شكوى الجنوب ومعاناة الشمال
المكلا اليوم / بقلم:عبد الوهاب بدرخان
2009/7/28
الحراك الجنوبي في اليمن آخذ في التصاعد، التمرد الحوثي لا يهدأ إلا ليشتعل مجددا، تنظيم القاعدة بات من نسيج البلد، هذا كثير على أي حكومة، خصوصا إذا كان المجتمع عنصرا حيويا في مساعدتها، لا شك أن ما يحدث في الجنوب مثير للقلق والمخاوف، وكلما ارتفعت الحصيلة الدموية تغذى منها، فالرادع الأمني لا يفيد إذا كانت المشكلة شقت طريقها إلى عمق النفوس
، لم تكن هناك أي حكمة في ترك الأوضاع تتفاقم إلى حد القوة لسماع دعوات الانفصال، فإما أن هناك وحدة وإما أنها وهم، إما أنها وليدة خيار وإرادة وطنيين، وإلا فلا يراهن أحد على أمكان تحقيقها بمجرد استخدام القوة واستجلاب التأييد الإقليمي والدولي، وفي أي حال ليس مقنعا أبدا الاضطرار من حين إلى آخر العودة الى اجتراح هذه الوحدة مجددا
نعم لوحدة اليمن، ومن دون أي ولكن ، مع ذلك يجب التذكير بأن المسألة لم تعد مطلقة فمقاييس العصر تفترض أن الوحدة يستشعرها المواطنون كافة على إنها مصلحة وعيش سوي، وإلا تصبح نقمة ووبالا، اليمن حقق وحدته الحالية بحروب وتضحيات جنوبية وشمالية، وبأكلافٍ أهدرت على حساب التنمية، لكن هناك دولا لم تطرح فيها قضية مصير وحدتها إلا أن أقاليهما ومناطقها تتفاوت في النمو وفي المعاناة ويصل أبناؤها في كثير من الحالات إلى حد تمني الانفصال، بمعزل عما إذا كان هذا الخيار مخطئا أو صائبا، المهم أن نشعر مثل هذا الشعور يعني أولا وأخيرا أن هناك خللا في الإدارة، أي في عمل الدولة أو الحكومة، فحين تكون هناك إرادة طيبة تعز الإمكانات ويصبح على أي إدارة أن تجتهد في تسكين الاحباطات وحين تتوافر الإمكانات لا تتوزع برشد أو لا تدار جيدا
قال لي صديق يمني من الشمال: الشكوى عندنا جنوبية لكن المعاناة شمالية، أكد أن مواطنيه في الشمال لديهم نقمة مكبوتة على تخصيص الحكومة أفضل الميزانيات للجنوب آملة في تلميع ولائه وتلطيف رفضه للأمر الواقع، وبما إنها تفترض أن لا مشكلة ولاء في الشمال فإنها تحرم مناطقه من التنمية، وطبعا تأتي النتيجة على عكس ما تتوقع الحكومة من الشمال كما من الجنوب ولكن إذا صح ذلك أين تذهب هذه الميزانيات ولماذا لم تظهر مفاعيلها في الجنوب، إما إنها تنفق في أنشطة غير مناسبة وإما إنها تخضع لقوانين الفساد فإذا وصل منها شيء إلى أصحابه المستهدفين فإنه لا يكفي لتوليد حراك تنموي، في أي حال، هذا من الظواهر والأمراض التي باتت ثابتة ومستعصية في عموم العالم العربي، كما في أفريقيا
أكثر التساؤلات التي صادفتها في السعي إلى فهم ما يجري في جنوب اليمن هو أين السياسيون الجنوبيون القاطنون في الشمال حاليا ولماذا لا يستحق له دور في معالجة الوضع المتأزم، ويمكن أن تسمع أو تقرأ تساؤلات أخرى منها لماذا تستبعد الحكومة أطراف المعارضة ولا تتشاور معهم في السبل المفضلة لمقاربة الأزمة هناك كلام كثير عن الحوار ولا صيغة أو موعد لهذا الحوار، قد تخشى الحكومة ان تجر الى ملف لا تحبذ فتحه،
أو تعتقد أن التهرب من فتحه أ فضل بتٍّ له، لكنه لا ينفك يلح، في بعض الأحيان أعطى مسؤولون حكوميون إنطباعاً بأن الحاصل في الجنوب ما هو إلا نتاج مؤامرة خارجية، وأوصى آخرون بأن تنظيم القاعدة أشعل الفتيل ليستفيد من الاضطرابات، وأكد آخرون أن الشدة الأمنية والمسايسة الهادئة ستعطيان نتيجة إيجابية لكن يلزمهما بعض الوقت، قد يكون كل ذلك صحيحاً، لكن كان ولايزال ضرورياً أن نشهد نقاشاً سياسياً عميقاً في صنعاء نفسها تنتج عنه رؤية موحدة وواضحة في إدراكها لمغزى الأزمة ولسبل التعامل معها في المديين القريب والبعيد
إذا كانت هناك مؤامرة فإنها استغلت حقائق ووقائع موجودة وكان يتوجب حسمها لا انتظار من يستغلها، وإذا كانت القاعدة ناشطة فإنها لم تكن ولن تكون حالة شعبية يمكن الركون إليها، إلا في حالات اليأس الشديد، وقد يراهن عليها بعض الوقت لا كل الوقت، فالدولة تبقى الرهان الأول شرط أن تؤكد وجودها، وعلى النحو الأمثل، بمعنى ألا تعطي أحداً فرصة الاشتباه بأنها تمارس تمييزاً ضده، أما انتظار نتائج النهج الحالي للتعامل مع الأزمة فهو خيار واقعي لكن الاعتماد جار الآن على الحل الأمني وحده، وهو برهن في كل مكان على أنه أفضل وصفة لإبقاء النار تحت الرماد
كان لافتا ذلك البيان الذي أصدرته السفارة الأمريكية في صنعاء، إذ يبدو أنها استشعرت ضرورة توجيه النصح للحكومة أولاً، وللآخرين من أحزاب وتنظيمات أهلية ومواطنين. تالياً: كان البيان واضحاً في أنه يلبي حرص الحكم على ضرورة إثبات فعل الإيمان بـ الوحدة ، وهذا ما فعله، لكنه نبه إلى أن محك الوحدة هو المساواة بين جميع المواطنين، أما النصيحة فكان الأحرى بالحكم ألا ينتظر مجيئها من جهة خارجية، أولا لأنها بديهية، وثانيا لأنها يفترض أن تكون الفكرة الأولى التي يمكن أن تلجأ إليها أي حكومة، إنها الحوار لتحديد الشكاوى المشروعة ومعالجتها وفقا للقوانين
في الآونة الأخيرة، وحتى قبل ظهور الحراك الجنوبي كثرت الدراسات والأبحاث التي تبدي يأسا مكشوفاً من الوضع في اليمن، ناسجة على منوال التحذير الذي وجهه الرئيس علي عبدالله صالح لمواطنيه من أن بلادهم سائرة إلى مصير الصومال إذا استمر الوضع على تفلتاته الحالية، لكن كيف يمكن التصدي لمثل هذا المصير من دون حوار وطني شامل يطرح كل العلل ولا يتجاهلها،
وكيف يمكن وقف الانهيار الآيل إلى جعل اليمن بمصاف الدول الفاشلة من تفعيل الإمكانات والديناميات المتوافرة والتي جرى تعطيلها تجنباً لأي تهديد يطال النظام، لا يمكن لأي دولة أن تستمر وتعتاش على مجرد إدارة الفوضى والخراب والحرمان. لابد لليمن، حكومة وأحزاباً ومجتمعاً، أن يكتشف نقطة الوفاق التي تعيد تعبئة الجميع لتفعيل البلد، خصوصاً اقتصادياً، فلا أحد غير اليمنيين قادر على مثل هذه الاكتشاف، ولابد أن تكون هناك بداية، أما ترك العلل للوقت وحده كي يعالجها فلن يكون أبداً خياراً موفقاً
الراية القطرية