10-27-2006, 10:50 PM
|
#2
|
حال قيادي

|
خلايا النانو
* ولذا يقول الباحثون من معهد «ماساتشوستس» للتقنية تعقيباً على هذه الإشكالية: صنعنا بالونات بحجم خلايا الجسم الطبيعية والغاية في الصغر التي لا ترى إلا بالمجهر، غلافها الخارجي مكون من مواد كيميائية دوائية تعمل على قفل الشعيرات الدموية الصغيرة التي تغذي الورم السرطاني وتمنع نمو المزيد منها، فيختنق الورم نتيجة لفعل هذه المواد عبر قطع مصادر العناصر اللازمة لحياته ونمائه من خلال الأوعية الدموية، ثم بعد ذوبان هذه المواد المكونة للقشرة الخارجية لخلايا النانو وانتهائها من مهمتها تظهر الطبقة الداخلية والمكونة من مواد كيميائية تفتك بالخلايا السرطانية المحبوسة بعد سد منافذ الشعيرات الدموية، فتعمل فيها فتكاً حتى تزول تماماً.
عملية التصنيع لخلايا النانو هذه كانت قمة الإبداع ولب الموضوع كله، إذْ تتم وفق حسابات غاية في التعقيد مبنية على تقدير خصائص المواد الكيميائية عند هذا المستوى من الكتلة والحجم، وخصائص المواد الأخرى التي تلتصق بها داخل بناء هيكل خلايا النانو تلك التي تتحكم في عملية ذوبان مركبات الدواء الكيميائي وتحررها كي تبدأ عملها ضمن ما يعرف لدي المهندسين بمنحنى التركيز والتأثير. وبرغم المستوى الدقيق جداً في الحجم وصعوبة الحصول على أحجام متساوية فإن الباحثين تمكنوا من إنتاج كميات متقاربة في الحجم بدرجة صعبة التحقيق بحيث لا يتجاوز الفرق بين المركبات الدوائية 40 نانوميتراً!! والنانوميتر هو جزء من بليون من المتر. ثم بعد هذا يتم تصنيع خلايا النانو المحملة بالمركبين العلاجيين للسرطان ضمن غلاف خاص سنأتي على فائدته، والمحصلة لشكل هذه الخلايا وتركيبها الدقيق كما ظهر من خلال المجهر الإلكتروني كانت مشابهة لخلايا الجسم الحي أي قلب من النواة تحيط به طبقة من الغلاف الدهني لا يتجاوز حجمها 200 نانوميتر.
خصائص عجيبة
* هذا ليس كل القصة بل البراعة تجلت أيضاً في أجهزة أخرى مزودة بها هذه الغواصات البالونية، فمنها أن سطح خلايا النانو مغلف بمادة كيميائية تجعل منها شبحاً أو «ستيلث» أثناء جريانها في سوائل الجسم فلا تلاحظ وجودها خلايا المناعة إذْ لا يمكن أن ترصدها الرادارات المتنوعة التابعة لها، وهي قصة طويلة أخرى يطول شرحها حول آليات استشعار خلايا المناعة للأجسام والمواد الغريبة عند دخولها الجسم. وبهذه الأغلفة تغدو خلايا النانو كالشبح وتتمكن من الوصول بسلام إلى النقطة الهدف في منطقة الورم من دون أي مشاكل أو عوائق. والأمر الآخر الذي يظهر فيه إتقان الصنع هو حجمها الذي لا يتجاوز 200 نانومتر، فهي تتمكن بهذا من النفاذ من خلال فتحات جدران الأوعية الدموية في منطقة الورم التي يصل قطرها 400 نانومتر لتستقر وسط الخلايا الخبيثة من دون أن تتمكن بهذا الحجم من اختراق فتحات جدران الأوعية الدموية في مناطق الجسم السليمة ذات القطر الأصغر قدراً، لذا فهي لا تستقر في أنسجة الأعضاء السليمة.
هل هناك إتقان لأداء المهمة كهذا؟ لقد تم رصد بدء تركز خلايا النانو في أنسجة الأورام السرطانية أثناء البحث بعد خمس ساعات من دخولها الجسم وبلغ أعلى تركيز لها هناك بعد 24 ساعة وفي نفس الوقت انخفض بشكل كبير وجودها في الدم. والفئران التي عولجت بخلايا النانو عاشت ضعف ما عاشته الفئران التي عولجت بالطريقة التقليدية بالعلاج الكيميائي وثلاثة أضعاف المدة التي عاشتها الفئران التي لم تتم معالجتها. الفكرة غاية في التطور ويقول البروفسور ساسيسكهاران «اننا لن نقف عند هذا الحد بل نحن نؤسس مفهوماً جديداً في العلاج. فالطريقة الجديدة هي شكل مغاير تماماً لكل ما عرفه الطب من قبل في وسائل العلاج وخاصة كيفية إيصال الدواء إلى مكان المرض وهنا تنبع الأهمية. والباحثون في ختام البحث وضعوا فصلاً لذكر الجوانب العديدة التي يمكن تطوير استخدام هذه التقنية في علاج الأورام السرطانية وغيرها من الأمراض، وذكروا وسائل تحقيق التنويع في ذلك، لعل أهمها وأكثرها تقدماً هو العمل علي وضع مؤشرات أو «رمز» معين يوجه خلايا النانو للمكان المراد بشكل أدق وإلي خلية في الجسم بعينها، أي الاستفادة من الخصائص المغناطيسية الطبيعية كالكيميائية مثلاً.
استخدام تقنية خلايا النانو في هذه التجارب يفوق بمراحل في الأهمية كل أبحاث الخلايا الجذعيه بكل إثارة المهرجانات التي تقام حولها، ناهيك عن كل تطورات الطب الأخرى خلال العقود الماضية، فلو كتب النجاح لهذه التجارب فنحن في مرحلة مفصلية من تاريخ الطب تقارن باكتشاف الأشعة السينية التي سهلت الوصول والتطور إلى أعقد أنواع الأشعة لترينا ما بداخل الجسم عياناً والقيام بالعلاج من خلالها، وتقارن أيضاً بالمضادات الحيوية التي أنقذت بلايين الأرواح البشرية حتى اليوم وفتحت آفاقا في علاج الجراثيم والسرطان فأدت إلي اختلاف شكل العالم وحياة البشرية، وتقارن أيضاً بنجاح أولى تجارب زراعة الأعضاء بكل النجاحات التي تلتها.
الحلم هل قارب أن يكون حقيقة؟ هذا ما تشير إليه أولى بشائر الاختراع الفذ لتسخير استخدام خلايا النانو في المجالات الطبية دون غيرها من المجالات الأخرى التي ربما تفيد أو تضر البشر. خلايا النانو عالم من الخيال بدأ يخرج من قمقمه ليغزوا عالم الطب وإن بدئ الأمر اليوم في علاج السرطان أياً كان مكانه في الجسم فإننا غداً سنشهده في المضادات الحيوية وأدوية القلب والمفاصل والمعدة ومنع الحمل وهكذا دواليك.
|
|
|
|
|