بالأمس وعلى قناة الحرة الفضائية ، استمعت للمقابلة التلفزيونية للسيد علي سالم البيض ...
وكم كانت دهشتي من حديثه عندما وصف بلسانه أبناء شمال اليمن بـ (الهمج والمتخلفين..!!) ... نعم قالها بكل وضوح ليُذكرنا ببعض ماضيه الأسود، ويذكرنا بتلك العقلية التي كان يعيش بها هو وبعض رفاقه الشماليين منهم قبل الجنوبيين في قيادة الشطر الجنوبي لليمن قبل الوحدة. تلك العقلية التي كانت تقوم على تصنيف اليمنيين بين تقدمي ورجعي متخلف..!! . حتى الدين الإسلامي الذي تعتنقه الأمة كان بالنسبة لهم أفيون الشعوب، ومن أصر على ممارسة دوره الديني من العلماء والدعاه كان مثير القتل والتشنيع!! .
وفي إطار هذا التصنيف كان أن أشعل الرفاق حربين ضد شمال اليمن كانت الأولى عام 1972 والثانية عام 1979م، وذلك في محاولة منهم لإلحاق الشطر الشمالي (الرجعي المتخلف في نظرهم)، بالركب التقدمي الذي كانوا وما زالوا موقنين بأنه الأمثل والأصلح لنماء وتطور هذا الشعب.
وبعد أن تحققت الوحدة اليمنية سلمياً في عام 1990 ، ربما كان السيد البيض غير راضياً بالحياة السياسية التي كان شريكاً في إنتاجها و ضبط إيقاعاتها وإخراج نتائجها، وربما كان عدم الرضا لديه ليس بسبب أن تلك التطورات السياسية كان يعتريها بعض السلبيات التي يمكن معالجتها، وإنما لأن عدم الرضا ذاك كان نابعاً من قناعاته وتصوراته الشخصية التي يرى بها العالم من حوله، ووفق هذه الرؤية التي يؤكدها هو اليوم بلسانه كما فعل بالأمس؛ فقد كان عليه أن يرجع بالشعب اليمني إلى دوامة التشطير من جديد فأشعل تلك الحرب المُدمرة عام 1994.
إن هذا التصور مع الأسف الشديد لا يقتصر على السيد البيض فحسب؛ بل أنه يُمكن ملاحظته في كتابات البعض هنا في السقيفة وفي مواقع اليكترونية أخرى عديدة، وذلك من قبل بعض الرفاق الراسخة عقولهم في بهذه الفلسفة العجيبة التي انفردوا بها من دون العالم وقاموا بتنفيذ فصولها على أبناءنا وإخواننا في الشطر الجنوبي من اليمن.
عندما كُنا نقرأ تلك العبارات كُنا نعتقد بأنها عبارة عن ردات فعل محدودة على أفعال ربما صدرت من مسئول معين ينتمي لهذه المنطقة أو تلك نُظر إليها في ساعة غضب بمعيار مناطقي أو مذهبي، أو ربما نتيجة سوء تصرف شخصية غير مُهذبة أساءت المعاملة مع صاحب تلك الرؤية أفقدته صوابه في لحظة من اللحظات جعلته ينظر إلى الأمور بتلك الحدة وسرعان ما يعود إلى العقل والمنطق، لكنني لم أكن أتوقع بأنها ما تزال أفكار راسخة ومتجذرة في أذهان البعض إلا بعد أن شاهدت حديث البيض بالأمس.
اليوم يتبين لي أكثر بأن تلك العقلية ما تزال ثابتة وراسخة لدى قتلة الأمس وماركسيي اليوم الذين يتلونون بألوان شتى للوصول إلى أهدافهم ويتذرعون بذرائع واهية لتحقيق مشاريعهم التدميرية على الأرض استناداً إلى هذه الثقافة البالية والغريبة على مجتمعنا اليمني الأصيل بشماله وجنوبه.
نحن شعب عريق تجمعنا ثقافة واحدة وتاريخ حضاري يُشار إليه بالبنان على أنه تاريخ وحضارة أهل اليمن، فلما يُحاول البعض تشويه هذه المآثر بهذه الطريقة الغير حضارية؟.
لن أطيل عليكم ....
اليوم وأنا أتصفح الانترنت، وجدت أحد صحفيي اليمن (وهو من أصل عراقي) قد رد على السيد البيض، بتفصيل جيد وفر علينا عناء الرد..
لكن قبل البدء بالقراءة أرجوا الإنتباه إلى الملاحظة التي أوردها الكاتب في نهاية مقالة على موقع نباء نيوز، يؤكد فيها أن المقصود بـ(ثقافة اليمن الجنوبي) هي ثقافة النظام السياسي السائد آنذاك وليس الشعب اليمني في الجنوب، الذي كلنا نقدره ونعتز به ولم نعرف أن أسأنا إليه يوماً ، وكيف نسيئ لهم وهم جزء منا ونحن منهم.؟!.