عرض مشاركة واحدة
قديم 02-07-2007, 11:45 PM   #4
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي

وحنفي ، وبدأنا نلمح اتجاها روحيا ربما كان من الإرهاصات الأولى للتصوف ، تمثل ذلك الاتجاه في الاهتمام بترتيب الأوقات وتوزيع الأوراد عليها، " ووضعت في هذا العهد تنظيمات للمآتم وليالي رمضان .. وهناك قصائد ومدائح نبوية وعظية تنشد بأزجال خاصة في ليالي رمضان "، وقد تشبع الناس بروح الدين وأصبح الخوف من الله تعالى طابعا يسم الحياة العامة ترك أثره في علاقات الناس فيما بينهم وبرز في صورة من التكافل الاجتماعي ، نقل الخطيب في الجوهر الشفاف أن السلطان عبد الله بن راشد كان يقول : " في بلادي ثلاث خصال افتخر بها على السلاطين ؛ الأولى : لا يوجد فيها حرام والثانية : لا يوجد فيها سارق ، الثالثة : لا يوجد فيها محتاج " قال الخطيب معلقا على هذه المقولة : " وذلك لمواصلتهم وتعاطفهم بالمعروف ولأنهم كانوا إذا رأوا معسرا منهم ولوه خدمة صدقة الجامع أو بيت مال المسلمين سنة ويعطونه على ذلك أجرة ... "، وفي القرن التاسع أسس السادة من بني علوي نقابة تنظم أحوالهم وتعتني بأوقاف المساجد وتهتم بالمظلومين وتعين المحتاجين والأرامل واليتامى.

ومما تقدم يتضح لنا ان هذه الحياة الدينية التي أفرزت التصوف وطبعت الحياة بطابعها الروحي لم تكن مقتصرة على الجانب التعبدي فحسب ، بل كانت تحمل في طياتها مضمونا سياسيا يتمثل في الابتعاد عن الحكم وعدم المنافسة على السلطة وهو ما يسميه الدكتور عبد الكريم توفيق (المعارضة السلبية) كما تحمل أيضا مضمونا اجتماعيا شعبيا يتجه إلى الشعب ليخفف عنهم المعاناة.

أما الجانب العلمي فقد تميز بكثرة العلماء والأولياء ، ويجب أن نشير هنا إلى أن حضرموت – في أثناء مسيرتها الصوفية لم تشهد صراعا أو اختلافا بين الفقهاء والصوفية فقد عاشت النزعتان " الفقهية والصوفية ... على وئام في حضرموت بل إن كثيرا من فقهاء حضرموت اعتنقوا الآراء الصوفية المعتدلة دون أن يروا فيها ما يصطدم مع نصوص ظاهر الشريعة الإسلامية " بل لا نغلو إذا قلنا إن فقهاء حضرموت هم صوفيوها وصوفيو حضرموت هم فقهاؤها ولا يمكن الفصل بين النزعتين. ولقد أشار إلى كثرة العلماء والأولياء الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعي في زيارته لحضرموت سنة 794 هـ وقال فيهم :

مررت بوادي حضرموت مسلماا
وألفيت فيه من جهابذة العلا



فألفيته بالبشر مبتسما رحبا
أكابر لا يلفون شرقا ولا غربا




وقال السيد الشاطري إنهم " ليعدون بالآلاف "ولا غرو فإنها تنبت الأولياء كما تنبت البقل ، وكان السبب في ذلك هو وجود القبائل العلمية التي يتوارث أبناؤها العلم كابرا عن كابر ، وأشهرهم قبيلة الأشراف بني علوي ، وآل أبي فضل وآل أبي عباد وآل أبي مخرمة وآل الخطيب وآل أبي وزير، ويرى السيد الشاطري أن هذه الظاهرة كانت نتيجة للمؤثرات التربوية والوراثية التي تحياها هذه القبائل ، ونتيجة للإخصاب بالمعارف والثقافة المختلفة التي هيأها وجود مكتبات حافلة بأمهات الكتبإلى جانب حلقات الدرس التي تعقد في الجوامع والزوايا.

وقد تنوعت الثقافة وتوسعت فروع المعرفة ، فإلى جانب علم الفقه الذي تخصص فيه علماء حضرموت ، يقول الشاطري عن علماء هذه الحقبة إنهم:" يتوسعون أيضا في التفسير والحديث وعلومه وفي فقه الشافعي وفي العلوم العربية بأنواعها والعلوم العقلية والكونية " ومن النوابغ الذين يشار اليهم في هذا المجال السيد عبد الله بن أبي بكر العيدروس (ت 856 هـ) وعبد الله بن عمر بامخرمة
(ت 972 هـ) الذي " تفوق في أكثر من عشرين فرعا من فروع العلم من بينها – عدا علوم الدين واللغة – علوم الحساب والجبر والمقابلة والفلك وشارك في علم الطب "ولا غرابة في ذلك فقد سجلت كتب التراجم لهؤلاء العلماء رحلات طويلة في أصقاع الدنيا طلبا للعلم ونهلا من معينه الذي لا ينضب ، وكانت أكثر هذه الرحلات إلى الحجاز والهند ومصر " وكانوا يلقون العلماء ويدرسون عليهم علوم الشريعة واللغة وغيرها من العلوم ، ويأخذون الإجازات والإذن بالإفتاء والتدريس وفي هذه الرحلات أيضا كان العلماء من الحضارمة يجلسون للتدريس والإفتاء ويتصدرون لمناظرة العلماء والبحث معهم .. وكانوا يجتهدون في أن يأخذوا العلم عن أكبر قدر ممكن من المشائخ حتى قيل ان بعضهم أخذ العلم عن اكثر من ألف أستاذ " وقد تركت هذه السفرات والامتزاج بالعناصر العلمية من خارج حضرموت أثرها في الطابع العلمي بحضرموت وأفاد منها التصوف الحضرمي بشكل خاص ، مما سيتبين في موضع آخر من هذه الدراسة.

ولعل من المفيد أن نذكر أن السلطان بدر أبا طويرق أنشأ مدرسة بالشحر "سارت بفضلها الركبان وقصدها طلاب المعارف في كل صوب " كما يقول باوزير، وأجرى رواتب غير قليلة لرجال العلم.

أما المرأة فقد نالت حظها من العلم منذ وقت مبكر في حضرموت ، وأنشأت من أجلها المدارس ، فقد أنشأ السيد عبد الله بن أبي بكر العيدروس مدرسة خاصة لتعليم البنات في تريم، وقد ذكر في التاريخ الحضرمي كثير من النابغات من أمثال : الشيخة سلطانة بنت الشيخ علي الزبيدي ، والشيخة وزيرة بنت الشيخ عبد الرحيم باوزير والسيدة مريم بنت عبد الرحمن السقاف والشيخة عائشة بنت أحمد الخطيب.





زين سالم بن عقيل

جامعة الأحقاف
  رد مع اقتباس