12-26-2006, 11:33 PM
|
#2
|
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه
|
غارة يا عمر غارة كبيرة تطلع الشارة من بحركم دي ما يمد بالكيل
وهي تناجيه أن يظهر كراماته ومعجزاته ويقف إلى جوارها مخلِّصا لها من همومها بكرمه الجزيل.
وحين انقطاع المطر يلجأ الناس إلى مزارات الأولياء يخاطبونهم في قبورهم تبركا بهم وتقول الشاعرة في قصيدة مغناة:
ياعمر ياعمر حل الكرامات بدري حلها يا ثريمان ع محمد وسالم كلما قمت بادعي ع الذي في سليمان والذي هو في الحاوي سكن ولد علوي يصلح الله كل شأن.
وكان ذكر الأولياء شبه دائم في الأغنية الشعبية فتبدأ بهم أو تختتم .. ففي أغنية تصف معاناة النساء من هجرة أزواجهن وتبعاتها تبدأ بذكر الأولياء ثم تشرح المشكلة قائلة:
يا حمد بن محمد ويالشيبان دي بين الديار يا حمد بن محمد ، من جاوه شربنا وغيث اهل الحبش ذلحين ثار من جاوه شربنا ، جاء سيله مدعم وعمد عالسواقي والديار جاء سيله مدعم ، يا قلبي تصبر على ما جاك من حالي وقار يا قلبي تصبر.
وفي أغنية مشهورة تغنى في الأعراس تبتدأ وتختتم بذكر الحبايب الأولياء أبناء الرسول:
مرحبا السادة البركين من حيث يبدون ، لا نودي نفارقهم ولا هم يودون ، حبهم صب في قلبي بطينته معجون ، حبهم صدق والكاذب من الله ملعون ، شبوا الشرح لا قاموا بنات الهادون.
وعليه فإن الأغنية قد ساهمت كثيرا في ترسيخ صورة الحاكم الروحية في ثنايا الثقافة الشعبية بل وشاركت في صنع بنية هذه الثقافة ومعتقداتها ومرجعياتها وتخويل الولي كحاكم روحي يتمتع بسلطات شتى.
كما أن مجتمع وادي حضرموت قد عرف السلطة المدنية أو السياسية بمعناها الحديث من خلال وجود السلطنات وانتداب الحكم البريطاني لبعض عامليه أو من يمثله في الوادي وعلى ذلك تقول إحدى الأغاني:
جابوا الفرنجي إلى بلادي والشور والسياسة، ودسوا العزة في الطين
وهناك أغان ارتبطت بحوادث ومآثر صنعها الحاكم فتؤلف الاغاني عن عدله أو جوره، منها على سبيل المثال ما قيل في المنصب عمر البار، والمنصب هو لقب يطلق على حاكم البلدة المخول من قبل سلطان البلاد أو السلطة البريطانية آنذاك وله صلاحيات كبيرة في الحكم وفض المنازعات وإدارة شؤون الناس وفق القوانين السارية إن وجدت أو بالعرف والتقاليد المعمول بها ، والأغنية التي سنسوقها مثالا ارتبطت بحادثة وموقف اتخذ فيه الحاكم أو المنصب - كما يطلق عليه في حضرموت - اتخذ صف العدل والإنصاف للمساكين والفقراء فقد اتفق التجار أصحاب المزارع والاقطاعيات تلك السنة على أن لا يعطوا الفقراء نصيبهم من حصاد الأرض المتفق عليها وفقا للعرف الساري أن يكون حصة من أول القطاف توزع على المعوزين والمساكين ومن بأتوا في أسفل الهرم الطبقي الاجتماعي وهم الصبيان والعبيد - يقسم الهرم الطبقي في وادي حضرموت كالتالي: يأتي السادة في قمته ثم المشايخ ، فالقبائل ، فالفقهاء ، فالتجار بفئاتهم ، فالحراث.. أي المزارعون ، وبعد ذلك الصبيان والعبيد. ونعود إلى الأغنية والحادثة التي ارتبطت بها عندما أمر المنصب التجار واجبرهم على إيتاء المساكين حصتهم من المحصول، وأقام الآخرون لذلك احتفالا قيلت فيه الأغنية..
ومطلعها يقول:
يا قلبي صبر ع الونين ، حافظ على البار ع المنصب عمر بن حمد ابو المساكين ، والبار حكمه عبر عند الدول كلها تبعوا القوانين ، يارب ترد العوايد كلها يا عمر زانت وبتزين.
وقد قارن الوعي الشعبي بين ظلم التجار كمثال وعدل الحاكم فعكس صورة ذلك على صورة الحاكم كما يجب أن تكون، وأظهرها في أدوات تعبيره الفنية بالشعر والاغاني.
إن ما سلف ذكره كان في مرحلة سابقة على الثورة والحكم الجمهوري الذي حين بدأ مدهما وأخبارهما تصل إلى الوادي، تبع ذلك تغيير في الواقع الاجتماعي ، وإن كان بوتيرة بطيئة ظهرت آثاره على الفنون الشعبية وفي مقدمتها القصيدة المغناة، حيث رافق الثورة وتباشيرها ومراحل الصراع بين قادة «الشركاء الفرقاء» الكثير من الزوامل والأهازيج مساندة حينا وناقدة أحيانا أخرى، يقول أحد الزوامل اثناء صراع حزب الرابطة والجبهات الثورية الاخرى:
الحزب ذي قد ذاع صيته واشتهر ، قصده بغى بايعجن الدنيا عجين
يامن حفر حفرة وقصده با يدفن لابد يقع فيها ولو من بعد حين.
ثم جاءت مرحلة أخرى مختلفة بعد انتصار الثورة وفوز الجبهة القومية بالحكم واستتب لها الأمر باعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تواتر مع ذلك تدابير التطرف الثوري والانتفاضات الشعبية وبدأ صراع جديد بين أجنحة هذه الجبهة وتغايرت مشاربهم وتوجهاتهم السياسية مما أضفى بالنتيجة تدابير الريبة من أعلى الهرم السياسي إلى أوساط المجتمع وداهم الناس بقرارات مصادرة حق التعبير الحر والواضح.. ولم يقبل الثوار أي نقد إزاء تدابيرهم الثورية السياسية الخاطئة وذهبوا في تكميم الافواه وزج المعارضين أو المنتقدين في السجون وانتشرت فرق جواسيس الأمن السياسي على إثر ذلك تفتق الوعي الشعبي عن أساليب جديدة عبر أدواته الثقافية وعلى رأسها الفنون وبالأخص فن الشعر والغناء، ما أدى إلى ظهور اسلوب جديد في الغناء والشعر قاد حركته التجديدية الشاعر الكبير والمشهور حسين ابو بكر المحضار حيث كان الناس يضبطون غليانهم ضد السلطة آنذاك على وقع أغانيه ويفرغون شحنة معاناتهم بترديدها وانتشرت ماتسمى بالأغنية السياسية ونشطت في نقد الواقع والتعبير عن غضب الناس والاحتقان الشعبي تجاه الإجراءات الثورية، كذا فضح الصراع ودورات الدم بين المشاركين في نظام الحكم، غير أنه عطفا على ما سلف ذكره من تكميم ومصادرة لحرية التعبير، وفرض شمولية الصوت الواحد فقد اعتمد شعراء الاغنية استخدام الترميز والكناية وأساليب التورية البلاغية لنقد الواقع السياسي والاجتماعي وحتى لا يقعوا تحت طائلة المساءلة وتبعاتها.. ومثالا على ذلك يقول الشاعر المحضار في أغنية بعنوان (آل باناعمة) ويقصد بهم شركاء الحكم وقد قيلت في الاقتتال الذي حدث بين جناح سالم ربيع علي ومعارضيه، واغتيل على إثره سالمين كما كان يطلق عليه بين الناس، تقول الاغنية:
طلعت الجبل ودبست جبح العسل كله، ودي قال عاد الدبس ما بعد قرب حله، صبح علمقد مزقول ياوحلة الوحلة على هامته منكوس، حسبتوا الدباسة يالباناعمة سهلة بغيتوا عسل مدبوس.
وفي أغنية أخرى للشاعر استشعر الناس فيها نبوءة ضد عبدالفتاح وجناحه بعد مقتل سالمين تقول الأغنية
يتبع
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة حد من الوادي ; 12-26-2006 الساعة 11:48 PM
|
|
|