والى جانب أغاني الحب والغزل نجد أن هناك أنواعا أخرى شائعة مثل أشعار الحماسة والفروسية والاجتماع والفخر وكمثال على أشعار الفخر هذه الأبيات :
والقبوله ما تصلح الاّ عند بن خالد عمـر ....... لي عامد الحول والغرفه ومثوى بامتين (30)
يقول بن هاشم ( تحتوي أغاني الدان على ألحان تمتاز بالقوة وقد ظهرت مؤخرا في الأوساط الحضرمية ، الحان يعشقها الشباب من الجنسين وأصبحت أداة تعبير عن العواطف والحب ووسيلة للتغريد بتباريح العشق والغرام وآهات العواطف ، وليس لأشعار الدان أوزان مستقرة مألوفة كما هو المعهود في غيره من الألحان ، ويبدأ صاحب اللحن بالتلحين مهمهما في البداية ثم يأتي دور الشاعر ليضع الكلمات ومن هنا اصبح شعر الدان قريبا من الشعر المنثور ) .
وقد أشار جميع الرحالة إلى الدندنة ويعتبر لاندبرج أكثر هؤلاء الرحالة (31) اهتماما بموضوع الدان في الأدب الشعبي وكتب مقالة طويلة حول هذا الموضوع ، وكمثال على الدواعي والمناسبات التي يغنى بها الدان ، نقتبس حرفيا الفقرة الآتية المنقولة عن رحيـّم ( عنــدما يجتمع جماعــة من قبـائـل الجـبال وهم البـاديـة يجـلسـون على شكـل دائرة ويبدأ أحـدهم في الدندنـة متشاغلا بلحن معين حتى يبدو عليهم الانسجام فيشاركه الآخرون بالدان ويهيئون أنفسـهم للغـناء وعندمـا تعلوا الأصوات ويسمعها الآخرون أفراد القبيلة فيبدءون بالتجمع واحـدا فواحـدا(32) فتتبعهم النساء في الانضمام إليهم أيضا ، ( فيشترحون ويزملون ) مصفقين بأيديهم توقيعا على الغناء بالـدان ( دان يادانـه ) ، ثم يأتي الشعراء من القبيلة وعندما يكون في لحظة الانسجام والاستثارة يبدأ بنظم قصيدة أو أبيات من الشعر كالأبيات التي سنوردها أدناه وعندما يكون هناك جماعة من الشعراء فقد يتتابع الشعر وغالبا ما يقتصر البدو على غناء مقطع واحد من الشعر طوال الليل كما يلي :
دا نـا دان يــا دانــا يــا دا ني دا نـا دانــا ......... هـب الـنـود بـعد الحـر
دا نــا دان يــا دانــا يــا داني دانــا دانــا ............. هب النـود بـعد الحـر
سعديه سرت تسمر للشـبـان تتمـختــر ............... هب النـود بعـد الحـر
دانـا دان يــا دانــا يا داني دانــا دانــا .............. هب الـنود بعـد الـحـر
سعديه كما البيضه مقروشه وسطها أصفر ...... هب الـنود بعـد الحـر
وكما يقول محمد سعيد الأصبحي (33) انه يبدو أن هناك نوعا من القياس المستعمل في اليمن يشبه نوعا ما هذه المقاطع من الدان: ( دا - يا - ني - با- بالي - لا - لي ) وقد جعل ذلك المقياس مطابقا للمقياس الموسيقي الأوربي ( دو- ري- مي - فا- صول - لا- مي ) ، ثم يقول أن بعض القبائل تقتصر على استعمال المقياس التالي: ( يا- دا- ني - لا - لي ) أو ( با لي - لا- ) أو (بال - با - لي ).
وسيكون من المفيد مناقشة ومدارسة الموسيقيين اليمنيين حول ماسبق ذكره وإيراده ، وعلى كل حال فأن أسم ال ( بالي - بال ) أو ( البال - بال ) قد ورد عن بامخرمه في تاريخ ( ثغر عدن ) ، أشار إلى نوع من الشعر له ميزان وبحر محدد ، وقد نقل مثالا ينظم على هذا الوزن بشكله الصحيح في العربية الدارجة وهي قصيدة في مدح عبد الرحمن بن راشد وقد نظمت في حوالي النصف الأخير من القرن السادس الهجري وهي متماثلة ومشابهة جدا في الأسلوب الشعري والعاطفة لكثير من القصائد التي طبعناها في هذا المجلد وصاحب هذه القصيدة شاعر من عدن أقام في الشحر.
غناء والحان (بني مغراه )
يقول بن هاشم ( يعتبر هذا النوع من الغناء من بين أقدم الأغاني في حضرموت والغرض الأساسي من قصائد بني مغراه هو إثارة حماس القناصة ورجال الطرد والمطاردة وأكثرها قصائد تقال وتغنى في ( الـوعـل ) والافتخار باصطياده و( المغراه ) هي كلاب خاصة تدرب على الصيد وتمارسه وأبناؤها ( بني ) وهم القناصة أما اخواتها فهي القصائد المغنـاة في المسـامرات المسـائية ، بالحان وأصوات خشنه يغنيها الرجال منفصلين عن النساء وأشعار بني مغراه تتناول مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية كالغزل والصيد والسياسة وغيرذلك.
وفي الرقصة المسماة ( بني مغراه ) يأتي اثنان أوأربعـة رجال ويرقصـون في وسط الدائرة ويقف في جانب من الدائرة المغني بالمرواس والرقصة شبيهة برقصة الريض، ولكن الراقصين في بني مغراه يحملون العصا أو الجنبية . وقصائد بني مغراه تمثلها القصيدتان رقم 12و15 من هذا المجلد ويمكن التمثيل بهذا المقطع : المقطع (ص173) المقطع رقم (9).
بني مغـراه بوشيخ بات الليــل مشـتـق
وعـال النـوم لمـّا مثــار الديــك لــزرق
وأنا وديت قبل العول في الجول بادحـق
خدانا الحذق والمخ في السـاقين قدرق
وبندقي الفرنجي على راســـي معلـــق
إذا أمليت النظـــر فـيـه بالعبره تخـنق
وكمثال على الشعر السياسي يعرف لنا بن هاشم الأبيات التي يخص الشاعر فيها عبد القوي بن غرامه ( رئيس القطاع اليافعي في تريم في 1263هجريه ).
وكمثال على الشعر العاطفي من هذا الضرب المقطع رقم (12) وأيضا القصيدة الدينية (الموشح رقم 13 ).
ومن خصائص قصائد بني ( مغراه ) والتي لم يشر إليها بن هاشم ، هي أنها جميعها من بحر واحد ، ويمكن إثبات ماأورده بن هاشم عن قدم أسلوب قصائد (بني مغراه) بالرجوع إلى ديوان ( أبي نواس ) في القسم الخاص بقصائد الطرد أوالصيد ، والكثير من تلك القصائد في ديوانه تبدأ بعبارة ( أنعت كلبا أو أعددت كلبا ) بالرغم من أن مواضيع تلك القصائد تشير إلى حيوانات أخرى غير الكلاب ومن الصعوبة بمكان أن نشك في الرجوع بهذه القصائد إلى اصل أقدم من هذه الفترة .
السهرات الغنائية بالعود والكمنجة
يؤكد بن هاشم بأن أنغام العود في حضرموت شبيهة بأنغامها في اليمن والكويت(*) وكذلك تغنى بعض قصائد ( يحي عمر وهو شاعر توفى بالهند . ) على اللحن الصنعاني وكذلك على الموسيقى والأنغام الهندية وتحتوي قصيدة يحي عمر ( رقم 22 ) في هذا المجلد على عدد من الكلمات والتعابير الهندية)، وهناك شاعر آخر أشار إليه بن هاشم واحتمال أن يكون يافعيا أيضا، يجري على نفس منوال يحي عمر وهو الشاعر حسين زايد .
الشـَّـبواني
وصف لاندبرج (35) هذه الرقصة الجماعية وصفا مفصلا ،أما بن هاشم فيقول: ( انهم يرتجزون بمعنى انهم يغنون ببحر الرجز ، ولكن الشبواني الذي سجله لاندبرج ببحر البسيط مما يجعلنا لانشك ان هذا المصطلح قد أستعمل بشيء من التسامح والمرونة ليشمل الاثنين معا . أما سكيني( Skene ) فيقرر أن ( المكلاويين ) في شرق أفريقيا يرقصون رقصة الشبواني ، وتعتبر المكلا هذه الأيام هي المركز الرئيسي لهذه الرقصة ، وقد شاهدتها مرارا في الهواء الطلق ( في ملتقى شبه الجزيرة اليابسة ) وقد أطلقنا على المكان لقب (ميدان بيكادلي )، لوجود سارية منقوشة قائمة في وسط المكان (* ).
