عرض مشاركة واحدة
قديم 05-06-2009, 12:11 AM   #5
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


وحدة بالقوة.. انفصال بالقوة!!

05/05/2009
علي ربيع، نيوزيمن:

في 22 مايو 1990 أعلن قادة النظامين الحاكمين في شمال اليمن وجنوبه قيام الجمهورية اليمنية، واتفق النظامان على الصيغة الإجرائية الشكلية لاقتسام الحكم، وكانت الديمقراطية والتعددية الحزبية المعالم الرئيسية في هذه الصيغة التي أملتها شروط الممكن لتحقيق وحدة النظامين سلمياً، وبالتالي فقد كانت الصيغة من أجل النظامين وليس من أجل الإنسان في الشعب اليمني، ومع ذلك لم يشأ أي نظام منهما التخلي عن قوته السلطوية لصالح قوة الصيغة المتفق عليها، وكانت الوحدة بذلك الشكل محاولة لتوحيد نظامين يحكمان شعباً

واحداً، وبطريقة سلمية، وهو ما شكل خروجاً على المعطيات التاريخية التي كانت توحد اليمن أو تجزئه، إنها سلطة القوة ليس غيرها، لهذا جاءت حرب 1994 لتضع الوحدة اليمنية ضمن نسقها التاريخي الطبيعي، نسق الوحدة السياسية بالقوة، فاليمن هو اليمن تاريخاً وجغرافياً واجتماعياً ويحمل المكونات الحضارية والثقافية الواحدة، ومن حين لآخر كانت تأتي القوة لتوحده سياسياً، أو تشرذمه، دون أن يضيف التوحد والتشرذم شيئاً

أو ينتقص شيئاً من الحقيقة التاريخية للشعب الواحد والجغرافيا الواحدة والهوية الواحدة.

تاريخياً اليمن كانت تعيش هاجسين اثنين تمليهما ظروف القوة: إما هاجس الوحدة أو هاجس الانفصال، بغض النظر عن دوافع كل قوة، لكنها في كل الأحوال لا تخرج عن دوافع التملك والهيمنة وبسط النفوذ وتحقيق المغانم وحب التسلط، لم يكن الإنسان اليمني هدفاً رئيسياً لأي وحدة تاريخية، السلطة والحكم أولاً، والإنسان أو الشعب ثانياً، وكانت المعادلة الحاكمية آنذاك –شأنها شأن كل الحاكميات في المجتمعات البشرية القديمة- تقضي بأن يكون الشعب والإنسان في خدمة الحاكم دون قيد أو شرط مقابل ما يمن به هذا الحاكم أو ذاك من هبات وعطايا

أو إنجازات تحمل اسمه، ليس باعتبارها حقوقاً للشعب ولكن كمكارم أوصدقات، مكارم يشترى بها الأعوان، وصدقات يصفد بها مشاعر العامة إلى قوائم عرش الحاكمية المقدس المانع المانح.

وحدة 1990 التي تمت خارج قاعدة النسق التاريخي لم تصمد أربع سنوات، لأن حاكميتها برأسين وقوتين وإرادتين، تدافع كل منهما عن ذاتها وبقائها وتحاول تكريس سلطويتها على حساب الأخرى، لم يكن الإنسان في هذا الشعب هو الغاية أو الهدف، بل كان المسحوق بين شقي الرحى، ووقود حرب الصراع، قميص عثمان وحصان طروادة.
لم تنجح قوتا وحدة 1990 في الاندماج أو التوحد، ولا في التقاسم والتعايش، لأن جراب الشعب لا يحتمل إلا سيفاً واحداً وقوة واحدة وحاكماً واحداً، تبدى للعيان ذلك المختبئ وراء الأكمة وحدث ما حدث في 94، قررت قوة الانفصال الاستئثار بنصف الجراب، وقررت قوة الوحدة الاحتفاظ بالجراب كاملاً ولو كلفها أن تجمعه من تحت حوافر المعركة قطعاً وشظايا، أو حتى رماداً، وكان لها ذلك.

اليوم الحراك الجنوبي يستلهم ذلك الهاجس التاريخي، هاجس الانفصال القديم، لكنه لا يمتلك من القوة ما يكفيه لتحقيق سلطة الانفصال وحاكميته الجديدة، لأن الوعي الجماهيري للشعب للإنسان بدأ يدرك لعبة القوة التاريخية

في توحدها وانفصالها، وبدأ يدرك بشكل أوضح أن الانسياق للنسق التاريخي الذي تفرضه قوة الوحدة أو قوة الانفصال لم ينتصر له حتى الآن، وأن الطريق الوحيدة هي في خلق نسق جديد تمليه قوة التحول صوب الإنسان، هذه القوة يمكن أن تتشكل تدريجياً لتطيح بثقافة النسق التاريخي القديم، وبالتالي لن ينجر هذا الوعي للوقوع تحت طائلة قوة الانفصال أو التشرذم، وفي الوقت ذاته لن يهادن أو يرضخ للنسق القائم باسم ثقافة قوة الوحدة في سياقها ومكوناتها التاريخية.

صحيح أن الثورة على ثقافة هذا النسق التاريخي والانتصار للنسق الحداثي الجديد قد يطول انتظارها، لكنها لن تتأخر حين يكتمل بنيانها، إنها تتشكل يوماً بعد يوم بفعل قوة الوعي وليس وعي القوة، ليكون الإنسان هو صانعها وهو غايتها، وحين تكون كذلك ستكون الكلمة العليا في لغة القوة لصالح العقد الاجتماعي الإنساني والمجتمع المدني الحديث، لصالح الديمقراطية الحقة، إنه نسق قوة العدالة في دولة الإنسان، لا نسق قوة السلطة في الوحدة أو الانفصال.
[email protected]
  رد مع اقتباس