عرض مشاركة واحدة
قديم 06-08-2002, 06:45 PM   #1
عمر خريص
مشرف سقيفة التراث
 
الصورة الرمزية عمر خريص

افتراضي المحضار في حنينه وأشجانه؟

وأخيرا وبعد طول انتظار يكاد أن يعيل فيه صبرنا .. أتتحفنا شاعرنا الغنائي الكبير حسين أبو بكر المحضار واتحف محبيه وعشاق فنه الرفيع بديوانيه الجديدين (حنين العشاق) و (أشجان العشاق) في حلتيهما القشيبتان وما حوتهما دفتاهما من روائع الشعر وفن القصيد ، ونحن إذ نقف مذهولين خاشعين في محراب الشعر والكلمة نستمع لتراتيل المحضار الفنية وأناشيده الأخاذة الجميلة لا يسعنا ألا أن نصفق لهذه القمة الشعرية الفذة ونحني لها هاماتنا احتراما وإكبارا لما أهدتنا من بلاغة القول وروعة الكلمة
وصدق أحاسيسها الجياشة التي صاغتها شعرا عذبا سلسبيلا.
انه المحضار في عبقريته وشموخه ، في عطائه المتميز الثر ،أما ديوانه (حنين العشاق ) فقد قدم له أستاذنا الدكتور محمد أبو بكر حميد بمقدمة وافية شاملة سبر فيها أغوار الشاعر الفنان وتقصى معالم العبقرية في شعره ، ونحن نشاطره الرأي فيما رأى ونوافقه فيما أبدى من تحليل إذ قال في سياق حديثه ( وقد وجدت هذه المعاني كلها تجتمع في عبقرية حسين بن أبى بكر المحضار الشعرية الغنائية عندما وقفت استعرض تاريخ فنه الشعري ومحصوله الثري الغزير على مدى أربعين عاما فوجدته عالما خصبا بالمشاعر الإنسانية ، كالحب والوفاء والعتاب والصدق والإخلاص الخ... وهي قضايا يعيشها الإنسان في كل زمان ومكان وهذه القضايا والمشاعر هي الوجه الظاهر لأشعار المحضار التي لها وجه آخر لا يستطيع أن يتعرف عليه ألا العارف بالأحداث السياسية والظروف الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية التي مرت بها حضرموت على وجه الخصوص وماكان يسمى باليمن الجنوبي سابقا على وجه العموم طوال ربع قرن من الزمن ، فقد أدى المحضار في تلك الفترة دور الفنان والمؤرخ معا، والدارس لشعره في تلك المرحلة سيجد الكثير منه في ظاهره أحاسيس ومشاعر وفي باطنه أحداث جسام وبركان يغلي بما يشعر به شعبه ومجتمعه ).
هكذا قال أستاذنا العزيز ، أما إذا أردنا أن نستقصي هذه الظاهرة في شعر المحضار فيحضرنا من الشواهد الشعرية الكثير، ونكتفي معا بما أورده في ديوانه الذي بين أيدينا للدلالة على نضج المحضار الفكري والسياسي ، ففي قصيدته (يادمع عيني) التي صاغها في فترة مابعد أحداث يناير يقول فيها:ـ
مهما تحدى الزمن مهما جرى ماجرى
مهما دهتني الهمـــــــــــوم
ماباحني الرأس مابخضع تحط السماء
والا تغيـــب النجــــــــــوم
حوادث الدهر ياكم جاءت تمطر على
رأسي كبار الــــــــــــزوم
بصبر على ذا الاذى صبر الحيود القوى
لما تمــــــر الغيـــــــــــوم
كلما عبر وقت جانا من قداهم نــــــبا
مفجع وأخبار شــــــــــؤم
ذي حكمة الله شاء العقل أو لم يشاء
ذا قسمنا في القســــــــوم
انه موقف ولكنه موقف الشاعر المسالم الذي يرى مايحدث أمام ناظريه ويعبر عنها بتحفظ شديد حتى ليكاد يكون مبهما ، ويحتفظ المحضار بعلاقات حميمة مع زعماء وسياسين كانت لهم شنة ورنة ، ويترجم لنا إحدى هذه الحوادث في قصيدته (خليها على المولى) حيث يقول:ـ
على كذا رادوا لنا عــذالنا ** لي مابغوا الأحوال تتعــــدل
أقصوك عنا خيبوا آمالنا ** قلبوك مثل الطان ياالملمــــل
ول عالعواذل ول إذا قبضوا الولا .
والله بعدك ماخطر عابالنا** ولا حسبنا البز صابه بــــل
لكنهم هم حولوا أحوالنا** ولا عطونا مخرجه أو حــل
السقم فينا حل وقر كلما حــــــــلا.
مهما جفوا أو قطعوا أوصالنا** على المدى لابد ما نوصل
مازال طالع سعدنا وإقبالنا** ونفوسنا تصبر وتتقــــــبل
وعلى المحب نسال حزن والاسلا .
ويتبلور حضور المحضار السياسي في ظل الظروف القائمة إذ لا يالوا جهدا في إبداء التشجيع وتحميس ولي الأمر لبذل الجهود من اجل البناء والتعمير مثال ذلك في قصيدته (صرح المحبة) :ـ
لالا تخليها تحــــــس باليتم او بالهـــون والذلـــه
وأنت العريس الشهم لي ماشاهدت أعيانها مثله
وهي التي ماقد شكا عند أهلها منها عــــــريس
على مابها تصبر ولا تشكي أمام الناس من علــه
والهون فيها والتعب كل يوم تخرج منها وصلـــه
ولعاد فيها حال قدها الا كما شــاة الهـــــريــــس
ولا بغت منك ذهب والماس او حله ورى حلــــــه
ماتقصد الا الستر يوم الستر في الدنيا يعز أهلــــه
ياكم وكم راحوا وخلوا التبر والدر النفيـــــــــــس
اذكر محاكاتك لها ومغازلتها ليلة الدخلــــــــــــــه
واذكر مواعيدك وخير الوعد ماياتي على حلـــــه
إذا وعدت يوم السبت لا تخلف الى يوم الخميــــس
إذا حفاها الضرب تطرد لا تفكر أنها سهلــــــــــه
طردت عيال العم وطردت أبو دجانه هو وبن قمله
ومكانها باتطرد اللي مايعوذ من ابليـــــــــــــــــس .

