![]() |
واشنطن بين هاجس بقاء الأسد وأخطار مغامرة التدخل العسكري
واشنطن بين هاجس بقاء الأسد وأخطار مغامرة التدخل العسكري
21-8-2012 10:51:55 عمر نجيب* يقدر عدد كبير من المحللين أنه لم يعد أمام الولايات المتحدة وحلفائها المتورطين مباشرة في النزاع المحلي والدولي الدائر على الأرض السورية سوى اللجوء إلى مغامرة التدخل العسكري المباشر، بعد أن جمدت كل من روسيا والصين حتى منتصف صيف سنة 2012، بفضل حق النقض "الفيتو"، فرصهم للتدخل تحت غطاء دولي، كما حدث قبل سنة تقريبا مع ليبيا. ويقول هؤلاء الخبراء إنه على واشنطن أن تسرع في اتخاذ القرار، لأن الأوضاع على ساحة المواجهة، وحسب جزء كبير من تقارير مراكز الرصد وأجهزة المخابرات، تتضارب مع التصريحات والمواقف العلنية، للمسؤولين الأميركيين وحلفائهم، الخاصة بقرب انهيار حكومة دمشق. التدخل العسكري المباشر في سوريا، سواء كان أميركيا أو تحت راية حلف شمال الأطلسي "الناتو"، يواجه تحديات كثيرة، أهمها خطر تحول المواجهة إلى أمر قريب من الحرب الأهلية الإسبانية التي دارت خلال أعوام 1936- 1939 ومهدت للحرب العالمية الثانية، أو الحرب الأهلية الصينية التي استمرت من أبريل 1927 إلى مايو 1950، وهي حرب قامت بين حركة كومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني، وكانت في الأساس بين أنصار الليبرالية المدعومين من الغرب، وبين الداعمين للفكرة الاشتراكية الذين ساندهم الاتحاد السوفييتي. وخلال الحربين في إسبانيا والصين تورطت القوى الكبرى بشكل مباشر، وإن حرصت على إحاطته بالسرية والأخبار المغلوطة والدعايات الكاذبة. منطقة حظر جوي يوم السبت 11 أغسطس 2012، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال وجودها في اسطنبول، إن الولايات المتحدة وتركيا تدرسان كل الخيارات اللازمة لمساعدة قوات المعارضة السورية التي تقاتل من أجل الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، بما في ذلك إقامة منطقة حظر جوي. وأضافت كلينتون للصحفيين، بعد اجتماعها مع نظيرها التركي أحمد داود أوغلو، أنه ينبغي لأنقرة وواشنطن الدخول في تفاصيل خطط دعم المعارضة والتوصل إلى سبيل لوقف العنف. وقالت كلينتون: "أجهزة مخابراتنا وجيشانا أمامهم مسؤوليات مهمة، وأدوار عليهم القيام بها، ومن ثم سنشكل مجموعة عمل لتحقيق هذا الأمر". وسئلت إن كانت مثل هذه المناقشات تشمل خيارات مثل فرض حظر للطيران في أجواء الأراضي التي يعلن المعارضون السوريون السيطرة عليها، فأوضحت أن ذلك يمثل خيارا ممكنا. وأضافت أن "القضايا التي أثرتموها في سؤالكم هي بالتحديد التي اتفقت أنا والوزير أنها بحاجة لتحليل عميق"؛ لكنها أوضحت أنه ليس بالضرورة أن تكون هناك قرارات وشيكة في هذا الصدد. وذكر داود أوغلو في رده على سؤال مماثل أن الوقت قد حان كي تتخذ القوى الخارجية خطوات حاسمة لحل الأزمة. لكن كلينتون قالت: إن الولايات المتحدة قلقة بشأن إمكانية استغلال جماعات، مثل حزب العمال الكردستاني أو القاعدة، للفوضى في سوريا لكسب موطئ قدم لها. وقد اعتبر بعض المراقبين هذه الجملة التحذيرية الأخيرة لكلينتون بمثابة خط رجعة ممكن للدفاع عن سياسة البيت الأبيض أمام معارضيه، خاصة في الكونغرس بشأن أسباب عدم التدخل المباشر والسريع. وكانت تركيا قد اتهمت حكومة دمشق، قبل أيام من زيارة الوزيرة الأميركية، بتقديم السلاح لحزب العمال الكردستاني، وأثار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إمكانية التدخل العسكري في سوريا إذا تزايد التهديد الكردي. مراقبون في تركيا أشاروا إلى أن ساستها منقسمون بشأن ركوب مغامرة التدخل، خاصة في غيبة تفويض من مجلس الأمن الدولي، وكذلك على ضوء احتمال الدخول في مواجهة مباشرة مع وحدات عسكرية روسية موجودة في ساحة العمليات، وبالتالي استنزاف الجيش التركي وخاصة سلاحه الجوي، مما سيكون في مصلحة الانفصاليين الأكراد وكل الساعين إلى إعادة رسم خريطة تركيا حسب المخططات القديمة التي تعود إلى الحرب العالمية الأولى. خلافات داخل مراكز القرار يسجل أنه قبل تصريحات كلينتون بفترة قصيرة، ذكر جون برينان، كبير مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما لمكافحة الإرهاب، يوم الأربعاء 8 أغسطس، أنه ليس مستبعدا في نهاية الأمر فرض منطقة طيران محظور فوق جزء من سوريا يبدو على نحو متزايد أنه تحت سيطرة المعارضة المناهضة لحكومة بشار الأسد. وكان بعض المنتقدين الجمهوريين لأسلوب أوباما في معالجة الأزمة السورية قد طالبوا بتفويض دولي لفرض منطقة حظر الطيران لمنع الطائرات الحربية السورية من القيام بعمليات فوق مناطق معينة، وكذلك بتسليح مباشر بدرجة أكبر لقوات المعارضة. وأضاف جون برينان "تدرس الولايات المتحدة دوما المواقف لتتبين نوع السيناريوهات التي قد تتكشف عنها، وبناء عليه تدرس بعد ذلك نوع خطط الطوارئ التي قد تكون متاحة لمعالجة ظروف معينة". وأضاف أن هناك خيارات مختلفة يجري الحديث عنها في وسائل الإعلام ويلقى بعضها تأييدا. وقال "إن هذه أمور تدرسها الحكومة الأميركية بعناية شديدة لمحاولة تفهم انعكاساتها ومحاولة تفهم المحاسن والمساوئ". مصادر رصد أشارت من واشنطن إلى أن هناك، داخل أجهزة تقديم الدعم والمشورة للبيت الأبيض، وخلافا للمتحمسين للتدخل، من يحذر من تورط أوسع في الساحة السورية، لأن ذلك قد يجر الولايات المتحدة إلى فخ حرب جديدة، سواء على طراز أفغانستان أو العراق، وهو ما عصف باقتصادها؛ ويعزز هؤلاء موقفهم بالتمسك بالمواقف الرسمية لإدارة أوباما التي تؤكد أنها تسعى إلى أن تنفض يديها من الحروب الخارجية المكلفة والتركيز على إعادة بناء أميركا من الداخل. مساومات حول أسلحة الانشغالات في العاصمة الأميركية ليست فقط بين مؤيدين ومعارضين للتدخل العسكري، بل هناك من يسعى لتحقيق مطالب مرحلية خاصة في حالة ما إذا لم يتم إسقاط نظام دمشق. يوم 8 أغسطس 2012 حث السناتور الأميركي ريتشارد لوغار، وهو ناشط مخضرم في مجال نزع الأسلحة، روسيا والولايات المتحدة على تنحية خلافاتهما بشأن سوريا جانبا، والعمل معا لإزالة مخزونها من الأسلحة الكيمياوية. وادعى لوغار الذي حل بموسكو لإجراء محادثات مع مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع، أن الاقتراح صادر من جانبه ولم يتم تبنيه رسميا، وأن الرد الأولي من جانب روسيا كان فاترا. وذكر لوغار أن مسؤولا كبيرا في وزارة الدفاع الروسية رد على اقتراحه بإزالة الأسلحة الكيمياوية السورية قائلا "إن دمشق لم توقع على اتفاقية دولية تستهدف منع تطوير وإنتاج هذه الأسلحة، وإسرائيل