02-07-2007, 11:39 PM
|
#3
|
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه
|
وكان من نتائج هذا الاتجاه أن كثر الأولياء في حضرموت ويرجع بعض المؤرخين هذه الظاهرة إلى دعوة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه لمدينة تريم عندما وقفت موقفا مشرفا تعاضد به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حروب الردة ، وهناك إشارات أخرى تجمع بين هذه الظاهرة – كثرة الأولياء – وضنك المعيشة ، إذ ذكر البكرى في تفسيره عند قوله تعالى " وإن منكم إلا واردها " قال : " يستثني من ذلك أهل حضرموت لأنهم أهل ضنك وشدة وهي تنبت الأولياء كما تنبت البقل وأهلها أهل رياضة وفيها نخل كثير وأغلب قوتهم التمر " .
ونشأ مع هذا الاتجاه اتجاه آخر من عامة الناس إذ لجأوا إلى أرباب الولاية والصلاح ومن يتوسمون فيه الخير ؛ من أجل حصول الكرامات لحماية الزراعة من أرباب السلطة والنفوذ السياسي أو مما نزل بهم من كوارث طبيعية ، لذلك نقرأ عن الكثير من الكرامات التي أعادت التوازن لحياة الناس ، وهيأت الحضرمي لقبول تلك الكوارث لأنه قد رأى عدل السماء يأتيه بمقتل الظالم أو زوال ملكه ، ونحن إذ نتحدث عن هذه الظاهرة إنما نقرر واقعا محاولين تفسيره ، وإلا فإن الركون إلى الكرامات وخوارق العادات لا يقره الشرع ولا يلغي المسؤولية الملقاة على عاتق كل مسلم في إنكار المنكر وتغييره ، متخذا الأسباب التي هيأها الله تعالى لذلك " إن تنصروا الله ينصركم ".
وبعد أن تحدثنا عن الأوضاع السياسية الداخلية وانعكاساتها على الحياة العامة ، ننتقل إلى الحديث عن أهم الأحداث الخارجية التي عصفت بحضرموت وتركت أثرا فيها ، وقد أشرنا إلى دخول الغز وما أحدثوه من فساد في القرن السادس الهجري ، وفي القرن العاشر الهجري وفي عهد السلطان الكثيري بدر بن عبد الله أبي طويرق ، طمع البرتغاليون في السيطرة على الشحر ليؤمنوا طريقهم البحري ، فجهزوا سنة 929 هـ حملة عسكرية مكونة من أربع عشرة سفينة وحملة أخرى في سنة 942 هـ ولكنهم رأوا من حضرموت ما لم يعهدوا مثله قط في الماضي من النزال والكفاح ولعل أهم ملاحظة حول هاتين الحملتين أنهما أظهرتا التحام الشعب الحضرمي حول عقيدته وإن الحياة الصوفية التي يحياها كانت مصدر الطاقة التي يتزود منها في منازلة الأعداء مما يسفر عن وجه الحقيقة التي طالما احتجبت وراء قناع التعصب والصراع القبليين والتي تظهر حضرموت مفككة الأجزاء ، حال تصوفها دون رقيها ووحدتها ، وكانت حصيلة الحرب التي دارت بين البرتغاليين والحضرميين استشهاد خيرة صلحائها وعلمائها منهم العلامة أحمد بن عبد الله عبد الرحمن بلحاج بافضل والشيخان أحمد وفضل ابنا رضوان بافضل.
وكان من نتائج هذه الحملات : علو مكانة بدر أبي طويرق لدى الحضارم فقد حمده أكابر العلماء ونعته بعضهم برجل الوحدة الحضرمية، لاستطاعته إخماد تمرد القبائل برهة من الزمن وصده للهجوم الخارجي ، ورأينا أيضا مشاركة فاعلة من العلماء في السلطة ، فقد تولى الشيخ عبد الله بن عمر بامخرمة رئاسة القضاء وتولى العلامة محمد بن عمر بحرق الشؤون الحكومية بل يذكر المؤرخ سعيد عوض باوزير أن العلامة بحرق كان أحد قواد جيش السلطان بدر في قمع القبائل المتمردة. وهو تحول جديد قاد إليه الاستقرار السياسي في هذا العصر بل لقد حاول السلطان أبو طويرق أن يؤمن الجانب الاقتصادي للدولة ففي سنة 937 هـ " أمر أن تضرب باسمه نقود فضية من فئة الريال وفئة النصف والربع ونقود نحاسية صغيرة وكبيرة ". وانتعشت أيضا علاقة حضرموت بالدولة العثمانية ، إذ راسل السلطان سليمان القانوني السلطان بدرا وأمده بالعون لتحصين الشحر وجعله نائبا عن الدولة العثمانية على حضرموت وخطب باسمه في جوامع الشحر.
ويبدو ان هذا الاستقرار الذي لم يدم طويلا قد عاد بخير على الحركة العلمية والثقافية. والحق ان للحركة العلمية والثقافية في حضرموت بدايات تمتد إلى القرن الرابع الهجريحين دخلت حضرموت الدور السني ، وساعد على ذلك أيضا قيام دولة سنية وهي دولة آل راشد بتريم ، وكان أحد سلاطينها فقيها عالما ، هو عبد الله بن راشد ، قال الخطيب في الجوهر الشفاف : " كان السلطان عبد الله المذكور فقيها أديبا عالما عادلا تقيا ... كان مولده بتريم 553 هـ وقرأ صحيح البخاري على الفقيه محمد بن احمد النعماني الهجراني سنة 585 هـ وسمع الأحاديث على أبي الصيف وابن المقدسي وابن عساكر سنة 588 هـ " فانتعشت الحالة العلمية في زمنه وكثر الفقهاء حتى اجتمع في تريم في زمان واحد ثلاثمائة مفت ، وفي شبام سبعة مفتين وقاضيان شافعي وحنفي وفي الهجرين قاضيان شافعي وحنفي ومفتيان شافعي
يتبع
|
|
|
|
|