ولنترك القاري يستشف المعنى من هذه الأبيات ، أما أبو دجانة فهو محمد بن سعيد بن فارس أبو دجانة حاكم الشحر من حوالي 836هـ الى عام 861هـ وهو الذي حاول انتزاع عدن من الطاهريين ولم تنجح محاولته ، أما بن قملا فهو قائد جيش الوهابيين الذي غزا حضرموت ، والمحضار يتفاعل أيضا مع الأحداث السياسية العربية والدولية ، ففي أعقاب غزو الكويت ومشاهدته المنطقة من أحداث وهو الذي له في الكويت أصحاب وأحباب وله ذكريات جميلة سجلها في قصائده المغناة ، ونراه حانقا مزمجرا إذ يقول في إحدى مساجلاته :ـ
باجعاله استهون دفيقه **** جالها بالصواريخ من كل شق
ليش تعقد بأختك الشقيقه* أنت من الفرس أو أخوالك البنيان

وهو يحفظ للكويت مواقفها الخالدة تجاه شعبه ووطنه ، وكل تهديد للكويت إنما هو تهديد لاستقرار بلاده وامن أبناء جلدته ، فالمعادلة في أبياته السابقة تقول ( باجعاله = صدام) ( دفيقه = الكويت) ودفيقة هي ضاحية صغيرة من ضواحي الشحر ، كذلك نراه يواري في قصيدته( ليش يوعد) إذ يقول :ـ

