تصريحات الشيخ حميد النارية، ماذا ما وراء الأكمة؟ ( بقلم : ابو فؤاد الشعيبي )
التاريخ: الجمعة 07 أغسطس 2009
الموضوع: كتابات حرة
فلوريدا – لندن " عدن برس " : 7 – 8 – 2009
انشغلت الساحة السياسية اليمنية اليومين الأخيرين بالتعقيب والتحليل لمقابلة الشيخ حميد الأحمر مع قناة الجزيرة عبر برنامج بلا حدود. فقد كانت اراء الشيخ وبحسب الكثيرين حتى من المعارضين له شخصا وفكراً ومنهجاً قوية جريئة موضوعية تصف واقع الحال.
ولكن لنحاول التعمق قليلا في بعض حيثيات هذه المقابلة لربما نرى الأمور من زاوية او
زوايا اخرى. فلا يمكن انكار الحس الوطني لدى الشيخ والذي اظهره بوضوح في رفضه اي حوار
او حلول لموضوع الحراك الجنوبي بعيداً عن مظلة الوحدة اليمنية.
وفي هذا المقام اود السؤال، اذا كان هذا هو الأمر فلماذا تم تجاهل الحراك والصمت عنه
بدلاً عن احتوائه والوقوف بجانبه ضد الظلم والفساد والتهميش، ام أن المعارضة التي
يتبناها المشترك لها معايير مناطقية او حقوقية خاصة؟ أين برنامج المعارضة الواضح لرفع
الظلم والفساد وإعادة الحقوق الى إصحابها. وأين برنامجها العملي لتنفيذ الاصلاحات
السياسية والاجتماعية والاقتصادية العاجلة المطلوبة. أم أن الأمر لا يعدو كونه حلقة
جديدة من سلسلة مسلسل الشعارات الرنانة البراقة ؟
لماذا تمت المقابلة في هذا التوقيت بالذات وبعد أن بلغ السيل الزبى وبلغت القلوب
الحناجر من الظلم والفساد والممارسات اللا مقبولة. بل أن اسماع العالم وأنظاره قد اتجهت
لليمن بعد أن تجاوزت المعاناة الحجب الاعلامية والسياسية بل والاجتماعية المفروضة عليها
سياسياً وقبلياً.
أم أن في الموضوع محاولة للالتفاف على الأزمات الراهنة وتمهيدا لانسحاب مشرف لسلف ينتظر
خلفه بفارغ الصبر لحظة الصفر بعد ان استنفذت التعديلات الدستورية المتعددة فرصه العديدة
للبقاء والتمهيد والأعداد وبعد أن حاصرته الصراعات الإسرية وبدأ الطوق الذي تم اعداده
لحماية النظام بالأمس يحاصره ويخنقه اليوم وبخاصة مع اندلاع الحراك الجنوبي بسرعة وقوة
لم يتوقعها النظام الذي كان يرى في الحراك مجرد “زوبعة في فنجان”.
أم انها وسيلة لانقاذ ما يمكن انقاذه عن طريق الوسيلة الخطابية التقليدية المعروفة
لاستمالة القلوب واستثارة العواطف وذر الرماد على العيون لكسب الوقت وتمييع الأزمات
والقضايا العالقة منذ امد ليس بالقصير
وعن اي انتخابات نزيهة عادلة نسمع والساحة الشعبية والسياسية والفكرية في اشد حالات
الانقسام لدرجة لم يتوصل فيها الفرقاء او الشركاء حتى الى اجراء حوار وطني مفتوح دون
قيد او شرط بل واختلفوا حتى في اتخاذ موقف واضح ومحدد من الحراك الجنوبي ومطالبه رغم
احتقان الشارع وثورته.
وأي حلول او حتى مقترحات حلول وكل ما نلحظه هو تحليلات وانتقادات وتلميحات و تصريحات
وبرامج صعبة التنفيذ عمليا. بينما لم نسمع عن برنامج تنفيذي عملي او اي خطوات حقيقية
على ارض الواقع للتغيير والاصلاح. أم أن الأمر لا يعدو كونه تهيئة لشخصيات جديدة تغزو
الساحة وتمهد للمنافسة على السلطة والكرسي.
ولعل حديث الشيخ عن غياب دولة المؤسسات والقانون وتولي الأسرة أمر الشرايين والمرافق
الحيوية للدولة يعكس غياب روح الديموقراطية والأمن والأمان وسيطرة شريعة الغاب والمصالح
في ادراة وتسييس الشؤون العامة والخاصة للبلد. وقد لخص ذلك بوضوح تطرق الشيخ عن استناده
لحماية قبيلته عند الحاجة.
فهذا التصريح الواضح يمكن تفسيره من منحيين اثنين،أولهما اظهار مستوى الفساد المستشري
وغياب القانون بل وأن القانون قد يستخدم ضد المواطن لا معه كما يفترض أن يكون. كما أن
هذه العبارة تعري زيف وتر الديموقراطية التي يعزف عليها النظام ليل نهار. فكأني
بالمعارض الذي لا قبيلة له ولا جماعة تحميه يصبح في خطر داهم ثمناً لتصديقه وهم
الديموقراطية في اليمن. أما ذلك الذي له قبيلة تشد أزره فيمكنه التعبير عن ما يجول في
خاطره ضد من شاء ومتى ما شاء ما دام سواعد رجال قبيلته تحيط به وترد عنه الخطر.
ولكن لماذا لم يتم ذكر تلك القبيلة والاسرة العريقة الا عند البحث عن السند والحماية
ولم يتم الحديث عنها ضمن برنامج الاصلاح كبداية ونموذج للاصلاح السياسي والاجتماعي
المطلوب والذي كثر الحديث عنه ولم نر اي بوادر لتأسيسه أو بنائه. المفترض أن يستفيد
الشيخ من الطوق القبلي الذي يحيط به ليبني نموذجاً مثاليا لمجتمع مصغر على قدر كاف من
الوعي لحمل راية التغيير المنشود.
كما أن دعوته الرئيس للاستقالة وتسليم السلطة لنائبه تميهدا للتحضير لمن يخلفه وبحسب
يبدو تصريحا شديد الجراءة والقوة. لكنه ليس بجديد على الساحة، فهو يجول في خواطر
العديدين وقد تجاوز حدود الهمس في كواليس الساحة السياسية، فقد صار لدى العديد المخرج
الوحيد ربما لتجاوز أزمات البلاد شديدة التعقيد.
ولا اعتقد انه لا يخفي على العالمين
بدهاليز السياسة في اليمن ان الأمر لا يتعلق بالرئيس وحده بل بالنظام ككل. فما الرئيس
الا حلقة من سلسلة اسرية ممتدة متشعبة وتفكيك السلسلة يستدعي تفكيك حلقاتها ككل او على
الاقل بعضا منها. فلماذا نستمر في نقد
النظام ونطالب باقالة زعيمه دون طرح حلول عملية فعالة لتغييره واصلاحه ككل.
بالإضافة الى ذلك، قد تكون هذه الصرخة القوية هو ما ينتظره ثلة من الجنوبيين الذين ما
زالوا يأملون في الحل والإصلاح ضمن اطار الوحدة بشرط ازالة النظام القائم الأمر الذي
يختلف عن موضوع ازالة الرئيس القائم فقط بينما لازالت الأسرة متحكمة في جميع شرايين
البلد واوردته وما زالت تعتبر الجنوب من ضمن اقطاعاتها الخاصة التي اتاحت لها وحدة 1990
الحصول عليها.
الأوضاع لا تحتمل اي جرع مهدئة وخاصة في ظل وضع اقتصادي شديد التدهور. كما أن الجنوب لم
يعد يثق في الوعود التي تظل حبسية خزائن الدوائر الحكومية لتعاود الظهور كل اربع سنوات
قبل ان تعود الى سباتها خاصة وأنه لم يعد يرى الحل الا في استعادة دولته وسيادته التي
قدمها ثمنا لوحدة 1990 والتي وأدتها حرب صيف 94.
أما الأمر الذي لم استطع ادراك كنهه هو حديثه عن علاقته بالدول الخارجية وتحديدا
بالولايات المتحدة الأمريكية. فيبدو أن الشيخ يحاول الابقاء على شعرة معاوية مع الشرق
والغرب وتحديداً مع حلفاء أمريكا واولئك الذين يدعون علنا معاداتها. فالواضح ان الشيخ
يحاول عبر الطريق الاسلامي مخاطبة ود دول تسمي نفسها اسلامية ومطمئنا تلك التي تخشى
ربما من عودة النظام الاشتراكي الذي كان سائدا في الجنوب. أما عبر سياسة الانفتاح فهو
وعلى ما يبدو يغازل بقية الدول التي قد تتوخى الحذر من التيارات الإسلامية بتقديمه
نموذجا اسلاميا معتدلاً.
ونقطة أخرى قد تثير الاستغراب الا وهي موقفه من قيادات الجنوب في الداخل والخارج. فهو
يحاول وبدبلوماسية يحسد عليها ان يتقرب منها جميعا ويمد جسور التواصل معها. فهو يثني
تارةً على بعض قيادات الجنوب في الداخل والخارج وتارةً ينتقد ممارسات النظام ضد
المتظاهرين الجنوبيين مذكراً إياهم أن لا وحدة بالإكراه ولكن لماذا لم تتم ترجمة تلك
الكلمات فعلياً والجنوب يخرج يومياً الى الشارع عاري الصدر باحثاً عن هويته وكرامته
وحقوقه المسلوبة؟
أياً ما تكون التفسيرات والتحليلات والنوايا فهذا لا يمنع من تسجيل موقف اعجاب بكلمات
الشيخ وان كان هناك بعض التحفظات والإختلافات على ما ورد فيها. فمهما يكن الأمر، فتلك
العبارات تحمل في طياتها نقداً واضحاً وتعرية للنظام الموجود ولا تنتظر سوى ذوي الالباب
لفهمها ومعرفة ابعادها دون التعلق بشخوص تظهر فجأة وتختفي اسرع من ما وجدت او تلك التي
تتلون بحسب الظروف والمعطيات. لن ينقذ الجنوب الا من يحس فعلا بمعاناته ويفضلها على اي
مصالح او صراعات شخصية أما من يتخذه جسراً يعبر عليه مستخدماً سيلاً من الوعود والشعارات.