11-29-2006, 04:51 PM
|
#2
|
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه
|
29/11/2006
بين الاستقلال وبين الاستغلال
لطفي فؤاد أحمد نعمان- نبوزبمن:
يحتفل اليمن هذه الأيام بالذكرى التاسعة والثلاثين لاستقلال الجنوب اليمني عن الاستعمار البريطاني 30 نوفمبر 1967م وهي مناسبة جدير بنا اغتنامها لاستخلاص الدروس ومراجعة مختلف المواقف وقتها بشكل متأن وغير مستفز..
لا شك أن موقع اليمن الجغرافي في الشمال والجنوب سابقاً أسال لعاب القوى الدولية في القرون الماضية ودعاها للسباق على بسط نفوذها فيه، أفلح في ذلك من أفلح كالبريطانيين والعثمانيين وخاب في ذلك من خاب كالإيطاليين والفرنسيين.. ومع خروج كل قوة دولية واستعمار خارجي من اليمن شعر المواطنون اليمنيون باستقلالهم وتنفسوا الصعداء إذ تمكنوا من تحديد مصيرهم بأنفسهم.. إلا أنهم يتذكرون أن الاستقلال عن الاستعمار لا يمكن أن تجنى ثماره في ظل الاستبداد الرجعي والتقدمي على حد سواء.. أي من المستعمر العلني إلى المستعمر السري!..
وليس يقوى الوطن على الحفاظ على الاستقلال في ظل الاستغلال.. فسوء الاستغلال من شأنه إضعاف الاستقلال.. والاستغلال أمر وارد في كل الأحوال:
فالمستعمر الأجنبي يستغل الموقع الجغرافي لتسهيل مهامه الخاصة التجارية والاقتصادية والعسكرية..
والحاكم المحلي يستغل الموقع السياسي لتنفيذ مخططاته ومشاريعه الذاتية إما بالتعاون مع عناصر خارجية أو وفقاً لأهداف الزمرة الحاكمة معه أو المؤثرة فيه.. أو يكون مطية لنظام خارجي..
* *
يذكر معالي اللواء محمد علي الأكوع لدولة الدكتور حسن محمد مكي أنه قال عن الاستقلال الذي ناله اليمن الشمالي بقيادة الإمام يحيى بن محمد حميد الدين عام 1918م عن الحكم العثماني إنه استقلال أجوف، إذ لم تنشأ على إثرها نظم حديثة متطورة بل تقليدية جامدة.. ولم يستغل وضع اليمن المتقدم باستقلاله، على كثير من البلدان العربية الرازحة تحت حكم الاستعمار حتى ذلك الوقت، لتحديث اليمن بحق..
ووصف بعض المؤرخين استقلال اليمن الجنوبي عن الاستعمار البريطاني بالاستقلال الضائع.. إذ تخلصوا من التبعية لبريطانيا ليتبعوا النظم الشيوعية!..
وقد ظل هذا لوقت ليس بالقصير..
ولعل الاستقلال ضاع في غمرة الصراعات الدموية والانقلابات المتوالية بتشجيع من الأطراف الخارجية التي لا هم لها إلا تعزيز نفوذها في المنطقة مواجهة لنفوذ قوى منافسة لها تأثيرها وحضورها.. وأخذت تعبئ أنصارها تعبئة فكرية خاطئة، وتنفخ في أوداجها الرغبة في التسلط والنفوذ الثوري ونشر الفكر المخالف للمعتقدات السائدة في المنطقة.. مستغلة الموقع والوضع العام..
ولم يكن الشمال فيما سبق بأحسن حال من الجنوب.. وإن لم يتدخل الأجنبي.. بيد أنه ظل مطمعاً للأجنبي والعربي واليمني الجنوبي..
لقد عُدّ الشمال ساحة صراع وسباق لمختلف القوى السياسية.. البعثي والشيوعي.. التقدمي والرجعي.. العسكري والمدني والقبلي.. والأجنبي هنا متفرج أو داعم لمن تحالف معه ويسير نحو تحقيق هدفه!..
وعلى الرغم من استقلال الشمال مبكراً.. لم يواكب ركب التقدم إلا متأخراً!..
وعلى الرغم من بقاء النظام البريطاني في هيكل إدارة المؤسسات في الجنوب الذي استدعى الثوريون فيه خبراء عرب لتقييمه وأوصى الخبراء بالإبقاء عليه لتقدميته، لم يُبقوا عليه حتى تتمكن الأخت روسيا من لعنة أختها بريطانيا! (كل أمة تلعن أختها)!
وعلى الرغم من تأكيد كل القوى المتصارعة في اليمن على حرصهم على استقلال اليمن، لم يعززوا استقلاله قدر ما اجتهدوا في جعله تابعاً لهم!..
جاء الاستقلال اليمني، نصاً ولم يكن واقعاً إلا متأخراً.. وقد توحد بشطريه بعد اندثار المؤثرات الخارجية أو استسلامها لواقع الحال..
وعلى كل حال، لا يتحقق الاستقلال فيما المواطن غير مقتنع بأساليبه ووسائله وأدواته وسياساته.. ولم تصل خيراته إليه.. (وهذا أساس العلاقة بين النظام والمواطن!)..
ومتى ما شعر المواطن بذلك شمَّر عن ساعديه مجاهداً ومكافحاً ومدافعاً عن ثورته واستقلاله، وكثير من المواطنين تطوع وتشجع لأن يهب مدافعاً عن فكرة الاستقلال، ومحارباً في سبيله.. لكنه سرعان ما يترحم على الاستعمار وغيره من القيود الجديدة التي فرضتها قوى الاستغلال وشوهت الاستقلال.. لافتقاد المكاسب التي كان يحظى بها في العهد السابق رغم اختلافه معه! ولسان حاله:
رب يوم بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليه!
**
قلة الخبرة، ندرة الكفاءة والتقليد والانصياع الأعمى.. أعمى كثيراً من السياسيين يومها عن سواء السبيل مما جر الصراع وراء الصراع وأسال الدم بعد الدم، وأساء الاستغلال في عهد الاستقلال!..
|
|
|
|
|