بدورها لم توقع على اتفاق دولي بشأن الأسلحة النووية". ورد السناتور الأميركي قائلا "ولكن أيضا ليس واضحا تماما من سيملك هذه الأسلحة في سياق الأحداث... الجميع يرى أن هذه الأسلحة لها تأثير من الممكن أن يكون مناوئا للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط". ولكن لوغار، 80 سنة، والذي يقضي فترة ولايته الأخيرة كسناتور جمهوري من ولاية انديانا، قال "إن عدويْ الحرب الباردة السابقين قد يجنيان فوائد في مجالات أخرى، مثل العلاقات السياسية والتجارية، إذا وحدا جهودهما لتقليص المخزونات السورية". وقال لوغار، وهو عضو جمهوري نافذ في لجنة العلاقات الخارجية الأميركية للصحفيين في فندق بموسكو: "أشرت إلى أنه يتعين علينا التفكير في المستقبل كقوتين كبيرتين تكنان احتراما كبيرا لبعضهما البعض وتبحثان معالجة مشكلة الأسلحة الكيمياوية في سوريا". ويقول سياسيون في واشنطن وتل أبيب: إن التعاون لتصفية مخزون سوريا من الأسلحة الكيمياوية سيمثل خطوة للأمام بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة بعد شهور من الخلاف بسبب أزمة عمرها 17 شهرا. ويؤكد خبراء أن لوغار جاء الى موسكو أساسا لعرض صفقة مساومة أميركية جديدة على الكرملين بشأن سوريا، ولكنه حاول التمويه بالقول إنه يسعى لضمان مد العمل ببرنامج "نان لوغار" للتعاون في تقليص التهديد الذي ساعد في إطلاقه عام 1991. وكانت آخر مرة صادقت فيها روسيا على البرنامج في عام 2008، وسينتهي أجله في عام 2013. وأفاد مساعدون أن المشروع الذي استهدف تفكيك الأسلحة النووية والكيمياوية في الاتحاد السوفييتي أدى إلى إبطال مفعول أكثر من 7650 رأسا حربية استراتيجية. روسيا تدفع بتعزيزات عسكرية يوم السبت 4 أغسطس 2012، أفادت صحيفة "لوس انجليس تايمز" الأميركية أن وزارة الدفاع الروسية أصدرت يوم الجمعة 3 أغسطس بيانات متباينة إلى حد ما حول إبحار مجموعة من سفنها الحربية إلى مياه شرقي البحر الأبيض المتوسط. وجاء في أول تلك البيانات أن السفن لا تنوي الوصول إلى ميناء طرطوس السوري حيث توجد قاعدة بحرية روسية. أما الثاني فقد صدر بعد ساعات قلائل، ويقول إن من المحتمل أن قوارب الدعم المصاحبة للمجموعة قد ترسو في ميناء طرطوس لتجديد التجهيزات "في حال تمديد فترة تلك الرحلة". وفي وقت مبكر من يوم السبت، نقلت وكالة أنباء "انترفاكس" عن مصدر بوزارة الدفاع لم تذكر اسمه، أن ثلاث سفن إنزال قتالية، وسفينة مضادة للغواصات وأربع سفن صغيرة قد ترسو في ميناء طرطوس. وتحمل السفن كتيبة من المارينز، إضافة إلى ناقلات جنود برمائية مدرعة. تزامنا مع الإعلان عن تحرك الأسطول الروسي إلى شرق المتوسط، حيث يحتشد كذلك جزء كبير من الأسطول السادس الأميركي، وفيما اعتبر جزء من الحرب النفسية بين القوى المتورطة في الصراع، أعلنت جماعة "سرية الصقور للمهام الخاصة" التابعة للجيش الحر، أنها قتلت جنرالاً روسيا يدعى فلاديمير بتروفيتش كوتشييف كان يعمل مستشارا لوزارة الدفاع السورية في عملية بمنطقة غوطة دمشق. بعد ساعات نفت موسكو الخبر، وظهر الجنرال أمام الصحفيين وقال مازحا: أظن أنني حي. معارضة برلين وباريس يسجل أنه في الدول الحليفة لواشنطن هناك معارضة متنامية لفكرة التدخل العسكري رغم تحذيرات من أن المعارضة السورية