجموعة ألـ 19 الحضرمية).
[email protected]

حد من الوادي
01-15-2012, 01:43 AM
وقائع ومشاهدات وملاحظات حضارمة وجنوبيــون في مريديان الهرم بالقاهرة (2-2)

1/14/2012 المكلا اليوم / كتب: الدكتور/ عبدالله سعيد باحاج


ما بعد المؤتمر والقاهرة بمشاهدات جديدة في عين زائر قديم
بعد التوقيع على هذا البيان انتهت علاقتي الفعلية بهذا المؤتمر، فقررت في صباح اليوم التالي أي الاثنين الخروج من الفندق، لأنه لا مبرر لوجودي فيه اللهم إلا مزيداً من الأكل والرفاهية. واتفقت مع العزيز المهندس بدر باسلمة على الانتقال إلى فندق آخر في وسط القاهرة وبكلفة بسيطة ريثما يحل موعد عودتنا إلى حضرموت بعد يومين. وقد عرض علينا العزيز الأستاذ أبوبكر باخطيب الإقامة في شقته بشارع التحرير القريبة من وسط البلد، خصوصاً وأنه يعيش حالة عزوبية لسفر عائلته إلى مدينة الإسماعيلية، فشكرناه على عرضه الطيب وكرمه، ومعتذرين له عن عدم قبول ذلك.

وكنت قد تحدثت طويلاً مع الأستاذ أبوبكر حول كيفية إنشاء قناة فضائية حضرمية باعتباره مخرجاً تليفزيونياً وعلى دراية طيبة ومعرفة جيدة بعمل القنوات الفضائية، وما هي المتطلبات المالية والإجرائية والفنية والتقنية الواجب توافرها لذلك. وقد أفادني بكثير مما لديه من معلومات في هذا الشأن. وبأنه سيكون على اتصال بي لإفادتي بما يستجد في هذا المجال. وأوضحنا له بأننا في (جبهة إنقاذ حضرموت) نسعى ومع الخيرين من الحضارمة في حضرموت وخارجها إلى إنشاء قناة حضرموت الفضائية، وأن تكون هذه القناة ذات طابع اجتماعي وثقافي وعلمي وتراثي وتنويري، وتهدف إلى الحفاظ على مكونات الهوية والتاريخ والحضارة الحضرمية.



واستقر بي الحال مع زميلي بدر باسلمة في (فندق تيوليب) الذي يقع على ناصية شارع صبري أبو علم ويطل مباشرة على ميدان طلعت حرب أو (سليمان باشا سابقاً) بل ويطل على شارعي قصر النيل ومحمود بسيوني (الانتيكخانة سابقاً)، وهما من الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير، والذي يعد القلب النابض لمدينة القاهرة. وحوله كل خطوط المواصلات التي تغطي القاهرة الكبرى من حلوان والمعادي جنوباً إلى شبر الخيمة شمالاً وعلى طول ضفتي نهر النيل الشرقية والغربية بما فيها الجيزة وامبابة وغيرها، فكل هذه المناطق للقاهرة الكبرى يربطها ميدان التحرير بخطوط مواصلات متعددة وأهمها مترو الأنفاق الذي يصل القاهرة بالجيزة بخط تحت مياه النيل وسيارات الأجرة والحافلات إلى جانب الأتوبيس النهري الذي له محطات عدة عند أرصفة الشوارع المتصلة بميدان التحرير. ولهذا ليس غريباً أن يجعل منه ثوار 25 يناير معقلاً مهماً ومركزياً لاعتصامهم ونشاطهم لأن من هذا الميدان تبدأ خطوط المواصلات في القاهرة وكذلك تنتهي إليه.