اذكرونا ياآل وادي عمر ** واعذرونا كان شي قد قصر
الزمن شيب برأسي ** والكوارث والمـــــآســـــي
والفتن لي مالها حـــــــد
ناقوي بالله وعندي حذر ** إنما نا في الحقيقة بشـــــــــر
من غثاء وقتي نقاســـي ** مامعي شي قلب قاســــــــي
يحتمل ذا الهجر والصد
العواذل جروا الحبل جر ** وقفونا في مكان الخطـــــــر
كلما شديت بأسى ** يوم أو قويت ســـاســـــــــي
غصب يبغونا مهـــــدد
عاالحواسد الله اكـــــــبر ** يبسوا الضرع الذي هو يـدر
عاد هوذا اللي يواسي ** والبقية الا عـــــراســــــي
مايجين في قبضة اليد.

نعم أن آل وادي عمر ماهم الا أهل الكويت في هذه القصيدة الرمزية المعبرة التي أنشأها عقب أحداث الخليج .
أما ديوانه الثاني (أشجان العشاق) فقد قدم له صديقنا الكاتب رياض عوض باشراحيل وكانت مقدمته دراسة لملامح المحضار وبيان لأغراضه الشعرية ، ومما تناوله بأسهاب قضية التجديد في شعر المحضار وهي نقطة جديرة بالاهتمام والمناقشة ، إذ أن هذا التطور الطبيعي يواكب مسيرة المحضار الشعرية ولا سيما وهو يتبوأ مكانة سامية في مجال الشعر على مستوى الوطن العربي الذي شهد له بالنبوغ فيه ، هذا المعنى يؤكده الأستاذ رياض بقوله ( وبأمعان النظر في قصائد المحضار ومقطوعات هذا الديوان تتجلى لنا العديد من سمات التجديد للشاعر 00فقد جدد المحضار في إطار شعره الخاص وجدد في إطار الشعر بصفة عامة وبنظرة كلية إلى شعر المحضار ، القديم منه والحديث ، نجد أن الاتجاه الإنساني الذي يعبر عن المجتمع والناس وغايات السعادة في الحياة تتجلى بوضوح في أشعاره الحديثة ، فبينما كان المحضار في أشعاره الأولى يتغنى بقلبه ولو أعج نفسه ومشاعره الخاصة أضحت جل أشعاره في هذا الديوان مرآة صادقة للحياة العامة وتعبيرا أمينا عن بيئته وواقعه وقضايا شعبه تجلت فيها آراؤه الصائبة في الحياة وظهرت فيها شخصية جلية وبرزت بصماته واضحة ) .
وقضية التجديد في شعر المحضار وسبك الصورة الفنية الرائعة ينطق بها الديوان بما يؤكد هذه الظاهرة الخصبة في شعره ، وللغزل نصيب لاباس به خلال هذه الصفحات الوجيزة ، ولنقف معا على بعض أبياته التي تنبؤنا بمكنون فنه ، وما أجمل هذه الصورة التي يقول فيها :ـ
ياذي الشموس التي دائم علي تشرق
ولا تؤثر على جسمي ولا تحــــــــرق
واشعر لقلبي إليها ألف رغبة وميل .

أن هذه الشموس التي لا تحرق ولا تؤذي إنما هي وجوه الجميلات الحسان اللواتي أعدن الشاعر الى أيام شبابه وسنين العشق والهوى ، وفي ساعة ترقب وصول محبوبه وأطلاله عليه وهو ينشدنا :ـ
يابدر ذا حلك أترقب حضورك
يالله متى قلي باتسطع بنورك
ماينجلي همي الا من ظهـــورك
شفني على ضوءك مهما سرت باسير.

هذا ما أحببنا أن نكتبه من وحي ديواني المحضار ، وليهنا بهما عشاق شعره وفنه الرفيع .
التوقيع :
وماتوفيقي الا بالله

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس