سقيفة الشبامي

سقيفة الشبامي (http://www.alshibami.net/saqifa//index.php)
-   سقيفة الأخبار السياسيه (http://www.alshibami.net/saqifa//forumdisplay.php?f=56)
-   -   "الناس على دين ملوكهم".. أكثر صدقاً (http://www.alshibami.net/saqifa//showthread.php?t=56330)

حد من الوادي 10-24-2009 02:18 PM

"الناس على دين ملوكهم".. أكثر صدقاً
 

"الناس على دين ملوكهم".. أكثر صدقاً

مصطفى علي عيسى


أصبح الناس في هذا العصر، وبالأخص من يدورون في فلك الحكام، يستخدمون مقولة :كيفما كنتم يولَّ عليكم"، وذلك بهدف تبرير فشلهم الذريع وإيجاد شماعة يعلقون عليها أخطاءهم. وهذا بطبيعة الحال هو ديدن من تربطهم بالحاكم علاقات نفعية، ويتمنون بقاءه لأن في بقائه بقاء مصالحهم، وإن كان في بقائه ضرر لشريحة كبيرة من المجتمع وضرر للوطن أيضاً.

وإذا كانت هذه المقولة تردد من قبل أعوان الحاكم أو الديكتاتور، فإن هناك مقولة أخرى تقول "إن الناس على دين ملوكهم"، وهذه المقولة تدحض المقولة السابقة، وهى أصدق منها، وذلك كونها مجربة عبر العصور، وليس عندنا فقط، بل حتى عند الشعوب الأخرى. فعلى سبيل المثال كان سيدنا معاوية بن أبى سفيان- رضي الله عنه- من أشد الناس ذكاء وحكمة، وكان مشهوراً بمقولة لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، فإن شدوا أرخيت، وإن أرخوا شددت، وهو مثل معروف إلى يومنا هذا بشعرة معاوية. ولما كان سيدنا معاوية يتمتع بالذكاء الشديد كان الذكاء والحكمة هما المعيار عنده في اختيار ولاته، وهكذا عمل ولاته على اختيار جلسائهم من الدهاة والأذكياء، حتى انعكس الأمر على العامة، وأصبح استخدام العقل والحكمة هما سلم الوصول إلى المناصب. وبعده جاء الخليفة الوليد بن عبد الملك، وكان مغرماً بفن العمارة والقصور، وكان من إنجازاته الجامع الأموي الكبير بدمشق، وفى عهد الوليد أصبح الناس يتنافسون في فنون العمارة وبناء القصور، وعندما ولى أخاه هشام بن عبدالملك كان رجلا يحب التطيب والجميل من اللبس، ومغرما بالأقمشة، فأصبح الناس في عهده ينافسون في اللبس والتزين.

أما في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، والذي عرف عنه الورع والتقى، والخوف من الله، فقد انتشر في عهده العدل وامتلأت خزائن بيت المال، حتى أنه لم يوجد فقير واحد في الشام كلها، لأن معياره هو الورع والتقى والنزاهة، وعلى هذا الأساس اختار ولاته وجلساءه.

وعندما انهارت الدولة الأموية وقامت على أنقاضها الدولة العباسية، تعاقب الولاة على حكم الدولة الإسلامية، وكان من أشهر ولاة الدولة العباسية الخليفة المشهور هارون الرشيد الذي روي أنه كان رجل يجمع بين التدين والشجاعة والخوف من الله وكان محبا للفقه والثقافة والشعر والأدب، وأصبح يقرب إليه من كان فقيها أو شاعرا او أديبا، فأصبح الناس في عصر الرشيد مثقفين وشعراء وفقهاء، وأصبحوا يتنافسون في تأليف الكتب، وأسست في عصره أكبر مكتبة إسلامية في بغداد زخرت بأنواع عديدة من الكتب والمؤلفات.

وإذا كان هذا في الزمن القديم فهناك أيضاً أناس في مجتمعنا الإسلامى الحديث أثروا في مجتمعاتهم وكان لهم الفضل في رقي مجتمعاتهم، نذكر منهم مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، وهناك أيضا أناس وشخصيات مؤثرة من غير المسلمين في الشرق والغرب.

وبالعودة إلى واقع بلدنا المؤلم وما نعانيه ونشاهده من رواج لبعض الثقافات الخاطئة، كانتشار التقطع والخطف ونهب الأراضي والتسول والرشوة، وانتهاك القانون وانتشار الثقافة القبلية لتشمل حتى المجتمعات المدنية، وانحسار المثقفين والمفكرين والمبدعين يقابله ازدياد في المشائخ والضباط والبلاطجة وقطاع الطرق وخاطفى الأجانب.. كل ذلك لم يأت من فراغ إنما جاء بشكل تلقائي انعكس من تصرفات النظام الحاكم من أعلى الهرم إلى أسفله.. فعلى سبيل المثال ثقافة التسول كان السبب في انتشارها رؤية الشعب من يقفون على سدة الحكم يستجدون المعونات من الدول الأجنبية والإقليمية بلا حياء أو خجل، رغم أننا دولة نفطية وغنية، وبقليل من الترشيد في النفقات سوف نعف أنفسنا من التسول والاستجداء وإهدار ماء الوجه في كل تجمع إقليمي أو دولي ندعى إليه. والمثل نفسه ينطبق على انتشار ثقافة نهب الأراضي ومصادرتها، فالقائمون على سدة الحكم من الأبناء والأخوة وأبناء الإخوة هم من دعم وأذكى تلك الثقافة بين أعوانهم من بعد حرب صيف 94.

وما يحدث من قبل بعض رجال القبائل والضباط من نهب لأراضى الغير في الجنوب والوسط بدون وجه حق الا نتاج طبيعي ومنطقي لثقافة النظام والقائمين عليه، فالمسؤول المرتشي يجمع حوله أعواناً من المرتشين، كى يقوموا بمحاربة المشهود لهم بالنزاهة، والمسؤول البلطجى يجمع حوله أعواناً من البلاطجة كى يخيفوا ويرهبوا المتحضرين، كي يحاربوا ويقضوا على شريحة المدنيين، واالمتسول يجمع حوله أعوان من المتسولين العابرين للحدود والقارات وليس مجرد متسولين محليين والعكس صحيح.. وهكذا نجد ان مقولة الناس على دين ملوكهم أو حكامهم هي الأكثر صدقا والأكثر فعالية.


الساعة الآن 10:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas