[سالم علي الجرو]

خير البر عاجله

ترفق يا بني بالأب العجوز فإن الشيخ قد ضعفت قواه.
لو نظرت إلى مولود للتو لتخيلت أنك كنت مثله يتناولانك الأبوان حتى كبرت ، فلم لا تفكّر بأنك ستكون أب وعندها ستبكي من ابنك إن لم يبر فيك ، وخير البر عاجله.
***
قبل أكثر من قرن من الزمان شوهد الحضرمي في نجد والحجاز يبتغي فضل من الله وفوائد خمس ، منها: صحبة ماجد وفضل وآداب ، وقد تحققت في هذه البلاد الطيبة . لم يغامر عندما حطّ الرحال وأتى بفلذة أكباده يتعلمون هنا، فهو الآمن المطمئن وقد ودّع ابنته في رباط مقدس رغبة وحبا في ابن هذا البلد.
السابقون منهم من رحل عن دنيانا ومنهم من لا يزال يتذكر صباه في نجد والحجاز وهو على عكّاز بالكاد يرى عمارة على بعد خمسين متر .
لما تمر خمسون سنة على جار مقيم في بلاد حباها الله بأطهر وأقدس مكان في العالم ثم يشاهد أبناءه وأحفاده وهم لا يعرفون بلاد غير هذه البلاد السخية المعطاءة ، لا يتوقع أن تتجدد ذكريات كمبالا ، ولكنه ينتظر لفتة يحسبها في منزلة البر ، وخير البر عاجله.
***
ليس يأس وإنما هي وقفة قد يصفها أحفادنا عندما يقرؤون التاريخ ـ وهذا محل شك ـ بالوقفة المتأخرة الشجاعة لأجدادهم المحترمين.........
ماضينا نزيف وجروح دامية وحاضرنا نتيجة لماضينا ولن يكون مستقبلنا إلا نتيجة لحاضرنا.
قاتل الفرد بالأمس ، قاتل ، يصفونه بالمجرم ، وقاتل الملايين اليوم ليس قاتل وإنما محرر ، يناصر حقوق الإنسان.
قاتل الأمس تنفر منه الناس ، وقاتل اليوم تتقرب إليه ، ويأتي جرير الزمان تزلفا يطمع في كسوة واقية ، فيقول:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكمو = وتذنبون فنأتيكم ونعتذرُ

ما يقرب من عقود ستّة مضت أثبتنا خلالها عجزنا وأوصاف أخرى يعلمها ذوي البصائر ، وإذا ما تعمقنا في الأسباب فسندخل في الشتم والسباب ، وفي جميع الأحوال لن نجد غير مظالم خلفها رجال ظالمون ، ومن الخطايا الذهاب بما تبقى من قدرات وطاقات إلى حوارات عقيمة وتحالفات مؤذية لن تؤرث غير الضغائن.
الذين يناصرون إسرائيل أقوياء يقفون على المحابس ، سموا أنفسهم: ( المجتمع الدولي ) ، ويعلمون أن الحق مع العرب ، لكنهم ماضون في ظلمهم ، والعرب يعلمون جميعا أنهم أصحاب حق لكنهم منقسمون ، وقبل أن يقسمون ندعو إلى البر ، ومن البر إيقاف النزيف في:
العراق ـ فلسطين ـ أفغانستان ـ الصومال . من البر السلام ، أي والله السلام........
السلام مع أنفسنا ... السلام مع بعضنا ... السلام مع الآخرين قبل أن يأتي يوم نسلم فيه سلام الإدبار على ديار تحت مراقبة الإقمار ، وخير البرّ عاجله.