01-17-2009, 01:44 AM
|
#8
|
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه
|
الأغلبية .. التوافق .. الصراع
16/01/2009
الدكتور، محمد عبدالملك المتوكل*
حاولت البحث عن خيار رابع فلم أجد سوى استمرار الوضع على ما هو عليه وبقاء الحال من المحال، والإصرار عليه يعني أننا قد اخترنا الصراع.. لقد وجدت الدعوة للحسم في الخيار الذي تتبناه القوى المحتكرة والقوى المتطلعة صدى طيبا، سواء مع من يؤيد طرح الموضوع الآن أو مع من يفضل تأجيله كالزميل علي الصراري تحت شعار "ما يفرعوا إلا بين متقاتلين" وفي رأيي أن الانتظار حتى يدخل الصراع مرحلة القتال قصر في النظر وإصرار على ألا نعترف أن أمامنا جداراً حتى ندق رؤوسنا فيه.. وألا نستشعر مخاطر السقوط في الهاوية حتى نسقط.
الزميل علي سيف حسن يرى أن كل فريق قد حدد طريقه.. فالمؤتمر يدخل الانتخابات ليتنافس الحصان مع ذيله، والمشترك بشمسه وهلاله ومنجله يسير في فلك التشاور المشحون بالحرمان والتحفز. وبذلك يكون الزميل علي سيف قد حبذ خيار الصراع، لأن الأطراف المعنية تسير في الاتجاه المعاكس إلى حيث يلتقي الجمعان في معركة داحس والغبراء.. فالمتطلعون سوف يتجهون إلى التشاور الذي يعني التعبئة الجماهيرية والتعبئة الجماهيرية تعني الشارع.. والشارع في نظر المحتكرين من حق الجيش والأمن والرصاص الحي.
الصديق المناضل حاتم أبو حاتم كان غاضبا لطرح الموضوع، لأنه سوف يشكل تشويشا على قرار المشترك اللجوء إلى الجماهير بديلا عن حوار الطرشان. وبعد نقاش -شارك فيه الدكتور عبده علي عثمان- وافق العزيز على ديمقراطية التوافق شريطة الثلث الضامن على مستوى كل المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية وتحييد القوات المسلحة، وعلى أن يرتكز التوافق على برنامج إصلاح شامل. العزيز سلطان السامعي عبر عن ارتياحه لفكرة ديمقراطية التوافق.. لكنه حصر المشكلة في إرضاء الرئيس عن طريق تصغير العداء مقابل إعطاء فرصة للمشاركة وبناء الدولة الحديثة.. الكاتب القدير منير الماوري - الذي أتمنى أن يكمل رأيه- أبدى ارتياحه لفكرة التوافق لكنه متشائم من قدرة محتكري السلطة والثروة على إدراك المتغيرات في ظل معارضة لا تزال رخوة والحاكمون في رأيه لا يؤمنون إلا بالمثل اليمني "ادكمه يعرفك".
الزميل مصطفى راجح عبر عن حماسه للفكرة ويرى أنها بحاجة إلى بلورة ولقاء حواري.. ويشاركه في الحاجة إلى بلورة الفكرة الصحفي اللامع عبده بورجي والذي يسأل عن آلية العمل.
المؤتمر الشعبي عن طريق الدائرة الإعلامية عبر عن قبوله المبدئي للفكرة لكنه عبر عن ذلك بأسلوب سلطوي لا حواري، فقد دعا إلى أن نقدم إليه الفكرة بتفاصيلها لكي يدرسها وكأن الآخرين يقدمون له مراجعة أو شكوى وفي نفس الوقت الذي يدعو المؤتمر الدكتور ياسين سعيد نعمان لكي يقدم تصورات يؤكد على الشراكة التي تفرزها صناديق الاقتراع وهو بهذا قد حدد خياره وهو أفضل الخيارات.. لكن مشكلة المؤتمر الشعبي أنه يريدك أن تنجم له ولكن نجمه الأسد.. يدعو إلى الاحتكام إلى الأغلبية ويعمل على التحكم في طريقة خيارها وهو بهذا يكون قد اختار خيار الصراع. ولكل خيار استحقاقه وثمنه.
المشكلة الأساسية في طريق التوافق أن القوى المتطلعة قد فقدت الثقة في مصداقية مراكز القوى السلطوية. ولم يأت ضيق بعضها من طرح فكرة التوافق من فراغ، وإنما جاء كنتيجة لتجارب مريرة في عدم مصداقية الطرف الآخر. واختيار ديمقراطية التوافق بحاجة ماسة إلى دعم ثقة الطرف المتطلع في جدية مراكز القوى السلطوية في الوصول إلى توافق حقيقي على برنامج وطني لإصلاح يشترك الطرفان في تنفيذه خلال مرحلة زمنية معينة، يصل الوطن فيها إلى بر السلامة حيث يقبل الجميع -برضا وقناعة- بديمقراطية الأغلبية ودون خوف من نتائجها على سلامة وحق أي طرف من أطرافها.
الخطوة الأولى للدخول إلى الديمقراطية التوافقية هو خلق مناخ يساعد على دعم الثقة وهذه مسئولية النخبة الحاكمة بالدرجة الأولى، لأنها من يحتكر السلطة والثروة، وهذه الخطوة لن تتحقق إلا إذا ترسخ في وجدان وعقل ونفس صناع القرار داخل مراكز القوى السلطوية أن زمن الفهلوة قد انتهى وأن الأولاد قد كبرت، وأن الوطن قد اتسع وأن الناس قد تعلمت وفهمت، وأن الحراك الاجتماعي ينمو بسرعة لا يتسع له ترغيب، ولا ينفع معه ترهيب ولا تضليل.. الإرادة الصادقة في التوافق هي النجاة من خيار الصراع.
مشكلة الكثير من مراكز القوى السلطوية في الدول النامية أنها تتكلس على سلوك معين نجحت فيه خلال مراحل مرت وعجزت بعد ذلك أن تدرك أن الزمن والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لم يعد ينفع معها السلوك الذي درجت عليه النخبة الحاكمة. وقد علمتنا تجارب الأمم أنه حين تعجز النخبة الحاكمة عن التطور تلجأ إلى آخر معاقلها القوات المسلحة والأمن، ثم تصبح رهينة هاتين المؤسستين وغالبا ما تنتهي على يدها ومعاوية ولد الطايع كان آخر نماذج هؤلاء الحكام، عجز عن التكيف مع المتغيرات ودخل في صراع مع كل القوى السياسية والاجتماعية وحين لجأ إلى العنف والجيش والأمن لم تمض سوى فترة قصيرة حتى تخلصوا هم منه بعد أن شعروا أنه أصبح عبئا عليهم.. وقبله سوهارتو.. وشاوسسكوا وزياد بري والقائمة طويلة.. والليالي حبالى.. وكل واحد عقله في راسه يربى خلاصه.. وما على أمثالنا إلا البلاغ..
*نقلا عن الوسط
|
|
|
|
|