حضرموت على مرمى حجر
التاريخ: الأربعاء 19 مارس 2008
أكرم أحمد باشكيل
حضرموت نيوز/ خاص
في الجغرافيا تدرس الأمكنة كما هي مكانياً ، وتختلف دراستها تاريخياً من حيث النشأة والنشاط البشري فيها ،كما تتماثل أو تتباين في المواقف سياسياً من حيث علاقتها بالآخر ... كل ذلك يحرك في جوهر العلاقة بين الإنسان والمكان كوامن عدة تسحب معها بساط الريادة عن الفعل المميز من خلال فقه الموقف السياسي الذي تعتريه غالباً الضبابية ، وبالتالي تحجب الرؤية عند صناع القرار، فتأتي المواقف كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معاني .
حضرموت الجغرافيا والتاريخ بقيت صامدة في ظلال المسمى لآلاف السنين التي خلت لكنها فقدت بريق الجغرافيا ونكهة التاريخ الأصيل ، ومع كل ذلك ظلت كما هي حضرموت تلقي بظلالها على نحو هذا البريق وتلك النكهة التي حيرت ديمومتها كل الباحثين ، كما أفزعت في الاحتفاظ بها كل العابثين بهذه الجوهرة النادرة في جزيرة العرب . وكما هي الجغرافيا والتاريخ فان السياسة التي عبثت كثيراً بهذه الجوهرة إلا أنها بقيت بكل ما أصابها منها تقاوم غلوها وسطوتها عليها ، وهي تدرك تماماً
أن هناك سر ستبقى تحتفظ به حتى لو أن كل عواصف السياسة اجتاحتها فامكن منها كل شيء إلا سر البقاء فيها . وهي في المعادلة السياسية لمجريات الأحداث تكون الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه عند الحل بلغة المعادلات الحسابية المركبة والبسيطة .
أن استحضار التاريخ بحلقات أحداثه المتسلسلة تسعفني الذاكرة بكثير من الشواهد الدالة على عظمة المسمى الذي يُصْهـِر ولا يُصْهـَر ، بدءاً بتوحده مع الدول في التاريخ القديم وانتهاءاً باخواننا في دولة الجنوب الذي أعرّب أحد مهندسي النظام الحالي ( الارياني ) بأن إذا كان ثمة فضل للجبهة القومية فهو ضم حضرموت إلى حظيرة اليمن على اعتبار أن حضرموت ليست يمنية كما يعتقد ، رغم أن اليمن كمسمى أطلق قديماً جهوياً ليس إلا... وما ذاك منا ببعيد .
وهكذا نجدها اليوم تظل حضرموت في دائرة الاستهداف ضمن التبدلات السياسية ، وهي عصية كما هي دوماً على الجغرافيا والتاريخ أن تتبدل ، ويحاول البعض جاهداً أن يغير جغرافيتها وصولاً به إلى طمس معالم المسمى أي التاريخ منذ عام 1997م بعد نشوة الانتصار للأخوة الأعداء في حرب صيف 1994م ومحاولة تقسيم بدائي لحضرموت وإعلان انفصالها عن بعضها وادياً وساحلاً ، ومع المد الشعبي الفعلي المقاوم وتحت الممانعة القوية تراجع وقتها النظام عن مشروع الانفصال لحضرموت بينما هو قد قاتل ضد مشروع الانفصال للجنوب وهي مفارقة عجيبة ، شعر النظام متأخراً أن ذلك يسقط ذريعته في حربه ضد شريكه في الوحدة 1990م فآثر الانفصال الخفي لحضرموت عن انفصالها المعلن عن شكل محافظتين ذات مسميين الهدف الأساسي منه أخفاء ذلك الاسم "حضرموت" الذي ظل يؤرقهم تاريخياً منذ نكستهم الأولى في ظل غزوهم لحضرموت .
رغم كل تلك القراءات التاريخية ظل أبناء حضرموت في توجهاتهم وثقافتهم المعرفية وارثهم الحضاري يتصرفون من وحي كونهم عالمي الفكرة والفطرة لا يسعون لمشروع ضيق في بناء ذواتهم وهو بقدر ماهو في النظرة راقياً ثقافياً شيء ايجابي لهم ولكنهم في التقدير المصلحي الآني يحسب عليهم ،أنه أحد سلبياتهم فهم في الأحوال بأتكائهم على موروثات خصوصيتهم يتدافعون نحوها وان جلبت لهم في كثير من الأحوال والأحيان الويلات سواء في أوطانهم أو في الأقطار التي انتشروا فيها وكونوا لهم سلطة روحية واقتصادية ولم تجعلهم - بهذه النظرة المهيمنة عليهم – أن ترتقي إلى السلطة السياسية وأن كانوا قادرين عليها وجديرين بها فكانوا مبعث وحدة أوطان شتى في أصقاع الدنيا من جنوب شرق آسيا إلى جنوب شرق أفريقيا إلى الخليج العربي هذا في العصر الحديث ناهيك عن ماهو قبلاً في العصر الوسيط والقديم .
اليوم تطل من جديد فكرة تقسيم حضرموت من خلال إعادة رسم الجغرافيا بمعالمها الجيوسياسية ، فيها من الغباء والتنذر السياسي ماهو مبعث للسخرية والاشمئزاز ، ربما ما بعثه راسمو السياسة من إشارات في بعض الصحف وآخرها صحيفة إيلاف الأسبوعية في عددها (27) الصادر بتاريخ 26فبراير2008م .
أنه جس نبض أو محاولة للفت الأنظار وتحويلها فيما هو حاصل من حراك سياسي في الجنوب والذي تلعب فيه حضرموت الدور الجوهري في ادارة دفة هذا الحراك السلمي بما تمتلكه من خلال المشروع الفدرالي المطروح كبديل لما هو حاصل ، وعليه فأن سباق الزمن يقتضي من وجهة نظر صناع القرار وراسمي السياسة في نظام الحكم الحالي أن يتم ذلك حتى بقطع الحبل السري مع جنين الدولة الفدرالية المصغرة ذات المكونات الاقتصادية والبشرية ناهيك عن السياسية في نجاح التجربة .
بين الوحدة والانفصال ستظل حضرموت المعادل الموضوعي الأساسي في اللعبة التي يلعبها صانعو القرار في الوقت الضائع بعد خروج الجمهور من المدرجات وليؤكدوا أن اللعبة قد انتهت وان النتيجة لا يمكن إن يغيرها الحكم مهما أوتى من سر سحرة فرعون في إدارة الصراع بين الحق والباطل وتظل حضرموت موحدة في ذاتها وتأبى الانفصال في مكونها العام وستظل تمد جسور الوحدة مع غيرها كما مدتها من قبل ، وضحت في سبيلها بشرذمة أبنائها في المهاجر ، متمثلة في ذلك منهجها الدؤوب نحو عالميتها ولا تزال تدافع عن مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة وتناضل في سبيله من خلال أطار القضية الجنوبية أو في أطار آخر تتبلور فيه أسس هذا المشروع . فهل بعد كل هذه السنين التي تعاملوا معها ومع تاريخها لم يدركوا حقيقة حضرموت ..!!؟
نُسخت هذه المادة من حضرموت نيوز