المسلحة لن تكسب الحرب، بل إنه قد يتم سحقها. يوم 5 أغسطس استبعد وزير الدفاع الألماني توماس دي ميزيير مرة أخرى احتمال التدخل العسكري في سوريا، وقال إن فشل الجهود الدبلوماسية لوقف العنف الدموي في سوريا يجب أن لا يؤدي إلى اتخاذ قرار بالتدخل العسكري. وصرح الوزير الألماني لصحيفة "فيلت ام تسونتاغ" أن قرار كوفي أنان الاستقالة من منصبه، مبعوثا عربيا ودوليا لسوريا، لم يغير موقف ألمانيا بشأن رفض إرسال جنود إلى هذا البلد. من جهته، اعتبر وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي، في مقابلة مع صحيفة بيلد، أن "خطة كوفي أنان للسلام تبقى القاعدة الأفضل لوضع حد لأعمال العنف وإطلاق حل سياسي". قبل مضي أقل من أسبوع على إعادة تأكيد الموقف الألماني، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، يوم السبت 11 أغسطس، إن فرنسا تبذل جهودا حثيثة من أجل تسوية سياسية للصراع في سوريا، وذلك بعد أن أثارت المعارضة المحافظة غضب الحكومة بالدعوة إلى تدخل أجنبي سريع. وذكر هولاند الذي قطع عطلته الصيفية لحضور مراسم تأبين جندي فرنسي قتل في أفغانستان أنه أرسل فريقا طبيا إلى الأردن للمساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية الناتجة عن الصراع في سوريا. وهذه هي أولى تعليقات لهولاند بشأن سوريا منذ أن دعا سلفه المحافظ نيكولا ساركوزي يوم الأربعاء إلى تدخل دولي سريع، مشبها بالأيام الأولى للحرب في ليبيا التي حشدت فيها باريس قوة بقيادة حلف شمال الأطلسي للإطاحة بمعمر القذافي. لا تشابه الخبراء ساندوا الرئيس هولاند في معارضته لسلفه نيكولا ساركوزي الذي يصفه البعض في فرنسا برأس حربة الرئيس أوباما. ويؤكد الخبراء عدم وجود أي قاسم مشترك بين الحالتين الليبية والسورية. مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية والخبير في الشؤون الجيوسياسية، باسكال بونيفاس، ذكر لوكالة فرانس برس أن "المقارنة السهلة بين بلدين عربيين مثل ليبيا وسوريا ما هي إلا خبطة إعلامية لا تدعمها أي حقيقة استراتيجية". ويضيف أن "تكرار ما جرى في ليبيا في 2011 في سوريا اليوم هو أمر مستحيل، نظرا إلى أن الأمم المتحدة ترفض إصدار تفويض لهكذا تدخل، ونظرا إلى ميزان القوة العسكرية في سوريا، ونظرا إلى المحيط الجيوسياسي لهذا البلد". بدوره شدد كريم اميل البيطار، الخبير الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط، على الطابع المتفجر للوضع السوري، مؤكدا أن سوريا، بسكانها الـ22 مليونا، هي عبارة عن "قطعة فسيفساء إتنية ودينية حقيقية"، في حين أنه "في ليبيا كنا أمام ستة إلى سبعة ملايين نسمة متجانسين". وفي الأزمة الليبية شكلت بنغازي، كبرى مدن شرق البلاد، عاصمة للمعارضة ونقطة انطلاق لامتداد المواجهة إلى بقية المناطق، وذلك بسبب خروجها سريعا عن سيطرة نظام معمر القذافي بفضل تدخل "الناتو". لكن في سوريا الأمر مختلف تماما، فبعد سنة ونصف تقريبا على اندلاع المواجهة في مارس 2011 لم يتمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على أي من المدن الكبرى او حتى على مساحات واسعة من الأراضي، سيطروا على بعض الأحياء فقط. ويضيف بيطار: في سوريا يرفض على الأقل 50 في المائة من السوريين التدخل الأجنبي خاصة بعد ما شهدوا ما جرى في العراق" اثر الغزو الأميركي في 2003. ومن وجهة نظر استراتيجية بحتة يقول الخبراء ان الانتصار عسكريا على الجيش الليبي كان سهلا نسبيا، حتى وان دامت الحرب سبعة أشهر، في حين انه في الحالة السورية يعتبر الأمر أكثر صعوبة بكثير نظرا إلى أن الجيش السوري أفضل بكثير عديدا وعتادا، ناهيك عن امتلاكه أسلحة كيمياوية. ويقول المصري عمر عاشور مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في جامعة "اكستر" البريطانية ان "احد الاختلافات الرئيسية هو المستوى المتطور للقوات المسلحة السورية والدعم الذي تحصل عليه دمشق من روسيا والصين". ويقول البيطار ان نظام القذافي كان معزولا في حين ان "روسيا هي التي تمتلك مفاتيح الأزمة السورية"، وبالتالي "يتعين القيام بمقايضة مع الروس تتعدى الاطار السوري". ويجمع هؤلاء الخبراء على انه مهما حصل فان التدخل عسكريا من دون تفويض من الأمم المتحدة أمر مستحيل. ويذكر بونيفاس بان "القرار الذي أصدره مجلس الأمن في 2011 لمنح إطار شرعي للتدخل في ليبيا طبق للمرة الأولى مبدأ مسؤولية حماية السكان". ويضيف "خلال التطبيق جرى تغيير طبيعة التدخل، إذ إن الدول التي شاركت في التدخل العسكري راحت تقول "يجب الإطاحة بالقذافي". من هنا فان الروس والصينيين شعروا بأنهم خدعوا وهم لا يريدون تكرار الأمر مجددا". وما يزيد احتمال التدخل العسكري في سوريا تعقيدا هو وقوع هذا البلد إلى جوار كل من لبنان وإسرائيل والعراق، حيث يمكن أن تتسع نيران المواجهة، زيادة على كون الحرب الدائرة هي مواجهة بالوكالة تخوضها الولايات المتحدة وبعض حلفائها من العرب، وخاصة السعوديين والقطريين. النواة الصلبة لم تتأثر جاء في تحليلات لخبراء، نشرتها عدة وكالات أنباء دولية يوم 9 أغسطس، أن انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب شكل ضربة لنظام الرئيس بشار الأسد، لكن النواة الصلبة لهذا النظام، المكونة خصوصا من الجيش والشرطة وأجهزة الاستخبارات، لا تزال صلبة، وفق محللين. واعتبر واين وايت، الخبير في معهد الشرق الأوسط الذي مقره في واشنطن، أن انشقاق لواء أو فرقة داخل الجيش من شأنه قلب الموازين لمصلحة المعارضة، وليس مجرد انشقاقات فردية. وأضاف "في حال أعلنت فرقة عسكرية انشقاقها فذلك سيوفر للمعارضة مزيدا من المعدات إضافة إلى هرمية قيادية وإمكان القتال في شكل منظم باستخدام سلاح ثقيل". لكن عدم حصول انشقاقات كبرى داخل الجيش يظهر أن "كثيرا من السوريين، حتى السنة، لا يزالون يربطون مصيرهم بالنظام، لأن ثلثي الضباط ليسوا علويين"، وفق المحلل. ورأى وايت أن النظام يحتاج إلى "أن يبقى ما بين عشرين وثلاثين في المئة من هؤلاء موالين له للاحتفاظ بالجيش والقيادة، وأعتقد أن هذا الأمر ما زال متوافرا". وإذا كان انشقاق الحرس الجمهوري أو الفرقة الرابعة المدرعة أمرا غير وارد، فإن اللافت أن أي تمرد لم يسجل في صفوف الألوية النظامية "ذات الغالبية السنية". وعلق وايت: "الفرقة مؤلفة من ألوية عدة. لم يسجل أي انشقاق في صفوف تلك الألوية، والولايات المتحدة وتركيا تتساءلان عن أسباب استمرار الأمر على هذا النحو"، رغم الأموال الطائلة التي تضخها خاصة دول في الخليج العربي لدعم الانشقاقات. واللافت أيضا أنه بعد 17 شهرا من الحركة الاحتجاجية، ظلت