وفندق تيوليب الذي نزلنا فيه هو من طراز كلاسيكي ينتمي في معمار بنائه إلى مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية كمعظم عمارات وسط القاهرة. ويقابلك المصعد (الأثري) عند مدخل العمارة التي بها الفندق، وهو مصعد يقاوم عوامل الزمن ويصرّ على رفعك بكل عطف وحنان وتؤده إلى حيث الطوابق التي بها قاعة الاستقبال وغرف الفندق. وكل ما في هذا الفندق ينقلك إلى عالم وزمن قد وليا منذ عقود، ومن ذلك شكل الغرف والأبواب والشبابيك والأسقف والجدران والسلالم والردهات والحمامات وما إلى ذلك، فأنت في هذا الفندق تعيش مع التاريخ الذي مضى، ولكنه لا ينسى ولا يندثر، فهو ماثل أمامك يذكرك بما كان، وإذا أطللت من نافذة أو شرفة بالفندق على ميدان طلعت حرب تجد أمامك أشهر معلمين في وسط البلد، وهما مكتبة مدبولي والتي عرفت بأنها مكتبة المطبوعات الممنوعة سياسياً. وهي لم تعد كذلك اليوم، وإنما كانت في عهد السادات والشطر الأكبر من عهد مبارك تبيع كتباً بألوان سياسية ممنوع تداولها في مصر آنذاك، ولذلك كانت مقصد من يروق له الحصول على مثل هذه المطبوعات والمؤلفات. أما المعلم الآخر في هذا الميدان فهو (جروبي) وهو مقهى فسيح إلى الداخل يبيع الحلويات والشاي والعصائر وقد عرف هذا المقهى بأنه مقصد للعشاق والمحبين ومكان للمواعدة بين الجنسين، وأشارت إليه العديد من الأفلام المصرية وكتابات المؤلفين المصريين.

ولا يقتصر الأمر على هذين المعلمين فقط، ففي ميدان طلعت حرب تجد أمامك كل الخدمات التي تحتاجها، فهي في متناولك وتحت ناظريك، فإلى جانب مكتبة مدبولي التي أشرنا إليها تجد تحتك مباشرة مكتبة أخرى هي (مكتبة الشرق) وعلى يمينك وعلى يسارك تجد مكتبات هنا وهناك وخاصة في شارع شريف كدار المعارف ومكتبة الانجلو المصرية وفي شارع عبد الخالق ثروت تجد دار النهضة المصرية ومكتبة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتكاد تكون كل الشوارع في وسط القاهرة تحوي مكتبة أو أكثر، مما يدل على أهمية الكتاب في المجتمع المصري، وأن كان هذا الاهتمام أقل مما هو مطلوب فعلياً.

وتنتشر في الشوارع المؤدية إلى ميدان سليمان باشا محلات الفول والطعمية والكشري والوجبات السريعة والحلويات والمحلات التجارية بكافة أصنافها. ومن يهوى دخول السينما والمسرح وغيرها من أماكن اللهو المباح وغير المباح سيجد في هذا الشوارع بغيته وضالته.

وكان الوصول إلى هذه الشوارع – وهي ضمن المنطقة المسماة وسط البلد – فيما مضى أي منذ سنين قليلة خلت شاقاً ومضنياً بسبب الكثرة السكانية المترددة عليها راكبين ومركوبين، وكان من المشقة أن تجد تاكسي ينقلك إلى هذه المنطقة أو منها، بالإضافة إلى عدم التزام سائقي التاكسيات باستخدام العداد لاحتساب الأجرة، مما يخلق مشاكل ومشاحنات مع زوار هذه المنطقة. كما أن استخدام الحافلات العامة كان حينها معاناة لا تطاق، أما خطوط المترو فلم تكن قد وصلت بعد إلى أطرافها.

أما اليوم فقد أصبحت الحركة (المرورية) من وإلى هذه المنطقة تتم بسلاسة ويسر، فقد حدثت زيادة ملحوظة في عدد التاكسيات وإلزام سائقيها باستخدام العداد. كما أن محطات خطوط مترو الأنفاق قد أحاطت بهذه المنطقة من الجهات الأربع تقريباً، أي من جهة ميدان التحرير غرباً وجنوباً، ومن جهة عابدين شرقاً، ومن جهة شارع فؤاد (أشهر شوارع القاهرة) واتصاله بشارع رمسيس شمالاً.

