خطبة الوداع بقلم خالد سلمان
السياسي برس - بريطانيا / 03 ابريل 2009
لم يتحدث رجل القصر هذه المرة (كماريا أنطوانيت), وهي تطل من شرفتها الباريسية, على الجموع البائسة الجائعة الغاضبة, لم يتساءل رجل القصر هذه المرة, ولم يعد سؤال ماديا: لماذا هم غاضبون ؟ لماذا يتظاهرون؟ ولم يكرر إجابتها حين همس احد رجال حاشيتها في أذنها: سيدتي أنهم جوعى, أنهم يطالبون بالخبز, لم يقل رجل القصر هذه المرة, كما قالت أنطوانيت:
لا يوجد خبز ؟!!
إذن ليأكلوا(جاتو)!!
أدرك رجل القصر هذه المرة، ودون شطحاته الخطابية السابقة، أن الجماهير تئن، وان هناك مشكلة حقيقية، أدرك متأخرا، أن لا جدوى من تسفيه مطالب الناس، وتخوين شعاراتهم وان من الجنون لجم هذا الغضب الهادر، بلجام الاتهام، بالانفصال والقلة الحاقدة على الوطن، أو سوط التظاهرات بسياط التلويح بالقوة، والرهان على سفك الدم، وتعليق غضب الألآف الهادرة، على مشنقة الوحدة أو الموت.
وكما يفعل عادة المستبدون، تأتي الاستقامة متأخرة، بعد أن يسحب بساط السجاد الرئاسي من تحت أقدامهم، ويحاصر السخط المقدس، قدس أقداسهم:الرئاسية المؤيدة والبقاء في الحكم حتى أرذل العمر أنطوانيت انتهت بها بلاونتها الحريرية، وعزلتها المخملية عن بؤس حال شعبها، إلى مقصلة الباستيل، فيما رجال القصر في اليمن، يستشعرون مخا طراً مماثلة، في لحظة مخاض عسير لم تكتمل فصول حكايته بعد، في بلاد منتفخة البطن، حبلى بمفاجآت هي هي في غالبها الأعم، غير سارة لمن يمسكون بأظافرهم على عنق البلاد، ويسوسون محكوميهم بعقلية محشوة بأوامر ضرب النار، والمداهمات المفتوحة حين خرج الناس يصرخون من الجوع، في تظاهرات الخبز، كان لدبابة قول الفصل، وحين علت صرخاتهم من غياب العدل، كان الجلادون هم الأئمة العادلون، وحين طالبوا بأصواتهم المبحوحة المذبوحة، بوحدة المواطنة، انتصرت الزنزانة، وانكسرت مرايا أحلام الوطن واحدية الوطن، إلى شظايا حادة أصابت وريد الوحدة بالنزف حد التيبس والموت الأكيد.
هكذا يستفيق المستبد وعادة بعد النوم منتصف الليل مذعورين، من ميلاد فجر جديد، تململات كانت تؤشر مذو زمن بعيد، لرضوض أصاب جسم البلاد فجاء الرد الوطن على خير ما يرام، تململات كانت تحرك بانضباط، على تكتكات ساعة دستور الحاكم المستبد، تقرع أجراس الخطر، من جوع يفرز مخالبه في الخاصرة، وعطش للحقوق يصيب وحدة الانتماء بالتشقق والجفاف، فكان الحاكم المستبد، يعطي توجيهاته لدواشنه ومجاذيب إعلامه، لشن حملات علاقات عامه، وتجميل القبح بدش صديد سياساته بالحبر المعطر بالزيف، وبمدائح السلطان، والقول بإنجازات السيد الرئيس..
عزة بالإثم، خطل في السياسة، نرجسية في ال((أنا)) الحاكمة، والذات الرئاسية تخوين الخصوم، وتجريم المطالب، وتضخم غدة وهم الحاكمة، رديف السماء ومعبود الجماهير، يقود البلاد اليوم إلى مفترق طريق، أثار رعب أركان الاستبداد، وضخ في عروق جباههم، عرق الموت البارد، ودفق الخوف من مجهول، يقود خطى ومعمار سلطتهم الباطشة، إلى مصير بائس ونهاية مروعة..
حديث القصر هذا الأسبوع، جاء مختضلا مرعوبا، وكأنة يكتشف للوهلة الأولى، بأنه مغضوبة عليها، وان الجنوب قد تجاوز سيطرة النخب، مطالب الصفوة، وحوارات غرف الجدران الأربعة المغلقة، وان كل الأرض تشتعل جنوبا بالرفض، وان الثروة بعيدا عن جيوب فساد القصر هي الآن إلى زوال.. نفس المظالم تغشى البلاد، ولكن أيضا للشارع الجنوبي قاموسه، في مقاومة الظلم ومقارعة الاستبداد، لن يرفع يديه إلى السماء لن يبتلع لسانه، بانتظار معجزة نبي تعصف بارستقراطية وفساد قريش هذا العصر، وبأبي لهب هذا الزمن الكالح الأغبر، النبوة أكملت رسالتها بأخر الأنبياء، ودعوة السماء إلى العدل، تتلفظها الآن الأيدي الجنوبية، تلهج بها ألسنة العوام، تحملها على أكف أرواحها، في مواجهة ظلم السلطة العابثة الباطشة، اليوم جنوبا وغدا يؤشر السهم باتجاه الشمال. إذاً خطاب القصر أتى متأخرا كعادته، اقر بالظلمة، في وقت تجاوز فيه الظلم حدود احتمال الناس، وبلغ حد الأزمة، بعد أن تتحول إلى قعر هاوية.
ليس هناك الآن من مطالب للشارع الجنوبي، تحمل عناوين ترتيب الأوضاع، وحل مشاكل المبعدين عن وظائفهم، كان ذلك قائما بالأمس، ولم يعد كذلك اليوم، مطالب الشارع الجنوبي الآن، أن تحمل السلطة عصيها وترحل، بعيدا عن خبز الناس وآمالهم، أن تخلع أسمال الوحدة عن جلدها الأجرب، وتدع للملايين شأن تقرير مصيرهم، وإعادة نسج خيوط ثوب وطنهم البديل، الجديد الزاهي، وحدة السلطة، ككل شعار لا يتحول إلى طحين وحزمة رغيف، إلى فصل مدرسة وحبة دواء وسقف أمان، هو غش فاضح وزيف فاجر وخدع. حديث (( أنطوانيت)) قصر صنعاء هذا الأسبوع، بين يدي أركان حكمة الانحراف بذواتهم، بعيدا عن ((باستيل)) دموي عاصف قادم، بين أيديهم خيارات: طي صفحة ليل حكمهم الكئيب الأسود، أو انتظار قادم جلجلة العاصفة. ليس هناك من خيارات أخرى، إما هذا وإما ذاك، الرحيل الدامي للسلطة.. أو الرحيل السلمي.
تلويح أل"وشاح"، بحروب الشوارع والنوافذ المتقابلة، لن تمنح حكمة مددا في العمر، حتى وان لكنه شمشون، وهدد بهدم جدار المعبد فوق رأس الجميع، فبطن البلاد منتفخة حبلى، ولوطنه الجميل الوليد الآتي.. لن يكون فضيحة.