والشبواني في الأساس هي رقصة الحضر ( من القرويين وأهل الحرف) والتجار والفلاحين والصيادين وجميع سكان ( الحارات ) والجدير بالذكر أن رقصة الشبواني وأغانيها مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة الحي ( الحارة ) إذ أن أغلب المدن الواسعة تنقسم إلى عدد من (الأحياء - الحارات) ولكل تنظيمه المستقل (36) ، وفي كل حي هناك رئيسان ( أبوان ) أحدهم ( أب ) للحضر والآخر ( أب ) للمزارعين والعاملين في البناء (الطين ) (37) ، لأنه في مدينة كبيرة كتريم أو سيئون يوجد الكثير من المزارع خارج أسوار المدينة ، ولكل ( حارة ) حدودها التي لا يجوز لغير سكانها عبورها بمواكب الاحتفالات الرسمية كالحفلات والصيد والشعائر الدينية، وباختصار عندما يقوم الحي بأي عمل جماعي يساعد كل أفراد الحي بعضهم البعض وبدون أجر في حالة ( غريق، حريق، انهيار بيت...... الخ ) أو أي مصاب آخر ، فأن جميع أفراد الحارة يهبون للنجده ، واذا هوجم أحد أفراد الحي من أحد أفراد الحارة الأخرى فأن جميع أفراد حارته يهبون للنجده ، وعندما تنطلق صرخة( يا حريقاه.. ياحريقاه ) معلنة حدوث مصيبة ( ما ) ، يهب حوالي مائة من الحي يحمل كل منهم ( صفيحة ) وتكون صرخة النجدة عادة بالعبارة القديمة المعروفة ( لبيك ..لبيك ) ويكون الجواب ( يامرحيب ..يا مرحيب ). وفي وقت الزواج يقوم أهل الحي بجميع الخدمات المتعلقة بالمناسبة بعد ان يبلغ صاحب الزواج ( أب الحارة) بموعد زواج ابنه ويقدم التفاصيل المتعلقة بعدد الضيوف المدعوين وعدد الذبائح ويتطلب مائة من المدعوين حوالي ثلاثة من ( الخرفان ) و( قهاول من الأرز ) ويأتي رئيس الحارة للتأكد من استكمال التحضيرات وكفاية كميات المؤن والطعام، وفي يوم الزواج يكلف( أبو ) الحارة رجلين لذبح ذبيحة واحدة وكل شئ مرتب ومنظم حسب العادات والتقاليد في مثل هذه المناسبة.
فواجبات الزواج تشمل على نزح الماء وجمع الحطب وخدمة المدعوين أثناء الحفل والسمر، ويحصل ألذ باح على الرأس ( والكوارع ) أما الخدمات الأخرى فهي مجانية، بالرغم من أصحاب الزواج يعطي البعض أجرا زهيدا ، وما زاد من طعام الوليمة يأخذونه ( عمال النخل ) إلى بيوتهم ، وكل هذه الإجراءات تتم تحت أشراف( الأبو ) ولا يسمح لأي شخص من حي آخر أن يقوم أو يتدخل في هذه الإجراءات ماعدا حضورهم للزواج كضيوف بالطبع (38). ثم يستأنف الرقص والغناء مرة أخرى وفي ختام الرقصة يذهبون كما جاؤا الى رئيس الحارة لابداء الأحترام .
ويضرب الطبل أمام بيت رئيس الحي بحيث يتجمع لاعبوالشبواني ومن هناك يمشون في مسيرة أوموكب يتقدمهم ( الأبـو )الذي يكون مسئولا عن ترتيب صفوفهم وتوجيههم واعطائهم اشارة التحرك والوقوف ومسؤولا عن جميع الإجراءات التي ستقام ، حتى يصلوا إلى مكان فسيح فيجتمعون في دائرة عريضة يقف في وسطها ثلاثة أوأربعة من الشعراء ومعهم حوالي نفس العدد من المغنين فيرتجلون الأشعار ويتنافسون في سرعة الارتجال والبداهة ، وبالفعل ما أن ينتهي أحدهم من الكلام حتى يسارع الآخر بالإجابة ، وتتناول أغاني الشبواني مجريات الأحوال السياسية في حضرموت ثم ينقسم الراقصون إلى صفين متقابلين ويحيط بهم المتفرجون ،ويبقى الشعراء بين المتفرجين ويتناول الصفان أبياتا من الشعر كما نظمت ويغنونها بالحان مختلفة ويغني المغنيان وسط الصفين بينما يتجول الشعراء بين صف وآخر، ويرتجلون الشعر في حين يلزم كل واحد الصمت والسكون أثناء ذلك.
وعندما ينتهون أو يكتفي الشعراء يقف صف من الصفوف ثم يلعبون بحركات معينة في الرقص ويميلون يمينا ثم يسارا ، وعندما ينتهون من هذه الحركة يتقدم أفراد أحد الصفوف أمام الصف الآخر ويفكون الأيدي وينحنون عندما يصلون إليهم، ثم يعودون بنفس النظام السابق، ومايلبث الصف الآخر أن يقوم بنفس العمل السابق، ثم تؤدى الحركة من الصفين مرة أو مرتين على التوالي ثم يكونون دائرة عريضة مرة أخرى ويظهر الشعراء والمغنون .
___________________________________
الهوامش
(30) ( القبوله ) الشرف القبلي (31) لندبرج Gloss Dat موضوع الدان؛ قارن بماذكره Arabica.الجزء الثالث (32) يبدو أن الظهور المفاجئ للبدو من حيث لايتوقع المرء ظهورهم صفة غريبة ملازمة لهم، وهذا ما لمسه الكثير ممن زاروا بلاد العرب.
(33) كتاب ( سلالة قحطان )(عدن1941م) ج1ص56 اما ج2 لم يظهربعد.
34) لقد شاهدت واستمعت إلى كثير من (الشبوانية) العلاقة لهذا الاسم بشبوة طبعا كماذكر بعض الرحالة، كما أن قول لاندبرج(بأن الشبواني صفة مرتبطة بشبوه) قول رفضه الحضارمة فهم يقولون ان الصفة هي (شبوى) وليست شبواني ولم يورط لاندبرج نفسه بالطبع في حديث عن العلاقة بين شبوه والشبواني وليس هناك من سبب يجعل مثل هذه البلدة البعيدة نسبيا تعطي اسمها لرقصة حضرمية وانما جاء ذلك في السنوات الأخيرة بعد أن أحيطت هذه البلدة من الهالة السحرية التي أصبحت قليلةالأهمية في الفترة الإسلامية على الأقل، وهناك غناء للصيادين يسمى (سوبان) وسنناقش فيما بعد (الخيبعان) وكذلك (الهـّداني) ويبدوان هذه الألوان الغنائية تشترك في حروف تسميتها ب (آن) أو انا فأرى أن الجـذر لكلمة (شبواني) يمكن أن يكون ؛؛ شاب ؛؛ ؛؛يشوب؛؛ بمعنى يختلط اوشبا يشبو بمعنى ؛؛ يتجه نحو؛؛ إلا إن هناك . حاجة لمزيد من البحث لالقاء الضؤ على اشتقاق هذه الكلمة.
(35 Arabica) ( ) الجزء الثالث ص5.
36) لمعرفة أسماء المدن الحضرمية والأغاني والأهازيج والتناصير المرتبطة بها أنظر مقالي بعنوان أحياء تريم وتنا صيرهم عام 1950م Museon Lx111 ولمعرفة أحياء الشحر انظر موضوعات عن تاريخ جنوب الجزيرة .الموضوع رقم 4. (37) للإطلاع على بعض عوائد وتقاليد الأحياء انظر موضوع ( مقابر تريم ).
(*) الجابيه والتاج ( المترجم).
(38) يقوم أفراد الحي أيضا بواجبات معينة في تجهيز الميت ودفنه ويترك الأموات في بعض الأحيان مبالغ نقدية للصرف على وليمة لأهل الحارة تعرف (بالتقدوم) وإذا لم يترك شئ لمثل هذا الغرض فأن ورثته يقومون بذلك الصرف وإذا كان الميت فقيرا معدما فلا تعمل تلك الوليمة مطلقا، وطبقا لمعلومات مأخوده عن (مقدم بتريم) ( الأبو) ان الحاكم هو الذي ينصب رئيس الحي بدون(مرتب ) أو أجر وعندما يريد الحاكم أن يعلن خبرا يقوم الرئيس بإحضار أحد العبيد للضرب على الطبل كما هو معروف في جميع أنحاء جنوب الجزيرة عند إصدار أي إعلان بأي خبر فينتبه الجميع في الحي لذلك ، ومن الوظائف الهامة أيضا تصفية وتنظيف آبار الماء وهذه الآبار في تريم موقوفة على المساجد فلا يدفع الناس ثمنا للماء الذي يستعملونه في البيوت أو الزراعة، ويحتاج الأمر إلى إزالة أي شئ يسقط في البئر ويفسدها ويتكفل رئيس الحي بهذا فيجمع الرجال وعدّة العمل من( حبال للبئر وعجـلة وغرب) وغيره وكل المتطلبات التي تأتي مساهمة من (عيال الحافة) وكلها أشياء يوفرها أهل الحي بحيث يدفع كل منهم مساهمة صغيرة لتغطية النفقات .
.