عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2009, 09:40 AM   #6
هدير الرعد
حال نشيط
 
الصورة الرمزية هدير الرعد

افتراضي

ثانياً: ردود وتفسيرات المسئولين اليمنيين عن دوافع السلوك السياسي اليمني إزاء قرارات جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي.
أورد العديد من المسئولين اليمنيين بعض التفسيرات المتعلقة بالموقف الرسمي من تلك القرارات، فعلى مستوى جامعة الدول العربية، فقد ذكرنا سابقاً تفسير الدكتور عبد العزيز الدالي، والذي أفاد بأن اليمن قد رفضت بيان المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية حرصاً منها على الحفاظ على جو الوفاق الذي كانت اليمن ترى بأنها قد نجحت في تحقيقه بحصولها على موافقة مبدئية من القيادة العراقية بالانسحاب من الكويت، وبناءً عليه يمكن القول أن القيادة اليمنية قد رأت بأنه طالما وأن الهدف الأساسي للجميع هو العمل على جعل العراق ينسحب من الكويت وإعادة الشرعية إليها، فإنه من المهم الحفاظ على الود بينها وبين القيادة العراقية لحملها على تحقيق هذا الهدف. فكان رفضها للبيان الذي تضمن إدانة صريحة ضد العراق نابعاً من أملها في تحقيق هذه الرغبة.
أما بالنسبة لرفض اليمن تأييد قرار مؤتمر القمة العربية الذي صدر في القاهرة في العاشر من أغسطس 1990، "يقول الدكتور عبد الكريم الإرياني، وزير الخارجية اليمني السابق، في حديث له في الثاني عشر من أغسطس 1990، وأوردته بعض المصادر، أن الهدف من مؤتمر القمة كان مناقشة التوجه الأمريكي إلى المنطقة لحماية السعودية من غزو عراقي مرتقب. وتزامنت الدعوة إلى المؤتمر مع دعوة وزارة الخارجية الأمريكية للسفراء العرب لإحاطتهم بما أزمعت عليه، مؤكدة لهم أن لا علاقة لهم (الأمريكيين) بالخلاف العراقي الكويتي لأنه خلاف قد أصبح بيد المجتمع الدولي ليحل في ضوء الشرعية الدولية، وأضافت الخارجية الأمريكية أن الأزمة الجديدة بين السعودية والعراق ربما تحل عربياً لأن الولايات المتحدة لا تريد أمركة الخلاف بين السعودية والعراق. وفي ضوء ذلك كما يؤكد الدكتور الإرياني فقد تحركت اليمن إلى مؤتمر القمة العربي، لكن القادة وجدوا الأمر مختلفاً، ووجدوا قرار إدانة العراق معداً ومتفقاً عليه من الأغلبية، فكان رأي اليمن الامتناع عن التصويت، وامتناعنا عن التصويت لا يعني أبداً أننا نقر ما حدث في الكويت" .
أما الرئيس علي عبد الله صالح فقد نظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، ففي حديثه الصحفي مع صحيفة الوحدة بتاريخ 15 أغسطس 1990 يقول: "كان متوقعاً للقمة أن تفشل لأنه لم يسبق لها الإعداد الجيد، ولم يسبق لها التحضير من قبل وزراء الخارجية لتحديد جدول أعمال كما جرت عليه العادة في أي قمة سواء كانت قمة طارئة أو عادية. هذا جانب، أما الجانب الآخر فالقمة قد أعدت قراراتها مسبقاً من قبل الدول الشقيقة، واتفقت هذه الدول على القرارات المعدة، وهذا كان أمراً غير طبيعي" . ولو رجعنا إلى تصريح الرئيس صالح الذي أدلى به فور وصوله مطار القاهرة لحضور اجتماع القمة، لتبين أنه قد أتى إلى القمة أملاً في تحقيق هدف أساسي وهو وقف تصاعد الأزمة والبحث عن حل عربي يقي شر التدخل الأجنبي في الأزمة، فإذا به حسب تعبيره يفاجأ بأن قرارات القمة قد أعدت سلفاً، وبدلاً من أن تكون القمة فرصة للبحث عن حل عربي، إذا بها توفر غطاء للتدخل الأجنبي. ومن هنا يمكن القول بأن امتناع اليمن عن التصويت على قرار القمة الذي أجاز لدول الخليج العربية حق استقدام القوات الأجنبية إلى أراضيها، وهو الأمر الذي يتنافى مع معاهدة الدفاع العربي المشترك، ويعد خروجاً عن دور الجامعة العربية في حل القضايا العربية-العربية. قد جاء متطابقاً مع الموقف الثابت للجمهورية اليمنية من الأزمة منذ نشأتها، وهو الموقف الذي أوضحناه سابقاً.

