02-07-2007, 11:35 PM
|
#2
|
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه
|
إلا أن كسر السيف ووضع السلاح ، لا ينبغي أن يفهم منه الموادعة للظلم والانقياد له والسكوت عليه ؛ ففقد سجلت كتب التاريخ الكثير من مساعي الصلح ومبادرات السلام التي تولى زمام أمورها كبار رجال التصوف بين الأطراف المتحاربة من القبائل الداخلية ، كما سجلت أيضا الملحمة الحضرمية في وجه العدو الخارجي (البرتغال) سنة 929 هـ حين هب الحضارم – صغيرهم وكبيرهم عالمهم وجاهلهم ، يذودون عن بلادهم وعن دينهم بأرواحهم وكان في مقدمة الشهداء رجال الصلاح والولاية من تلك القبائل التي كسرت السيف في القديم.
ولعل من المفيد أن نذكر أن حضرموت كانت تعيش مع مطلع القرن التاسع الهجري صراعا مريرا بين قبيلتين كبيرتين هما : قبيلة آل يماني: السلطة الآيلة إلى الزوال والتلاشي وقبيلة آل كثير : السلطة الناشئة التي تسعى للحصول على موطئ قدم لها بحضرموت ، وهناك قبائل أخرى وقفت إلى جانب آل يماني تارة وتارة أخرى إلى جانب آل كثير ، وتارات أخر تتقاتل فيما بينها ، وأما الشعب الأعزل فقد اعتاد " مشاهدة الجرائم والحوادث الإرهابية " بين هذه الطوائف دون أن ينبس ببنت شفة خوفا من بطشها.
ومما يزيد الأمر سوءا أن هذه الفتن والحروب لا تقتصر على رجال السلطة فحسب ، بل تطال أقوات الناس وأسباب حياتهم فتحرق النخيل وتخرب القرى وتسفك الدماء ، يقول المؤرخ السيد علوي بن طاهر الحداد واصفا هذه الحالة : " وسيمر بك في هذا التاريخ – الشامل – من إحراق النخيل وإتلافه وقطعه وتخريب القرى ونهبها وتغريم أهلها وسفك الدماء شيء كثير لا يأمر به الشرع ولا يحكم به العقل ، بل يقطع العاقل أن الحامل عليه مجرد الضراوة بالشر والإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل " ولأهمية النخيل في حياتهم فإنها كانت دائما محل النكاية ، إذ يعتمد أهل حضرموت على زراعتها وزراعة بعض المحاصيل التي يساعد المناخ على زراعتها كالقطن، ولنأخذ نصا ذكره الشيخ عبد الرحمن الخطيب في الجوهر الشفاف ، يلقى الضوء على حياة الحضارم ويؤكد أهمية النخيل لديهم قال : " وكان أهل حضرموت أهل ضنك في المعاش وأهل نخيل كثيرة ، فلا يأتي أوان حمل النخيل بالرطب إلا والناس في أشد حاجتهم إليه ، لأنه ينال من ثمرها القوي والضعيف والغني والفقير وأهلها وغير أهلها ، وكثير منهم ليس له صلة ولا حرفة ولا مكسب غير ثمر
النخل " وفي هذا النص ملاحظتان :
الأولى : قوله " وكثير منهم ليس له صلة ولا حرفة ولامكسب غير ثمر النخل " يشير إلى أن هناك فئة من الحضرميين تمتهن الحرف ، وهذا ما تؤكده إشارة أخرى ذكرها الخطيب نفسه في موضع آخر من كتابه ، ويقول الشاطري واصفا الاكتفاء الذاتي لديهم في ملبسهم ومسكنهم ومطعمهم : " ويعتمدون في ملابسهم على ما تنتجه المحاويك – آلات النسيج – التي تحول القطن – الذي تنتجه أرضهم إلى نسيج ثم إلى أقمشة ... وبقية صناعاتهم مما تنتجه بلادهم ، فأوانيهم من الخشب والفخار ويعملون بإتقان الجرار الكبيرة والصغيرة ... ".
الثانية : يفسر هذا النص اهتمام علماء حضرموت بالزراعة وغرس النخيل فقد اشترى السيد علي بن علوي أرضا بعشرين ألف دينار وغرسها نخيلا ، وكذلك اهتم بها الامام السقاف عبد الرحمن بن محمد (ت 818 هـ) والشيخ عمر المحضار بن عبد الرحمن (ت 833) والشيخ سعد بن علي مذحج (ت 857) وغيرهم من العلماء مع أنهم يحيون في أنفسهم حياة زهدية خاصة ، وما ذاك إلا لمساعدة المحتاجين وسد عوز المعوزين والتخفيف من وطأة يد الزمان على الناس التي زاد من ثقلها على كواهلهم ما تحياه حضرموت – إلى جانب الصراعات القبلية – من كوارث طبيعية تأتي على الأخضر واليابس ، فالسيول التي تجرف الأطيان والبرد القارس الذي يحرق الزرع وما يتبع ذلك من قلة الموارد ، فيعم الغلاء وتحدث المجاعات فتؤدي بحياة الناس ، هذه العوامل كلها ساعدت على تعميق القناعة الروحية لدى الناس ، وأن لا مخرج لهم إلا الاتجاه نحو السماء ينشدون فيها العدل والأمان اللذين فقدوهما في الأرض.
يتبع
|
|
|
|
|