قيادة البلاد في منأى عن أي تغيير، أي عائلة الرئيس والأجهزة الأمنية والهيكلية العسكرية العليا. ويستغرب دبلوماسي عربي في الخليج العربي هذا الأمر وخصوصا أن السعودية وقطر والكويت رصدت مليارات الدولارات لتشجيع الانشقاقات وتسهيلها. وأوضح مسؤول أمني لبناني أن في سوريا نحو 1200 عميد لم ينشق منهم سوى أربعين. كما أن أيا من قادة الألوية المئة لم يعلن انشقاقه. ويشار إلى أن علي مملوك، مدير الأمن الوطني الذي يشكل مظلة لكل الأجهزة الأمنية، ورستم غزالي الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية في لبنان سنيان، ومساندة هذا الكم الكبير من السنة للرئيس الأسد يعني أن الغربيين يخلطون الأوراق عندما يتحدثون عن صراع إتني. من جهته، قال ارام نيرغيزيان المحلل لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ان "النظام لا يزال يعول على نواة سنية صلبة، وكون هذا النزاع يتخذ طابعا طائفيا اكبر هو عامل ضعف وقوة في الوقت نفسه". الجيش قادر على القتال لسنتين يوم الجمعة 10 أغسطس 2012 نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تحليلا عسكريا لقدرات كل من الجيش النظامي السوري والجيش السوري الحر المعارض لنظام الرئيس بشار الأسد. وجاء في التحليل الذي أعده الخبير بيتر بومنت: "يقول مثل عسكري معاصر: الهواة يتحدثون عن التكتيكات، والمحترفون يتحدثون عن اللوجستيات. وإذا كان من دليل لإثبات صحة المثل، فقد توفر خلال شهر يوليو في القتال داخل العاصمة السورية دمشق، عندما تبدد هجوم لقوات المعارضة لأن ذخيرة المقاتلين نفدت. وفي القتال في حلب يبدو أن نفس المشاكل تحدث مجددا. فقد انسحب مقاتلو المعارضة يوم الخميس 9 أغسطس تحت ضغط هجوم عنيف لقوات النظام، من حي صلاح الدين. وكما فعلوا في السابق فقد برروا انسحابهم بنقص الذخيرة، وخصوصا قذائف "آر بي جي" التي ذكر عدد من القادة أنهم كانوا يستخدمونها بمعدل 60 قذيفة كل يوم. كما أن الوقود أصبح مشكلة بشكل متزايد. ولكن ليس المعارضة فقط هي التي لديها مشاكل في اللوجستيات. فحسب إفادات موثوقة يعاني جيش النظام من الصعوبات، وليس أقلها الاستمرار في صيانة المروحيات القتالية التي أصبح يعتمد عليها إلى حد كبير. الحقيقة هي أنه بينما لا يوجد توازن بين الجانبين من الناحية العسكرية حتى الآن، فقد تمكنت المعارضة من الاستفادة من بعض المزايا لصالحها في المدى القصير على الأقل بينما وجد النظام صعوبة متزايدة في استغلال نقاط قوته مع انتقال المعارك إلى المدن الرئيسية في البلاد. وحين بدا الصراع، كان عدد قوات الأسد 300 ألف جندي تحت السلاح، وكان يستطيع استدعاء أكثر من 100 الف من رجال الميليشيات والقوات شبه النظامية. ويحتكر النظام أيضا القوة الجوية دون وجود دليل قوي على ان الجيش الحر على العكس من ادعاءاته يمتلك أعدادا من الصواريخ المضادة للطائرات أو التدريب على استعمالها. وبخصوص الدروع فما تزال قوات المعارضة محرومة منها، قياسا إلى تفوق قوات النظام، وتقول إنها لا تمتلك سوى 6 دبابات غنمتها من قوات النظام، وعدد قليل من العربات المصفحة، مقابل 5 آلاف دبابة ومدرعة كانت بحوزة النظام عند اندلاع القتال. ويعتقد المراقبون ان النظام يحتفظ بمرونة عسكرية كبيرة من حيث الافراد والمعدات. ويقولون ان القادة في نظام دمشق الذين يتوقعون حصول ازمة في ما يتعلق بمرتفعات الجولان، اعدوا ترسانتهم العسكرية ليكون في مقدورهم القتال في صراع تقليدي لسنتين ضد إسرائيل عند الضرورة. عدد من الخبراء يقولون انه يبدو ان احد العناصر الرئيسة في المرحلة الاخيرة من القتال كان اجراء النظام تغييراً في التكتيكات. فقد اهتم بمرونة اعظم كثيرا في استخدام الطيران العسكري في القتال حول حلب، بما في ذلك استخدام طائرات "إل 39" لتمشيط مواقع المعارضة وقذفها بقنابل زنة 550 رطلا طراز "أو إف إيه بي" التي تسقطها مروحيات "هند" في الوقت الذي يتم فيه توفير القوات البرية والدبدبات لاستخدامها في الايام القليلة التالية. تقسيم سوريا إلى أربع كانتونات ان اللاعب الأقل ضوضاء في العلن فيما يخص الصراع على أرض الشام هو الكيان الإسرائيلي، وذلك رغم أن أهداف واشنطن وتل أبيب تلتقيان بشكل ربما لا مثيل له بين نظامين سياسيين في العالم. غير أن ذلك لا يمنع عددا من كبار المسؤولين الصهاينة من الحديث عما يروه الأفضل لهم. يوم 10 أغسطس 2012 ذكرت وكالة "يو بي اي" الدولية: تحدث ضابط في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي عن مؤشرات لتقسيم سوريا بعد سقوط الرئيس بشار الأسد إلى أربع كانتونات، ورأى أن إيران وحزب الله في حالة توتر جراء الأوضاع في سوريا. وقال الضابط، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في مقابلة مع "يونايتد برس انترناشونال": "لدينا انطباع بأنه يوجد احتمال جيد لنشوء كانتونات في سوريا، وإذا استمر الوضع بشكله الحالي فإنه سيكون هناك إقليم كردي في الشمال، وأصبحنا نرى مؤشرات لذلك، وإقليم علوي في منطقة الساحل يشمل مدينتي طرطوس واللاذقية، وإقليم سني، وإقليم درزي في جبل الدروز". ورأى الضابط الإسرائيلي أن "التأثير الأهم، بنظره، لما يحدث في سوريا هو أن محور دمشق بيروت أي حزب الله سيتضرر، فهذا هو المحور الذي تمر من خلاله الأسلحة. السؤال لم يعد إذا كان الأسد سيسقط، وإنما متى سيحدث هذا؟ وأعتقد أن الروس يعرفون أيضا أن هذه مسألة وقت فحسب". ووفقا للضابط الإسرائيلي فإن "الأسد بدأ يفقد السيطرة على البلاد، وفي الضواحي فقد هذه السيطرة وهناك موجة فرار جنود وضباط كبيرة، وأحيانا تنشق عن الجيش السوري وحدات كاملة". لكن الضابط اعترف أن "القاعدة الأساسية للجيش السوري ما زالت موالية للأسد" وأن "الأسد ما زال موجودا في دمشق، وكذلك معظم عائلته، ويصعب الإجابة على السؤال إلى متى سيبقى هناك؟ والأمر الأصعب هو ما إذا كان الأسد سيستخدم سلاحا كيمياويا"؟ وأردف أن "الأمر الذي يهمنا كثيرا هو ما سيحدث للسلاح الاستراتيجي في سوريا، والجيش الإسرائيلي يدرس هذا الأمر بشكل عميق ويتابعه من أجل معرفة ما إذا كان سيسقط بأيدي حزب الله ومنظمات إرهابية أخرى". وقال الضابط الإسرائيلي "في ظروف معينة، توجد لدى الجيش الإسرائيلي القدرة على منع تسرب أسلحة، كيميائية، كهذه إلى تنظيمات إرهابية". وأشار الضابط إلى أن الجيش الإسرائيلي عزز قواته في هضبة الجولان وحصن الشريط الحدودي فيها وقام ببناء عقبات واستحكامات في محاولة لضمان الأمن والهدوء في المنطقة الحدودية وإدعى "لا يوجد في هذه الخطوات أية خطوة هجومية وإنما جميعها هي خطوات