وعلى مستوى الأمم المتحدة، اعتبرت دول الخليج أن اليمن كان منحازاً إلى جانب العراق، وذلك بسبب وقوفه ضد بعض قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت ضد العراق إبان الأزمة، وامتناعه عن التصويت على البعض الآخر منها. وبشكل عام فقد كان موقف اليمن من مجمل القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة على النحو الآتي:-

رقم القرار تاريخه موضوع القرار موقف اليمن
660 2/8/1990 إدانة الغزو العراقي والمطالبة بسحب قواته من الكويت عدم المشاركة
661 6/8/1990 فرض المقاطعة التجارية والمالية امتناع
662 9/8/1990 اعتبار ضم الكويت للعراق غير قانوني مع القرار
664 18/8/1990 السماح للرعايا الأجانب بمغادرة الكويت والعراق مع القرار
665 25/8/1990 الحصار البحري امتناع
666 13/9/1990 عدم استثناء المواد الغذائية والأدوية من العقوبات ضد القرار
667 16/9/1990 انتهاك حرمة البعثات الدبلوماسية مع القرار
669 24/9/1990 تخويل لجنة العقوبات في طلب الدول المتضررة للمساعدة مع القرار
670 25/9/1990 الحظر الجوي مع القرار
674 29/1/1990 تحميل العراق مسئولية الأضرار التي حدثت في الكويت امتناع
677 28/11/1990 اعتماد التوزيع السكاني والديمغرافي الذي قدمته الكويت مع القرار
678 29/11/1990 بشأن استخدام القوة ضد العراق ضد القرار
686 2/3/1991 بخصوص وقف العمليات العسكرية امتناع
687 3/4/1991 الخاص بوقف إطلاق النار امتناع

ومن الجدول السابق حول الموقف اليمني من قرارات الأمم المتحدة الصادرة بحق العراق، يتضح أن الموقف اليمني منها قد تراوح على النحو الآتي:-
1) التغيب عن التصويت مرة واحدة، وذلك في بداية الأزمة، وإزاء القرار رقم 660 الخاص بإدانة العراق والمطالبة بسحب قواته من الكويت، وقيل في تفسير ذلك أن المندوب اليمني كان يمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن، ولما كانت المجموعة العربية لم تصل بعد إلى قرار موحد بشأن التعامل مع الأزمة فقد فضل المندوب اليمني التغيب عن الاجتماع وعدم المشاركة . ذلك إلى جانب التوضيحات التي وردت على لسان الرئيس صالح خلال الاجتماع الموسع للأحزاب والتنظيمات السياسية في الثلاثين من نوفمبر 1990م والتي قال فيها "لقد حاولنا أن نوضح لبعض أشقائنا موقف اليمن من أزمة الخليج وقلنا لهم أننا لا نقر اجتياح الكويت ولا نقر ضم الكويت- وصوتنا مع معظم قرارات مجلس الأمن وبالنسبة للقرار الأول رقم (660) والذي جاء قرارا متسرعا لم يكن مندوبنا قد تسلم تعليمات حول ذلك فتغيب أثناء التصويت وفي نفس الوقت لم تكن القيادة اليمنية قد اجتمعت أثناء التصويت في مجلس الأمن وأنا كنت في حجه فاجتمع مجلس الرئاسة برئاسة الأخ علي سالم وجئت أنا لحقت بالاجتماع ودعونا رئيس مجلس النواب والأخوة في مجلس الوزراء وعدد من المستشارين لتدارس الأمر وكانوا في مجلس الأمن قد صوتوا ومندوب اليمن متغيب وقام بالتوضيح بأنه لم يستلم تعليمات من حكومته" .
وقد ذكر وزير الدولة للشئون الخارجية اليمني حينها، الدكتور عبد العزيز الدالي، أن مندوب اليمن في مجلس الأمن كان بإمكانه ومن حقه أن يطلب تأجيل القرار أربع وعشرين ساعة، حتى يتشاور مع المجموعة التي يمثلها، لكنه خشي أن يُعتبر طلبه موقفاً الهدف منه تعطيل القرار، ولهذا لم يجد أمامه من خيار سوى التغيب عن التصويت، وعند عودته إلى مقعده في المجلس أكد في خطابه تمسك اليمن بميثاق الأمم المتحدة، وبحق جميع الدول التمسك باستقلالها وسيادتها، وأن ذلك ينطبق على الكويت كما ينطبق على غيرها من الدول، كما أكد شجب اليمن لجميع أشكال التدخل، ومعارضتها بشدة استخدام القوة لحل النزاعات، ودعا العراق والكويت إلى بدء التفاوض لحل مشاكلهما في إطار الأسرة العربية المجتمعة حينها في القاهرة وبالرغم من ذلك يعتقد الكثيرون أن الموقف اليمني إزاء هذا القرار قد جانبه التوفيق، خصوصاً وأن القرار المشار إليه آنفاً لم يكن سوى ترجمة لمبادئ ميثاق منظمة الأمم المتحدة، ولم يفرض على العراق من الالتزامات أكثر من تلك التي تلتزم بها جميع الدول بحكم عضويتها في المنظمة الدولية .
2) التصويت والموافقة على القرارات ست مرات، وهي قرارات تناولت عدم الاعتراف بضم العراق للكويت واعتماد التوزيع السكاني الذي قدمته حكومة الكويت، ومسائل إنسانية خاصة بمغادرة أعضاء البعثات الدبلوماسية للعراق والكويت، وأخرى خاصة بمبادئ قانونية تتعلق بحرمة البعثات الدبلوماسية وعدم انتهاكها، وثالثة تتعلق بمساعدات الدول المتضررة وإقرار الحضر الجوي ضد العراق .
3) التصويت مرتين ضد عدم استثناء الأدوية والمواد الغذائية من العقوبات، وبشأن استخدام القوة العسكرية ضد العراق . وكانت معارضة اليمن للقرار رقم 666 الخاص بعدم استثناء الأدوية والمواد الغذائية من العقوبات، والذي خول الأمم المتحدة والصليب الأحمر وغيرهما من المنظمات الدولية مسئولية نقل وتوزيع المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية المرسلة إلى كل من العراق والكويت، وأن تتم هذه العمليات تحت إشراف تلك المنظمات. بسبب أن القرار- من وجهة نظرها - يمس السيادة العراقية بشكل مباشر، ويحل الهيئات الدولية محل السلطات العراقية، مما يتعارض مع الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما" غير أن هناك من يرى بان الموقف اليمني من هذا القرار قد جانبه التوفيق أيضاً من الناحية القانونية، إذ أن مندوب اليمن - بحسب وجهة النظر هذه- قد تمسك بالمبدأ الوارد في صدر الفقرة السابعة من المادة الثانية من الميثاق وأغفل الاستثناء الهام الذي أورده ميثاق المنظمة في نهاية الفقرة نفسها من مبدأ عدم تدخل الأمم المتحدة في الشئون الداخلية للدول الأعضاء حيث أورد النص "على أن هذا المبدأ لا يُخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع" ولما كان مجلس الأمن قد أوضح في قراره رقم 660 الذي صدر بعد ساعات من الغزو العراقي للكويت، أنه يتصرف طبقاً للفصل السابع من الميثاق، فإنه لم يعد هناك مجال للاحتجاج بمبدأ عدم مساس السيادة الوطنية .
ومن ناحية أخرى اعتبرت اليمن أن القرار 666 كان محاولة لتفسير الظروف الإنسانية التي وردت في قرار المجلس رقم 661 ولكن من منطلق ضيق وسياسي متشدد وقد يؤدي إلى نتائج عكسية لا تخدم الهدف الأسمى الذي يسعى اليمن من أجل تحقيقه والمتمثل بإيجاد تسوية سياسية للأزمة، وأشار مندوب اليمن في المجلس حينها إلى أن القرار رقم 661 يمثل أشمل وأوسع قرار اتخذه مجلس الأمن في تاريخ الأمم المتحدة بفرض حظر على دولة عضو في المنظمة، كما أشار إلى أن بلاده ترفض رفضاً قاطعاً وباتاً استعمال أساليب تجويع المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب العراقي والكويتي لخدمة أهداف سياسية . ومع ذلك فقد أكدت اليمن التزامها بالقرار رغم تحفظها عليه وجاء على لسان الرئيس صالح قوله "تلتزم اليمن في كل الأحوال بكل قرارات الأمم المتحدة وهي مع الإجماع الدولي وإذا لها ملاحظات في بعض القرارات المتسارعة وغير المنطقية الذي نعتبرها مثل قرار فرض الحصار على العراق وتجويع العراق ومنع الأدوية على العراق فنحن متحفظون حول هذا الأمر.بعض القرارات غير العملية وغير المنطقية لا يؤيدها اليمن وهذه مواقف ثابتة وسياسة ثابتة" .
أما بالنسبة للقرار رقم 678 الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 1990م والذي أجاز استخدام القوة ضد العراق إذا لم ينسحب من الكويت طوعاً قبل 15 يناير 1991م، فقد جاء بعد مداولات وجهود مضنية بذلتها الولايات المتحدة، حيث قام وزير خارجيتها جيمس بيكر بجولة تاريخية حول العالم – شملت اليمن- من أجل توفير الدعم ألازم للموافقة على القرار. كما قام الرئيس الأمريكي جورج بوش نفسه بجولة في أوربا والشرق الأوسط للهدف ذاته" ، ولعل ما أورده جيمس بيكر في مذكراته يصف بدقة المدى الذي ذهبت إليه الولايات المتحدة من أجل تأمين الموافقة على قرار استخدام القوة حيث يقول: "اجتمعت شخصياً مع كل نظرائي في مجلس الأمن في عملية معقدة من التملق والإقناع والتهديد بل وشراء الأصوات في بعض الأحيان. وهذه هي سياسة الدبلوماسية" .
وبالرغم من الضغوط الأمريكية التي اعتمدت على أسلوب الإغراء والتهديد في نفس الوقت لتطويع إرادة الدول الأعضاء في مجلس الأمن، فقد رفضت اليمن القرار وصوتت ضده في المجلس، وفي الوقت الذي كانت فيه المشاورات ما تزال جارية في مجلس ألأمن الدولي حول مشروع القرار 678 في التاسع والعشرين من نوفمبر 1990م كان الرئيس صالح يتحدث أمام مجموعة من الضباط الخريجين من المعهد العالي لضباط الشرطة في صنعاء قائلاً: " لن نصوت في مجلس الأمن بمقابل مالى..المبادئ ليست بيع وشراء هذه مبادئ ثبات موقف إحنا ما أخذنا من العراق ولا إحنا في جيب العراق ولا في جيب أي قطر ولا في جيب الولايات المتحدة ولا في جيب الاتحاد السوفيتي نحن في جيب اليمن عمرنا محنا تبع ولن نكون تبع اليمنيون هكذا بفقرنا بجوعنا بغنائنا سنظل اليمنيين نمد أيدي السلام وأيدي حسن الجوار مع كل الأشقاء والأصدقاء من يحب السلام من يحب حسن الجوار مع اليمن فيد اليمن ممدودة لكل أشقائها وأصدقائها" وأضاف " صوت اليمن قائم للسلام ولن يكون صوت اليمن للحرب، نحن نصوت للسلام ومع السلام ومع من يدعو إلى السلام، ويسير في ركب السلام" ، ويعتقد البعض معارضة اليمن لهذا القرار قد كانت مبنية على العديد من الأسباب أوضحها مندوب اليمن في مجلس الأمن وذلك بقوله: "يجب أن لا يندهش أحد لأن الجمهورية اليمنية لا تستطيع أن تؤيد مشروع قرار يأذن للدول باستخدام القوة، وذلك للأسباب الآتية:-
أولاً: إن مشروع القرار المعروض علينا لا يستبعد استخدام القوة، وهو واسع النطاق وغامض بحيث أنه لا يقتصر على هدف فرض تنفيذ القرارات التي اتخذها مجلس الأمن حول الأزمة. ومعنى ذلك أن الأمر سيكون متروكاً للدول التي لها قوات في المنطقة لتقرر الشروط المسبقة لاستعادة السلم والأمن الدوليين.
ثانياً: إن مشروع القرار المعروض علينا لا يتصل بمادة محددة من الفصل السابع من الميثاق، ومعنى ذلك أن مجلس الأمن لن يكون له سيطرة على تلك القوات التي سترفع أعلامها الوطنية. وفضلاً عن ذلك، فإن قيادة تلك القوات لن تكون مرتبطة بالأمم المتحدة رغم أن مجلس الأمن هو الذي أذن باستخدام القوة. وهذا مثال على إعطاء السلطة بلا رقيب" .
ويعتقد البعض أن الموقف اليمني من هذا القرار قد كان مبنياً على أساس قانوني سليم، إذ أن مجلس الأمن الدولي عندما يقرر استخدام القوة المسلحة لمواجهة حالة من حالات العدوان أو انتهاك السلم أو تهديده، إنما يمارس اختصاصات حددها له الميثاق في الفصل السابع منه، ولا يملك المجلس أن يخول دولة عضو أو مجموعة من الدول الأعضاء رخصة ممارسة هذه الاختصاصات بدلاً عنه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، أن القرار قد أعطى دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة، إذن مطلق الصلاحيات باستخدام القوة، مما أعطى لهذه الدول سلطة تقدير واسعة، وترك لها حرية العمل واختيار الوسائل وتحديد أهداف العمليات العسكرية وأنواعها، وأنواع الأسلحة المستخدمة، وكذلك اختيار وتوقيت بدء الحرب وانتهائها. وقد أدى ذلك إلى تجاوزات واسعة أتضح فيما بعد مدى خطورتها. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن القرار رقم 678 قد جرد الأمم المتحدة من أي دور يمكن أن تؤديه وفقاً لميثاق المنظمة في المواجهة العسكرية للعدوان العراقي على الكويت، ويستشهدون في ذلك بتصريح للأمين العام للأمم المتحدة "خافير بيريز دي كويار" قال فيه "لقد صرح مجلس الأمن الدولي باستخدام القوة، لكن هذه الحرب ليست حرب الأمم المتحدة، ولا توجد قوات للأمم المتحدة أو ترفع علمها" .
4) امتنعت اليمن عن التصويت خمس مرات إزاء قرارات فرض المقاطعة التجارية والمالية، والحصار البحري، وتحميل العراق الأضرار التي حدثت في الكويت، والقرارين الخاصين بوقف العمليات العسكرية والشروط المصاحبة لوقف إطلاق النار . أما عن التفسيرات التي قيلت حول الموقف اليمني من هذه القرارات فنذكر منها ما يلي:-
1-4) بالنسبة للقرار رقم 661 الذي صدر في السادس من أغسطس 1990م والخاص بفرض المقاطعة الاقتصادية على العراق، فقد رأت اليمن أن تطبيق القرار يزيد الوضع تعقيداً، ولا يتيح الفرصة للجهود العربية المبذولة لحل الأزمة سلميا ومنها الجهود التي يبذلها اليمن ، ويعتقد البعض أن اليمن كان يُعوّل كثيراً على القمة العربية الطارئة التي كانت حينئذ قد تمت الدعوة إليها وتحدد موعدها في التاسع من أغسطس لإيجاد مخرج للأزمة، ومن ناحية أخرى تعتقد وجهة النظر هذه أن اليمن كان محقاً من الناحية القانونية في الامتناع عن التصويت، لأن الصياغة غير المحددة والمطاطة للقرار قد سمحت بأن تستمر المقاطعة الشاملة للعراق بعد طرده بالقوة العسكرية من الكويت عام 1991م .
2-4) في الخامس عشر من أغسطس 1990 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 665 وقد خول هذا القرار الدول المتعاونة مع الكويت، والتي تنشئ قوات بحرية في المنطقة، باتخاذ التدابير الضرورية تبعاً للظروف المتغيرة، وتحت إشراف مجلس الأمن لوقف وتفتيش كل السفن التجارية المتجهة إلى كل من العراق والكويت والمغادرة لهما. وقد جاءت صيغة القرار مطاطة بحيث تسمح باستخدام القوة المسلحة، بما فيها أعمال المناورة والحصار البحري، لضمان فاعلية المقاطعة الاقتصادية المفروضة على العراق تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 661 وقد أثار القرار 665 جدلاً قانونياً واسعاً تعلق بمدى مشروعية فرض الحصار البحري (وهو إجراء عسكري) لضمان فعالية الحضر الاقتصادي (وهو إجراء غير عسكري)، وذلك على خلاف ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة. ومن هنا يعتقد البعض أن امتناع اليمن من التصويت على القرار 665 لم يكن موقفاً من النزاع بين العراق والكويت، وإنما كان موقفاً قانونياً من قرار صادر عن هيئة دولية اختلفت الدول حول تفسير مضمونه القانوني وحول مدى اتفاقه مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة .
3-4) في التاسع والعشرين من أكتوبر 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 674 وقد تضمن القرار تحميل العراق المسئولية الدولية عن أي خسائر أو أضرار أو إصابات تنشاء فيما يتعلق بالكويت أو الدول الأخرى أو رعاياها أو شركاتها نتيجة لغزوه واحتلاله غير المشروع للكويت. وقد صدر القرار بأغلبية 13 عشر صوتاً، وامتنعت اليمن وكوبا عن التصويت، حيث تحفظتا على القرار بسبب ما يترتب عليه من مسئولية مستقبلية غير محددة على العراق .
4-4) في الثاني من مارس 1991 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 686 المتعلق بالوقف المؤقت لإطلاق النار، وحدد فيه شروط مجلس الأمن من أجل الوقف الدائم إطلاق النار. وقد صدر هذا القرار بأغلبية 11 صوتا ضد صوت واحد (كوبا) مع امتناع ثلاث دول عن التصويت وهي الصين والهند واليمن ، وقد أكد مندوب اليمن في مجلس الأمن أن امتناع بلاده عن التصويت على هذا القرار قد جاء كنتيجة "لأن هناك شروط قاسية لوقف إطلاق النار ثم أن القرار لا يحدد متى ستبدأ حالة السلم بين العراق والكويت وفي المنطقة..فوقف إطلاق النار يعني أن حالة الحرب لا تزال موجودة، وبالتالي يمكن للحرب أن تستأنف في أي وقت ، ذلك فضلاً عن أن القرار لم يشر إلى رفع الحظر ولاسيما الغذائي على العراق، كما أن القرار لم يشر أيضاً إلى انسحاب القوات الأجنبية من المنطقة، علاوة على أن الفقرة الرابعة منه تشير إلى إمكانية معاودة استخدام القوة ضد العراق في الوقت الذي تم فيه الانسحاب من الكويت ، وفي الثالث من مارس أعلن العراق، بعد طرده من الكويت بالقوة العسكرية، قبوله بالقرار من دون قيد أو شرط .
5-4) وفي الثالث من أبريل 1991 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 687 الذي يُعد أطول قرار له على الإطلاق منذ إنشاء الأمم المتحدة، وقد تم بموجبه –حسب رأي البعض- وضع العراق تحت الوصاية الدولية إلى أجل غير مسمى . وقد صدر القرار بأغلبية 12 صوتا ضد صوتا واحد (كوبا)، وامتناع كلًّ من اليمن، والإكوادور، عن التصويت. وقد لخصت الأسباب التي دعت اليمن إلى الامتناع عن التصويت إلى جانب القرار على النحو الآتي :-
1) فرض القرار ترسيم الحدود بين العراق والكويت، مما يعد تجاوزاً لسلطة مجلس الأمن، ويشكل سابقة خطيرة في هذا الصدد. لأن معاهدات الحدود يجب أن تترك للمفاوضات بين الأطراف المعنية، أو أن تُحال إلى محكمة العدل الدولية.
2) ضمان مجلس الأمن للحدود، مما يُشكل أيضاً سابقة جديدة، ويفتح المجال أمام دول كثيرة لمطالبة مجلس الأمن بضمان حدودها.
3) تحديد المجلس لكيفية وطريقة دفع التعويضات، وهذه وظيفة محكمة العدل الدولية وليس مجلس الأمن.
4) فض تدمير الأسلحة ومراكز أبحاثها وصناعتها على العراق وحده، ودون إلزام كافة الدول في المنطقة بتدمير منظومات أسلحتها المشابهة مما يُعد إخلالاً بحق العراق القانوني في امتلاك القدرة للدفاع عن نفسه وحفظ بقائه.
5) لكل هذه الأسباب رأت اليمن، أن قرار مجلس الأمن رقم 687 يتجاوز كثيراً صلاحيات مجلس الأمن كما وردت في ميثاق الأمم المتحدة.
ومع أن اليمن قد رفض بعض القرارات أو امتنع عن التصويت عليها، كما سبق القول، إلا أنه من الناحية العملية لم يكن لديه خيار أو قدرة على تحويل مثل هذا الرفض إلى واقع، ومن هنا فقد التزم عملياً بتلك القرارات خصوصاًَ المقاطعة الاقتصادية والتجارية والحظر الجوي، وكان المجال الوحيد الذي عبر من خلاله عن وحدة موقفه سياسياً وعملياً فهو الخاص بعدم المشاركة في الإجراءات العسكرية ضد العراق بكل مستوياتها .
ويعتقد البعض أن موقف اليمن من قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن الغزو العراقي للكويت كان محكوماً بالظروف والملابسات، وبالاعتبارات السياسية والقانونية التي أحاطت بكل قرار على حده، فلم يرفض اليمن تلك القرارات بشكل مطلق، ولم يقبلها بشكل مطلق، وإنما استخدم حقه السيادي في تقدير موقفه من كل قرار بما يعكس سياسته ويتفق مع مصلحته الوطنية والقومية، وأن هذا الحق في حرية اختيار الموقف من القضايا الدولية لا يجوز أن يُفهم بأنه عدائي من هذه الدولة أو تلك .
التوقيع :
إلى من يرفع شعار التسامح ويدعوا إلى الفتنة ويبذر العداء... إلى من يرفض إصلاح البلاد إلا بالانفصال... ويرى أن لا قوة إلا بالتشرذم والانقسام... وأن لا تنمية إلا بتغيير التاريخ والهوية ولعن كل ماكان من شأن يمن الإيمان... نقول بمشاعر مليئة بالثقة والاطمئنان:

من يبذر الشر بين النــاس في ظل وحدتــهم= لن يجلب الخــير إذا ما أوقـــع الإنقسـام بــهم
فمن يرنوا إلى العلياء يستحضر الناس كلهمُ= ولن يجود بالمجد من لم يسـع في مودتــــهم
  رد مع اقتباس