لوتأملنا في الوحدة كأهم حدث في تاريخ اليمن المعاصر , صُنع هذا الهدف أمام أعيننا , وتابعنا خطوات تحقيقه خطوةً بخطوة ومع كل خطوة كانت ترقص أفئدتنا طرباً وأملاً بهذا الوعد القادم حتى تحقق بمشيئة الله تعالى , ثم بجهود المخلصين من أبناء هذا الوطن المعطاء , الذين تجمعوا حول حب الوطن ولم شمله , وآثروه على أنفسهم ومصالحهم .
تحققت الوحدة اليمنية ولم يكن تحقيقها سهلاً ,فلقد سالت دماء وأزهقت أرواح لا ذنب لها إلا حب الوطن الغالي، وقد تابعنا جميعا كل ماصاحب ذلك من تحالفات تبعها تصفيات واغتيالات وصراعات سياسية وايدلوجية في ظل أجواء ملبدة يسودها الترقب والحذر ويؤطرها المكر والتآمر . وظهرت نوايا الضم والابتلاع واضحة جلية من قبل الأطراف السياسية والعسكرية التابعة للرئيس والنظام السياسي في سدة الحكم.
وفي نفس الوقت الذي كانت القيادات في الحزب الإشتراكي اليمني تبحث عن الحلول السياسية والإقتصادية ، بالمقابل كان الرئيس وحزبه وحلفاءه يبحثون عن الحلول العسكرية كخيار وحيد أمامهم لإلحاق وضم المؤسسات الجنوبية إلى سلطته في الشمال عن طريق الحسم العسكري .
وبينما كانت المؤسسات العسكرية تعد عدتها لخوض حرب طاحنة ضد الجنوب ، كانت ثمة أطراف سياسية تراوغ حرصا على كسب الوقت اللازم وكذا تحقيقا لعنصر المفاجأة . كتكتيك عسكري هام وفعال في كسب المعارك على مر تاريخ الحروب .
ولأن الشعب اليمني مؤمن بالفطرة ومحب لعقيدته غيور عليها ، فقد استغلوا هذا الجانب الروحي والمعنوي في حياة الناس وحرصوا على الصاق صبغة دينية عقائدية ذات قداسة على حربهم الآثمة .واستخدموا علماء الأمة أسوأ استخدام في الترويج لقدسية تلك الحرب ومشروعيتها وهو ما افسد طبخة الوحدة اللذيذة.
وفعلا قامت الحرب المخطط لها مسبقا والمعلنة رسميا من الرئيس( صالح ) في ميدان السبعين . ولم يكتف النظام بعنصري المفاجأة والتعبئة العقائدية المظللة لحسم تلك الحرب . بل استغل عاملا جديدا كان له السبق في استخدامه في تاريخ الحروب المعاصرة ، ذلك العامل هو حشده وتعبئته لرجال القبائل وقطاع الطرق للمشاركة في تلك الحرب مقابل إجازته لهم بنهب وسلب كل ما يقع تحت أيديهم من أموال ومقدرات وأسلحة مكافأة لهم لقاء مشاركتهم في تلك الحرب .
وقامت الحرب التي كان من قام بها وشارك فيها مع (قوات الشرعية) يعدها جهادا في سبيل الله أحلت فيها الغنائم تماما كغزوات العصور الغابرة قبل وبعد الاسلام
ودمرت في تلك الحرب ونهبت مقدرات وإقتصاد دولة متكاملة وتفرق خيرها وعتادها بين قادة الجيش ورجال العصابات . في معزل عن الخزينة العامة والاقتصاد العام لكل اليمنيين .
وبعد الحرب مباشرة بدأت الآثار السلبية تتراكم لتكوي بنارها أبناء الجنوب وكل منتسبي الحزب الاشتراكي وكل الرافضين لتلك الحرب الآثمة والطاعنين في مشروعيتها وقدسيتها المزعومة على مختلف ميولهم وانتماءاتهم .
وصار النظام يتعامل مع كل أولئك وفق ثقافة المنتصر المتغطرس ، ليصادر الحقوق والممتلكات والحريات . ولم يكتف بمصادرة حقوق وحريات معارضية ، بل امتدت أياديه لتنال من شركائه وحلفائه ليؤكد لكل المتابعين والمراقبين بأن نظامه لا يملك عهدا ولاذمة ويصعب عليه الاحتفاظ بحليف أو صديق .
وهذا هو نتاج قليل من ممارسات اسأءت لصانعي الوحدة ولم تسيء لمبادىء الوحدة اليمنية المجيدة
كما هو ايضاً لمحة بسيطة غير وافية لجزء يسير جدا من مرحلة حساسة ومصيرية في التاريخ اليمني المعاصر .
ولنا لقاء في الجزء الثالث من مأساة قادمة الى الجنوب...
ودمتم ودام وطننا الحبيب,,,