المواطنة المتساوية.. وصاب شاهد حال
15/06/2009
عبد الله محمد حسين- نيوزيمن:
وصاب اسم كان عندما يذكر يتبادر للذهن العسل الوصابي المتميز والصناعات الحرفية المتنوعة، والذرة والدخن والحبوب والفواكه، والطبيعة الريفية الخلابة، والثروة الحيوانية الوفيرة، لكنه اليوم بات يشير الى دلالات اخرى كالمعاناة والحرمان، والعزلة وشظف العيش، والجهل والفقر والمرض وغياب التنمية، واهمال وتجاهل الدولة، وتسلط الفاسدين. يبلغ عدد سكان وصاب (مقيمين ومهاجرين ) نحو خمسمائة الف نسمة، يتوزعون على نطاق جغرافي معقد التضاريس يمتد من عتمة شرقا وينتهي بزبيد غربا، على مساحة تقدر ب 1800 كم.
الوضع الاداري اساس المشكلة:
ارتبطت هذه المنطقة اداريا بعد قيام الثورة بمحافظة ذمار في عملية اشبه ما تكون بالزواج القسري، ولاتزال الى اليوم ملحقة بذمار برغم بعدها المكاني الكبير عنها، فاقرب نقطة الى مدينة ذمار تبعد 120كم بينما تبعد اخر نقطة في الغرب نحو 256 كم .. ومن المفارقات العجيبة ان مشاكل التقسيم الاداري قد حلت في معظم محافظات الجمهورية كما هو حال محافظة عمران وحجه وريمة وغيرها... لكن حالة وصاب على ما يبدو استثنائية من وجهة نظر اصحاب القرار!!!
لقد خلق التقسيم الاداري الحالي متاعب جمة لابناء وصاب اداريا واقتصاديا وتنمويا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وتعليميا، فالمنطقة بحكم بعدها عن مركز المحافظة تعد بمثابة جزيرة معزولة ملزمة بالواجبات محرومة من الحقوق.
تتعالى بين الحين والاخر الكثير من الاصوات من مثقفي ووجهاء وصاب منادية بضروة اعادة النظر في التقسيم الاداري الحالي للمنطقة، لكن ينطبق على قيادة المحافظة والحكومة المثل القائل: لقد اسمعت اذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ويبدو ان تبني الخطاب الحضاري الملتزم والمتمدن الخالي من العنف والقوة لايصل الى مسامع صانعي القرار في بلادنا، الامر الذي يدفع الناس الى التفكير الجدي بتبني ثقافة العنف والقوة كونها الثقافة التي تحقق كثير من النتائج على الواقع.
تنمية غائبة:
لاتزال تعيش وصاب وبعد مرور سبعة واربعون عاما من عمر الثورة على الحالة التي تركها عليها الامام احمد حميد الدين رحمه الله عام 1962 م ، ولم يتغير فيها شيء بل زاد وضعها سوء في كثير من الجوانب، فقد انتشرت الامراض بصورة كبيرة، وارتفعت نسبة الوفيات،وارتفع مستوى الفقر الى حد لايطاق، وزادت الرشاوى، وتحول المسؤلين الى اقطاعيين،وسادت الفوضى وانعدم الامن ، وزادت حالات القتل ،والنهب والسلب،وبات ابناء هذه المنطقة مستهدفين ، ويقتلون بدم بارد في من قبل عساكر الدولة،كل هذه الممارسات لم تكن ايام الامام مطلقا، بالرغم من ان ابناء هذه المنطقة امنوا بالجمهورية ولم يروا خيرها،وامنوا بالرئيس الذي لايعيرهم اي اهتمام ،وامنوا بالمؤتمر الذي يسوؤهم سوء العذاب.
حرمت وصاب من مشاريع التنمية بصورة متعمدة، فمديرياتها اكثر المديريات تخلفا وحرمانا على الاطلاق، ومشاريعها مسميات وهمية في سجل انجازات المحافظة، ولا زالت وسائل النقل في معظم عزل وقرى هذه المنطقة حيوانية نظرا لعدم وجود طرقات، وطالما ان الطرقات غير موجودة فان عناصر التنمية الاخرى غير موجودة فالطريق هي اساس التنمية، لذا اساليب العلاج والتطبيب لازالت قائمة على الشعوذة والكي بالنار، والتعليم لايزال في معظم المنطقة بدائيا وغير نظاميا وباساليب هجائية تقليدية لم تعد مستخدمة في اي منطقة اخرى في اليمن بل والعالم، وما توفر من مدارس ومعلمين لايغطي الا الجزء اليسير من المنطقة ، ،اما الكهرباء فالحديث عنها يعد ضربا من الخيال، وتزداد الماساة بشاعة عندما يتعلق الامر بالمياه فلا يوجد في تلك المنطقة مشروع مياه واحد على الاطلاق برغم تنفيذ عشرات المشاريع في المحافظة.
ويلاحظ ان هناك تكريس للحرمان ممنهج في هذه المنطقة يزداد يوما بعد الاخر ويتوارثه مسؤولي المحافظة منذ انشائها بوصايا منتظمة وملزمة!!!
تمييز في المواطنة:
تقترب حالة وصاب في ظل محافظة ذمار من حالة اقليم دارفور في السودان او من حالة السود في جنوب افريقيا ابان الحكم العنصري، فهم في نظر قيادة المحافظة والمتنفذين فيها مواطنين من الدرجة الدنيا، تنتهك حقوقهم وتهتك كرامتهم وتسفك دماؤهم ، محرومون من معظم حقوق المواطنة كالوظيفة وتكافؤ الفرص. فعدد الموظفين من ابناء وصاب لا يذكر مقارنة بباقي المديريات، المناصب القيادية في عاصمة المحافظة ليس لهم نصيب فيها، تمثيلهم في وظائف الدولة العليا غائب تماما، تواجدهم في السلك العسكري شبه منعدم، كليات الطب والهندسة والكليات العسكرية مغلقة بصورة دائمة في وجوه ابنائهم، المنح الدراسية والبعثات محرمة عليهم. وفي المقابل نجدهم اكثر الناس التزاما بالنظام والقانون، اكثر الناس دفعا للواجبات الزكوية والضريبية،
اكثر الناس احتراما للدولة وتجاوبا معها،اكثر الناس هتافا بالروح بالدم نفديك يا....
ابناء وصاب مهما كانت مكانتهم او حصانتهم فليس لهم لدى قيادة المحافظة وامنها حصانة او مكانة... مدير امن ذمار يتعامل معهم على اساس تمييزي مناطقي عنصري مقيت، فهم في نظره وفي نظر بعض قيادة المحافظة " لغج" لانهم لا يمتهنون القتل وقطع الطريق، ويلجؤن الى الدولة في حل مشاكلهم.
ابناء وصاب يعانون في اقسام الشرطة وادارة الامن الويلات فيتحولون من مظلومين الى ظلمة، ومن اصحاب حق الى مغتصبي حقوق، وتضيع قضاياهم وحقوقهم في دهاليز ادارة الامن واقسام الشرطة، والبحث الجنائي، والشواهد والادلة كثيرة.
يقتل ابناء وصاب بدم بارد ومن قبل قوات الامن في صورة سادية، حالة المواطن محمد راشد الوصابي الذي قتل على يد سبعة من عساكر الداخلية قبل اربعة اشهر لاتزال شاهدة على حالة التمييز المناطقي الذي يعاني منه ابناء وصاب، فقاتليه في نظر محافظ المحافظة ومدير امنها ونافذيها ابطالا ، لانهم قتلوا مواطنا ليس له من يحميه.
المواطن السهلة يطارده عساكر الامن من اجل دفع اجرتهم التعسفية في قضية عادية جدا - برغم فقره المدقع - فيلقي حتفه جراء المطاردة في ليلة ظلماء متريدا من اعالي الجبل ويعود العساكر القتلة الى اماكنهم وكان شيئا لم يحدث، هكذا تبدو الصورة في تعامل العساكر مع المواطنين، بينما تنعكس الحالة في المديريات الاخرى عندما يقتل عساكر الامن على ايدي القبائل ويتحول العساكر بقدرة قادر الى متهورين ونزقين ويوجه لهم اللوم من قبل قيادة الاجهزة الامنية وهم قتلى ، وتضيع دماؤهم هدرا، لانهم لم يراعوا مشاعر القتلة..
المواطن / محمد عبد نشطان يقتل قبل شهر من قبل عصابة للقتل والابتزاز، وتساعد اجهزة الامن القاتل على الفرار ، بحجة ان المقتول وصابي وليس هناك مشكلة، فلن تاتي قبيلتة وتحتل ذمار.
ان تعامل محافظ ذمار ومعاونيه وقيادة الامن في المحافظة ازاء مقتل نشطان يؤكد ما ذهبنا اليه من تكريس التمييز المناطقي ضد ابناء وصاب والتعامل معهم كمواطنين درجة عاشرة.
بغبغاء المناطقية:
لا نريد ان نظلم محافظ محافظة ذمار كثيرا فهو شخص يتسم بالصراحة والجدية لكن مستشاريه ووكلائه هم من يعملون على تصنيف ابناء المحافظة لديه مابين قبيلي ولغجة وهذا ما جري مع كل المحافظين الذين تعاقبوا عل المحافظة ، ولان المحافظ العمري من منطقة قبلية فربما انه قد حدد موقفا معينا من " اللغج".
يثبت المسؤولون في قيادة محافظة ذمار عنصريتهم وتمييزهم المناطقي القبيح في كل موقف يكون ابناء وصاب طرفا فيه، وما موقف وكيل المحافظة "سيلان" من المتظاهرين عند مقتل نشطان الا دليل على العقليات العنصرية المتخلفة في قيادة المحافظة، فهذ الرجل يتعامل مع ابناء وصاب بلغة متعالية وعنصرية، يستفزهم ويقلل من شانهم لا لشيء الا لانهم مواطنين مسالمين مجردين من السلاح يؤمنون بالدولة والجمهورية كايمانهم بان محمد رسول الله. بينما نراه يتعامل مع الاخرين من ابناء المحافظة الذين يهينونه ويهينون دولته كخادم يحاول ارضاء سيده..... وما يزيد ابناء وصاب الما وحزنا هو ان هذا الرجل من راسه الى اخمص قدمه مبني من خيراتهم ( عسلا وسمنا ولحما ولباسا وفلوسا و...) سواء كانوا في الداخل او في الخارج فلم يسلموا منه حتى وهم في مواطن اغترابهم، ومع ذلك يظلون من وجهة نظره ناقصي المواطنة ولا يرتقون الى مستوى المديريات الاخرى.
لقد تمادى هذا الوكيل الى درجة كبيرة فهو يدس انفه في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بوصاب ويفرض نفسه وصيا على ابنائها باسلوب بلطجي متعجرف ،ويعمل على تاجيج المشاكل والصراعات بين ابناء المنطقة ويحاول الوقوف ضد اطراف لصالح اخرى بما يحقق مصالحه المادية الدنيئة، ويقف مجندا معه بعضا من العنصريين في قيادة المحافظة ضد كل مصلحة قد تستفيد منها المنطقة او ابنائها.
لقد بلغ التمييز والامتهان والظلم والاجحاف بابناء وصاب حدا لايمكن السكوت عليه، ونحن نامل من المحافظ العمري وهو الرجل المشهود له بوطنيته ان يضع حدا للتمييز وان يعالج مشاكل وصاب التنموية، وان يشعر ابناء وصاب انهم متساوون في المواطنة مع بقية ابناء ذمار، وان يلزم ادارة الامن ووكلاء المحافظة بالتعامل مع المواطنين بثقافاتهم المحلية دون فرض ثقافة الثيران والشيلان والجيهان على ثقافة القانون والنظام والشرع، والحد من ثقافة البغبغاء "سيلان" ومن على شاكلته المبنية على المناطقية والعنصرية والكراهية والفساد.
الاعتقال لكل من يطالب بمواطنة متساوية:
تأكد ما ذهبنا إليه سبقا من انعدام المواطنة المتساوية ما أقدمت عليه قوات الأمن بمحافظة ذمار يوم 6/6 / 2009 عندما قامت باعتقال المواطن /عبده محمد ناصر النمر الذي اتهمته بتوزيع بيان أعده أبناء وصابين وعتمة أثناء اعتصامهم في نفس اليوم أمام مؤتمر السلطة المحلية بذمار يطالبون فيه بمواطنة وتنمية متساوية ويطالبون فيه بالقبض على مجموعة من القتلة الذين سفكوا دماء أبنائهم ولا يزالون طلقاء، وإطلاق سراح الصحفي المعتقل / صلاح الجلال . لقد تعاملت السلطات الأمنية مع المعتصمين والمتظاهرين من أبناء وصابين وعتمة كمجرمين ومنعتهم من الوصول الى مقر انعقاد مؤتمر المحليات وعاملتهم بقسوة، بينما تتعامل مع من يقتحم المدينة مدججا بالأسلحة ويثير فيها الرعب والفوضى بأسلوب مختلف تماما يسوده الأدب الجم والابتسامات العريضة وفتح الطرقات وتسهيل المرور ومنع أي اعتراض لتلك المسيرات.
إن التمييز في المواطنة ضد أبناء وصابين في محافظة ذمار واضح بشكل جلي في كل الاتجاهات ( التنمية بكل أبعادها، الوظيفة، أسلوب التعامل بمستوياته المتنوعة، فرص التعليم، التقاضي ، الثقافة والتقاليد، و.....) ونؤكد هنا ان ما ورد في بيان المعتصمين ليس فيه أي مبالغة بل انه في نظر البعض لا يمثل الحد الادني من المطالب ونورد ما جاء في البيان للاطلاع خاصة من قبل دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور / علي مجور الذي قصده المعتصمين وكانوا يرغبون بمقابلته لطرح قضاياهم عليه حيث تمثلت ابرز المطالب في الاتي:
•تحقيق المساواة في المواطنة والتعامل مع أبناء هذه المنطقة سواء بسواء مع غيرهم من مواطني المحافظة دون تمييز مناطقي. وإيقاف العناصر المثيرة للمناطقية في قيادة المحافظة ومحاسبتها وهي معروفة للجميع.
•إعادة التقسيم الإداري للمنطقة واعتمادها وحدة إدارية مستقلة نظرا لبعدها الجغرافي عن مدينة ذمار وتضاريسها الطبيعية الصعبة، وكثافتها السكانية الكبيرة وتخفيفا لمعاناة أهلها التي طال أمدها.
•تحقيق العدالة والمساواة في التنمية واعتماد المشاريع التنموية بحسب التمثيل السكاني ودرجة الحرمان التنموي ومعدلات الفقر.
•العدالة في توزيع الدرجات الوظيفية واعتماد الكثافة السكانية ونسبة الموظفين معيارا عند توزيعها. وضرورة إشراك أبناء المنطقة في المناصب القيادية في مركز المحافظة بنفس المعيار السابق.
•احترام ثقافة وتقاليد وأعراف المنطقة،وعدم ازدرائها وانتقاصها كونها ثقافة ايجابية لا تؤمن بالعنف، ومبنية على السلم والسلام الاجتماعي، والمواطنة الصالحة، واحترام الدولة والإيمان بالمؤسسة كمرجعية لحل كافة أنواع الخلافات والصراعات بين أبناء المجتمع.
•سرعة القبض على قتلة كل من:
•محمد عبده محمد نشطان.
•صالح محمد مرشد سليمان
•صالح محمد حسين السهلة.
وجميعهم من أبناء منطقة وصاب ، والذي مضي على مقتلهم فترات تتراوح بين 3-10 أشهر، ولا يزال قتلتهم إلى اليوم يسرحون ويمرحون وبحماية من الجهات الأمنية.
•العمل على سرعة إطلاق الصحفي/ صلاح الجلال رئيس تحرير صحيفة 17يوليو المختطف منذ 4/5/2009م.
•مساءلة الحكومة عن أسباب توقف وتعثر العمل في طريق ذمار الحسينية والعمل على سرعة تنفيذها، فقد مل سكان المنطقة الوعود المتكررة بانجازها منذ ثلاثين عاما.
واعتقد ان المطالب المشار إليها أعلاه لا تمثل خطرا على الوطن كما ادعت قوات الأمن واللجنة الأمنية العليا في المحافظة عندما اعتقلت المواطن النمر.
وأخيرا لابد من التذكير بان التمييز في المواطنة لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يخدم الاستقرار والتنمية في المحافظة، وان إرهاب المواطنين بالاعتقال والعنف لن يسكت أصواتهم فالظلم إذا زاد ولد ردة فعل عنيفة مهما كان المظلوم مسالما.