ورغم أن المساجد قليلة في منطقة وسط البلد هذه لطابعها التجاري البحت ولكون نشأتها ارتبطت بمجموعات تجارية (غير مسلمة) إلا انتشر فيها منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن أماكن محددة وصغيرة تستخدم للصلاة. وهذه المصلات – وهي جمع مصلى أن صح التعبير – تجدها في أسفل بعض العمارات الكبيرة، وأحياناً في الشوارع المبلطة المقفلة أي الزنقات. كما أن وسط البلد هذه لا يبعد كثيراً عن (القاهرة الإسلامية)، حيث الجوامع الشهيرة كالأزهر والحسين والسيدة زينب وغيرها، ولذلك نجد أن وسط البلد (التجاري) يكاد يكون محاطاً بمجموعة من المساجد والجوامع الكبرى، فمن جهة الغرب والجنوب يبرز جامع عمر مكرم ويقع جنوب ميدان التحرير وهو من الجوامع الشهيرة في القاهرة ومما يزيد من شهرته ومعرفة الناس به أنه يكاد يتخصص في (مراسيم) العزاء وتلاوة القرآن الكريم على الموتى قبل نقلهم إلى مثواهم الأخير، وخاصة لكبار القوم من المصريين المسلمين. وعمر مكرم هذا هو أحد زعماء المقاومة المصرية ضد الاحتلال الفرنسي عام 1798م.

ومن جهة الشرق يوجد جامع كبير بالقرب من تقاطع شارعي قصر النيل والجمهورية، وآخر بين شارعي شريف ورشدي. أما من جهة الشمال وحيث ميدان رمسيس فيوجد بالقرب منه وتحديداً في نهاية شارع رمسيس باتجاه هذا الميدان جامع كبير كنت أشاهد عمارته تعلو يوماً بعد يوم خلال عهد السادات عندما كنت مقيماً في مصر للدراسة العليا، حتى ظن البعض أنه ربما يسمى جامع السادات ولكنه لم يسم كذلك.

والمعروف أن ميدان رمسيس هذا به المحطة المركزية لسكة حديد مصر ويسمى محلياً (باب الحديد)، ولعلها أقدم سكة حديدية في الوطن العربي، فقد شيدت في عام 1856م من أجل نقل القطن المصري إلى ميناء الإسكندرية لتصديره إلى الخارج. وحيث كان هذا القطن المصري بالفعل الذهب الأبيض كما يقال عنه حينها، وكان مصدر العملة الصعبة المهم للخزينة المصرية، واليوم ورغم تراجع وضع هذا الذهب الأبيض في مدخولات مصر إلا أن السكة الحديدية التي أنشئت لتصديره لا تزال باقية، بل وتطورت تطوراً هاماً لصالح التنمية في مصر، فهي تسهل انتقال البشر والبضائع والمنتجات المصرية وغيرها من مكان إلى آخر في أرجاء مصر الواسعة والتي تقدر مساحتها بحوالي مليون كيلو متر مربع، وبتعداد من البشر يربو على (85) مليون إنسان.

وقد ربطت هذه السكة الحديدية جميع الأراضي المصرية من الإسكندرية وساحل المتوسط شمالاً إلى أسوان والسد العالي ووادي حلفا جنوباً، ومن مرسى مطروح وسيوه والواحات والوادي الجديد غرباً إلى ساحل البحر الأحمر حيث السويس وسفاجا وكذلك شبه جزيرة سيناء شرقاً. ولا شك أن هذه السكة الحديدية الواسعة وما يجري عليها من تحديث وتطوير مستمر هي إحدى مفاخر ومنجزات مصر الحديثة، رغم ما يعتريها بين حين وآخر من بعض المعوقات والاختلالات.

وفي منطقة وسط البلد هذه تقع الجامعة الأمريكية بالقاهرة وهي جامعة ظهرت في مطلع خمسينات القرن الماضي وتطل على ميدان التحرير وبجوارها يقع مقر الجمعية الجغرافية المصرية وهي أقدم جمعية جغرافية في الوطن العربي. وقد ظهرت خلال القرن التاسع عشر الماضي، ولها دور بارز في كشف كثير من الحقائق عن وادي النيل ومجاهل إفريقيا والوطن العربي. وقد شاركت هذه الجمعية ببعثات علمية إلى حضرموت في عامي 1936م و1939م لمعرفة أوضاعها الجغرافية الطبيعية والبشرية ومنها الشؤون البحرية.

تلك كانت إطلالة عامة على وسط البلد حيث فندق (تيو ليب) والذي نزلت فيه أول مرة منذ حوالي عشر سنوات ونيف وأنجزت فيه بحثاً عن الهجرة شاركت به في أحد مؤتمرات المغتربين في صنعاء. وقد راق لي هذا الفندق بموقعه وما يغمره من هدوء وبساطة وكلفة مالية محتملة، وما لقيته من معاملة حسنة من مسئولي وعمال الفندق واحترامهم لكل وافد عليهم. وعلى رأسهم العم سيف وأبنه حنفي وقد علمت أن هذا الفندق من بقايا العهد الناصري، حيث لا تزال تشرف على إدارته وشؤونه (الهيئة المصرية العامة للسياحة) أي أنه قطاع عام. ولا شك أنه في حاجة إلى تطوير في بعض خدماته لجذب النزلاء إليه.

وشدني الحنين والذكريات إلى تلك الأيام التي قضيتها في هذا الفندق الصغير، وحيث أنجزت فيه ذلك البحث، فأطللت على تلك الغرفة التي أقمت فيها بالفندق وبرفقتي زميلي بدر باسلمة – وهي غرفة تطل مباشرة على ميدان طلعت حرب – فوجدتها مغلقة وعلمت من أحد عمال الفندق أن بها سائحاً ألمانياً.

وتجولت مع صديقي بدر في أنحاء متفرقة من وسط البلد وخاصة في مكتباتها المعروفة في ذلك المكان، وكذلك في سور الأزبكية، وهو من أهم أماكن بيع الكتب المستعملة في القاهرة، ولم يعد سوراً كما كان في الماضي، وحيث كانت توجد أكشاك بيع الكتب تستند على سور لحديقة تسمى (حديقة الأزبكية) كان بها فيما مضى كازينو وملهى ليلي معروف في تاريخ القاهرة خلال الخمسينات والستينات الماضية وبجواره قسم للشرطة لحبس ومعاقبة السكارى ومثيري الشغب في هذا الملهى. أما اليوم فقد اختفى ذلك الملهى ولكن بقي قسم الشرطة لحاجة الناس إليه. أما سور حديقة الأزبكية والذي أطلق شهرته على أهم مكان لبيع الكتب المستعملة في مصر وربما في الوطن العربي، فقد أصبح أكثر مساحة بل وتحيط به أسوار للدخول إليه، أي أنه أصبح داخل السور لا خارجه كما كان في الماضي.

وبعد وصولنا مباشرة إلى فندق تيو ليب كنا قد رتبنا – الزميل بدر وأنا - على الذهاب إلى الإسكندرية في اليوم التالي أي الثلاثاء للتعرف على معالمها التاريخية والحضارية وخصوصاً مكتبة الإسكندرية الشهيرة. وبالنسبة لي لاستعادة ذكريات غالية وعزيزة لا زالت أتذكرها عندما أنجزت فصولاً من أبحاثي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه التي تقدمت بها للجامعة التونسية خلال عامي 1982 و 1988م. وحيث أقمت في المعمورة في الطرف الشرقي لمدينة الإسكندرية. واتفقنا مع أحد سائقي التاكسيات على نقلنا إلى هناك صباحاً وإعادتنا إلى القاهرة عصراً، وكذلك اشترينا من مكتبة مدبولي خريطة لمدينة الإسكندرية وهي شاملة لخريطة أخرى للقاهرة ولعموم أراضي مصر. غير أننا لم نستطع الذهاب إلى الإسكندرية بسبب الوضع الأمني المشحون والمضطرب فيها مع اندلاع ثورة الشباب في العديد من أحيائها، بل وفي كل الأراضي المصرية، فأثرنا السلامة والأمان على المغامرة غير المحسوبة نتائجها، خصوصاً وأننا في صباح اليوم التالي أي الأربعاء سنغادر القاهرة إلى صنعاء ومنها إلى حضرموت.

وفي مطار القاهرة التقينا مع زملائنا الحضارمة الذين فضلوا البقاء في المريديان، وعلمنا منهم ما انتهى إليه المؤتمر في جلسته الختامية مساء الثلاثاء 22 نوفمبر وما أصدره من قرارات وتوصيات، ومنها القرار رقم (5) بتشكيل قيادة مؤقتة من الأخوة: علي ناصر محمد وحيدر أبوبكر العطاس وصالح عبيد أحمد ومحمد علي أحمد ومصطفى العيدروس (منصب عدن)، ويضاف إلى هؤلاء رئيس المجلس الأعلى للحراك السلمي ونوابه، ثم رؤساء لجان التواصل بالمحافظات، ثم رؤساء مجالس الحراك بالمحافظات. كما أشار القرار رقم (7) من قرارات هذا المؤتمر إلى تشكيل ما اسماه (لجنة مصالحة وتوافق) من خمسة أشخاص. وفي التوصيات أوصى المؤتمر بإنشاء صندوق لدعم ثورة الجنوب وحراكه السلمي. ووضع آلية لجمع التبرعات والاشتراكات لدعم هذا الصندوق. والملاحظ أنه القرار رقم (3) من قرارات هذا المؤتمر قد أقر تشكيل إطار تنظيمي مرجعي تحت مسمى (مجلس التنسيق الأعلى لأبناء الجنوب) قوامه (351) عضواً.

ولم يشر هذا القرار إلى نصيب كل محافظة من محافظات الجنوب والتي يفترض أن تكون ست محافظات في عضوية هذا المجلس. غير أن المراسل الخاص لموقع (المكلا اليوم) في تغطية أخبار المؤتمر ووقائعه أشار في تغطيته هذه والتي نشرها هذا الموقع في 21 نوفمبر إلى أن هذا المؤتمر قد شهد تشكيل مجلس تنسيق أعلى من (301) عضواً، لكل من حضرموت وعدن والضالع (55) عضواً وبالتساوي، ولكل من لحج وشبوة والمهرة وأبين (45) عضواً وبالتساوي. وهذا يعني ما يلي:

أولاً... أن الضالع أصبحت في هذا المؤتمر محافظة سابعة للجنوب، أي أنه إقرار وقبول من قبل القائمين على هذا المؤتمر بما سنته سلطة صنعاء في 1999م من تقسيم إداري للجنوب، وهو عكس ما يصرح به قادة الجنوب دوماً بأنه لا قبول لأي إجراءات تنفذها صنعاء في أرض الجنوب بعد 1994م، ويبدو أنه من أجل الضالع (فقط) تسقط كل المطالب والدعاوى.

ثانياً... أن الضالع كإحدى مديريات محافظة لحج وفق تعداد 2004م لم يزد سكانها عن (100.000) مائة ألف نسمة، في حين بلغ سكان حضرموت في التعداد حوالي (1.000.000) مليون نسمة. فهل من أجل عيون الضالع وأهلها تتساوى في القدر السياسي في هذا المجلس مع حضرموت؟؟؟ وهل هذه هي الديمقراطية الحقيقة المنشودة لدولة الجنوب القادمة؟ أم هي (كوسة) جنوبية وعلى الطريقة المصرية. وهل هذه العقلية التي تنتج مثل هذه الأفكار وتفرض هذه التشكيلات مؤتمنه وألا تخيفنا حقاً من مستقبل قادم؟

وعلينا أن نقول في النهاية أن مطلع القصيدة كفر، وعلى اللبيب أن يفهم ويعي أن خلفنا نصف قرن قد انتهى وإلى غير رجعة بعون الله تعالى، ولن يسمح شعب حضرموت بتكرار معاناته والاستخفاف من قدره.

وأثناء تداولنا الرأي والمشورة مع زملائنا من حضارمة المريديان بمطار القاهرة، وما تمخض عنه هذا المؤتمر من فشل ملحوظ في تجميع وتوحيد الصف الجنوبي انبثقت فكرة بضرورة السعي مجدداً بتوحيد الصف الوطني ولو ببداية حضرمية تكون نواتها مجموعة 19 والتي عرفت في هذا المؤتمر أكثر مما عرفت قراراته وتوصياته. وتتلخص الفكرة التي انطلقت في مطار القاهرة بضرورة إنشاء تكتل حضرمي يشمل كل الفصائل والتنظيمات الوطنية العاملة في حضرموت بما فيها فروع الحراك السلمي وجبهة إنقاذ حضرموت والمجلس الأهلي والمجلس الشعبي وأي فصائل تقبل بهذا التوجه ولتكون تحت مظلة حضرمية واحدة تتفق على القواسم المشتركة فيما بينها، وعلى أن تحتفظ هذه الفصائل أو التنظيمات بكياناتها الذاتية.

وقد رحبت بهذه الفكرة مبدئياً، طالما وأنها تخدم المصلحة العامة لحضرموت وللجنوب عامة، كما أنها لا تلغي أي تشكيل أو فصيل أو تنظيم منظم إلى هذا التكتل. وتركنا التفصيلات الأخرى للمداولة بعد عودتنا إلى حضرموت، وعلى أن تتبنى مجموعة 19 هذه الحركة الجديدة الساعية إلى توحيد الصف الحضرمي، والتي بلا شك سيكون لها الأثر الإيجابي في توحيد الصف الجنوبي وباعتبار أن الثقل السكاني والبشري والفكري والثقافي والاجتماعي والحضاري هو في حضرموت فعلاً وليس في أي مكان آخر أو منطقة أخرى من مناطق الجنوب.

وحوالي الرابعة عصراً طارت بنا طائرة (اليمنية) من مطار القاهرة إلى صنعاء ومنها إلى حضرموت. وغادرنا هذه المدينة التي عمرها من عمر الزمن الذي عرف فيه الإنسان الحضارة والاستقرار، وهي وأن لم تكن أقدم مدينة على وجه الأرض كدمشق بسوريا أو أريحا بفلسطين، إلا أن موقعها وبالأخص موضعها أي مساحتها الأرضية قد استخدم منذ حوالي خمسة آلاف عام مضى في بناء أحدى أهم العواصم الفرعونية وهي (منف) وذلك في عام 3200 قبل الميلاد، وفي عهد الملك مينا والذي يعتبر موحداً لوادي النيل مع دلتاه. وتقع أطلال هذه العاصمة الفرعونية في جنوب الجيزة غربي النيل وتحديداً في منطقة البدرشين، أي على بعد حوالي 30 كيلو متراً من الجيزة.

وفي العصر المسيحي (القبطي) استخدم موضع القاهرة لبناء مدينة مهمة في الدولة البطلمية التي كانت عاصمتها الإسكندرية. وقد سميت هذه المدينة (حصن بابليون)، وهي تقع شرقي نهر النيل وفي حي (مصر القديمة) أحد الأحياء العريقة في القاهرة اليوم.

وفي العصر الإسلامي استخدم موضع القاهرة كذلك وفي ذات الحي (مصر القديمة) لبناء مدينة الفسطاط شمال حصن بابليون، وهي المدينة التي شيدها عمرو بن العاص فاتح مصر عام 641م. وبجوار الفسطاط أقيمت في عام 868م مدينة القطائع والتي بناها أحمد بن طولون، ولتكون عاصمة ثانية لمصر الإسلامية. وفي عام 969م بنيت العاصمة الثالثة لمصر الإسلامية والعربية والتي سميت (القاهرة) على نجم ظهر في سمائها عند بنائها ولم يكن متوقعاً ظهوره حينها، فسميت بالقاهرة لأن هذا النجم كان قاهراً في ظهوره ولم يكن منتظراً. وقد تم بناء القاهرة على يد جوهر الصقلي قائد جيوش المعز لدين الله الفاطمي. وبدأ بناء القاهرة كما هو معروف بتشييد الجامع الأزهر واختير لموقعه أن يكون شمال العاصمتين الإسلاميتين السابقتين أي الفسطاط والقطائع.

وقد احتفلت القاهرة منذ حوالي أربعين عاماً بمرور ألف عام على إنشائها، وهي المدينة التي توصف حالياً بأنها مدينة الألف مئذنة، وبعضهم يقدر عدد مساجدها اليوم بحوالي خمسة آلاف مسجد وجامع لكثرة عدد سكانها، وحيث يصل عدد هؤلاء إلى حوالي (15.000.000) خمسة عشر مليون نسمة، أي ما يصل إلى حوالي (18%) من جملة سكان مصر. ويقال أن عدد سكان القاهرة في الليل يقل عن النهار بحوالي (3.000.000) ثلاثة ملايين نسمة لأن هؤلاء هم من قاطني الأقاليم والأرياف القريبة من القاهرة ويأتون إليها صباحاً لقضاء حوائجهم وأعمالهم ويساعدهم في ذلك شبكة المواصلات الجيدة المنتشرة في القاهرة وما حولها.

وهذه المدينة التي لا تهدأ ولا تنام تخوض اليوم بشبابها ورجالها وكافة فئات مجتمعها ذكوراً وإناثاً معركة المصير والمستقبل نيابة عن كل المصرين وبملايينهم الثمانين. وبعد أن نجحت في ثورتها المباركة في الخامس والعشرين من يناير من عام 2011م في خلع رأس النظام المستبد، وهي اليوم تتطلع إلى غد أفضل يحقق الكرامة والاستقرار والتنمية الجادة والعادلة للشعب المصري الشقيق، وهو الشعب الذي تربطنا به نحن الحضارمة علاقات تاريخية وحضارية وثيقة منذ عصور ما قبل الإسلام ومع الرحلات البحرية الفرعونية إلى سواحل حضرموت للحصول على البخور واللبان وهي السلعة الإستراتيجية في تلك العصور الخوالي.

وفي العصر الإسلامي منذ عهد الراشدين ومروراً بالعهدين الأموي والعباسي كان العديد من قضاة مصر المعروفين هم من الحضارمة، كما أن هجرة بني هلال من وادي حضرموت إلى صعيد مصر لا تزال حية في الذاكرة المصرية وخاصة عند صعايدة مصر وهم يرتبطون بعلاقات نسب وقربى مع بني هلال. وفي العصور الحديثة هاجر إلى مصر مجموعات من أبناء حضرموت واستقرت في مدنها وبلداتها وقراها وبرز من هؤلاء أدباء وكتّاب معروفون ومنهم علي أحمد باكثير. وعلى ذلك فليس غريباً أن تجد في قلب القاهرة الإسلامية مكاناً يسمى (وكالة بازرعة)، وقد كان فيما مضى سوقاً مصغرة على نمط (الهايبر أو السوبر ماركت).

وجاء في صفــ71ــحة من كتاب جمال الغيطاني (ملامح القاهرة في 1000 سنة) والصادر عن دار الهلال بالقاهرة عام 1983م أن الوكالة تعتبر سوقاً وفندقاً معاً، وهي بناء كبير مربع الشكل من عدة طوابق كل طابق مختص ببضاعة أو خدمة، وبهذا المبنى غرف يسكنها التجار الغرباء. والعبارة المصرية الشعبية الشهيرة التي تقول (وكالة من غير بواب) تعني أن هذه الوكالات كانت مفتوحة أمام عامة الناس. وكانت هذه الوكالات منتشرة في أسواق القاهرة القديمة خلال العهدين المملوكي والعثماني. ومع بداية القرن التاسع عشر كانت هناك أكثر من مائتي وكالة لم يبق منها سوى عدد محدود تشرف على شؤونها وترميمها وصيانتها وزارة الثقافة المصرية ويستخدم بعض حجراتها عدد من الفنانين في الرسم والنحت، وكذلك بعض الصناعات التقليدية من أعمال النحاس والخشب والزجاج وغيره.

ومن أهم هذه الوكالات المتبقية في القاهرة القديمة (وكالة الغوري) نسبة إلى السلطان المملوكي قنصوه الغوري. كما أن للحضارمة وكالة بازرعة التي أشرنا إليها آنفاً، وهي تقع بحي الجمالية إلى الشمال من الجامع الأزهر. وكان ينزل بها التجار الحضارمة في تلك الأزمنة.

هذه إذن مشاهدات وانطباعات وملاحظات عابرة لأيام قليلة عشناها في مصر العربية وفي قلبها النابض مدينة القاهرة، وفي خضم ثورتها العارمة والمباركة بعون الله تعالى من أجل المستقبل الأفضل لشعبها الطيب والصبور، وهي المدينة التي تعد من أكبر مدن إفريقيا والوطن العربي سكاناً ونشاطاً وحيوية وإثارة للذهن والوجدان العربي. وقد كانت لنا فيها فيما مضى سنوات طويلة لتلقي العلم والدراسة علنا نجد فرصة أفضل للكتابة عنها، وبحلوّها ومرّها، ولعل في ذلك فائدة ونفعاً. وهي منذ سنوات خلت تضم في ثراها الطاهر رفات خمسة من الأحبة والأعزة لنا من ذوي القربى والصلة المباشرة، كما أنها تضم رفات أحبة وأعزة لغيرنا من الحضارمة وغيرهم. وقد شاءت إرادة المولى عز وجل أن يكون مثواهم الأخير هذه البقعة الطيبة من أرض الكنانة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يرحمهم ويغفر لهم وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يلهمنا جميعاً الصبر والسلوان، أنه على كل شيء قدير.
حضارمة وجنوبيون في ميرديان الهرم بالقاهرة (1-2)
[email protected]