تأجيل الإنتخابات النيابية : إختطاف الدستور وإسقاط بقايا مشروع الوحدة اليمنية-بقلم: عبدالباسط الحبيشي
شبكة شبوة برس – خاص- أضحت الديمقراطية لعبة مُسلية للقوى الحاكمة والمتنفذة في اليمن لدرجة أنه بات من الصعب المراهنة على تحسن الأوضاع في المستوى المنظور إعتماداً على البنى السياسية الراهنة.
فتحول الهامش الديمقراطي إلى وبالاً وسماً زعافاً على اليمن وأهله.
لقد أستطاعت هذه القوى , على مدى ثلاثين عاماً , بذكاء يفتقد إلى الحس الوطني أن تُمارس بإمتياز لعبة حرق المراحل وإفراغ كل المنجزات التاريخية من مضمونها وتجييرها لصالح بقائها في السلطة بدلاً من إحداث تراكم إيجابي في الوعي والخبرات السياسية والديمقراطية لدى كافة التنظيمات السياسية والشارع اليمني لينتقل إلى مرحلة البناء والنمو وألإزدهار.
مايحدث اليوم في إتخاذ قرار تأجيل الإنتخابات ليس بجديد كونه أيضاً مُعطى من معطيات الأمس عندما تم تأجيل الإنتخابات النيابية بعد إنتهاء الفترة الإنتقالية إبان إتفاقية إعادة الوحدة اليمنية من سنة 1992 تاريخ الانتخابات النيابية المتفق عليها بين الحزب الإشتراكي آنذاك ونفس الحزب الحاكم الحالي بنفس الرئيس الحاكم الحالي علي عبدالله صالح إلى سنة 1993 حيث مُني الإشتراكي وقتها بخسارة فادحة لحقتها حرب 1994 التي فقد خلالها كل قدراته المادية والمعنوية وتشتتت صفوفه وقياداته التاريخية والسياسية بسبب قراره المتعلق بإقامة مشروع الوحدة والنهج الديمقراطي. وبرغم خسارته هذه إلا أن مشروعه لا يزال في الواجهة وبسببه يحتدم اليوم الصراع في عموم الساحة اليمنية.
يتم إتخاذ قرار تأجيل الإنتخابات اليوم بسبب نفس التداعيات التي تم من أجلها التأجيل السابق الذي لم يجلب لليمن سوى الحُصرم.
الإنقلاب على مستحقات إعادة الوحدة اليمنية وتطبيق إتفاقياتها كان سبب التأجيل السابق الذي وصل ذروته في حرب 94 وكان الضحية هو الوطن والشعب اليمني والحزب الإشتراكي.
تلى ذلك أيضاً ؛ ألاستمرار بالإنقلاب عن طريق رفض إعادة الحقوق وإلإعتراف بتداعيات حرب 94 ورفض كل ماله صلة بإتفاقيات الوحدة ودستور الوحدة ، فأسقطت هذه التصرفات دون قصد {القناع المزيف} عن وجه المشروع الوحدوي الديمقراطي الذي إدعى به الحاكم منذ إعادة مشروع الوحدة اليمنية حتى الأن وأنكشف مشروعه الحقيقي المتمثل بمشروع {الإقصاء والإلحاق} والهيمنة و{عودة الفرع إلى الإصل} وسياسات الفساد والإفساد وما إلى ذلك.
كان هذا القناع يُغلف بقوة شديدة وعي الشعب اليمني حينذاك ، لكن سقوطه عرى ألاسباب الحقيقة من وراء تأجيل الإنتخابات السابقة وأيضاً إنتخابات اليوم ، التي سيكون ضحيتها بكل أسف بقايا وطن ، وبقايا شعب واحد ، وبقايا حزب إشتراكي. لقد هللنا وصفقنا بالإمس لإنفراج الأزمة بالتأجيل السابق وكانت النتيجة حرب 94 وضياع الوحدة الفعلية.
وهانحن اليوم يُهلل ويُصفق ويُبارك بعضنا \"فقط\" لإنفراج الأزمة... وستكون النتيجة دون شك هي إستقلال الجنوب وضياع بقايا الوحدة الشكلية إذا لم تتم المعالجة السريعة لذلك.
لكن تداعيات وظروف الأمس تختلف نسبياً عن تداعيات وظروف اليوم من حيث العمق والخطر؛ بالأمس كانت التجاذبات بين طرفين: حزب الجنوب المتمثل بالحزب الإشتراكي من ناحية والقوى المتنفذة في الشمال من ناحية أخرى ، وكلاهما أطراف وتكتلات سياسية مع فارق أن الطرف الأول يدعو لإقامة دولة ومؤسسات تحتكم وتخضع للنظام والقانون تتوجها الديمقراطية والإيمان بمبدأ التبادل السلمي للسلطة والطرف الثاني يصر على تكريس الحكم الفردي الأسري المتسلط وتطبيق سياسات الغنيمة والفيد التي يمارسها اليوم.
كانت الضحية حينئذٍ هي قيادات الحزب الإشتراكي مدنية وعسكرية التي تم تصفية بعضها وإقصاء البقية في زمن كانت الوحدة تنبض في قلب كل يمني.
أما اليوم؛ وبعد أن إتضحت الصورة المغيبة ، تجسد وتضخم الصراع وأنتقل إلى أشكال وقوالب متعددة وأكثر ضراوة وفاعلية وأضحى في عموميته بين الشارع وبين السلطة.
بين القوى الحية التحديثية التي لم تتضح معالمها بعد وبين القوى المتنفذة ، بين القوى التي تقف مع مصالح الشعب وبين القوى المتنفذة الفاسدة التي تفرض مصالحها الخاصة على الجميع.
والضحية لم تعد تقتصر على بعض العناصر السياسية من الحزب الإشتراكي فحسب بل أن الشعب اليمني برمته أصبح هو الضحية والوحدة اليمنية برمتها أصبحت هي الأخرى الضحية بعد خفوت خفقان نبضاتها لاسيما لدى الشارع الجنوبي الذي عانى بشكل خاص الويلات وأصبح طريق الإنعتاق أمام الشعب وأمام الوحدة واضحاً جلياً لدى الجميع أكثر من أي وقت مضى لاينحرف عن مواجهة ترسانة القوى المتنفذة المسيطرة على مفاصل السلطة وثروات البلاد.
مضافاً إلى ذلك عما هو بالأمس غليان شارعنا الجنوبي بشكل خاص وإنهمار دماءه وتعاطف الشارع الشمالي في طريقه للإلتحام الكامل مصيرياً به.
علاوة على أن اليوم تشهد السلطة تلاشي في نفوذها في المناطق الشمالية في صعدة والجوف تحديداً وفي المقابل يعاني الطرف الثاني من إنقسام متعدد الأطراف داخل قواه المتنفذة بين المعتدلة والمتطرفة بين أصحاب المصالح وأصحاب المشروع المؤدلج وبين مُغتصبي (الكعكة) والمطالبين بنصيبهم منها.
إذاً أصبح هناك إنقسام عام واضح المعالم كان مستتراَ وغير مفهوماً لدى الشارع اليمني في الماضي كما أصبحت خيوط ومعالم المشروعين واضحة؛ بين مشروع الإصرار لبناء دولة ؛ ومشروع ألاصرارعلى تكريس الفساد وإستمرارالتخلف كما بات معروفاً أن محاولة حرب 94 لتمرير مشروع الوحدة والديمقراطية الديكورية بالقوة من خلال الإنقضاض عليه وتفريغه من محتواه باء بالفشل رغم أن هذا المشروع الوطني الحقيقي لايزال قائماً ولكن إلى حين إذا لم يتم إنقاذه فوراً.
وفي نفس الوقت لا يزال مشروع القوى المتنفذة قائماً أيضاً لكنه أوشك أن يتحطم على صخور الحراك الجنوبي ووحدته لاسيما إذا إتحد الشارع الشمالي معه إضافة إلى أن القوى المتنفذة كما يبدوا لم تتعض من الدروس السابقة وتسعى إلى إرتكاب نفس الحماقة وبنفس المنهج التغريري والإنتهازي.
وفي نفس هذا السياق تم إنتخاب أعضاء مجلس النواب في سنة 2003 لمدة اربعة سنوات فقط بمعنى أن صلاحية المجلس قد إنتهت قبل سنتين لكن بعض أعضائه قاموا بإنتهاك الدستور وجددوا لانفسهم سنتين أخرى بمباركة وغطاء الحاكم بدون تفويض من الشعب اليمني عبر إستفتاء شعبي عام إعتماداً على نصوص الدستور. يتم الأن إنتهاك الدستور مرة أخرى بالتجديد لمدة سنتين إضافيتين أخرى لإطالة فترتهم إلى ثمان سنوات دون أي مصوغ دستوري أو قانوني.
إذاً هناك جرائم تزوير لإرادة شعب يتم إرتكابها بكل تحدي وجرأة وسبق إصرار وترصد من قبل أفراد يستثمروا ثقة شعبية سابقة إنتهت شرعيتها وصلاحيتها منذ زمن طويل.
ونواجه في نفس الوقت أفراد من أحزاب المعارضة تقوم بإرتكاب جريمة السرقة لتوكيل مزور وأستغلاله بطريقة غير شرعية من خلال تقديم طلبها لتأجيل الإنتخابات دون أن يتم منحها أي تفويض أيضاً.
ولكي أكون واضحاً أكثر تنص المادة 65 من دستور الجمهورية اليمنية كالآتي {مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ اول إجتماع له ، ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين إلى إنتخاب مجلس جديد قبل إنتهاء مدة المجلس بستين يوماً على الاقل ، فاذا تعذر ذلك لظروف قاهرة ظل المجلس قائماً ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم إنتخاب المجلس الجديد} إذاُ لا توجد ظروف قاهرة تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها أو تأجيلها وأي إتفاقات خارجة عن إرادة الشعب تعتبر باطلة وإنتهاكاً للدستور كما جاء في تعليق الدكتور نسر عبدالحق في موقع التغيير نت(1) تحايُل الحاكم على تأجيل الإنتخابات ليست ظروف قاهرة. وإتفاق الحاكم مع المشترك على لعب مسرحية الإنتخابات السمجة بين الإصرارعلى قيام الإنتخابات في موعدها وبين إلاصرار على مقاطعتها ثم تنتهي نهاية سعيدة بالتأجيل كنهايات الأفلام الهندية والمسلسلات المكسيكية ليست أيضاً ظروف قاهرة. سيقول قائل من هؤلاء... هناك إشارات من الخارج تدفع بهذا الاتجاه أي التأجيل لتصحيح وإثراء المسار الديمقراطي. نرد عليه .... ماذا!!!؟ الخارج!!!؟ ماذا يهم هذا الخارج بنا؟؟ الخارج لا يعيش معاناتنا.! هذا الخارج يعيش في أنساق وأبعاد كونية تختلف عن تلك التي نعيش فيها نحن.
ذلك الخارج ينظر إلينا كحقل تجارب للفئران .. لايهمه إن جعنا أو هلكنا أو خسرنا قيمنا ووطننا.. المهم بالنسبة له أن نبقى بعيدين عنه وعن الإضرار بمصالحه.
ومهما يكن من أمر لايمكن بأي حال من الأحوال أن نسمي مايقوم به هؤلاء أنه غباء سياسي او جهل سياسي بل يمكننا أن نطلق عليه بالفم المليان البيع السياسي ونرد على من يقول بإن السياسة هي فن الممكن! ؛: نعم .. بشرط أن لا تتعدى أو تتجاوز الدستور الوطني للبلاد والأنظمة والقوانين السارية حتى لا تنقلب إلى فن خيانة الممكن وهذا للإسف مايحدث في بلاد اليمن السعيد.
( 1)________________________________________ تأجيل الانتخابات إنتهاك للشرعية الدستورية الكاتب:د . نسر عبد الحق أن بعض الزعامات الحزبية في اليمن ليس لديها الحد الأدنى من المهارات السياسية اللازمة لأي لاعب سياسي ، وهذا ينطبق على السلطة والمعارضة .. كما أن تلك الزعامات تخوض صراعها ومعاركها السياسية وكأنها غير محكومة بالشرعية الدستورية والقانونية..
وإلا فليقل لي عاقل في السلطة أو المعارضة اليمنية ، لماذا يتم العبث بنصوص الدستور جهارا نهارا دون إعتراض من أحد من نواب الشعب ؟ فبعد التمديد غير الدستوري للمجلس القائم لمدة عامين ، ها نحن نسمع عن إتفاق بين السلطة والمعارضة لتأجيل الانتخابات لمدة عامين آخرين !؟ أي أن المجلس الحالي سيستمر لمدة ثمان سنوات خلافا لنص الدستور !! كما أن تأجيل الانتخابات التشريعية بصريح نص المادة ( 65 ) من الدستور لايكون إلا في أحوال القوة القاهرة ، وهذه غير متوافرة مطلقا مهما توسعنا في تفسير مفهوم القوة القاهرة ، فبأي سند دستوري توافق السلطة والمعارضة على تأجيل الانتخابات ؟؟ وهل تخضع السلطة والمعارضة للدستور والقانون ؟ أم أن إتفاقاتهما أعلى مرتبة من الدستور ؟؟ ..
هذا هو نص المادة 65 من دستور الجمهورية اليمنية \" مدة مجلس النواب اربع سنوات شمسية تبدا من تاريخ اول اجتماع له، ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين الى انتخاب مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يوما على الاقل، فاذا تعذر ذلك لظروف قاهرة ظل المجلس قائما ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم انتخاب المجلس الجديد.\" ، بكلمة واحدة: إقراؤا الدستور جيدا واحترموا إرادة الشعب وشرعية النصوص الدستورية ، ليس هناك أية ظروف قاهرة تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها .. وبذلك فإن أي إتفاق بين السلطة والمعارضة على تأجيل الانتخابات ولو ليوم واحد هو إتفاق باطل ويعتبر إنتهاكا للدستور
شبكة شبوة برس