دفاعية". وحول احتمال تدخل عسكري إسرائيلي في سوريا قال الضابط إنه "إذا رأينا أن الأحداث في سوريا بدأت تتطور نحو عمليات "إرهابية" موجهة ضدنا فإننا لن نبقى مكتوفي الأيدي". وتطرق الضابط في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي إلى لبنان واعتبر أن أمين عام حزب الله حسن نصر الله "موجود في حالة توتر بسبب الوضع في سوريا، وقد أخذ يلقي مؤخرا خطابات أكثر من الماضي، كما أن الشريط المصور الذي بثه لعملية اسر الجنود الإسرائيليين في يوليو العام 2006 يدل على توتره وأنه يفقد سوريا، إضافة إلى أن مكانته أخذت تتقوض". لكن الضابط استبعد أن يؤثر ذلك على قوة حزب الله العسكرية وذكر أن "قوته تتعزز بشكل كبير بالعتاد العسكري والصواريخ". "صوملة" الساحة السورية قبل حوالي عشرة أيام من تصريحات الضابط الإسرائيلي نشر موقع "كاونتر بنش" في نهاية شهر يوليو مقالا للكاتب الصحافي "إسرائيل شامير" بعث به من العاصمة الروسية موسكو بعد محادثات الرئيس الروسي بوتين مع نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل تناول فيه المخطط الإسرائيلي تجاه سوريا وما تتمخص عنه التطورات فيها، وكشف عن ملف سري تضمن النوايا الصهيونية؛ وجاء في المقال": يبدو ان إسرائيل تحتفظ بالقدرة على السيطرة على الثوار السوريين "الاسلاميين"، وان نتنياهو رئيس وزرائها لا يشعر بالقلق تجاه احتمالات تفتيت سوريا. ورغم الادعاء بان الإسرائيليين يفضلون الأسد المستقر والمألوف على الميلشيات الاسلامية، فإن المعلومات الجديدة المثيرة للاهتمام تشير إلى عكس ذلك: بمعنى ان الإسرائيليين يفضلون تحويل سوريا إلى صومال أخرى، وتقسيمها والقضاء على جيشها، باعتبار أن ذلك يسمح لها بالتعامل معها من دون أي مقاومة. ويبدو ان بامكان إسرائيل أن تفرض نفوذها على الثوار بذات القدر الذي يمكنها ان تحملهم على قبول خلف توافق عليه تل ابيب. وهذا يعني ان سلسلة قيادة الثوار تتجاوز قادة الميدان غير المنضبطين وتتجاوز السعودية وقطر وكذلك باريس وواشنطن إلى أن تصل إلى إسرائيل. ويقول التقرير "بوتين يرى ان هدف إسرائيل هو تحويل سوريا إلى صومال اخرى، في أعقاب تحويل العراق الى صومال اخرى ايضا". الواقع أن القادة الإسرائيليين يواصلون اتباع استراتيجية قصيرة المدى شديدة الخطورة باطلاق العنان لحرب أهلية في سوريا، وازالة الأسد وتحويل سوريا إلى فوضى من الجماعات المسلحة التي لن تتدخل ضد إسرائيل. انها بلا ريب سياسة خطرة، مثلما كانت خطرة في الهجوم على لبنان في العام 2006، الا ان لدى إسرائيل عقدة القوة العسكرية التي تتطلب الاقدام على مخاطر لا مبرر لها. والخلاصة الرئيسية من المعلومات التي تسربت هي ان القادة الإسرائيليين يحتفظون برغبتهم في العيش الخطر. وفي الوقت الذي تسعى بعض الدول، وروسيا على وجه الخصوص، وراء تحقيق الاستقرار، فإن الإسرائيليين يميلون إلى ألعاب القوة. ويقولون لا شيء يتحقق من دون المخاطرة. وهم على استعداد لقبول مخاطر على المدى القصير بدلا من مكاسب المدى البعيد. وتصفية الجيش السوري يصب لا شك في مكاسب المدى البعيد بالنسبة لإسرائيل، تماما كما كان حل الجيش العراقي في مصلحتها. * [email protected] |
الساعة الآن 11:54 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir