عرض مشاركة واحدة
قديم 01-24-2004, 11:59 AM   #7
باشراحيل
مشرف قسم الأدب والفن ورئيس لجنة المسابقة الشعر يه

افتراضي

نابغة حضرموت الغنائية وشمسها التي لن تغيب

( بدوي زبير ) إنساناً وفنانا(3-3)

سعة الأفق ورحابة المعرفة
لقد انفق مطربنا الزبير - يرحمه الله- أوقاتاً طويلة من حياته الثمينة في التنقل بين ساحل ووادي حضرموت احتراماً لفنه وسعياً لأداء رسالته الغنائية.. وان آماله الواسعة وهمته العالية كانتا كالوقود الذي أشعل جذوة عطاؤه الفني وجعله يتغلب على ظروف بيئته الصعبة في مدينة (شبام) لينطلق إلى آفاق رحبة في مناطق حضرموت ووطنه اليمني الكبير, ان تلك الرحلات والاسفار الكثيرة لم تفد فناننا من الناحية المادية في حياته بدليل معيشته البسيطة ورحيله دون ان يترك شيئاً يذكر, ولكنها ستفيده دون شك في ميازين آخرته بإذن الله تعالى .. بيد انه احرز من وراء تلك الرحلات في حياته سعة الأفق ورحابة المعرفة وادراكاً لمناحي الحياة المتعدده والتي انعكست في ثروته الفنية وتناوله الحضاري لأغنياته ولتراثه المعطاء .. واستطاع بذلك أن يظهر قدراته ويبرز مواهبه الفنية حتى أضحى بصمة غنائية متميزة وعلماً بارزاً من الأعلام الفنية في وطنه.

اخلاقه وشمائله
وعند الاقتراب من شخصية الفقيد بدوي زبير الإنسان (يرحمه الله) نجده قد انجب من اسرة بسيطة يحف بها الشظف والضنك من كل جانب , وعاش فترات من حياته في مدينته التاريخية " شبام " يتجرع مرارة العسروالبؤس فألتأم في نفسه بؤسه ببؤس الضعفاء من امته في شبام فنبذ البؤس والعسر والشدة وآثر ان يعمل جهد طاقته كي لايرى الضيق والقتامة التي تنجم عن ثالوث البؤس في غيره من اقربائه وجيرانه وحتى من لايعرفهم , لذلك نجد صفاء النفس وروح التسامح والأيثار هي من أبرز شمائله وصفاته وان الابتسامة التي لا تفارق شفتيه والبساطة والتواضع هي من قيمه واخلاقه البارزة في شخصيته , وان تلك القيم والأخلاق انما تنم عن نفس فطرت على الصدق وحب الناس وطرح الدواء على آلامهم , وعلى اسقاط الحواجز النفسية التي قد يتصورها البعض عند التعامل مع مطرب كبير في منزلته و مكانته .. فقد عرف عنه مشاركته أفراح ذوي الحاجة وضيق ذات اليد ولو من غيرحقوق أو أجر , وهو لا يتكلف هذه السجية ولكنه يتصرف بما يمليه عليه طبعه وفطرته التي جبل عليها وبطرافته ودعابته وبساطته يضفي على الموقف شيء من البر الحقيقي والاحسان الصادق ذلك مما يؤكد أنه كان (يرحمه الله) يتمتع ببصر كاشف وبصيرة حية , وينظر إلى الحياة نظرة بسيطة متفائلة ولكنها عميقة , فبادلته حباً بحب وسمواً بسمو وعطاء بخلود.
لقد رسم (بدوي الزبير) بصماته حية في آفاق الأغنية الحضرمية واليمنية وضرب بسهم وافر في تطوير وانتشار فنه الغنائي وساهم في أفراح وطنه وابتهاجاته بمناسباته الوطنية ومهرجاناته الثقافية وكان آخرها مهرجان الأغنية الحضرمية . ولمطربنا الزبير أدوار لا تنسى تجلت في تمثيل فنه الغنائي اليمني في المحافل العربية والدولية كتمثيله اليمن في ليبيا واثيوبا عام 1982م ورحلته الى المانيا التي سجل فيها للتلفزيون الألماني ثلاث اغنيات , وكانت آخرها رحلاته ضمن وفود وطنه الفنية إلى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
رحيل عبقري
لقد أحب فناننا مدينته ومسقط رأسه شبام حبا جما, كما أحب الشحر حباً متميزاً لذا فلاعجب في ان يغادر مطربنا القدير دنياه ويلقى ربه في الفضاء بين الشحر وشبام اللاتي احبهما واستودعهما قلبه ووجدانه وذلك في حادث اليم اودى بحياته يوم 18/12/2000م , فصعدت روحه الى بارئها في مسافة لاتزيد عن عشرة شهور وثلاثة عشر يوماً لرحيل صديقه الشاعر المحضار , لذلك فإن رحيل هذا الفنان المتميز لايخلو من دلالات عبقرية وهو دون شك يعد خسارة كبيرة على الأغنية اليمنية.
رحم الله فقيدنا وتغمده بواسع غفرانه .. فقد رحل عن دنيانا رجل طيب القلب, صاحب اياد بيضاء , رددت صدى أنغامه العذبة وديان حضرموت وسواحلها وجبال اليمن وسهولها , ولهجت بذكره الألسن وتغنت بأنغامه القلوب , وسيقف التاريخ طويلاعند هذه النابغة الفنية.. لقد ختم مطربنا الزبير حياته بعد ان ترك بصماته في كل قلب من قلوب الذين احبوا فنه وصوته وترك خلفه قصة كفاح شريفة حقق فيها انجازات فنية وانسانية عظيمة ..
واليوم وقد رحل عنا (جوهرة الطرب) فإن روحه التي تجوهرت في إبداعه لم ترحل بل اصبحت ديواناً من الفن الخالد واصلت تأثيرها داخل و خارج الأسوار .. وخلود فن هذا النابغة ليس بسبب صوته الجميل او فنه الآسر فحسب , ولكن كتب له الخلود إضافة الى ذلك لأنه فتح في غنائه دروباً للتاريخ بما يندرج فيه من تراث وطني عريق شامل من كل بقعة من بقاع وطنه اليمني لم يفقهه قبله مطرب في بلاده من ابناء جيله في هذا العصر.
ومنذ رحيله والى اليوم وحتى قبل ذلك لم أجد ابداً من ينطق بكلمة سوء ولن نجد من ينطق بها مستقبلاً في رجل عاش لفنه ولتراثه ولوطنه وأمته ومات وهو مظلوم من حق التكريم الوطني اللائق بمكانته وغادرنا وهو يردد لجماهيره و لكل الذين احبوه واحبوا فنه (وداعاً ياسموات الأحبة وداعاً ..وداعاً بعد نكران الأحبة وداعاً ) لقد ودعنا بعد ان نكرناه بينما هو لم ينكر أحد ..عليه رحمة الله .. عليه رحمة الله وستظل ذكراه العاطرة خالدة في نفوسنا وستظل السنتنا تلهج بذكره صباح مساء .. فقد سجل اسمه (جوهرة الطرب بدوي زبير) بأحرف من نور في ذكراة وتراث وتاريخ أغنيته ووطنه اليمني كله.
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس